للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بشائر الهزيمة الأمريكية]

آيات وتحديات

(٢ ـ ٢)

د. عبد العزيز كامل

يخطئ كثيراً من يظن أن الصراع الدائر في العراق، شأن يخص العراقيين وحدهم، أو يخص المجاهدين هناك فقط، وهذا الخطأ يعود لأمرين جوهريين: أولهما: أن المحتل الأمريكي الذي جاء إلى المنطقة لمطامع إمبراطورية بذرائع نشر الحرية والديمقراطية انطلاقاً من العراق؛ أراد تحويل هذا البلد إلى قاعدة عسكرية يمكن الوثوب منها إلى دول الجوار القريب والبعيد للهيمنة عليها بصورة أو بأخرى؛ فالخطر هنا لم يكن قاصراً على العراق، والأمر الثاني: أن المحتل الأمريكي أعلن مراراً على ألسنة ساسته بأن العراق أصبح الساحة الرئيسية لما تسميه أمريكا بالحرب (العالمية) على الإرهاب! وهو ما يعني أن تلك الحرب يمكن أن تنتقل إلى ساحات أخرى في بلدان أخرى، يقع عليها الاستهداف الخبيث بخطة إبليس المسماة بـ (الفوضى الخلاقة) التي يريد الأمريكيون تكرارها في كل بلد يريدون أن ينقلوا إليه مركز الحرب العالمية على الإسلام، المتسترة وراء الحرب على الإرهاب.

المجاهدون في العراق، أو ما يصطلح على تسميتهم في الإعلام العربي بـ (الجماعات المسلحة) ، وما يصطلح في الإعلام الأمريكي والغربي على تسميتهم بالإرهابيين أو المتمردين، هؤلاء قاموا بقدر كبير من الواجب التاريخي في التصدي للهجمة الأمريكية، من الناحية العسكرية الميدانية على الوجه الذي فصلت الكلام عنه في الحلقة السابقة من هذا المقال، وهو الأمر الذي رأيت فيه ـ ولا أزال ـ معجزة تاريخية، وآية ربانية تمر بنا وأكثرنا عنها معرضون أو غافلون.

إلا أن تلك الإنجازات الضخمة والنتائج الجبارة التي ألجأت قوة عظمى بحجم الولايات المتحدة إلى التسليم «العملي» بالهزيمة باتخاذ قرار الانسحاب بعد أقل من ثلاث سنوات من الغزو تتهددها تحديات، يمكن أن تفرغ الإنجاز الضخم من محتواه، وتحوِّل النتائج المبهرة من صورتها الإيجابية إلى صور أخرى سلبية، وهذا المحظور الخطير؛ يمكن أن يقع ـ ونسأل الله ألا يقع ـ إذا حدثت محاذير أساسية، يمكن اختصارها فيما يلي:

١ ـ إذا لجأ الأمريكيون إلى خيار (الأرض المحروقة) عند انسحابهم المخزي المهزوم، بإشعال حرب أهلية، طائفية وعنصرية، يمكن أن تؤدي إلى إحراق ما تبقى من العراق، إذا استجاب لها أقوام دون تقدير للظرف التاريخي الخطر، والمنعطف الحضاري الحساس.

٢ ـ إذا أصيب بعض المقاومين بداء نشوة النصر، فراحوا يسارعون إلى جمع الغنائم واقتسامها في شكل مواقف متعجلة، وقرارات منفردة من شأنها أن تمكن الأعداء من استعادة التوازن، أو تمكِّن بعض الفرقاء من اختطاف النصر، واقتطاف الثمار.

٣ ـ إذا استمرت الأنظمة في الدول العربية والإسلامية في خذلان العراقيين والسير في ركاب الأمريكيين، لينوبوا عنهم ـ بعد الانسحاب ـ في أداء مهمة أمريكا المستحيلة في العراق، وهي تقوية العملاء وحمايتهم وإضفاء الشرعية على حكومتهم.

٤ ـ إذا استمر أكثر الإسلاميين في رفع أيديهم عن التحدي الذي تواجهه الأمة في العراق عقائدياً وحضارياً ـ حيث يتربص به العلمانيون ليسلخوه عن الإسلام، والفرس ليعزلوه عن العروبة، وأمريكا والغرب واليهود ليردوه إلى عصور ما قبل الحضارة.

والضرورة تقضي ـ ونحن على مشارف الاستبشار بالنصر الجديد ـ ألا يسمح الغيورون على الأمة وحرماتها في العراق وخارجه؛ أن يتحول هذا الانتصار إلى انكسار؛ فكم في التاريخ من نجاحات لم يحفظها أهلها فتحولت إلى إخفاقات؛ فما حدث في أُحُد، كُبِّرت صور عديدة منه في الشام وإفريقيا والأندلس، وكُررت في عصرنا في حرب رمضان وحرب أفغانستان. ولكن أوضاع الأمة هذه المرة لا تحتمل مثل هذه التحولات الحادة، فالخصم ضخم، والمشوار طويل، والجراح كثيرة.

ü لكن الفرصة سانحة:

نعم! ... فهناك متسع من الحظ لأن تغالب الأمة هذه التحديات، وتمارس خيريتها مرة أخرى فتستنقذ العالم من غول المغول الجدد، والصليبيين المعاصرين في حملاتهم المتجهة ـ كما هي العادة في التاريخ ـ نحو شرقنا العربي الإسلامي بغرض إنشاء إمبراطورية جديدة من إمبراطوريات الشر، وقد ساق الله بأقداره الحكيمة الأمور إلى تناغم عجيب بين أداء الفداء الأسطوري للمقاومين في العراق، مع الغباء الاستثنائي للتخطيط الأمريكي الذي يتخبط في ورطاته، ويتورط في تخطيطاته من مرحلة إلى مرحلة وفق إستراتيجية هلامية، اتفقت عليها النخبة الحاكمة في أمريكا.

هذه الإستراتيجية، كانت تقوم ـ حتى الانتخابات الأمريكية الأخيرة ـ على أمور ثلاثة أساسية وهي:

وهذه الإستراتيجية التي تبدو منطقية لدى الأمريكيين، هي في الحقيقة غير عملية؛ لأنها تستند إلى عدة افتراضات وهمية: الوهم الأول منها: هو افتراض أن الوجود الأمريكي سيظل ممكناً رغم فداحة الخسائر حتى تحقق أمريكا مصالحها وتؤكد هيبتها وتثبت عملائها، والوهم الثاني: هو توقع أن يوافق أحرار العراق على قرار أمريكا بالاستقرار في بلادهم دون أن يضاعف هبّتهم لرد الصاع صاعين في وجه الغزاة ومن يشابههم، والوهم الثالث: هو افتراض سهولة القضاء على المقاومة عسكرياً، أو تدجينها والتغرير بها سياسياً، والوهم الرابع: هو افتراض وجود القابلية للممارسة الديمقراطية في البنية الطائفية والعنصرية العراقية، التي لا يمكن بحال من الأحوال أن تقدم النموذج المحتذى ـ كما يحلم الأمريكان ـ في نشر ما يسمى بقيم الحرية والتعددية وقبول الآخر؛ فالطائفية والعنصرية في العراق جبرية قهرية تاريخية، لا يحيّدها أو يحد من أثرها إلا التوازن بين الأقوياء، ولا يزيل أوضارها إلا أخوّة الدين.

وعليه، فإن إستراتيجية أمريكا للانتصار في العراق هي إستراتيجية مفلسة سلفاً، لاستنادها إلى تلك الأوهام والافتراضات الخاطئة، وقد بدت أمام العالم مؤشرات إقبال الولايات المتحدة على مواجهة أسوأ النتائج المترتبة على انهيار إستراتيجيتها في العراق، وهذا وإن كان يحمل في طياته من المبشرات والتطمينات ما يحمل، وبخاصة فيما يتعلق بتسريع وتيرة الانسحاب المهزوم، إلا أنه يشير في الوقت نفسه إلى الكثير من المحاذير؛ لأن أمريكا التي ستواجه أسوأ النتائج، لا شك أنها وعملاءها سيُقْدِمون على أسوأ الحيل وأنذل التوجهات والإجراءات، للتغطية على النتائج الكارثية لهزيمتهم التاريخية في العراق.

والمتوقع أن يترجم هذا إلى عدد من التحديات الجديدة التي ستتوجب مواجهتها على الصعيد العراقي الخاص، والعربي الإسلامي العام.

ويمكننا أن نصنف هذه التحديات إلى مستويات عديدة، باعتبار أن تحديات ما بعد الانسحاب، لن تأتي من أمريكا وحدها، وإنما من أطراف عديدة، يمكن تفصيلها على الوجه التالي:

أولاً: أمريكا وخيارات الانتقام:

إن هذه التحديات الجسام، تحتاج إلى مئات العقول المفكرة، والقلوب النيرة والكفاءات القديرة كي تنتدب لمواجهة ما قد تخبئه الأيام لا على مستوى العراقيين فحسب، بل على مستوى الأمة كلها بالأقرب منها فالأقرب؛ فمن غير المقبول أن نكون شركاء في إجهاض النصر وتبخر الحلم وفقدان الفرصة، بترك هذه التحديات تمضي لغايتها. وبما أن العثور على الحلول لا يُنال بمجرد الآمال، فإن ذوي الرأي وأصحاب الفقه وأرباب التخصصات الدينية والسياسية والإستراتيجية والإعلامية في الأمة مدعوون اليوم بإلحاح إلى تقديم المستطاع من الرأي والمشورة، والتسديد والتقريب والنصيحة، إلى أصحاب القرار الإسلامي في العراق باعتبارهم نواباً عن الأمة في مواجهة الملمات التي تحيق بجزء من جسدها على أرض الرافدين، علماً بأن عاماً أو أكثر قد يمضي حتى ينتهي الاحتلال، وتبدأ مشكلات ما بعد الاحتلال.

ولعل ما يتبادر إلى الذهن منها ـ فيما يتعلق بالتحديات على المستوى الأمريكي ـ ما يلي:

{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: ٦٠] ثم قال بعدها: {وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: ٦٠] وهم المنافقون الممالئون للكافرين. ومن الخير أن يتواكب النصح مع الردع، بإقناع الفرقاء بأن العراق الموحد قوة للجميع؛ وتمزيقه إضعاف للجميع، فدعاة التقسيم لن يقفوا عن حد ثلاث دويلات للأكراد والسنة والشيعة، بل قد يسعون إلى مزيد من التفتيت حتى يصل الأمر ـ لا قدر الله ـ إلى أن نسمع عن الإمارات العراقية «المتحدة» ، مع الولايات الأمريكية المتحدة!!

ثانياً: إيران واللعب بالنيران:

هيام الفرس بعبادة النار قديماً، قد ترك آثاره فيما يبدو على تكوين مَنْ لم يتطهر بالكامل من أدران تلك النيران الفارسية الجاهلية الماضية؛ فالثورة والثأر والتثوير، كلها مفردات جاهزة للإنتاج والتصدير، في ظل معتقدات التشيع الفارسي التي حولت هذه السلوكيات الدخيلة إلى قربى إلى الله، وزلفى إلى أهل بيت رسول الله #، فانضمام الطبيعة الفارسية إلى العقيدة الشيعية، جعل مذهبهم ناراً على نار بدلاً من أن يكون نوراً على نور.

وقد أخرجت دوافع الثارات التاريخية القديمة أصحاب القرار في إيران عن كثير من فرضيات العقل والمنطق، فضلاً عن مقتضيات الدين والمصلحة، فراحوا يُحنون ظهورهم أمام العدو الكافر الظاهر ليمر من فوقها إلى اقتحام حرمات المسلمين ومقدراتهم في كل من أفغانستان والعراق، وسوف يكتب التاريخ بحروف سوداء تلك المواقف النكراء التي كرر بها هؤلاء سلوك أشياعهم وأجدادهم من أمثال نصير «الدين» الطوسي، ومؤيد «الدين» العلقمي الذين جعلوا من الدين ستاراً يخفي التآمر مع أعداء الدين.

وإذا كنا لا نزال نذكر مواقفهم في الموالاة الصريحة لـ «الشيطان الأكبر» قبل وأثناء وبعد غزو أفغانستان والعراق، فإننا ـ وبكل مرارة ـ نتوقع الأسوأ بعد أن تمضي سحابة الاحتلال السوداء الهوجاء.

وسيناريو التغلغل الشيعي على الصعيد السياسي أو العسكري، قد أسس له منذ البداية خميني العراق «الإيراني» السيستاني، فهو الذي دفع بالشيعة إلى الانخراط بقوة في العمل السياسي والعسكري في ظل الاحتلال الذي لن يقتصر في المستقبل ـ على ما يبدو ـ على جزر الإمارات العربية، بل يريد الامتداد للسيطرة على بعض العواصم العربية، بالتواطؤ مع الأمريكيين حيناً، وبالانفراد عنهم أحياناً.

وعلى غرار الجهد المطلوب لمواجهة التحديات الأمريكية، تتأكد الحاجة لجهود مضاعفة لمواجهة التحديات الإيرانية، ولعل من المعالم البارزة في هذا الصدد أن يجري استحضار الحقائق التالية:

١ ـ ليس كل الشيعة من أهل القناعات الدينية؛ فهناك شرائح منهم علمانية، ولكن الديني والعلماني في إيران، مشبع بروح فارسية، تستبطن العداء للعرب، وبخاصة السنة منهم، ولذلك فلن يكون لشيعة العراق العرب مهما توهموا كبير وزن في إدارة شؤون العراق إذا ما تمكنت إيران هناك، ولهذا فإن الحاجة ماسة إلى شىء من التأليف وتقريب الآراء بين العرب السنة والعرب الشيعة في العراق، لا على خلفية عنصرية ضد الفرس؛ فذلك ليس من الإسلام، بل على خلفية المصلحة العامة التي يحتاج إليها الطرفان في مواجهة التغول الإيراني القادم.

والذي نعرفه أن شيعة العراق من غير الفرس، أقل خبثاً وأدنى قرباً من السنة هناك، بفعل عوامل التعايش والتجاور والمصاهرة، وبخاصة العامة منهم؛ حيث يعتقد أنه يسهل كسبهم أو تحييدهم إذا افتضح استغلال الإيرانيين لهم.

٢ ـ لأن شيعة العراق منهم المتدينون المتشددون، ومنهم العلمانيون والليبراليون؛ فإن رهان أمريكا منذ البداية كان على الشيعة العلمانيين، وبخاصة الليبراليين الذين رأت أنها يمكنها من خلال تمكينهم أن تدعي النجاح في إحلال قيم الحرية والديمقراطية في العراق، كنموذج أول في الشرق الأوسط.

ومن غير المستبعد أن تتدخل أمريكا بشكل ما، لإفساد الطبخة التي أنضجها الدينيون المتشددون في الانتخابات الأخيرة، لتعيد العلمانيين الليبراليين من أمثال العلاوي والجلبي إلى سُدَّة الحكم، وهذا ـ إن وقع ـ سيكون مقدمة صِدام مصالح آخر بين أمريكا وإيران على أرض العراق، وبوسع السنة أن يستفيدوا من هذا التناقض، وهم وحدهم الأقدر على اغتنام هذه الفرص.

٣ ـ من الممكن أن يجد شيعة العراق العرب أنفسهم في خيار يدفعهم إلى التقرب من جديد إلى أهل السنة؛ وذلك عندما يكتشفون حقيقة الطمع الإيراني والجشع الأمريكي، وهنا ... فعلى سنة العراق ـ وبخاصة العلماء والدعاة ـ أن يحسنوا استثمار هذه الفرصة إذا سنحت، من خلال إعلان المبادرات المشتركة لحقن الدماء وإيقاف الشحناء، والانتقال ـ أو بالأحرى ـ الرجوع إلى صيغة التعايش التاريخية المعروفة عن شعب العراق حتى يهدي الله من يشاء إلى صراط مستقيم.

ولا شك أن هذا الخيار قد يكون فيه الخير للطرفين؛ فالسنة ليسوا في حاجة إلى تكثير الأعداء، والشيعة ليسوا في حاجة إلى مزيد من الاستعداء لقوم بدا أنهم أولو بأس شديد إذا جاسوا خلال الديار.

ثالثاً: العراق: عراك ما بعد المعركة:

لكن الأمر سيختلف، والمنطق سيتعقد، والحسابات سترتبك، إذا ما تغيرت معالم المواجهة في الميدان العراقي بعد الانسحاب الأمريكي، سواء بفعل الأمريكيين الراغبين في إغراق أو إحراق العراق من بعدهم، أو بفعل الفرقاء المتشاكسين الذين سيحاول كل منهم أن يؤسس لواقع جديد، يخدم الشريحة التابعة له، ولهذا فإن ألواناً جديدة من التحديات على الساحة العراقية، ربما يتوالى ظهورها على مسرح الأحداث هناك، وهو ما يستدعي إعادة النظر في بعض الاجتهادات وربما الاستراتيجيات لمواجهة هذه المتغيرات بما يحفظ ما تحقق من مكاسب على صعيد المواجهة الكبرى مع أمريكا.

ومن التحديات المتوقع بروزها على المستوى العراقي ما يأتي:

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: ٧٣] .

ü المواجهة لا الهروب:

عوَّدنا المجاهدون من أهل السنة في العراق، على الإقدام لا الإحجام، وعلى المجابهة لا الهروب من المواجهة، وأملنا أن تثبت الأقدام في مهمة الإقدام على مواجهة تلك التحديات قبل فوات الأوان؛ فالهروب منها أو تأجيلها لن يقلل من أهميتها، ولن ينفي خطورتها، على أنَّا لا يمكن أن نحمِّل المجاهدين، أو حتى عموم العراقيين مسؤولية المواجهة وحدهم لكل تلك التحديات؛ فالنازلة ليست خاصة بهم وحدهم، كما أسلفت في صدر المقال، وإنما هي عامة لكافة الأمة، وهي ينبغي أن توزع على الجميع ـ أعني التحديات ـ في صورة واجبات كفائية وعينية وفروض وقتية ومستقبلية، كل بحسب قدرته واستطاعته، مع تأكيد التذكير بأن المجاهدين الأبرار، قد قاموا عن الأمة، بما أزاح عن مجموعها الإثم وإزالة العار، فلا أقل من أن تقوم بقية صلحاء الأمة بقسطهم من الواجبات في مجابهة التحديات.

فعلى كل ذي رأي وخبرة واختصاص، من أصحاب الأقلام أو المنابر أو القدرات العلمية أو البحثية أو المالية، في كل ميدان يحتاج إليه أن يسارعوا للقيام بواجب النصرة، والمشاركة في صنع النصر، ولن يعدم حريص الوسيلة لإيصال النصيحة وتقديم العون وتيسير المنفعة، لمن يمسكون الآن بدفة تغيير التاريخ وتصحيح المسار.

ومع الاعتراف بأن التحديات المقبلة أكبر من قدرات قطاع إسلامي واحد في داخل العراق أو خارجه، لتفرعها وتنوعها، فإن ذلك لا ينبغي أن يصد عن التقريب والتسديد بحسب الاستطاعة، ولو كانت البداية ـ كما يحدث الآن ـ محاولة رصد أهم تلك التحديات، والبدء في دراستها، وتمييز الحقيقي منها والوهمي، والنظري والعملي، ثم وضع الأسس العريضة لمواجهتها، بتضافر الجهود بين المختصين والمجربين والمراقبين.

وهذه بعض المعالم العامة في هذا الموضوع:

{فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ} [التوبة: ١٢٢] وندرة المرجعيات العلمية المشهورة في العراق تحتاج إلى معالجة لا يكفيها المدى القريب، ولكن الضرورة تقضي بألا تؤجل وظائف هذه المرجعية حتى وجودها؛ فمن خارج العراق يمكن أن تدرس كبار المسائل، وتبحث دقائق النوازل بالتواصل العلمي الذي تيسرت أسبابه في عصرنا، وإن كان هذا لا يغني عن أن تنتدب طائفة من أهل السنة العراقيين لتعويض هذا النقص، لمعادلته بما هو حادث مع الطوائف الأخرى.