خواطر في الدعوة
[الشجاعة المفقودة]
عندما دعت جامعة هارفارد الأمريكية الكاتب الروسي (سولجنتسين) الهارب
من جحيم الشيوعية ليتكلم من منبرها؛ لخص هذا الكاتب الأزمة التي يعاني منها
الإنسان في الغرب بأنها (زوال البأس) وخصوصاً في الطبقة الحاكمة وعند نخبة
المفكرين، وتابع يقول: (يوجد أفراد لهم شجاعة وبأس ولكنهم لا يلعبون أي دور
مسؤول في الحياة السياسية، والتاريخ يعلّمنا أن الهبوط في البأس مؤشر على نهاية
الدول) .
... ... ... ... ... ... ... (الحياة ١/١٢/٩٠)
لا أدري هل قرأ (سولجنتسين) لابن خلدون - ولا أظنه - ولكن من عجيب
الاتفاق أن ابن خلدون ركز كثيراً على هذا المعنى، وأن الاستبداد والظلم ومعاناة
الناس للحكم يزيل البأس عنهم، ويتحولون إلى شخصيات ضعيفة فيها كذب ومكر
وتملق، وعندئذ فلا خير فيهم، فلا هم يستطيعون المطالبة بشيء قوي، ولا
المدافعة إذا طالبهم أحد.
إن كلام الكاتب الروسي يدل على دقة ملاحظة وعمق في فهم المجتمع الغربي، فكثرة الرفاهية أنتجت أجيالاً، حتى على مستوى السياسة والفكر لا تملك الشجاعة
في اتخاذ القرار أو لا تملك الشجاعة بشكل عام..
ولكن ما بالنا نحن؟ ! هل نعاني من قلة البأس، وقلة الرجال الذين يملكون
الشجاعة للجهر بالحق، أم أن هذا داء عام، فالأجيال الحاضرة غير الأجيال السابقة، الواقع أننا نعاني من هذه الطامة، وإذا كانت الرفاهية - أو (الحضارة) بلغة ابن
خلدون - هي سبب هذه الظاهرة في الغرب، فالسبب عندنا هو عقم التربية في
المنزل والمدرسة والعيش في أجواء الظلم والقهر، فهذا مفسد للبأس ذاهب بالمنعة.
كيف نعيد هذا (البأس) ونحييه في الأمة؟ إن مثل هذا لا يُعطى كجرعة
الدواء، ولكن التربية الطويلة على الاستقلالية، وخشونة العيش، والجهاد في سبيل
الله - كلها تساعد على تربية الشخصية التي تعتد بنفسها وما تملك من دين وخلق،
والمحاضن الطبيعية هي المنزل والمدرسة، والعيش في أجواء إسلامية نظيفة،
يتربى الفرد فيها على الاحترام المتبادل وعلى العطف والتقدير.