[في بيئتنا الدعوية هل نحن بحاجة إلى تحديد مصطلح التربية؟]
محمد بن عبد الله الدويش
أحد الشباب كان يسعى لإعداد قائمة بكتب تسهم في بنائه الشخصي، سألني عن الكتب التربوية المناسبة له، اعترض على بعض ما اقترحت عليه بأنها خارج الإطار الذي يريد، كان مصدر الخلاف بيني وبينه في تحديد مصطلح التربية.
إن مصطلح التربية ليس قاصراً على أروقة الجامعات، ولا محصوراً بين الأكاديميين، بل هو مصطلح يستعمله الصغير والكبير، والعامي والمتعلم.
واتساع دائرة استخدام المصطلح ـ بقدر ما يوضحه ويبسطه ـ فهو يتيح مجالاً واسعاً للتنوع في فهمه وتحديده.
والمجالات الدعوية من أكثر المجالات التي يتكرر فيها مصطلح التربية:
٣ كتب ومقالات ودراسات تربوية.
٣ فلان مهتم بالقضايا التربوية ويتحدث عنها.
٣ التعارض بين التربية والعلم الشرعي: أيهما يقدَّم؟ أيهما أوْلى؟
٣ فلان يعاني من خلل وقصور تربوي.
٣....... إلخ.
فما المقصود بمصطلح التربية في الأوساط الدعوية؟
فهي تارة مصطلح عائم لا دلالة محددة له، وأخرى منحصر في مجال السلوك والآداب والرقائق وما يتصل بها، وهو ما كان يعنيه صاحبي في استشارته.
إن ميدان التعامل الفكري والثقافي الواسع لا يتطلب التحديد المنطقي للمصطلحات والألفاظ، ويستوعب التعامل الواسع معها.
لكن استخدام مصطلحٍ ما دون مفهوم واضح محدد، أو اجتزاء استخدام المصطلح في نموذج وصورة محدودة يترك آثاراً في الواقع العملي تتجاوز مجرد الجدل حول استخدام الألفاظ والمصطلحات.
إن التربية تعني بناء شخصية الإنسان بكافة جوانبه: بناءه العلمي، والفكري، وبناء قدراته ومهاراته العقلية، وبناءه النفسي وتحقيق السمات الملائمة للشخصية السوية المستقرة، وبناءه الاجتماعي وإكسابه مهارات التواصل مع الآخرين.
وهي مع ذلك تُعنى ببناء الإيمان والتقوى في النفس، وتنمية الخُلُق والسلوك والتعامل مع الآخرين.
واختزال مفهوم التربية في جانب من جوانب الشخصية قاد إلى خلل في التنظير، وخلل أوسع منه في الممارسة.
فصار الحديث النظري عن البناء التربوي في البيئات الدعوية حديثاً يفتقر إلى السعة والشمول، أما الممارسة فهي أكثر قصوراً واجتزاءً.
والقصور في مفهوم التربية، ومن ثَمَّ في الممارسة التربوية قاد إلى كثير من المشكلات في المخرَجات التربوية، ومع الشعور بأزمة المخرجات؛ إلا أن تحليل أسبابها، والأفكار المقترحة في علاجها لا زالت قاصرة.
ويمكن تفسير جزء من هذا الخلل من خلال القصور في مصطلح التربية مفهوماً وممارسة.
إن هذا ليس دعوة لمجرد إعادة تعريف التربية، بل هو دعوة لمراجعة الأداء التربوي في ضوء المفهوم الشامل للتربية بغض النظر عن الجدل حول المصطلحات والألفاظ؛ فالعبرة بالحقائق والممارسة.