[خبر عاجل]
- فلسطين ٢٠٠١.
- القدس الشرقية.
في طريقه إلى الموت كانت الأفكار تنداح في ذاكرته، تجوس في داخله،
تعبث به.
- الموت قاب قوسين أو أدنى.
قال ذلك وهو يتحسس حزام المتفجرات الذي يتمنطق به، ويعيد تثبيته حول
خاصرته بإحكام.. الجرافات تلتهم البيوت في نهم، وزخات الرصاص المجنون
تنهمر في غزارة، تقتل، تصيب، تحرق الأجساد الغضة، تستقر في بطون
الحوامل، تزهق الأجنة القادمة ... والعالم صامت!!
الصور القاتمة كانت حاضرة في نفسه وهو يأخذ مكانه في الحافلة، وينتبذ
لنفسه ركناً قصياً منها، ويغوص في بحر لا ينضب من الذكريات الموجعة:
- أخي أحرقوه حياً، أبي داسوه تحت أقدامهم القذرة، ابن أختي عذبوه حتى
لفظ أنفاسه الأخيرة ... والعالم صامت!!
كانت الحافلة مكتظة بالركاب، الأجساد متلا صقة، والأنفاس متلاحقة،
روائح القردة أخذت تزكم أنفاسه حتى كادت تصيبه بالغثاء، لاذ بالصمت وآوى إلى
نفسه يمضغ الصبر ويجتر مشاهد المأساة:
- (الدرة) قتلوه بدم بارد، والعالم ينظر بعينين اسمنتيتين، والعرب
يبحثون القضية حول موائد الكلام.. رحماك يا رب!
توقفت الحافلة أمام مطعم المدينة، الزحام الشديد يملأ المكان، صراخ
السيارات يختلط بأصوات الباعة، أحسّ بنشوة عارمة تسري في جسده، انتفض،
وقف دفعة واحدة، افترَّ ثغره عن ابتسامة عريضة، أسرع للخروج من الحافلة
وغاب في زحام المدينة.
أدرت مؤشر المذياع، كانت عقارب الساعة تتصافح عند الواحدة ظهراً، خبر
عاجل من الأراضي المحتلة: «عملية استشهادية جديدة تودي بالعشرات من اليهود،
بينهم منفذ العملية» .