للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

الموقف الإيراني من حرب أمريكا لأفغانستان:

الجمهورية الحائرة.. والخيارات الخاسرة

حسن قطامش

[email protected]

«إننا لسنا طالبان، ونحن لا نهدف إلى انتهاج خطط أمنية على غرار

طالبان، ولا نريد هذا الضرب من الإسلام الذي تمارسه طالبان»

الرئيس الإيراني محمد خاتمي

«إن أمريكا لها حضارة تستحق الاحترام، ويزداد احترامنا لها عندما نلاحظ

جذور هذه الحضارة، وفيما يتعلق بحرق العلم الأمريكي، فإنني لن أرضى مطلقاً

بكل شيء يتسبب في جرح مشاعر أي شعب، أو الإساءة إلى رمز ونموذج أي

شعب»

الرئيس الإيراني محمد خاتمي

تفرض الطبيعة البراجماتية العقدية والسياسية الإيرانية كثيراً من الغموض

على موقف الدولة من الأحداث الدولية، سواء كانت هي أحد أطراف الحدث، أو

كان الحدث يتطلب بيان موقف الدولة منه. وجاءت أحداث تفجيرات الولايات

المتحدة وما تبعها من الحرب الأمريكية في أفغانستان لتفرض نفسها على إيران

بشكل كبير؛ فقد كان الحدث في دولة ذات علاقة خاصة مع إيران، فهي تعتبرها

بالمنهج البراجماتي المتشدد الشيطان الأكبر، وينادي الشعب الإيراني كل يوم جمعة:

«الموت لأمريكا» ؛ في حين يعتبرها المنهج البراجماتي الإصلاحي دولة ذات

حضارة تستحق الاحترام.

وعلى كل فقد فرض الحدث نفسه على إيران، شاءت ذلك أم أبت، وصار

المشهد أكثر التصاقاً بها حين جاءت الولايات المتحدة لتنصب خيامها مرة أخرى

على الحدود الإيرانية الشرقية مع أفغانستان بعدما نصبتها على حدودها الغربية مع

العراق قبل ذلك، وكأن الولايات المتحدة أصبحت القرين الشيطاني لإيران!

كما تأتي هذه الحرب من طرفها الآخر مع جار عدو لإيران متمثل في نظام

طالبان، وهو عدو قديم جداً بالاعتبار المذهبي، وعدو غير تقليدي في مذهبه

براديكاليته السنية!

فالحدث باعتبار التصاقه الحدودي بإيران، وباعتبار طرفيه يمثل تحدياً كبيراً

للدولة الإيرانية، وكما قال وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي: «إن إيران

وأفغانستان تشتركان في حدود طويلة، ومن الطبيعي ألا تستطيع إيران أن تصمت

إزاء الوضع الراهن في جارتها الشرقية، ولهذا فإننا نعتقد أن حكومة طهران يجب

ألاَّ تواجه الأحداث الأخيرة في المنطقة بالتساهل والتبسيط» [١] .

وإن أدركت إيران أن مثل هذه الأحداث لا تحتاج إلى تساهل معها أو تبسيط

لها، إلا أن التعاطي معها كان مرتبكاً وحائراً، وإن كان هذا شأن عدد غير قليل من

الدول إلا أنه كان في أجلى صوره مع إيران.

* إيران وطالبان.. انتهزوا الفرصة:

لعل مما يلفت الانتباه في الموقف الإيراني من جيرانها أنها في حالة عداء

تاريخي دائم ومستمر إلى اليوم مع جيرانها من المسلمين؛ فمن أفغانستان إلى

باكستان وتركيا والعراق ودول الخليج تكاد هذه القاعدة العدوانية ألا تنخرم إلا

باستثناءات زمنية ومصلحية محددة. وعلى الجانب الآخر توطدت وترسخت

وتعمقت العلاقات الإيرانية مع كل من: روسيا والصين والهند وكوريا،

وأضحت العلاقات مع الشيوعيين والبوذيين والهندوس علاقات استراتيجية! !

وهو أمر ليس جديداً على الدولة الإيرانية الشيعية، فتاريخها ينبئ عن شر

من ذلك، ولكن حسبنا من ذلك أنها إشارة ولفت انتباه.

وبجانب من هذا الاعتبار لم يكن العداء الإيراني لطالبان مستغرباً ولا مستبعداً،

وقد اتضحت صورة الموقف الإيراني من طالبان من خلال ما يلي:

١- لإيران موالون كثر في أفغانستان، وهو ولاء عقدي مذهبي من الدرجة

الأولى؛ حيث تبلغ نسبة الشيعة في أفغانستان قريباً من ١٠% من السكان،

وكالعادة الشيعية فإن الولاء الأول يكون للدولة الأم إيران ولهذا فقد كانت الأحزاب

الشيعية في أفغانستان عامل توتر وقلق للحكومات الأفغانية عامة وطالبان خاصة،

حيث الآمال الإيرانية بنشر «أنوار الثورة» وتصديرها لم تخبُ بعد.

ولتفعيل الدور الشيعي في أفغانستان، فقد ضمت إيران الأحزاب الشيعية

الأفغانية تحت حزب واحد وأسمته «حزب الوحدة الشيعي» الذي يترأسه الآن

كريم خليلي، بعد مقتل عبد العلي مزاري في مواجهات مع طالبان. ولم يقتصر

الدعم الإيراني على الدعم السياسي والأدبي، بل كان دعماً استخباراتياً وعسكرياً،

تدريباً وتسليحاً. وهو ما يعد في الأعراف الدولية تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية

للدول الأخرى الذي يجب أن تحترمه إيران في أفغانستان كما تحترم بقية الشعوب

حسب التعبير الخاتمي.

وبما أن أفغانستان ساحة كبيرة تستعرض فيها القوى الإقليمية المحيطة بها

قوتها، فإن الوجود للنفوذ الإيراني من خلال الأحزاب الشيعية مطلب إيراني هام

لإيجاد هذا التوازن، ولذلك جاءت الهزيمة الكبيرة لتلك الأحزاب ومقتل عبد العلي

مزاري على يد طالبان لترسم انتكاسة كبيرة للآمال الإيرانية في أفغانستان،

ولتصب كثيراً من الزيت على نار العداء الإيراني لطالبان.

ومع عودة باميان مرة أخرى لحزب الوحدة الشيعي بعد الانحياز الطالباني،

كانت العين الإيرانية على نصيبها من كعكة كابول؛ ولذلك أمرت ألفاً من قوات

حزب الوحدة بالتوجه إلى كابول، وترك (باميان) في حماية الحرس الجمهوري

الإيراني.

٢- كما أن للدولة الإيرانية تمدداً تبشيرياً بالمذهب الإثني عشري في

الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى؛ ووجود نظام مثل طالبان في حكم

أفغانستان يمثل عائقاً كبيراً أمام هذا التمدد المذهبي.

٣- كذلك فإن إيران طالما ادعت أنها تمثل النموذج الإسلامي الحقيقي، وأن

ولاءها وعداءها منطلق من هذا الإسلام، وعندما جاءت «الطالبان» لتضع نفسها

قريناً لإيران، وتنازعها أمر المصداقية في الحكم باسم الإسلام إضافة لكونه سنياً

فإن هذا تجاوز لم تمرره العقلية الإيرانية بسهولة، وهو ما أشار إليه صراحة نائب

الرئيس الإيراني للشؤون الحقوقية والبرلمانية محمد علي أبطحي حين قال: «إن

أحداً في العالم الإسلامي لم ينصب طالبان ممثلاً عنه، ونعتقد أن طالبان وفكرها

المتخلف لم تكن يوماً ممثلاً للإسلام والعالم الإسلامي، والعالم اليوم مستعد لسماع

صوت الإسلام الحضاري كما يدعو إليه الرئيس الإيراني خاتمي، أي الدين الذي

يقر بالقيم الإنسانية والديمقراطية» [٢] .

٤- وإذا تركنا الدعم الإيراني للأحزاب الإيرانية المعتقد والولاء؛ فقد دعمت

إيران كذلك وبكل قوة التحالف الشمالي بكافة أحزابه وأعراقه للهدف ذاته، وهو

التخلص من حكم طالبان لأفغانستان. ومؤخراً كشف مستشار عسكري إيراني

لإحدى الصحف العربية [٣] صوراً من تعاون ودعم إيران لتحالف الشمال، وذكر

أن دعم التحالف لم يكن سراً داخلياً، بل كان أمراً معروفاً لدى السياسيين

والعسكريين، وذكر أن إيران سحبت العشرات من العسكريين الموجودين في

مراكز التدريب في شمال أفغانستان ومن منطقة باميان بعد مقتل الدبلوماسيين

الإيرانيين في مزار شريف عند سقوطها في أيدي طالبان قبل ثلاثة أعوام، وكانت

الطائرات العسكرية قد سحبت الضباط الإيرانيين من قاعدة باميان قبل ساعات من

دخول طالبان إلى المدينة.

وعاد الدعم ليقوى بشكل كبير بعد زيارة كل من رباني ومسعود العام الماضي

إلى طهران؛ حيث توجه المستشارون والفنيون العسكريون الإيرانيون إلى شمال

أفغانستان، كما أقامت إيران معسكرات تدريب للمتطوعين الأفغان في شمال

خراسان «شمال شرق إيران» ، وكان أولئك تحت قيادة إسماعيل خان، حاكم

هيرات.

كما شملت المساعدات الإيرانية لتحالف الشمال الآلاف من البدلات والأحذية

العسكرية ورشاشات الكلاشينكوف وراجمات الصواريخ من أنواع «إيران ١٣٠»

و «شاهين» و «رعد» والصواريخ المضادة للدروع.

وعندما شنت قوات طالبان عقب اغتيال مسعود هجوماً على عدة جبهات

بهدف السيطرة على المناطق الخاضعة للتحالف الشمالي في بدخشان وفيض أباد

وبخشير وحول قاعدة باغرام الجوية القريبة من كابل، تمكنت قوات التحالف بفضل

الدعم الإيراني من صد الهجوم ورد قوات طالبان.

٥- كما كانت هناك اجتماعات جمعت بين قادة التحالف ووزير الخارجية

الإيراني في العاصمة الطاجيكية «دوشمبه» ، وعندما بدأت الحرب الأمريكية

صدرت الأوامر لضباط الاستخبارات العسكرية والمدربين الفنيين الإيرانيين

العاملين بين قوات تحالف الشمال بالتنسيق مع الضباط الأمريكيين في استهداف

مواقع طالبان شمال كابل وحول مدينتي مزار الشريف وهيرات.

٦- كذلك فإن إيران عضو في مجموعة «٦ + ٢» التابعة للأمم المتحدة

والتي تضم جيران أفغانستان إضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا، وتُعنى هذه

المجموعة بالتنسيق حول الشأن الأفغاني فقط.

٧- وإذا رجعنا إلى الوراء قليلاً لاستطلاع بعض صور الموقف الإيراني من

طالبان، عندما رد بعض أفراد طالبان على مقتل «٩٠٠» منهم على أيدي حزب

الوحدة بقتل «٦» دبلوماسيين إيرانيين في مزار شريف، وذلك عام ١٤١٩هـ

١٩٩٨م. صعدت إيران الأمر بصورة خطيرة، حيث تزامن الحادث مع اقتراب

طالبان من باميان، فأجرت أكبر مناورات عسكرية في تاريخها، ضمت ٢٠٠ ألف

عسكري من القوات النظامية، وانتشرت ثلاث فرق عسكرية على الحدود الإيرانية

الأفغانية، واستقرت على طول ٧٣٠ كم من الحدود البالغ طولها ٨٥٠ كم.

وأجريت المناورات بالذخيرة الحية وشاركت فيها الطائرات ومضادات الطائرات،

ونادى بعض السياسيين باستغلال الفرصة والقضاء على طالبان، لولا «تعقل»

الرئيس الإيراني، وشارك المرشد الأعلى للثورة خامنئي وأعضاء السلك

الدبلوماسي وكبار المسؤولين في تشييع القتلى، ووصف خامنئي مقتل الدبلوماسيين

بأنها فاجعة لم يسبق لها مثيل، وأن الحكومة الإيرانية ستسترد شرف الجمهورية

الإسلامية، كما تظاهر ملايين الإيرانيين منددين بجريمة طالبان، داعين إلى

الجهاد ضدها! !

* إيران في الجنازة الأمريكية:

سارع الرئيس «الإصلاحي» محمد خاتمي بإدانة التفجيرات التي وقعت في

نيويورك وواشنطن بعد ساعات من وقوعها، وإن اعتبرت إدانة خاتمي إدانة

«إصلاحية» ذاتية لا تعكس السياسة «المتشددة» لإيران، إلا أن إدانة مرشد

الثورة علي خامنئي للتفجيرات بعد أسبوع كانت بياناً واضحاً للموقف الرسمي

«المختلط» .

وتحت مقال بعنوان: «الطريق الثالث» كتب صحفي إيراني [٤] يقترح

الصورة التي يجب أن تكون عليها السياسة الإيرانية من الأحداث، وهو ما توافق

بشكل كبير مع التطبيقات الإيرانية بعد ذلك، كان مما جاء فيه:

١- أن تتم إدانة الهجمات الأخيرة على أمريكا من جانب كافة كبار المسؤولين

في الدولة كما فعل الرئيس خاتمي، وأن تعلن إيران عن استعدادها الكامل للتعاون

مع أي مشروع لاستئصال جذور الإرهاب.

٢- إبداء المواساة والتضامن مع الأمة والحكومة الأمريكية، وكذلك الاشتراك

في أي مؤتمرات دولية لإيجاد حل مشترك يحضره مندوبون عن أمريكا، ومثل هذا

المنعطف من الممكن أن يساعد على إقامة علاقات سياسية في المستقبل قائمة على

أساس الاستقلال والمصالح القومية لكلا الطرفين.

٣- التأكيد على ضرورة تجنب الانتقام والعمليات التي تعرض روح الأبرياء

والثروات القومية أو استقلال البلاد للخطر.

٤- وبخصوص أسامة بن لادن وحكومة طالبان يتم الضغط على الحكومة

الباكستانية وجهاز استخباراتها لإيقاف دعمها لحركة طالبان وتقديم بن لادن

للمحاكمة.

٥- بخصوص الأحداث المرتقبة في أفغانستان، على إيران أن تدعم التحالف

الشمالي المعارض في هذا البلد، وأن تعمل على ألا يؤثر فقدان القائد البارز أحمد

شاه مسعود على دوره في هذه الفترة الحساسة.

٦- يجب تنسيق المساعي المشتركة بين إيران والهند وروسيا وباكستان

وطاجيكستان لتبني سياسة تتماشى مع مصالح إيران وجيرانها في إطار الجهود التي

تبذل اليوم لمكافحة الإرهاب.

ثم توالت صور المشهد التأبيني في إيران بصورة تدعو للدهشة، وترسم

صوراً ذات دلالات كبيرة للسياسة الإيرانية الرسمية وللموقف الشعبي تجاه الولايات

المتحدة إذا قورنت على الأقل مع الموقف الإيراني من طالبان:

* فلأول مرة منذ قيام الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩م لا يرفع شعار «الموت

لأمريكا» في خطبة الجمعة المركزية في طهران، وكأن القوم لم يكونوا يريدون «

الموت لأمريكا» حقيقة؛ إذ عندما جاءها الموت لم يرضوا بذلك، بل إنهم توقفوا

عن هذا الدعاء! ! ووصف إمام الجمعة المركزية في طهران الحادث بأنه «حادثة

مفجعة للقلب، ومثيرة للرعب، وهذه الأعمال التي قام بها مجموعة الإرهابيين من

الأعمال المدانة والتي تدينها جمهورية إيران الإسلامية» [٥] .

* كما أعلن محسن آرمين نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني إدانته قائلاً:

«إن حادثة أمريكا سواء قام بها فرد أو جماعة، فهي عمل إجرامي غير

مقبول» [٦] .

* قام ١٦٥ عضواً من أعضاء مجلس الشورى البالغ ٢٩٠ عضواً بالتوقيع

على وثيقة أعربوا فيها عن تعاطفهم مع الشعب الأمريكي، وطالبوا بحملة دولية

لمكافحة الإرهاب.

* وقد بعث كل من محمد عطريا نفر، رئيس مجلس مدينة طهران،

ومرتضى الويري، رئيس بلدية طهران برسالة إلى عمدة نيويورك، رادولف

جولياني جاء فيها:

«لقد استقبلنا الأعمال الإرهابية الأخيرة التي راح ضحيتها العديد من

المواطنين الأبرياء ببالغ الأسى والحزن، ومما لا شك فيه أن هذه الأعمال لا

تستهدف مواطني مدينتكم فقط، بل إنها تستهدف كل مواطني العالم، ونحن نيابة

عن مواطني مدينة طهران ندين وبشدة هذه الأعمال اللا إنسانية ومرتكبيها، ونقدم

خالص مواساتنا لسيادتكم ولمجلس المدينة ولكل مواطني نيويورك الأعزاء، آملين

أن يتم استئصال جذور الإرهاب» [٧] .

* ومن الأعاجيب الإيرانية إدانة عضو مجلس الشورى الإيراني «عباس

عبدي» وهو قائد المجموعة التي قامت باحتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران؛

فقد اعتبر اختطاف طائرات ركاب بالمسافرين واصطدامها بمبنى البنتاجون ومركز

التجارة هي إشارة للابتذال في المعايير الأخلاقية! ! وقال: «إنه لم يتم أي هجوم

إرهابي بتلك الفظاعة» [٨] .

* كما سمحت وزارة الداخلية الإيرانية لعدد من التيارات السياسة بتنظيم

مظاهرات للتعبير عن مواساة الشعب الأمريكي في ميدان «محسني» شمال

طهران، هذه المظاهرات لم تخرج بعد ذلك عندما دكت الولايات المتحدة الأراضي

الأفغانية! ! بل طالب بعضهم بتنظيم حملة للتبرع بالدم لضحايا نيويورك لإظهار

المواساة الحقيقية للشعب الأمريكي [٩] .

كان هذا المشهد الجنائزي الحار في إيران يريد إيصال رسالة واضحة

للولايات المتحدة بأن موقفنا إيجابي من الأحداث ومستعدون للتعاون، وكانت

الولايات المتحدة تريد هذه الرسالة أيضاً لاستغلال إيران في خدمة أهدافها في حربها

في أفغانستان؛ ولذلك صرح ريتشارد هيل رئيس قسم وضع السياسات بوزارة

الخارجية الأمريكية أن الإيرانيين قد قدموا الرد الإيجابي المناسب على ما حدث في

أمريكا، بل إن لها سجلاً حافلاً في معارضة طالبان، وتستطيع كل من أمريكا

وإيران الجلوس سوياً والتباحث في إطار دبلوماسي فيما يخص أفغانستان.

وقد أثار هذا الموقف الإيراني «المتعاطف» مع الحدث اهتماماً أمريكياً،

امتد إلى حليفتها الدائمة بريطانيا؛ حيث سعت الولايات المتحدة لاستثماره من

خلالها بدفع إيران للدخول إلى التحالف الأمريكي ضد طالبان والقاعدة؛ فقد اتصل

توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني ووزير خارجية الولايات المتحدة أثناء

الأحداث بالرئيس الإيراني محمد خاتمي عندما كان متوجهاً إلى واشنطن يوم ٢٠/٩/

٢٠٠١م، وكان هذا الاتصال بداية للتنسيق الرسمي والانتقال إلى «العلني» في

الاتصالات الإيرانية الأوروبية الأمريكية، وقد دفع هذا الموقف الإيراني صحيفة

صنداي تايمز البريطانية إلى القول بأن إيران بعد هجمات ١١ سبتمبر تحولت من

دولة تعتبرها الولايات المتحدة أكثر الدول نشاطاً في دعم الإرهاب إلى «حليف

محتمل» لأمريكا.

* افتحوا كل الأبواب:

تعيش السياسة الإيرانية في صراع داخلي عنيف فيما يتعلق بالعلاقة مع

الولايات المتحدة، وهو صراع صنعته الثورة الإيرانية بنفسها، بافتعالها للمواقف

«العلنية» غير الحقيقية في التعاطي مع الشأن الأمريكي. حوّل هذا «العلني»

كثيراً من الإيرانيين إلى شعب مصاب بانفصام سياسي ونفسي في هذه القضية

المحورية التي تدور عليها كثير من السياسات الإيرانية. وأصبح من المتعين على

كثير منهم أن يهتفوا بالموت لأمريكا حتى تبقى ذكرى الخميني حية، لكننا لم نسمع

أكثر من هذا من الأقوال، ولا رُئي غيرها من الأفعال ضد الولايات المتحدة،

وأصبح موقف شعوب الدول التي تعلن وتعترف بتبعيتها للولايات المتحدة أحسن

حالاً من شعب لا يعرف حقيقة مسوِّغات عداء أمريكا ولا دوافع القرب منها.

فهي قضية شائكة بلا شك، وأحدثت ولا زالت تحدث انقساماً كبيراً بين

شرائح عديدة في المجتمع الإيراني.

وهذا الأمر تدركه الحكومة الإيرانية بوضوح، وخاصة الرئيس «الإصلاحي»

محمد خاتمي؛ ولذا فقد أحست إيران أن الأحداث قد تفتح الباب لمحاولة تجاوز

هذه الأزمة والتأكيد على الشفافية والعلنية، ففتحت إيران جميع أبوابها «المواربة»

في الاتصالات على مصراعيها متكئة في ذلك على أن الحدث عالمي يشغل

الجميع، وكل الأوراق الآن مكشوفة، وهي كذلك فرصة سانحة لأن تقوم الولايات

المتحدة بما كانت تتمنى إيران القيام به من القضاء على نظام حكم طالبان في

أفغانستان.

ومهدت إيران لفتح أبواب الاتصال [١٠] بالعزف على قصيدة المرجعية الدولية

التي تدرك سلفاً أنها في القبضة الأمريكية ولا تشذ عنها، إضافة لكون الولايات

المتحدة قد بادرت إلى تشكيل ما تريد من تحالفات وأن أحداً لم يعترض.

وقد برزت هذه السياسة الجديدة من خلال تطبيقات عملية

على أرض الواقع، منها:

١- اللقاء الذي تم بين سفير طهران لدى الأمم المتحدة «محمد هادي نجاد

حسينيان» ومجموعة من أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكي؛ حيث

تلقى السفير الإيراني الدعوة من السناتور «أرلن سبنسر» السياسي اليهودي

والشخصية البارزة بين مؤيدي إسرائيل في واشنطن، وقد حظي اللقاء الذي تم في

مقر الكونغرس الأمريكي باهتمام وترحيب قيادات مجلس الشيوخ والنواب ونوقشت

خلاله سبل تلطيف أجواء العلاقات بين البلدين على خلفية الاتفاق الحاصل تجاه

(حركة طالبان) ! ؛ وتعد هذه الزيارة العلنية الأولى لمسؤول إيراني منذ أكثر من

عشرين عاماً، وتم خلال اللقاء الاتفاق على عقد لقاءات مشتركة بين نواب

أمريكيين وإيرانيين سواء في إيران أو أي بلد آخر.

٢- صدر تقرير اللجنة البرلمانية الإيرانية الخاصة بالأزمة الأفغانية،

وأوصى بفتح حوار مع الولايات المتحدة ولو عبر مجموعة «٦ + ٢» ، وقد

صرح الناطق باسم اللجنة إبراهيم باي سلامي بأنه ينبغي على إيران استغلال ما

وصفه بحاجة أوروبا وأمريكا الحالية لإيران ودورها في حل الموضوع الأفغاني،

وتوظيف ذلك لتحقيق مكاسب وطنية.

٣- قامت اتصالات هي الأعلى منذ قيام الثورة الإيرانية بين المخابرات

المركزية الأمريكية وحكومة خاتمي، وقد انصبت هذه الاتصالات على أمرين:

الإطاحة بحكومة طالبان، والإتيان بنظام حكم جديد في بغداد، وقد أجريت هذه

المحادثات في السفارة الأمريكية في أنقرة في ١١/١٠/٢٠٠١م.

وهذه المحادثات هي التي سهلت دخول إيران في الخطط العسكرية المعلنة

للإطاحة بحكومة طالبان وتنصيب حكومة جديدة يراعى فيها وضع الشيعة

المرتبطين بإيران.

٤- قام مجلس الأمن الإيراني، وهو أعلى جهة تدير أمور النظام في إيران

بإصدار ما يمكن أن يسمى بـ «الصفح عن الولايات المتحدة» وأمر بفتح صفحة

جديدة للتعاون معها.

٥- نشطت قناة الاتصال السويسرية التقليدية المتمثلة في السفارة السويسرية

في إيران، والتي تتولى رعاية المصالح الأمريكية منذ قطع العلاقات الدبلوماسية

بين إيران والولايات المتحدة منذ عام ١٩٧٩م، وتلعب السفارة السويسرية وسفيرها

«تيم جولديمان» دوراً مهماً كقناة اتصال غير مباشرة بين الطرفين، وقد تم تفعيل

هذه القناة مؤخراً باستدعاء السفير السويسري إلى مقر الخارجية الأمريكية في

واشنطن لدراسة سبل الارتقاء بالتقارب مع إيران ورؤيته لإمكانية ذلك، وقد أكد

على محورية هذه القناة وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي في ٢٣/٩/٢٠٠١م،

وأن بلاده على اتصال دائم ومنتظم وبشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة فيما

يخص خطط مكافحة الإرهاب، وأن موقف الولايات المتحدة معروف لدينا، وأنها

تبعث برسائل إلينا عبر السفارة السويسرية وإيران ترد عبر القناة نفسها.

وتم من خلال هذه القناة الاتفاق على قيام إيران بتقديم المساعدات لأي جنود

أمريكيين جرحى أو يضطرون للهبوط في الأراضي الإيرانية مقابل ضمانات

باحترام الولايات المتحدة سلامة وسيادة الأراضي الإيرانية ومجالها الجوي، كذلك

اتفق من خلالها على أن تقوم إيران بتقديم معلومات استخباراتية عمن تتهمهم

الولايات المتحدة بالتورط في الهجمات على نيويورك وواشنطن في مقابل منع إدارة

بوش لجماعة أمريكية من تقديم شكوى ضد إيران حول قضية احتجاز الرهائن عام

١٩٧٩م والمطالبة بتعويض يصل إلى ١٠ مليارات دولار.

٦- قيام العديد من المسؤولين الأوروبيين بزيارات لإيران؛ فقد تحولت

العاصمة طهران إلى محطة رئيسة لعدد من وزراء الخارجية الأوروبيين ومسؤولي

الاتحاد الأوروبي منهم وزراء خارجية بريطانيا وإيطاليا وألمانيا الذين انصبت

جهودهم على الترويج للحملة الأمريكية، وجاءت زيارة جاك سترو وزير الخارجية

البريطاني بعد يوم واحد من لقائه مع نظيره الأمريكي، وعلى الرغم من أن الجانب

الأمريكي نفى أن يكون سترو قد حمل رسالة مطالب أمريكية إلى إيران حول آليات

دعمها للحملة الأمريكية، غير أن الواقع يشير إلى عكس ذلك.

وهكذا طرقت إيران كل الأبواب الموصلة للباب الأمريكي، وفتحت أبوابها

لكل طارق من الجهة الأمريكية؛ فماذا ستجني إيران من كل هذه الأبواب المفتوحة؟

وقبل الإجابة نعرج على أبواب أخرى طرقتها إيران لرسم سياستها في

الأحداث الأخيرة.

* الجيران والحلفاء:

كما فرضت الأحداث على إيران إحداث تغييرات في سياسة الدولة تجاه

الولايات المتحدة، فقد فرضت الأمر ذاته مع باكستان. وكما لا يخفى أن علاقات

البلدين مشوبة بالتوتر وعدم الاتفاق؛ حيث ترى إيران أن (باكستان) كانت الداعم

الرئيس لحركة طالبان التي قضت على الآمال الإيرانية في أفغانستان، كما تعلم أن

وجود حكومة أي حكومة أفغانية لا تنال جانباً من الرضى الباكستاني عنها هو أمر

في غاية الصعوبة، ورأت إيران أن أوراقاً كثيرة لم تعد موجودة في أيديها، أو

على الأقل تخشى من سحبها في المستقبل القريب، فبادرت بالتنسيق على أعلى

المستويات مع الحكومة الباكستانية حول الأوضاع في أفغانستان، وهو ما عُد

اختراقاً سياسياً مهماً في العلاقة بين البلدين، تمثل ذلك في زيارة وزير الخارجية

الإيراني كمال خرازي لإسلام أباد، وقد وصف وزير الخارجية الباكستاني عبد

الستار نتائج اللقاء فقال: «إن الشمس ستشرق على العلاقات بين البلدين، وإن

باكستان وإيران تخلصتا اليوم من الظل الذي خيم على العلاقات بين البلدين» في

إشارة إلى نظام طالبان. وأبدى خرازي أيضاً موافقته لحديث نظيره الباكستاني

حيث قال: «إننا ندخل الآن حقبة جديدة في علاقاتنا، ولم تعد هناك فجوة بين

إيران وباكستان، وكلاهما يجب أن يلعبا دوراً مهماً في تشكيل حكومة ذات قاعدة

عريضة» . وقال في مقابلة مع قناة الجزيرة: «إن سياسة باكستان تغيرت بشكل

أساسي في الوقت الحاضر» . ويعد هذا التقارب الإيراني مع باكستان عامل قوة

للجانبين أمام الموقف الأمريكي الذي لم يُبق للدولتين وباكستان خاصة شيئاً من

الخصوصية للنظر في شؤون المنطقة.

وقد اعتبرت الصحف الإيرانية أن زيارة خرازي لباكستان وليس زيارة وزير

خارجية باكستان لإيران يضعف الموقف الإيراني، كما أنها جاءت بعد زيارات

متكررة لعدد من المسؤولين الإيرانيين لإسلام آباد مثل محسن أمين زاده مساعد

وزير الخارجية وبقائه هناك نحو عشرة أيام.

وفي الوقت الذي فتحت إيران باب التعاون مع باكستان، كان الباب ما زال

مفتوحاً مع مجموعة «٦ + ٢» في التباحث فيما يخص الشأن الأفغاني، وقد زار

وزير الخارجية الإيراني كلاً من طاجيكستان وتركمانستان للتشاور حول الأحداث،

كما زار الهند مساعده محسن أمين زاده وهو المسؤول عن الملف الأفغاني للتباحث

حول تنسيق الموقف بشأن الأزمة.

* الخسران المبين:

بعد سقوط حكومة طالبان، وتشكيل (الحكومة الأمريكية) الجديدة في كابل،

كان التسلسل الطبيعي للموقف الإيراني من الأحداث يقول إن كل ما قامت به إيران

وقدمته لأطراف الصراع يؤهلها لجني ثمار وفيرة وغنيمة باردة؛ فقطار التباكي

الطويل على أحداث ١١ سبتمبر كان من المفترض أن يليَّن القلب الأمريكي

المتحجر.

والدعم القوي والقديم لتحالف الشمال من جانب، والأحزاب الشيعية الأفغانية

من جانب آخر كان من المفترض أن يؤتي أكله بعد دخولها إلى كابل.

والتعاون الكبير الذي أبدته إيران مع الأمريكان، والذي أسمته هي بـ «

التعاون الإيجابي» والذي تلخص في قول محسن ميرد امادي رئيس لجنة الأمن

القومي في البرلمان: «إن أقصى ما يمكن أن ينتظره الأمريكان من إيران هو عدم

وقوفها في وجههم أو معارضة خططهم» . هذا التعاون كان يقتضي أن يأخذ

المحسوبون على إيران نصيبهم الوافر من كعكة الحكومة الجديدة في كابول.

والإشادة الأمريكية على غير عادتها بدور إيران البناء في العديد من المجالات

على حد قول ريتشارد هاس من خلال نشاطها من وراء الكواليس، واستخدام

نفوذها لدى تحالف الشمال؛ هذه الإشادة كانت تقتضي المكافأة العملية على أرض

الصراع.

إلا أن كل هذا لم يحدث، بل حدث عكس ذلك تماماً، وتحولت كثير من

الأحلام الإيرانية الوردية التي كانت تسعى إليها، وعلى رأسها إسقاط نظام

طالبان.. إلى كوابيس مقلقة للدولة الإيرانية بأسرها، وأضحى السعي الإيراني

الآن يتمحور حول قدرة النظام الإيراني على تقليل نسبة الأضرار التي لحقت

وستلحق به.

وتتمثل هذه الخسارة في نقاط عديدة، منها:

١- أن السياسة الأمريكية الراهنة خلال الأزمة فرضت على كثير من دول

العالم تقديم قرابين الطاعة التطوعية لإثبات البراءة من تهمة الإرهاب، وهو ما زاد

من الطغيان الأمريكي وجعلها تضع شروطاً وضوابط لكل من يريد التعاون معها في

مكافحتها للإرهاب! !

ولهذا كان الموقف الإيراني من طلب مكافحة الإرهاب عبر المؤسسات الدولية

غير مقبول لدى أمريكا، وصرح ريتشارد باتشر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية

أن الإدارة الأمريكية لن تكتفي من إيران بتعاون ظرفي ضد طالبان، بل تريد من

إيران قطع الجسور مع منظمات راديكالية مناهضة لـ (إسرائيل) ، وهذا ما دفع

خرازي للقول إنه لا ينبغي الخلط بين ما حدث في أمريكا والشرق الأوسط، وهذا

يعني أنه لكي تكسب إيران الرضى الأمريكي فإن عليها أن تفقد مكاسبها الحقيقية

التي تراكمت منذ عشرين عاماً في الشرق الأوسط من خلال التضحية بحزب الله

اللبناني، إما بإجباره على حل نفسه وتسليم أسلحته للسلطة اللبنانية والتحول نحو

العمل السياسي مع تفكيك بنيته العسكرية بالكامل، أو بتركه ليواجه مصيره إذا ما

كابر وقرر الاستمرار في نهجه، وكذلك الضغط على حركة الجهاد الإسلامي وهو

ما تم مؤخراً لإيقاف نشاطها ضد إسرائيل. وبهذا تفقد إيران ذراعها الموجودة في

المنطقة والصراع العربي الإسرائيلي، وهذا الفقدان بلا شك يضعف الموقف

الإيراني في المنطقة بشكل كبير.

٢- إن إيران لا زالت حتى اليوم على القائمة الأمريكية دولة راعية للإرهاب،

وهو ما يجعلها عرضة حقيقة لضربة أمريكية غير مستبعدة، وقد أكدت مستشارة

الأمن القومي الأمريكي كوندوليزا رايس بعد تشكيل الحكومة الأفغانية الجديدة «أن

الشعب الإيراني سليل حضارة عظيمة وهو يستحق قيادة أفضل مما لديه الآن! !

ولدينا مشكلة كبيرة مع إيران بشأن دعم الأنشطة الإرهابية المناهضة لأمريكا؛ لذلك

فإن علاقتنا مع إيران ستظل متوترة إلى حين تغيير السلوك الإيراني» .

كما أن توني بلير رئيس الوزراء البريطاني اتهم إيران في ديسمبر ٢٠٠١م

بأنها دولة داعمة للإرهاب، وتدرك إيران معنى التأكيد على هذا الأمر الآن في ظل

انفراد الولايات المتحدة بالمرجعية في مكافحة الإرهاب.

كما تلقت طهران تحذيرات من دولة أوروبية على علاقة وثيقة بإيران بشأن

المرحلة الثانية لحرب الولايات المتحدة على الإرهاب، وجاء التحذير مرفقاً بأسماء

شخصيات نصحت هذه الدولة إيران بإبعادهم عن المراكز التي يتولونها في الحرس

الثوري والاستخبارات الإيرانية.

٣- لم تفلح سياسة «الحياد الإيجابي» الإيرانية في إبعاد شبح الضربة

المتوقعة من الولايات المتحدة، وكررت إيران مع الولايات المتحدة في أفغانستان،

ما فعله رفسنجاني مع أمريكا في حربها ضد العراق، وقامت بـ «الحياد

الإيجابي» ، فردت الولايات المتحدة بالاحتواء المزدوج للعراق وإيران معاً.

٤- تعاني إيران من اضطرابات إقليمية مع دول جوار عدة: العراق،

وتركيا، وأذربيجان، ومن الممكن أن تضغط الولايات المتحدة على أكراد العراق

أو الحكومة التركية والأزربيجانية للعب دور المتحرش المستفز للدولة الإيرانية.

٥- إن سلمنا بنهاية «حكم» طالبان في أفغانستان وتشكيل الحكومة الجديدة،

إلا أن ذلك لا يعني استقرار الأوضاع في أفغانستان؛ فليست الولايات المتحدة من

يقول للاستقرار كن فيكون، ولن تنسى الأطراف المتحاربة عداءها القديم والمكاسب

والخسائر والحسابات الكثيرة التي اختلطت، ولا زال هناك أكثر من مليوني لاجئ

أفغاني في إيران، وهذا ما يجعل الاستقرار الإيراني أمراً مشكوكاً فيه. ومن

الطريف أن الاضطرابات بدأت باقتتال المجموعات الشيعية بعضها مع بعض! !

٦- جاءت الحكومة «الأمريكية» في أفغانستان على غير الهوى الإيراني؛

فالحكومة تضم عشرة وزراء يحملون الجنسية الأمريكية، والتمثيل الشيعي يعد

ترضية للشيعة في أفغانستان خشية من آثار التهميش السلبية؛ كما أن الوزارات

الثلاث التي أعطيت لهم التجارة، والحج، والزراعة ليست وزارات سيادية، كما

أن الوزراء كانوا خارج الأسماء الشيعية اللامعة الولاء لإيران.

٧- تشعر الولايات المتحدة بالقلق من تنامي القدرات الصناعية الإيرانية

وتطبيقات التقنية الحديثة في مجال التسليح التي مكنت إيران من إنتاج صواريخ

بالستية يمكن تحميلها بأسلحة كيميائية وبيولوجية ونووية أيضاً، وزاد من الريبة

الأمريكية إعلان علي شمخاني وزير الدفاع الإيراني أثناء زيارته لروسيا في شهر

أكتوبر الماضي أي بعد الأحداث أن إيران ستحصل على المفاعل النووي الذي

كانت قد تعاقدت مع روسيا عليه. ويأتي هذا الإعلان في هذا التوقيت بمثابة رسالة

للولايات المتحدة أن إيران عازمة على إكمال خططها النووية، وهو ما يعطي

الولايات المتحدة الذريعة للتفكير في توجيه ضربة استباقية للمنشآت النووية

الإيرانية قبل تدشينها.

٨- يدرك الإيرانيون قبل غيرهم أن للولايات المتحدة طموحاً كبيراً للوصول

للمنطقة، وأنهم يريدون إقامة طويلة ودائمة.

وجاءت الأحداث لتحاول أمريكا من خلالها تحقيق عدد من الفوائد، منها:

أ - محاصرة الحركات الإسلامية في منطقة آسيا الوسطى الآخذة في النمو

خاصة الجمهوريات الإسلامية، وإضافة ثقل الوجود العسكري للأنظمة

المحاربة لها.

ب - حصار التعاون العسكري الآخذ في النمو بين روسيا وإيران، ومنع

احتمالات تطوره إلى مرحلة أكثر تقدماً.

ج - إنشاء وجود عسكري أمريكي للمرة الأولى في آسيا الوسطى، بهدف

السيطرة على بحر قزوين، وذلك على غرار ما فعلته الولايات المتحدة في الخليج

العربي.

د - إيقاف النفوذ الصيني المتنامي في منطقة آسيا الوسطى، وتجريده من

حلفائه في المنطقة، وعلى رأسهم باكستان التي ذهبت مرغمة إلى الأحضان

الأمريكية.

هـ - إجهاض أي فرص للتعاون بين القوى الرئيسة في القارة؛ حيث كانت

هناك إرهاصات للتعاون بين كل من روسيا والهند والصين وإيران فيما

يشبه الحلف.

و إن استهداف وإضعاف النظام الإيراني باعتباره النموذج الذي نجح من

خلاله الأصوليون وإن كانوا شيعة في الوصول إلى الحكم، يعد ذلك مطلباً أمريكياً

ملحاً لتيئيس الأصوليين في العالم من محاولة السعي لتحقيق ما تحقق من ثورة

إيرانية.

وهكذا نرى أن إيران تعد من أكبر الخاسرين في الأحداث الأخيرة،

وأصبحت هدفاً محتملاً لضربة أمريكية تغير النظام أو تقوضه أو تضعفه وتحوله

إلى النموذج العراقي، والإيرانيون أنفسهم يشعرون بذلك؛ فقد سئل نائب الرئيس

الإيراني للشؤون الحقوقية محمد علي أبطحي: هل أنتم مطمئنون إلى عدم تعرضكم

لضربة أمريكية؟ فقال: تجربتنا التاريخية مع الأمريكيين لا تسمح لنا بمثل هذا

الاطمئنان.

فلا ذهاب حكم طالبان أراح إيران بعد أن خلفتها (حكومة أمريكية مؤقتة)

والوضع مرشح للعودة إلى ما قبل طالبان، ولا التباكي في الجنازة الأمريكية ألان

من القسوة الأمريكية على (الملالي) أصحاب الإصلاح، ولا الحياد الإيجابي مع

الأمريكان أرضاهم عن دولة ما زالت ضمن قائمة الإرهاب، ولا تحالف الشمال

وتحالف الأحزاب الشيعية جنوا لإيران على أرض الواقع شيئاً؛ وإن أقصى ما

يمكن أن تخرج به إيران من الأحداث هو الوصول إلى طريقة مناسبة لتقليل

الخسائر.


(١) صحيفة همشري «المواطن» ٢٩/١٠/٢٠٠١.
(٢) جريدة الحياة، ٦/١٠/١٤٢٢هـ.
(٣) الشرق الأوسط، ٣٠/٨/١٤٢٢هـ.
(٤) حسين علوي، إيران أمروز «إيران اليوم» ١٧/٩/٢٠٠١م.
(٥) جام جم «المرأة المسحورة» ١٥/٩/٢٠٠١م.
(٦) نوروز «اليوم الجديد» ٢١/٩/٢٠٠١م.
(٧) إيران أمروز «إيران اليوم» ١٧/٩/٢٠٠١م.
(٨) نوروز «اليوم الجديد» ٢١/٩/٢٠٠١م.
(٩) إيران أمروز «إيران اليوم» ١٧/٩/٢٠٠١م.
(١٠) لمعرفة المزيد عن خلفيات الاتصالات الإيرانية الأمريكية الأوروبية، راجع: ويل للعرب، مغزى التقارب الإيراني مع الغرب والعرب، عبد المنعم شفيق، مكتب الطيب القاهرة.