للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حوار

مع فضيلة الشيخ محمد هاشم الهدية

حول شؤون الدعوة والدعاة

التحرير

الشيخ محمد هاشم الهدية (رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في السودان)

علم من أعلام الدعوة المبرزين، له سابقة خير وبركة، أسهم مع إخوانه في أنصار

السنة إسهاماً فاعلاً في نشر العقيدة السلفية في السودان.

تجلس معه فتستأنس بحديثه وبهدوئه ورزانته، له تجربة دعوية طويلة متعددة

المجالات. ويسر مجلة البيان أن تجري مع فضيلته هذا الحوار.

شاكرين له تجاوبه معنا..

- البيان -

للدعوة السلفية في السودان عمر طويل مبارك (ولله الحمد) ، فما أبرز

المراحل التي مرت بها هذه الدعوة من وجهة نظركم؟

* بدأت الدعوة بجهود فردية، ثم جماعة صغيرة تركز على الحلقات العلمية،

وتدعو للتوحيد ونبذ الشرك، ولم يكن لها تنظيم محدد ولا رئيس، ثم انتقلت إلى

جماعة منظمة لها رئيس وتنظيم، لكن كان عملها مقتصراً على العاصمة، وكانت

هناك مجموعات أخرى داخل السودان على منهج الدعوة نفسه، ثم انصهرت هذه

المجموعات كلها على مستوى السودان تحت مظلة جماعة أنصار السنة المحمدية،

وأصبح لها تنظيم ورئيس ومركز عام يشرف على إدارة الدعوة، ثم تلتها مراحل

أخرى أبرزها دخول الجماعة في العمل العام؛ كالدعوة إلى تطبيق الدستور

الإسلامي، وتلا ذلك: دخول الجماعة المؤسسات التعليمية والجامعات والدعوة من

خلال المؤسسات الإعلامية المختلفة كالإذاعة والتلفاز وغيرهما، وأخيراً: تولي

ولايات عامة في الدولة بهدف تمكين الدين وإصلاح حال البلاد والعباد، وباختصار

بحمد الله بعد أن كانت الدعوة ضعيفة ومحاربة أصبحت اليوم رائدة وملء السمع

والبصر.

يعد السودان أحد معاقل الحركات الصوفية بطرقها المختلفة، فهل واجهت

الدعوة السلفية عقبات من شيوخ هذه الطرق وعامتهم؟ وكيف تعاملكم معهم؟

* نعم واجهت الدعوة عقبات متعددة وبعضها أكبر من بعض، مثل: السب،

والشتم، والتكفير، والضرب، وقد بلغ هذا العداء أشده حينما كان للصوفية نفوذ

واسع في بعض الحكومات السابقة، حيث استغلوا هذا النفوذ في: سجن مشايخ

الدعوة، وهدم بعض مساجدها، والتضييق عليها حتى لا يتمكن دعاتها من نشر

الدعوة في الأماكن العامة ومجامع الناس، ولكن بتوفيق من الله وفضله أمكن دفع

كل ذلك بشيء من الصبر والعفو والصفح، قال (تعالى) : [خُذِ العَفْوَ وَاًمُرْ بِالْعُرْفِ

وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ] [الأعراف: ١٩٩] ، وهذا الابتلاء هو سنة الله (تعالى)

مع الرسل والدعاة، كما حدث لشيخ الإسلام ابن تيمية حين وشى به أهل البدع لدى

ولاة الأمر، وسجن وعذب ومات بالسجن، ولكن دعوته ملأت الآفاق وانتشرت،

وعلا صوتها.

انتشرت الدعوة الإسلامية في مختلف المجالات والآفاق، وأصبحت حدثاً

بارزاً من الأحداث العالمية المعاصرة، فأين يضع فضيلتكم الدعوة السلفية داخل

الصحوة؟ ، وما تقويمكم لمسارها؟

* الدعوة السلفية هي رائدة الصحوة الإسلامية؛ لكونها تبرز الإسلام بمنهجه

الصحيح المتكامل الذي كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فقد

قامت بفضل الله (تعالى) ببيان التوحيد واعتقاد السلف الصالح، وتنقية العبادة مما

علق بها من البدع، وتزكية النفوس، وإيضاح الطريقة المثلى لتمكين الدين في

الأرض، قال (تعالى) : [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي

وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ] [يوسف: ١٠٨] .

بعد تصحيح العقيدة، ما أولويات العمل الدعوي في واقعنا الحاضر من وجهة

نظركم؟ .

* أولويات الدعوة وضحها النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث معاذ بن

جبل (رضي الله عنه) حين بعثه إلى اليمن، بأن يدعوهم إلى العقيدة الصحيحة ثم

إقامة شعائر وشرائع الإسلام، والاعتناء بأمر العقيدة يكون مستمرّاً في كل مراحل

الدعوة، كما ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر حياته كان يحذر من

اتخاذ القبور مساجد حسماً لمادة الشرك، قال (تعالى) : [قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي

وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ] [الأنعام: ١٦٢] والعمل على إيجاد الفرد المسلم

والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، ثم مراقبة هذا المجتمع؛ حتى لا ينحرف عن

العقيدة السليمة، ونشر الوعي الإسلامي الذي يعصم المجتمع من الانحراف بعون

الله.

الاختلاف والتنابذ من الأمراض المنتشرة بين صفوف بعض الدعاة، ويكون

أحياناً بسبب، وأحياناً أخرى بدون سبب، فما أبرز الأسباب؟ وكيف ترون

علاجها؟

* بيّن شيخ الإسلام (رحمة الله عليه) في تفسير قوله (تعالى) : [وَحَمَلَهَا

الإنسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً] [الأحزاب: ٧٢] أن سبب الاختلاف والتفرق هو

الظلم واتباع الهوى والجهل، وأعتقد أن أعظم أسباب ذلك الخلاف: الجهل بفقه

الخلاف وفقه الدعوة، وعدم مراعاة أحوال المدعويين، وكذلك: حب الذات،

والأنانية، والغرور، وعدم الشورى والتطاوع، والإصغاء للشائعات ولمروجي

الفتن بدون تثبت وتروّ.

وعلاج ذلك: بإخلاص العمل لله، وتعلم وتعليم الفقه في الدين وحكم الإسلام

في المسائل الخلافية، كل ذلك مع الصبر والعفو والرفق؛ قال (تعالى) : [ادْعُ إلَى

سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] [النحل: ١٢٥] .

العلم الشرعي ركيزة رئيسة من ركائز الدعوة، فهل ترون أن الصحوة

الإسلامية المعاصرة أخذت منه بنصيب جيد؟ وما الوسائل المناسبة فيما ترون

لتنمية القدرات العلمية لدى أبناء الصحوة ودعاتها؟ .

* لا شك أن العلم الشرعي أساس في استقامة الأعمال الدنيوية والأخروية،

ولا يستفيد من هذا العلم إلا من فَقِهَ وعمل وفق هذا الفقه وهو حقيقة العلم وكيف

يطبق في المجتمع، فإن كثيراً من حملة هذا العلم لا يكادون يهتدون إلى معرفة

كيفية تطبيقه في واقع المجتمع الذي يعيشون فيه، فإن سلف الأمة فقهوا وطبقوا

وعمروا الأرض، وتركوا لنا تراثاً علميّاً ممتازاً أهمه وأعظمه: الموازنات

الشرعية، فقد بسّطها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم تبسيطاً جعلها سهلة

التناول، ثم التدرج في معالجة المشكلات التي تتجدد من جيل إلى جيل.

تواجه الأمة الإسلامية هجمة شرسة متعددة المشارب من الاتجاهات العلمانية

المختلفة، فما هو دور العلماء والدعاة والحركات الإسلامية إزاء ذلك؟ وكيف

تواجه هذه الهجمة؟

* العلمانية نشأت أساساً في أوروبا منذ عهد طغيان الكنيسة وفكرها المنحرف

وعقائدها الخرافية، وتبرماً من هذا نشأت العلمانية، وهي فصل الدين عن الحياة،

أي: عدم التحاكم إليه في أي شأن من شؤون الحياة، ثم انتشرت إلى بقية أنحاء

العالم، ولا يوجد ما يبرر وجود العلمانية في عالمنا الإسلامي، إذ إن الإسلام منهج

متكامل للحياة، ولا يوجد نقص في أي جانب من جوانبه يحتاج منا لتعديل أو

إضافة، إذ هو منهج الله وحكمه [وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ]

[المائدة: ٥٠] ، ودور العلماء والدعاة هو تعليم الناس العقيدة الصحيحة التي تكون صماماً لمنع انتشار الأفكار الضالة، وتعليمهم الدين القيم وتنقيته مما علق به من شوائب وخرافات، مع بيان مثالب العلمانية ومنافاتها للدين، أما الدعوات الإسلامية المنظمة فيرجى منها إضافة لما سبق إقامة المجتمعات المسلمة المثالية، حتى تكون واقعاً علميّاً يحتذى به، ومنهجية كل ذلك بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والقدوة الطيبة، وإقامة المجتمع الإسلامي الذي يفهم واقعه ويتعامل معه تعاملاً شرعيّاً، مع تعلم العلوم الدنيوية حتى تقوى الأمة الإسلامية بنفسها وتستغني عن دنيا غيرها من الأمم فضلاً عن دينها، ومن باب إعداد القوة.

يعد السودان البوابة العربية للوصول إلى القارة الإفريقية، فكيف تقومون

النشاط الدعوى بعامة والسلفي بخاصة في هذه القارة؟

* صحيح، السودان هو البوابة العربية للوصول إلى عمق القارة الإفريقية،

والسلفية دخلت السودان عن طريق شيخ إفريقي قدم من موريتانيا سنة ١٩١٧م،

وقد قمنا بحمد الله بالمساهمة في إنشاء المركز الإسلامي الإفريقي في الخرطوم،

وسافرنا لشرق إفريقيا وأحضرنا الطلاب، وقد ساهمت مدارس ومعاهد الجماعة في

شرق السودان في تعليم إخواننا الإرتريين العقيدة الصحيحة، ولنا الآن معهد

متخصص في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، طلابه من مختلف الدول

الإفريقية، ولنا مبعوثون يساهمون في نشر الإسلام وتعليم العقيدة الصحيحة ضمن

جهود الجمعيات الخيرية، وتقويمنا هو: أن هذا النشاط الناشيء ما يزال في طور

البداية إذا قورن بعمل الجمعيات التنصيرية والرافضة والبهائية، مما يتطلب تضافر

جهود جمعيات الدعوة والتنسيق بينها للحفاظ على وحدة المسلمين ولمزاحمة

الجمعيات التنصيرية وغيرها، وتقليل شرها.

الأصولية، التطرف، الإرهاب، مصطلحات إعلامية كثر تداولها وانتشارها

في الآونة الأخيرة عند الحديث عن الصحوة، فما هو تقويمكم لهذه المظاهر؟

وكيف ترون التعامل مع وسائل الإعلام العالمية؟ .

* هذه المصطلحات روجها أعداء الإسلام لتشويه صورة الإسلام لدى الناس

وصدهم عنه، خاصة وأن الإسلام أصبح يهدد كيان أعدائه، وللأسف فإن بعض

من ينتسبون إلى الإسلام صاروا أبواقاً تردد هذه المصطلحات الجائرة، محاولين

صد الشباب عن الإسلام وإيقاف عودة وانتشار الإسلام من جديد، وساهم في هذا

أيضاً بعض شباب الصحوة الذين لم يستطيعوا الصبر على الأذى والتعامل معه

بضوابط الشرع، حيث قاموا ببعض الأعمال لتغيير أوضاعهم بالعنف، وحُسب كل

ذلك مع الأسف على الإسلام.

والواجب على علماء الإسلام والدول الإسلامية مقاومة هذه الهجمة الإعلامية

العالمية بالوقوف ضدها ومقاطعة وسائل الإعلام التي تبث هذه الحملات وإيجاد

إعلام إسلامي مضاد للإعلام المُعادي وموجه للصحوة الإسلامية وشبابها بالمنهج

الإسلامي السليم.

العجز والفتور من الأمراض المنتشرة مما قد يوجد بين خاصة الدعاة فضلاً

عن عامتهم، فما أسبابه الرئيسة؟ وكيف ترون علاجها؟

* من أسباب ذلك الفتور: اليأس من استجابة الناس، وهو شعور خاطئ؛ إذ

نحن مأمورون بالتبليغ وبالإخلاص وبذل الوسع والتزام الصراط المستقيم، والنتائج

بيد الله [إنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ] [القصص: ٥٦] .

ومن الأسباب أيضاً: تقصير الداعية في بعض الأمور أو وقوعه في بعض

المحظورات؛ فيرى أنه غير أهل للدعوة، أو أنه منافق بذلك، وهذا من تلبيس

إبليس، ومن الأسباب: الابتعاد عن مخالطة الصالحين وأهل الخير، وإهمال

الأمور التي تزيد الإيمان، والعلاج: هو تدبر القرآن ومطالعة سير الأنبياء والرسل

وسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته في ذلك، مع الإكثار من فعل

الطاعات.

مشكلة جنوب السودان من المشكلات القديمة التي تزامن ظهورها منذ البداية

الأولى لاستقلال السودان، فما هي في نظركم أسباب هذه المشكلة؟ وهل أحسنت

الحكومات السودانية المتوالية في علاجها؟

* هذه المشكلة أوجدها المحتل البريطاني بنظام المناطق المقفولة الذي عمل

بموجبه على عزل الجنوب عن الشمال لإقامة دولة نصرانية هناك، وذلك لزعزعة

استقرار السودان، وعملوا على منع التداخل بين الجنوب والشمال، مع تشويه

صورة الإسلام والمسلمين والعرب لدى أبناء الجنوب، وعملوا على بث النصرانية

وإقامة الكنائس والمدارس العلمانية، مع منع نشر اللغة العربية والدين الإسلامي

وإقامة المساجد، وكان للتصرفات الخاطئة من بعض تجار الشمال دور في ذلك؛ إذ

استغل المحتل البريطاني تلك التصرفات لإظهار العرب في صورة المستعبد

والمستغل لشعب الجنوب، ولم تحسن الحكومات السابقة حل المشكلة؛ حيث

حُصرت الحلول في الحسم العسكري والحلول السياسية، والعلاج هو: كسر

الحاجز وفك العزلة الاجتماعية وإقامة المساجد والمؤسسات الإسلامية وتعليم اللغة

العربية؛ حتى يتمكن المواطن الجنوبي من معرفة الإسلام الصحيح، ولنا تجربة

عملية في ذلك تمثلت في بناء مركز إسلامي في الجنوب، ساهم في إدخال الكثير

من أبناء الجنوب في دين الله، والحمد لله.

والله نسأل أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وأن يرد كيد الكائدين إلى

نحورهم، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى

آله وصحبه وسلم.