للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فوائد من كتاب

" الفوائد "

اختيار: أم عبد الرحمن

قيل في العلماء الصادقين أنهم أطباء القلوب، وذلك بما عندهم من فراسة

صادقة وهبها الله لهم من نوره الذي قذفه سبحانه في قلوبهم الممتلئة بالعلم والإيمان

والإخلاص واليقين. فتجد أحدهم يكشف لكل مريض عن سبب مرض قلبه بحذق

وفطنة وبصيرة نافذة.

ومن هؤلاء العلماء: ابن قيم الجوزية - رحمه الله - فإن معظم مؤلفاته

تُفصح عن مدى صدق فراسته، وعن مدى قدرته في تحليل خفايا النفوس المريضة

بالذنوب والأهواء. ومن كتبه التي تحمل تلك الصبغة كتاب (الفوائد) الذي اخترت

منه هذه الفوائد المنوعة والموجزة والتي أرجو الله أن يجعل فيها المنفعة والفائدة لكل

قارئ وقارئة.

* ليس كل من تحلّى بالمعرفة والحكمة وانتحلها كان من أهلها، بل أهل

المعرفة والحكمة الذين أحيوا قلوبهم بقتل الهوى.

* لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس

إلا كما يجتمع الماء والنار والضبّ والحوت.

* المعاصي سدٌ في باب الكسب، وإن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه.

* من أراد من العُمّال أن يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه من

العمل وبأي شغل يشغله.

* الدنيا جيفة، والأسد لا يقع على الجيف.

* من عظم وقار الله في قلبه أن يعصيه وقَّره الله في قلوب الخلق أن يُذِلّوه.

* للعبد رب هو ملاقيه وبيت هو ساكنه، فينبغي له أن يسترضي ربه قبل

لقائه ويعمر بيته قبل انتقاله إليه.

* إذا حمَّلت على القلب هموم الدنيا وأثقالها وتهاونت بأوراده التي هي قوته

وحياته، كنت كالمسافر الذي يحمِّل دابته فوق طاقتها ولا يوفيّها علفها فما أسرع ما

تقف به.

* عيَّر سبحانه من رضي بالدنيا من المؤمنين فقال: [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا مَا

لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ

الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إلاَّ قَلِيلٌ] [التوبة ٣٨] .

وعلى قدر رغبة العبد في الدنيا ورضاه بها يكون تثاقله عن طاعة الله وطلب

الآخرة.

* الإخلاص: هو ما لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا عدو فيفسده ولا يعجب به

صاحبه فيبطله.

* ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية.

* لا يشم عبد رائحة الصدق ويداهن نفسه أو يداهن غيره.

* الجهَّال بالله وأسمائه وصفاته المعطِّلون لحقائقها يُبغِّضون الله إلى خلقه

ويقطعون عليهم طريق محبته والتودد إليه بطاعته من حيث لا يعلمون.

* وقار الله:

من أعظم الظلم والجهل أن تطلب التعظيم والتوقير لك من الناس وقلبك خالٍ

من تعظيم الله وتوقيره، فإنك توقر المخلوق وتجلّه أن يراك في حال لا توقر الله أن

يراك عليها، قال تعالى: [مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وقَاراً...] [نوح: ١٣] .

ومن وقاره ان لا تعدل به شيئاً من خلقه ... ، ولا يجعله على الفضلة ويقدم

حق المخلوق عليه، ولا يكون الله ورسوله في حدّ وناحية، والناس في ناحية وحدّ، فيكون في الحدّ والشق الذي فيه الناس دون الحدّ والشق الذي فيه الله ورسوله،

ولا يعطي المخلوق في مخاطبته قلبه ولبّه ويعطي الله في خدمته بدنه ولسانه دون

قلبه وروحه، ولا يجعل مراد نفسه مقدماً على مراد ربّه. فهذا كله من عدم وقار

الله في القلب، ومن كان كذلك فإن الله لا يُلقي له في قلوب الناس وقاراً ولا هيبة،

بل يسقط وقاره وهيبته من قلوبهم، وإن وقّروه مخافة شره فذاك وقار بُغضٍ لا وقار

حُبٍ وتعظيم. ومن وقار الله أن يستحي من اطّلاعه على سرّه وضميره فيرى فيه

ما يكره. ومن وقاره أن يستحي من أكابر الناس.

* مواساة المؤمنين:

المواساة للمؤمنين أنواع: مواساة بالمال، ومواساة بالجاه، ومواساة بالبدن

والخدمة ومواساة بالنصيحة والإرشاد، ومواساة بالدعاء والاستغفار لهم، ومواساة

بالتوجع لهم. وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة. فكلما ضعف الإيمان ضعفت

المواساة، وكلما قوي قويت. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم

الناس مواساة لأصحابه بذلك كله، فلأتباعه من المواساة بحسب اتباعهم له.

* شرف النفس:

قال شقيق بن إبراهيم: أُغلق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء:

اشتغالهم بالنعمة عن شكرها، ورغبتهم في العلم وتركهم العمل، والمسارعة إلى

الذنب وتأخير التوبة، والاغترار بصحبة الصالحين وترك الاقتداء بفعالهم، وإدبار

الدنيا عنهم وهم يتبعونها، وإقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها. قلت: وأصل

ذلك عدم الرغبة والرهبة، وأصله: ضعف اليقين، وأصله: ضعف البصيرة،

وأصله: مهانة النفس، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.