البيان الأدبي (شعر)
وا أُمَّتاه
د. عبد الرحمن صالح العشماوي
زفراتكم من حولنا تتصعَّد ... وصراخكم في صمتنا يتبدَّدُ
ذبتم على وَهَج الرَّصاص ولم نزلْ ... لعدوِّنا وعدوِّكم نتودِّد
تتغيَّثون سحابَنا، وسحابَنا ... وَهْم كبير في الفضاء مجَّمُد
تترقَّبون قرار مؤتمراتنا ... بُشرى لكم، فقرارها سيندِّد
ولسوف ينطق ناطقٌ، أنّا على ... شَجْبِ العدوِّ المستبدِّ سنصمدُ
ولسوف يحلف حالفٌ من قومنا ... أن َّ الأسى من أجلكم يتجدَّدُ
ولسوف تُقْرَأُ كلَّ يومٍ نشرةٌ ... عنكم مصوَّرةٌ ويُعرض مشهَدُ
ولسوف تُرسَمُ لوحةٌ ... زيتيَّةٌ فيها صريع بالتراب موسَّدُ
بُشرى لكم سيُقام حفلٌ ساهرٌ ... وتُصاغ أُغنيةٌ لكم وتُردَّد
هذا الذي سترون منا فافرحوا ... واستبشروا،وعلى الكلام تعوَّدوا
أما الجهادُ لأجلكم، بعتادنا ... فمحرَّم، إنَّ الجهاد تمرُّدُ
ولِمَ الجهادُ، وهيئةُ الأممِ انبرتْ ... للظالمين، ففضلُها لا يُجحَدُ
ألقت على الصومال ألفَ قذيفةٍ ... تحيي بها الأَمْنَ الذي لا يُوجد
ورمتْ إلى الصَّرب الزِّمام فجيشهم ... يُرغي بأوروبا هناك ويُزْبُد
أحبابَنا عفواً فغايةُ قومنا ... مالٌ وأولادٌ وعيشٌ أَرْغَدُ
أما مقاومة العدوِّ فعادةٌ ... مذمومةٌ، من مثلنا لا تُحَمُد
أنَّى تجاهد أمةٌ تحيا على ... غَبَشٍ، تُفرِّط في الكتاب وتُلحِدُ
سيفُ الجهاد بغمده متلفِّع ... والبابُ في وجه المجاهد يُوصَدُ
أحبابنا إني أغالب حسرةً ... مشبوبةً وعلى الأسى أتجلَّدُ
نظراتُ أعينكم تعذِّبني فلا ... عيشي يطيب، ولا جفوني ترقدُ
تبكي سراييفوا دماً فأنينُها ... لهبٌ، وخاطرُها الحزين الموقدُ
تجري دماء الأبرياء على الثرى ... نهراً، وعالَمُنَا المخدَّر يشهَدُ
وتبيتُ مقديشو على آلامها ... نفسٌ محطَّمةٌ وجَفْنٌ مُسْهَدُ
والمسجد الأقصى يباع ويُشترى ... جهراً، وقُدس الفاتحين تُهوَّدُ
أوَّاه من نار أُحسُّ بحرِّها ... لما يُراق دَمٌ، ويهدم مسجدُ
إني لأبصر وجه طفلٍ تائهٍ ... وسؤاله الحيرانُ، أين المرشدُ؟
يبكي ولا أمُّ تكفكف دمعَه ... يشكو وليس له أبٌ يتودِّد
سرق النظام العالميُّ ثيابَه ... وسهام أوروبا إليه تُسدَّد
وقذائفُ الصِّربِ العنيفةُ لم تَدَعْ ... عصفورَ أحلام الصغير يغرِّد
أين الدفاترُ يا محمَّد، لم يُجِبْ ... أنَّى يجيب عن السؤالِ محمَّد؟!
أنَّى أُجيبُ، وفي لساني حُبْسَةٌ ... والنار من أنقاض داري تَصعَدُ؟
أنَّى أُجيبُ، ولعبتي محروقةٌ ... وأبي الحبيبُ على الرصيف مُمدَّدُ؟ !
أنَّى أُجيبُ، وثوب أمي شاهد ... أنَّ الجريمةَ، حَدَّها لا يبرُد؟ !
أنَّى أُجيبُ، وقُرط أختي لم يزلْ ... يبكي عليها، والعدوُّ يهدِّدُ؟ !
أنَّى أُجيب، ونحن زَرْعُ طفولةٍ ... كسنابل القمح النديَّة نُحْصَدُ؟ !
أنَّى أُجيبُ، ومات ألفُ تَساؤُلٍ ... ومضى الزمانُ، وما أزال أُشَرَّدُ؟ !
ماذا جنى هذا الصغيرُ، أما هُنا ... رجلٌ إلى قول الحقيقةِ يُرشدُ؟ ؟ ! !
إني لأسمع صوت مسلمةٍ لها ... قلبٌ، وليس لها على الباغي يدُ
ظلَّت تصيح وتستجير فلا ترى ... من قومها مَنْ يستجيب ويُنْجدُ
نادتْ ونادت، فاستجاب لها الصَّدَى ... إن الذي يحمي الحمى لا يُوْجَدُ
لا تصرخي، فصلاحُ دينك غائبٌ ... وحصانُ معتصم الإباءِ مقيَّد
والخيلُ، خيلُ الله، لم تُصنع لها ... سُرُجٌ، ولم يقد الكتيبةَ أحمدُ
لا تصرخي. فسلاحُ أمتك التي ... تستصرخين، من العدا مستوردُ
لا تصرخي فالحاكمون بأمرهم ... حفظوا أناشيد الخضوع وأنشدوا
يا ويحهم لو أنهم جعلوا الهدى ... درباً، لما حكم القريب الأبعدُ
إنى لأبصر أمةَ الإسلام في ... لَهْوٍ، تقوم على الهوان وتقعَدُ
نار الصليب تُشَبُّ بين خيامها ... ولواءُ إسرائيل فيها يُعقَدُ
ورصاص أوروبا مزِّق جسمَها ... وغرور أمريكا فَمٌ يتوعَّدُ
فأكاد أحلف أنَّ أمتنا غدتْ ... بالذُّل في دَيْر الهوانِ تُعمَّد
وكأنّها لم تَبْنِ صرحاً شامخاً ... ظلَّتْ به نحو المعالي تصعد
واأُمتاه، وضجَّ بحر تساؤلي ... ما هذه الحُرَقُ التي تتوقَّدُ
ماذا دهاك، وأُسرجت لي شمعةٌ ... واستبشرت طرقي وبان المقصدُ
ورأيت أمتنا، وفي تاريخها ... هِمَمٌ عظامٌ، نَهْرُها لا يركدُ
لما سألت الليل عنها، قال لي: ... كانت إذا أكْنَنْتُها تتهجَّدُ
لما سألت الفجر عنها، قال لي: ... كانت تسبح ربَّها وتحمِّدُ
لما سألت الحرب عنها أقسمتْ ... بالله، أنَّ ظهورها لا تُجلَدُ
لما سألت الروم عنها زمزموا ... لما سألت الفرْس عنها أَبْلَدٌوا
لما سألتُ مقوقساً ورجاله ... قالوا: لأمتك العُلا والسُّؤْدَدُ
كانت فوا أسفا على الحال التي ... صارت إليها، إنها لا تُسْعِدُ
ماذا أقول لها، أألطم وجهها ... بالشعر حتى ينهضَ المستعبَدُ؟!
ماذا أقول: إذا رسمنا لوحةً ... للحزن، قالوا إنّ شعرك أسودُ؟!
وإذا رفعنا الصوت نشكو ما جرى ... قالوا تُثير الغافلين وتحشُدُ
وإذا تنهدنا أداروا نحونا ... ظهراً، وقالوا: العارُ أنْ تتنهَّدوا
من أين نخرج، كلُّ زاويةً بها ... ذئبٌ يراقبنا، وعينٌ ترصدُ؟!
ماذا أقول لأمةٍ، قد خيَّبَتْ ... ظني، وصارت في المكارم ترصدُ؟
سأقول في وضح النهار وإن طغى ... طاغٍ، وإنْ كره المقالةَ مُلحِدُ:
إني أرى في جيل صحوتنا مُنَىً ... مخضلَّةً، عنها سينكشف الغَدُ
إني برغم الحزن لستُ بيائسٍ ... فالفجر من رحم الظلام سيُولَدُ