للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شؤون العالم الإسلامي

[لماذا قطعت أمريكا مساعداتها عن باكستان؟]

أحمد موفق زيدان

أعلنت الإدارة الأمريكية في الأول من أكتوبر الماضي قطع مساعداتها

العسكرية عن باكستان بذريعة تنامي القدرات النووية الباكستانية، وامتلاك باكستان

القنبلة الذرية التي ستهدد - حسب زعم أمريكا - السلام الدولي في المنطقة! ، كما

تذرعت أمريكا بمسألة الانتخابات الباكستانية التي لابد لها أن تكون بصورة عادلة

ونزيهة. وقد تزامن هذا القطع - الذي تصل قيمته سنوياً حوالي ٦٠٠ مليون دولار

- مع الحشود الهندية المتنامية على الحدود الباكستانية، واشتداد الوضع في كشمير

المحتلة، وقد عوَّدت أمريكا باكستان على التخلي عنها في الأوقات الحرجة

والعصيبة، مثل قطع مساعداتها عنها في سبتمبر عام ١٩٦٥ أيام الحرب الهندية

الباكستانية، وفي عام ١٩٧١ أيام انفصال بنغلاديش، بتواطؤ الثلاثي الهندي

الروسي الأمريكي، كما قطعت مساعداتها عام ١٩٧٨ بعد وصول ضياء الحق

للسلطة في يوليو عام ١٩٧٧، وتذرعت آنذاك بأن القانون الأمريكي يمنع دعم أي

دولة تطيح بنظام ديمقراطي، وتحل محله نظاماً عسكرياً، ما لم يقُم الأخير بعقد

انتخابات شعبية في فترة أقصاها ستة أشهر من وصوله للسلطة.

ولكن البقاء للمصلحة، فقد تلاشى هذا القانون الأمريكي عندما فرضت

المصلحة الأمريكية استئناف دعمها لباكستان بسبب غزو الاتحاد السوفييتي يوم ١٧

من ديسمبر ١٩٧٩ لأفغانستان، واستمر هذا الدعم لباكستان على مضض،

واستفادت باكستان من الظروف الدولية هذه في تطوير منشآتها وقدراتها النووية.

ويأتي قطع الدعم الأمريكي متزامناً مع الوضع الاقتصادي المتردي والمتدهور

في البلاد، خاصة وأن البلاد ستخسر من جراء غزو العراق للكويت ما يقارب

بليوني دولار سنوياً؛ بسبب عودة العمالة الباكستانية من الكويت، والبالغة ١٠٠

ألف عامل. وانتهت بذلك مسألة التحويلات، إضافة للارتفاع الحاد في سعر

البترول. وكانت باكستان تعد ثالث أكبر دولة في العالم تتلقى مساعدات أمريكية بعد

(إسرائيل) ومصر.

تشجيع يهودي:

لعب وما يزال يلعب عضو الكونغرس الأمريكي (ستيفن سولارز) - رئيس

الهيئة الفرعية لشؤون آسيا والمحيط الهادي في الكونغرس الأمريكي - دوراً

محورياً في تشجيع الإدارة الأمريكية على قطع مساعداتها عن باكستان. وينحدر

ستيفن سولارز من ولاية فرجينيا الأمريكية وهو لا ينسى دور الهنود المنتشرين في

هذه الولاية والذين أوصلوه إلى منصب عضو في الكونغرس الأمريكي، وبهذا لابد

من قربان يقدمه قبل الموعد المقرر للانتخابات الأمريكية القريبة.

قدم ستيفن سولارز - الذي يتمتع بصداقة وطيدة مع بي نظير بوتو رئيسة

وزراء باكستان المعزولة منذ أيام دراستها في أمريكا - في ١٩ من سبتمبر المنصرم

عريضة يناشد فيها الرئيس الأمريكي بوش بقطع الدعم عن باكستان بسبب

محاولاتها المستمرة والدؤوبة في تطوير أسلحتها النووية!

وفي ٨ من أكتوبر قدم ٥٢ عضواً من أعضاء الكونغرس الأمريكي ورقة

لجورج بوش يحذرون فيها بقطع المعونات كاملة - عسكرية كانت أو غير عسكرية

- عن باكستان ما لم تعقد الانتخابات بشكل نزيه، والآن وبعد أن عقدت الانتخابات

ماذا سيكون رأي هؤلاء الأعضاء؟ ، خاصة وبعد أن أثبت تقرير المراقبين

الدوليين المحايدين والمشرفين على الانتخابات من ٤٥ دولة أن الانتخابات عُقدت

بشكل نزيه وعادل ولم تتعرض للتزوير والتزييف كما ادعت بي نظير بوتو رئيسة

الوزراء.

واستهدف قطع الدعم العسكري عن باكستان في هذه الظروف العصيبة إطلاق

يد جارها العملاق المتنامي الهند، وإلا فلماذا يستمر الدعم الأمريكي للهند ولا أحد

يسألها عن تفتيش منشآتها النووية؟ ! كما يتذرع بهذا الرئيس الأمريكي الذي يدّعي

أنه لابد أن يثبت سنوياً في شهادته أمام الكونغرس بأن باكستان لا تملك أسلحة

نووية، وهو أمر صعب نفيه الآن كما يقول! .

ولماذا الكيل بمكيالين أو الوزن بميتزانين؟ فلماذا لا يتم التفتيش على المنشآت

النووية الهندية إن كان القصد حقيقة هو السلام المنشود أم أن السلام لا يكون إلا

بتسليم الضحية لجزَّارها دون إبداء أية مقاومة أو دفاع عن النفس؟ !

وقد أعرب زاهد (سر فراز) وزير الداخلية الباكستاني في الحكومة الانتقالية

الفيدرالية عن استعداد بلاده لفتح المنشآت النووية الباكستانية للتفتيش وتوقيع اتفاقية

عدم انتشار الأسلحة النووية إن طُبق ذلك على الهند. وإلا فكيف يمنعوننا من الدفاع

عن أنفسنا مقابل قوة كبرى مصغرة وهي الهند وتجاورنا بحدود طويلة؟ ! كما قال

فراز.

وعندما سئلت مارغريت تاتويلر متحدثة الخارجية الأمريكية عن امتلاك

باكستان للقنبلة النووية أجابت: (ليس لدينا أدلة على أن باكستان تملك أسلحة نووية) . وجاء بعدها مقال (واشنطن بوست) التحريضي الذي ذكرت فيه أن باكستان سعت لدى دول عدة من أجل شراء مواد تساعدها على تصنيع أسلحة نووية، ولو عاملنا الأمريكان بما يقولونه فكيف يسمحون لأنفسهم أن يقننوا قانوناً جديداً وهو أن (كل شخص متهم حتى تثبت براءته) ، أليس هذا يخالف ما اتفق عليه البشر؟ .

فإن كانت تاتويلر ليس عندها أدلة على امتلاك باكستان للأسلحة النووية فكيف

يبررون قطعهم للدعم بهذه الحجج المصطنعة؟ .

تواطؤ دولي:

وصف سردار عبد القيوم خان رئيس كشمير الحرة ستيفن سولارز - في مقال

له مطول في إحدى الصحف الباكستانية - بأنه ليس حريصاً على الديمقراطية في

باكستان، وأن إظهار تأثر أمريكا على الديمقراطية في باكستان هو محض إذعان

للإخراج الهندي لهذه التمثيلية.

وقد تزامن قطع المساعدات الأمريكية عن باكستان مع هجوم شديد من راديو

موسكو على التحالف الجمهوري الإسلامي الذي فاز أخيراً بالانتخابات، وعلى

الجيش الباكستاني؛ لأن الجميع يدرك قوة الجيش الباكستاني وأنه الوحيد الحريص

على مصلحة باكستان العليا وقد تباكى الهنود ونظام كابل العميل كثيراً على سقوط

بي نظير بوتو عندما أعلنوا أن الديمقراطية في خطر! .

لماذا وافقوا على بي نظير؟

المتتبع للإعلام العالمي وأحاديث سياسيه منذ مجيء بوتو وحتى الآن يلحظ أن

توافقاً مشبوهاً قد تم ومازال على رفع شخصية بوتو، فلماذا كل هذه الدعاية

الإعلامية والتباكي عليها مع أنها أعلنت منذ مجيئها للسلطة في أواخر عام ١٩٨٨

بأن باكستان لا تملك قنبلة ذرية ولا تسعى للحصول عليها كما أبدت في لقاء لها مع

مجلة هندية (إنديا تُوداي) استعدادها لفتح أبواب المنشآت النووية الباكستانية من

أجل تفتيشها! .

إن بي نظير شخصية طموحة للسلطة وحسب، وتريد التمسك بكرسي

الزعامة ولا يهمها قوة باكستان وهيمنتها، ومستعدة للتضحية حتى ولو على حساب

أهم أسرار الدولة في سبيل البقاء في السلطة، وطالب سردار عبد القيوم خان

رئيس كشمير الحرة أخيراً بمحاكمة مسؤولي الاستخبارات العسكرية أيام بي نظير

بوتو والذين كانوا من حزبها؛ لأنهم سربوا أسراراً خطيرة - كما وصفها -

للمخابرات الهندية أثرت على مجاهدي كشمير ونشاطاتهم.

ومقابل هذا نشط الجيش الباكستاني في تطوير قدراته الدفاعية، حيث تسربت

معلومات أخيراً عن قيام الخبراء الباكستانيين بتصنيع رؤوس نووية يمكن لطائرات

ف١٦ أن تحملها، وقد صنعت باكستان خلال فترة قصيرة عدة صواريخ طويلة

المدى ودبابة، وقمراً صناعياً، وهذا لا يروق للأمريكان ولا للهنود حيث إن من

أهم معالم السياسة الأمريكية هو الاستئثار بالتصنيع الحربي، والهيمنة العسكرية،

والتقدم النووي.

وهنا نسجل الجهد الذي بذله الرئيس الراحل ضياء الحق مع رفاق دربه الذين

قُتلوا معه في حادث تحطم طائرته في ١٨ من أغسطس عام ١٩٨٨ - بالإضافة

لقادة الجيش الحاليين - جهدهم الذي بذلوه في هذا الصدد، وقد وصف وزير المالية

الباكستاني الأسبق - أيام ذو الفقار علي بوتو - الدكتور مبشر حسن ويعتبر أحد

زعماء حزب الشعب مسألة قطع أمريكا لمساعداتها عن باكستان بأنها نعمة ورحمة

على الباكستانيين.

فكيف لا تفضل أمريكا بي نظير على غيرها خاصة بعد أن كشفت الصحافة

الباكستانية عن الرسالة التي وجهتها لكابريت عضو الكونغرس الأمريكي وزميلها

في الدراسة أيام أمريكا والتي تقول فيها: (إنني سأكون ممتنّة جداً إذا تم إيقاف

الدعم العسكري والاقتصادي لباكستان (كانت الرسالة قبل وقف المساعدات) كما

أكون شاكرة إذا تم إيقاف الدعم عن باكستان من البنك الدولي والوكالات الدولية

الأخرى، ويرافق هذا تجميد الودائع الباكستانية حتى عودة الحالة الطبيعية لباكستان، وعندما كنت رئيسة للوزراء كان التفتيش مستمراً على المفاعل النووي ولكن لا

أعرف خطة الحكومة حالياً!) ، ثم تخاطبه بقولها:

(عزيزي، استعمل نفوذك لدى رئيس الوزراء الهندي سنغ من أجل إشغال

الجيش الباكستاني في مناوشات وحرب مع الهند) كما طلبت منه في الرسالة أن

يستعمل ستيفن سولارز صلاحياته ونفوذه لدى الرئيس بوش للضغط على إسحق

خان والجيش الباكستاني.

وعلى الرغم من نفي بي نظير وكابريت للرسالة إلا أن الظروف الباكستانية

والأمريكية وعلاقات بي نظير مع كابريت أو غيره تُبقي مجالاً للقول بصحتها.

موقف الجيش والحكومة:

عبر عدد من قادة الجيش ومسؤولي الحكومة عن امتعاضهم للتصريحات

والتصرفات الأمريكية الأخيرة، وقال الجنرال أسلم بيغ قائد الجيش الباكستاني بأنه

لا بد من استلهام الدرس الأفغاني في الاعتماد على الذات مهما كانت التكاليف باهظة، وأضاف بيغ يقول: (إن باكستان بالتأكيد قررت اليوم ألا تساوم على المبادئ

مهما كانت النتائج) .

وصرح سر فراز وزير الداخلية الفيدرالي: (إن باكستان ليست الولاية ٥٢

الأمريكية حتى يتصرف بها بوش كما يشاء، وإننا لسنا محمية أمريكية ولكننا دولة

مستقلة) ، وأضاف في مكان آخر: (إذا لم تُعِدْ أمريكا استئناف مساعداتها لباكستان

فسنضطر إلى إنهاء العلاقات التقليدية معها، وإننا واثقون بأن باكستان ستقف على

أقدامها بما يتوفر لدينا من مصادر وإمكانيات ولا نستطيع العيش تحت رحمة القوى

الكبرى) .

وكان على باكستان أن تدرس بعناية مسألة الانفراج الدولي أو ما يسمى

بالتوافق الدولي على مصالح المسلمين، وانعكاسات البيروسترويكا التي بدأت تظهر

بوضوح أنها ضد المسلمين فقط. وهل ستعتمد باكستان على نفسها فعلاً أم أن

التصريحات للاستهلاك أو لفترة معينة ثم تعيد أمريكا ضخ مساعداتها ونعيد علاقاتنا

معهم من جديد؟ ، فهل عداوتنا معهم مرتبطة بمصلحة آنية من دعم عسكري أو

اقتصادي أم أن الأمر أبعد من هذا؟ !

ولو تبرع كل باكستاني بروبية واحدة يومياً ولمدة ستة أيام لجمعت باكستان

أكثر من المبلغ الذي تدعمها به أمريكا وهو ٦٠٠ مليون دولار ولانتهت بذلك

الهيمنة الأمريكية علينا نحن المسلمين؛ فمتى سندرك ذلك؟ !