للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الورقة الأخيرة

[حرب معلوماتية]

د. مالك الأحمد

منذ ما يقارب العام استُنفر العالم أثناء حربه على الإرهاب على الجمعيات

الخيرية الإسلامية، وتم إيقاف العديد منها في أمريكا وبعض البلدان الأوروبية، وتم

التضييق على بعضها الآخر، فضلاً عن حملة التشهير الإعلامية الواسعة؛ دون

التكلف بتقديم أدنى المسوغات.

وكانت الخاتمة التضييق على هذه المؤسسات ومنها المؤسسات الخيرية في

السعودية في المشاركة العامة في المؤتمرات الدولية؛ حيث منعت فرنسا وفداً

سعودياً ممثلاً للمؤسسات الخيرية الإسلامية في السعودية من المشاركة في مؤتمر

عالمي عقد في فرنسا، نظمته الجمعية العربية لحقوق الإنسان، وحضره وفود من

٦٥ دولة.

خضعت فرنسا رافعة لواء الحرية والعدالة للضغط الأمريكي، والذي بلغ

أوجه في توجيه الاتهام للكثير من المؤسسات الخيرية الإسلامية بدعم الإرهاب

بأموال التبرعات!!

السؤال: كيف نرد على ذلك؟ وكيف نواجه الموقف الأمريكي ذا النزعة

الصليبية، والذي يحاول محاصرة النشاط الإسلامي الممثل في الأعمال الخيرية

والدعوية التي تقوم بها المؤسسات الخيرية الإسلامية في العالم الإسلامي خصوصاً،

والعالم الثالث عموماً؟

لا شك أن جزءاً من المقاومة حرب إعلامية ومعلوماتية؛ بحيث تكون

مصادرنا موثقة، ومعلوماتنا مؤكدة، وصياغتنا موضوعية.

لا بد أولاً من جمع المعلومات حول النشاط التنصيري في العالم ومنه العالم

الإسلامي، وتوضيح أن هذا النشاط يمد اللقمة بيد والصليب في اليد الأخرى،

ويستخدم أسلوب الترغيب والترهيب.

ولا بد أيضاً من بيان مجاراة المنصرين للعقائد الوثنية في إفريقيا مثلاً وسعيهم

إلى مزاوجتها بالنصرانية؛ بحيث ينتج دين هجين ظاهره النصرانية وباطنه الوثنية

الصارخة، وهذا فقط لإقناع الوثنيين بالدخول في النصرانية.

لا ننسى أيضاً أن الجمعيات الكنسية تدعم الدكتاتوريات في إفريقيا، وتؤيد

القمع السياسي، وتتحالف مع الأحزاب السياسية التي تضمن لها العمل بحرية.

وليس من الأسرار أن «جون جارنج» في جنوب السودان تدعمه الكنائس

الغربية وبالمال، وتضغط على الحكومات الغربية لدعمه بالسلاح، وبالطبع فإن

جميع وسائل النقل والإمكانات اللوجستية للمنصرين تحت تصرفه.

لا بد أيضاً من توضيح السلوكيات الحاقدة للمنصرين الذين يقصدون مناطق

المسلمين وتجمعاتهم في إندونيسيا لبناء الكنائس؛ لتكون منطلقاً للتنصير بين أبناء

المسلمين.

نحتاج لعمل بحوث ميدانية، وجمع معلومات تفصيلية، ومقابلة الناس في

مناطق المسلمين الفقيرة ومناطق العالم الثالث؛ لتوعيتهم حول نشاط المنظمات

الكنسية ودورها في مجتمعاتهم، مع الحرص على التوثيق والصور لدعم المعلومات.

من جانب آخر لا بد من التواصل مع مؤسسات المجتمع المدني، وهيئات

حقوق الإنسان، والمنظمات الإنسانية؛ لبيان طبيعة الدين الإسلامي، وتوضيح

نشاط الجمعيات الإسلامية، ودورها الإغاثي والتعليمي، وأهدافها النبيلة، وعرض

مقالات الناس والمسؤولين في مناطق عملهم حول هذه الأنشطة، وأثرها عليهم

وعلى مجتمعاتهم.

أما وسائل الإعلام العربية منها والغربية؛ خصوصاً ذات الانتشار الواسع

فيجب الاتصال بها والتنسيق معها لعرض أنشطة الجمعيات، وإبراز دورها،

وعرض خططها وبعض ميزانياتها؛ مما يصلح للنشر.

إن وسائل الإعلام أصبحت مصدراً لتلقي المعلومات، ثم سبباً لاتخاذ المواقف

من قبل أهل السياسة والفكر حتى رجال الأعمال، لذلك فإن حسن العلاقة معها مهم

للغاية، ولا يكفي أن يكون في كل مؤسسة خيرية مسؤول علاقات عامة، بل لا بد

من إدارة كاملة للإعلام تتولى التعريف بالأنشطة، والتواصل مع وسائل الإعلام

واسعة الانتشار، وكسر شوكة الحصار الإعلامي الخبيث الذي تقوم به الولايات

المتحدة ضد الجمعيات الخيرية الإسلامية، [وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ

العَزِيزِ الحَمِيدِ] (البروج: ٨) .

الحرب المعلوماتية والإعلامية ضرورة عصرية للمؤسسات الخيرية،

والصيغة لا بد أن تكون إيجابية؛ بمعنى أن تبادر وتهاجم ولا تدافع إلا عند

الضرورة، وألا يكون الدفاع سياسة؛ بل موقفاً مؤقتاً.

بالطبع لا بد من التنسيق والتعاون بين الجمعيات الخيرية الإسلامية، ووضع

أطر عامة للتعامل مع الواقع الحالي والتحديات الضخمة، وأن يكون الحدث الحالي

فرصة للالتقاء والتنسيق، فالعدو واحد، والمستهدف واحد وهو العمل الخيري

الإسلامي، وإذا لم تستطع المؤسسات ترتيب أوراقها في أوقات المحن والأزمات؛

فمتى تستطيع ذلك؟