للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قراءة في كتاب

صناعة القرار السياسي الأمريكي

عرض وتلخيص: حسن الرشيدي

(دعونا ألاَّ ننشر غسيلنا القذر) .

بهذه الكلمات المريرة ختم المتحدث باسم البيت الأبيض الأمريكي تصريحاته

إلى الصحفيين، وكان يرد على سؤال وُجِّه إليه عن التناقض في تصرفات الإدارة

الأمريكية حينما أعلنت عن عودة الدبلوماسيين الأمريكيين إلى السفارة الأمريكية في

الخرطوم، وبعد ٢٤ ساعة عادت الإدارة لتتراجع عن كلامها السابق مما حدا بكثير

من المراقبين إلى إرجاع ذلك إلى اختلاف وجهات نظر المسؤولين عن صناعة

القرار داخل دوائر السياسة الأمريكية، وهو الأمر الذي جعل وزير خارجية

السودان يصرح قائلاً: إن مستوى صناعة القرار في الولايات المتحدة قد تدنى إلى

أقل درجة.

إنه منذ عام ١٩٤٥م لم يعد القرار السياسي الأمريكي شأناً داخلياً خاصاً

بأمريكا فقط؛ إذ امتد ليشمل دول العالم خاصة بعد الحرب الباردة وانتهاء معادلة

القطبين ليسود ما يعرف بالقطب الواحد؛ وهو أيضاً قرار غير محايد؛ فهو يعتمد

مبدأ أساساً هو المصلحة العليا للولايات المتحدة على حساب كل دول العالم وشعوبها؛ بل إن الولايات المتحدة قد تسلمت الراية: راية الصليب؛ لتقود الحملة الصليبية

الجديدة على عالمنا الإسلامي، ولذلك تَحَتَّم دراسة هذا القرار ليس من الخارج ولكن

من الداخل، أي: دراسة صنع القرار وليس القرار نفسه، وهو ما يعني الحركة

التي تتحكم بخلفية السياسة التي تقود إلى إصدار هذا القرار.

ومن هنا جاءت دراسة منصف السليمي (صناعة القرار السياسي الأمريكي)

وهي في الأصل رسالة نال بها المؤلف درجة دبلوم الدراسات العليا ومنحتها له لجنة

مكونة من أربعة أساتذة وفقهاء مرموقين بحقول معرفية متعددة.

يقول المؤلف: ولقد تطلبت هذه الدراسة نَفَساً طويلاً؛ لأننا توخينا تجاوز

الحالة الساكنة للمؤسسات والهيئات التي تشارك في صناعة القرارات وإن كانت هي

الوعاء الذي تجري داخله العملية بحثاً عن السياقات التي تجري فيها العلاقات

والاتصالات بين المؤسسات والأشخاص، وهي مسألة حفتها مصاعب وحواجز

معرفية وأخرى منهجية جمة لا تقل عن تعقيد الشروط الموضوعية والتاريخية

والنفسية التي تشكل بيئة القرار السياسي، ولا عن الغموض والسرية المقصودة

وغير المقصودة التي تحيط بعمل المؤسسات والأشخاص والاتصالات.

اعتمد المؤلف المستويات الآتية في بحثه:

يركز الباب التمهيدي من هذا الكتاب على تعقب الإنجازات التي تحققت حول

الموضوع في مختلف حقول المعرفة ومتابعتها: الفكر السياسي، والأنتروبولوجيا.

وخصص الباب الأول لرصد حصيلة إنجازات العلوم الحديثة بفروعها

الاجتماعية والقانونية، وأخيراً علم السياسة، كما يتضمن محاولات نقدية لهذه

الإنجازات.

وفي الباب الثاني يعرض المؤلف السياقين: التاريخي، والنظري لعملية

صناعة القرار السياسي في الولايات المتحدة ليؤسس عليهما في الباب الثالث اجتهاده

في تحليل الكيفية التي يجري بها صناعة القرار السياسي متسلحاً بأسلحة البحث

السابقة.

وسوف نقوم بعرض تلخيص للباب الثالث الذي هو لب البحث وغايته:

في هذا الباب يحاول الكاتب توظيف الحصيلة النظرية التي استفاد بها في

البابين الأول والثاني لدراسة مظاهر صناعة القرار الأمريكي، فيقول: ضمن

السياق التاريخي والمجتمعي الذي يميز العملية السياسية الأمريكية يمكن فهم صناعة

القرار السياسي؛ فهي نظام مركب من جملة الأدوار السياسية التي تقوم بها البنيات

الدستورية والسياسية من أجل إيجاد حلول للقضايا السياسية.

ثم يطرح الباحث السؤال الرئيس في هذا الباب: ما هي عناصر عملية

صناعة القرار السياسي الأمريكي وخصائصه؟

يقول: هي إشكالية نحاول الإجابة عنها من خلال ثلاثة محاور أساسية:

البنيات السياسية والدستورية (الفصل الأول) ، الأجهزة التنفيذية (الفصل

الثاني) ، الهيئات والجماعات المؤثرة (الفصل الثالث) .

الفصل الأول: البنيات السياسية والدستورية:

يقول الباحث: تبنى مرجعية هذه البنيات على أسس متعددة: إما باعتبار

صلاحيتها الدستورية والقانونية أو باعتبارها مصدر سلطة ونفوذ سياسي أو

لاعتبارات تخصصية وظيفية تؤديها داخل النظام السياسي، ويمكن تعيين هذه

الوحدات وفق التصنيف التالي:

١- الرئاسة:

يعتبر رئيس الدولة هو الممسك الفعلي بزمام السلطة التنفيذية حسب الدستور

الأمريكي في المادة (٢) وبحكم رئاسته للدولة والحكومة فهو يرسم السياسة العامة،

وله سلطة البت والتقرير في مجموع خططها وبرامجها؛ ونظراً لبنية النظام

الرئاسي فإنه لا وجود لمجلس وزراء يهيمن على مصالح الدولة، ولا وجود لمبدأ

التضامن الوزاري عن القرارات والسياسة العامة، وهكذا فإن السلطة التنفيذية

الفعلية تبقى في يد الرئيس، وأنه إذا استشار رئيس الدولة وزراءه فإن آثار

الاستشارة تنحصر في مجرد المناقشة وتبادل الرأي، أما القرار النهائي فيتخذه

رئيس الدولة بمحض اختياره وإرادته، ويستشهد الباحث بقول أبراهام لنكولن عندما

لاحظ مخالفة وزرائه السبعة له: (إن سبعة في هذا المجلس يقولون: لا، وإن

واحداً يعني نفسه يقول: نعم! إذن نعم تغلبت على لا) .

ورغم أن الكونجرس يتمتع بسلطة إعلان الحرب فإنه لم يعلن الحرب إلا في

خمس مناسبات، بينما نفذت القوات الأمريكية عشرات العمليات العسكرية بأوامر

من السلطة التنفيذية (الرئيس) دون إعلان رسمي عنها من قِبَلِ الكونجرس.

وفي مجال الإدارة يرأس الرئيس فعلياً الإدارة الفيدرالية، ويعين كبار

موظفيها بعد إقرار الكونجرس. ويبلغ عدد موظفي الإدارة الفيدرالية حوالي ألفي

موظف من كبار مسؤولي الدولة ورؤساء الوكالات والمصالح الإدارية، ونتج عن

تضخم الجهاز التنفيذي تضخم كبير في سلطات الرئيس مقابل الكونجرس.

وفي المجال الدبلوماسي يخول الدستور الرئيس سلطات واسعة؛ فهو الذي

يحدد برامج السياسة الخارجية، ويعقد الاتفاقيات والمعاهدات، ويقوم بعملية

التفاوض مع الدول وتعيين السفراء؛ ولكن في مجال المعاهدات فإن الدستور يقيد

القرار الدبلوماسي للرئيس بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ في حالة عقد

المعاهدات.

إلا أن الرئيس يفلت في الواقع من مراقبة مجلس الشيوخ لقراراته في مجال

السياسة الخارجية باللجوء إلى الاتفاقيات التنفيذية، ويعني الاتفاق التنفيذي اتفاقاً

بين الرئيس ودولة أجنبية له قوة القانون وتشكل هذه الاتفاقات النسبة الغالبة من

الاتفاقيات التي تبرمها الولايات المتحدة مع الدول الأجنبية، والمثال الواضح في

عهد ريجان عام ١٩٨٦م، وفضيحة إيران جيت.

أما في المجال التشريعي فلا يمنح الدستور الأمريكي الرئيس صلاحية التقدم

بمشاريع القوانين؛ لكنه يتمتع بحق الاعتراض (الفيتو) على القوانين التي يقرها

الكونجرس، ولا يسقط الاعتراض إلا في حالة التصويت مرة ثانية عليه بأغلبية

الثلثين بعد قراءة جديدة، ويمكن للرئيس لفت نظر الكونجرس لقضايا تشريعية

معينة وذلك من خلال النواب الذين يمثلون الحزب في المجلسين بحكم الوضع

القيادي الذي يتوفر عليه الرئيس داخل الحزب.

ويؤكد الباحث أن تكوين شخصية الرئيس تمكنه من توسيع مجالاته في إصدار

القرار:

كما أن للتكوين الديني والمسيحي تأثيراً على تقييم الأحداث؛ ويبدو ريجان

مثالاً واضحاً لذلك؛ إذ كان يطلق عبارات وتقييمات أخلاقية على الأحداث؛ مثلاً:

يصف الاتحاد السوفييتي بأنه الشر، وعرفت فترته صدور عدة قرارات على

مستوى داخلي وخارجي لتشجيع النشاط الأصولي المسيحي، وكان يرفع الإنجيل

خلال حملته الانتخابية.

كذلك أثرت شخصية كلينتون وكونه من الطبقة الوسطى في تركيزه على

القضايا الاجتماعية والاقتصادية؛ وهي القضايا التي تشكل محور اهتمام هذه الطبقة.

والواقع أن العوامل الشخصية والظروف السياسية لها دور كبير في اتخاذ

الرئيس الوضع الأقوى داخل صنع القرار؛ إذ إنه بالنظر إلى ٤٣ رئيساً لأمريكا

منذ عهد جورج واشنطن إلى عهد كلينتون نجد أوضاعاً متباينة بالنسبة لسلطة

الرئيس في قراره السياسي.

٢ - الكونجرس:

يتألف الكونجرس من مجلسين: الشيوخ، والنواب.

يمثل مجلس النواب السكان على أساس التمثيل العددي، ويضم ٤٣٥ عضواً، وتدوم ولايته النيابية سنتين. أما مجلس الشيوخ فيتساوى فيه تمثيل الولايات؛

حيث ينتخب الناخبون في كل ولاية نائبين بغض النظر عن عدد السكان. وعدد

أعضاء مجلس الشيوخ مائة عضو، وتدوم مدة العضوية ستة أعوام يجدد ثلثهم كل

سنتين.

ويخول الكونجرس صلاحيات في مجالات عديدة:

فالمجال التشريعي يختص به الكونجرس ويقدم مشروع القانون أحد أعضاء

الكونجرس إلى المجلسين، ولكن مشاريع القوانين المتعلقة بالزيادة في الواردات يتم

تقديمها إلى مجلس النواب فقط.

ويحال مشروع القانون إلى لجنة منبثقة من الكونجرس التي تقوم بدراسته

والموافقة عليه ثم يقدم إلى كل مجلس للموافقة عليه ليقدم في النهاية إلى الرئيس من

أجل التوقيع، ويمنح مهلة عشرة أيام للتوقيع، ويمكنه استخدام النقض حق (الفيتو)

خلال هذه المدة بإعادة النص إلى الكونجرس لمراجعته، وفي هذه الحالة يقتضي

الحصول على ثلثي الأصوات في كل مجلس ليتفادى نقض الرئيس.

لقد شكل الكونجرس حتى بداية القرن الحالي محور النظام السياسي الأمريكي

والمرجع التقريري الأول في السياسة العامة للدولة مع وجود استثناءات في حال

ظهور أدوار قيادية لبعض الرؤساء كالرئيس أبراهام لنكولن.

والسنوات الخمسون (١٩٢٠-١٩٧٠م) شهدت تراجعاً في دور الكونجرس

مقابل ظهور دور المؤسسة الرئاسية؛ ولكن الإصلاحات التي أقرها الكونجرس

عامي ١٩٧٢، ١٩٧٤م أعادت له نسبياً مركزه داخل النظام السياسي؛ إذ أصبح

يتوفر على إمكانيات وتقنيات تمكنه من المشاركة في قرارات الرئيس ومراقبة

قرارات الجهاز التنفيذي؛ إذ أصبح عدد الموظفين والخبراء ثلاثة آلاف موظف

وخبير، بينما يبلغ عدد المستخدمين لحساب النواب والشيوخ بشكل خاص أربع

أمثال هذا العدد، ويتوفر للكونجرس أرشيف ومكتبة تضم ملايين العناوين، وتعد

من أكبر المكتبات في العالم، ويبقى الجدل الذي يثور في أمريكا دائماً عن مدى

استقلالية قرارات الكونجرس إزاء التحويلات المكثفة التي يتلقاها من جماعات

الضغط التي تمارس نفوذها المباشر على البرلمانيين.

٣ - الجهاز القضائي:

يتألف الجهاز القضائي في الولايات المتحدة من المحكمة العليا باعتبارها في

أعلى هرم السلطة القضائية، ومحاكم الولايات - وهي محاكم عادية - تتولى النظر

في قضايا القانون العام. كما توجد بعض المحاكم الفيدرالية المتخصصة مثل محكمة

الادعاءات وهي محكمة فيدرالية مختصة بالنظر في الجرائم المرتكبة ضد الدولة،

ومحكمة التجارة الدولية، ومحكمة الضريبة.

وتتلخص وظيفة المحكمة العليا في البت في القضايا التي تنشأ بسبب النزاع

أو الخلاف بين الولايات والحكم الفيدرالي على الخصوص، أو فيما يتعلق بتطبيق

الدستور؛ لكنها لا تقوم بمراجعة قرارات محاكم الولايات المتعلقة بالقوانين الداخلية

للولايات، ومنذ عام ١٨٠٣م أصبح النظام القضائي الأمريكي هو الحكم الفصل بين

السلطات ومساوياً لها.

ففي نهاية القرن التاسع عشر وإلى غاية منتصف الثلاثينات لعبت المحكمة

العليا دوراً هاماً تجلَّى في منع تنفيذ قرارات حكومية كثيرة، وفي عام ١٩١٧م قال

القاضي هيرز: نحن محكومون من قِبَلِ دستور؛ ولكن هذا الدستور هو ما نقول:

إنه هو.

وفي عام ١٩٣٦م ألغتْ المحكمة العليا عدداً من القوانين البرلمانية والتنظيمات

التي سُنت في عهد الرئيس روزفلت، وعندما أثيرت فضيحة ووترجيت عام

١٩٧٤م كان لاجتهاد المحكمة العليا بعدم أحقية الرئيس الاحتفاظ بأسرار ومعلومات

يكون لإعلانها أثر على سير العدالة ودورها في مجريات هذه القضية التي أدت إلى

استقالة الرئيس نيكسون.

الفصل الثاني: الأجهزة التنفيذية:

تنبثق هذه الأجهزة من الرئاسة؛ فهي امتداد لها، ولقد أدى تشعب

المسؤوليات الرئاسية إلى بروز دور هذه الأجهزة في صياغة القرار السياسي

الأمريكي.

وحاول الباحث التركيز على أهم هذه الأجهزة التي تتدخل بشكل ما في

صناعة القرار.

أولاً: الإدارة:

هناك جملة من المميزات التي يمكن القول: إنها تميز الحياة الإدارية

الأمريكية، وهي:

الاتساع العددي لطاقم الموظفين العاملين في الأجهزة الإدارية الفيدرالية

ليناهز الملايين، وكانت من ضمن أهداف كلينتون في حملته الانتخابية؛ حيث

قال: (إن الإدارة الفيدرالية تتخللها بيروقراطية قائمة على التسلسل القيادي والمصالح الخاصة منبعها السلطة المترسخة والمال) .

تسعى هذه البيروقراطية من خلال المعلومات التي تقدمها لدوائر القرار

والتعقيدات والملابسات التي تحيط بها وظائفها - تسعى لممارسة ضغوط على

الرئيس باتجاهات متعددة لتسير بالقرارات وفق آراء ومصالح معينة.

كذلك تنشأ علاقات بين موظفي الإدارة والخبراء الحكوميين وبين أعضاء

الكونجرس من جهة، ومن جهة أخرى مع المجموعات الصناعية والتجارية،

تتبادل فيها المصالح والصفقات مما يؤدي إلى نتائج خطيرة على مستوى عملية

صناعة القرار.

انسياب المعلومات وتدفقها من الأجهزة الإدارية وخصوصاً المؤسسات

الاستراتيجية في الدولة لدوائر تشريعية أو مؤسسات خاصة.

\يتجلى ثقل البيروقراطية في القرارات السياسية التي تعالج قضايا مزمنة

كالبطالة والإصلاح الاقتصادي؛ نظراً للوقت الذي تستغرقه بلورة الاختيارات

والبدائل التي تعتمد لاتخاذ القرار النهائي.

ثانياً: مجلس الأمن القومي:

أنشئ المجلس عام ١٩٤٧م بمقتضى قانون الأمن القومي، وتتمثل وظيفته

الأساسية في تنسيق جميع أنشطة المصالح والمؤسسات المهتمة بالأمن القومي

وتحديد الأهداف العامة والخطط المتعلقة بقضايا الأمن القومي.

ويرأس رئيس الدولة بنفسه أعمال المجلس، ويضم وزير الخارجية والدفاع

والخزانة ورئيس هيئة الأركان العامة، ويمكن دعوة عدد من كبار الموظفين حسب

حاجة الموضوع محل الاهتمام.

ويتولى مستشار الأمن القومي عملية تنسيق الأعمال التي يقوم بها المجلس،

وخلال حرب الخليج كانت اجتماعات المجلس تضم في الغالب الرئيس بوش،

وسكراو كرونت مستشار الأمن القومي، وجيمس بيكر وزير الخارجية، وديك

تشيني وزير الدفاع، وكولن باول رئيس هيئة الأركان، ونائب وزير الدفاع ونائب

مستشار الأمن القومي، ومدير المخابرات، ومدير مكتب البيت الأبيض؛ ونظراً

لأهمية القضايا التي تطرح على مجلس الأمن القومي فهناك من يطلق عليه: مجلس

وزاري ضيق، أو مجلس الحرب.

وقد حدد مجلس الأمن القومي شروط قرار الأزمة من خلال جملة من

المؤشرات:

- ضيق الوقت وعدم إمكانية القيام بالإجراءات الروتينية لجمع المعلومات.

- التهديد باستخدام القوة والعنف.

- عدم توفر المعلومات الكافية للتوصل إلى حل أو تسوية.

وقد قال كلينتون بعد انتخابه مباشرة: إن السنوات الأربع المقبلة ينبغي أن

تكون حداً أقصى لوضع خطة جديدة لقيادة العالم، وإن انتهاء الحرب الباردة حتمت

الحاجة إلى فريق في البيت الأبيض ليس هدفه مقاومة التغيير بل تحديد شكل

التغيير ووضع سياسة جديدة للأمن القومي.

ثالثاً: وكالة المخابرات المركزية (C. I. A) :

تتلخص وظائف الوكالة في ثلاث وظائف رئيسة:

- تقديم المعلومات والمعطيات في الميادين الاستراتيجية: العسكرية

والسياسية والاقتصادية لمجلس الأمن القومي ولدائرة القرار في مجال السياسة

الخارجية.

- تقديم التحليلات والتقويمات والتقديرات للأوضاع السياسية والعسكرية

والاقتصادية والاستراتيجية في بلدان العالم بناء على طلب مجلس الأمن القومي أو

الرئيس، أو عندما تتبلور لدى مسؤولي الوكالة تقويمات بشأن أوضاع بلد أو منطقة

معينة في العالم.

- القيام بأعمال أو عمليات سرية في الخارج لتنفيذ أهداف استراتيجية أو

سياسية أو عسكرية محددة في إطار برنامج السياسة الخارجية الأمريكية.

وأنشطة المخابرات تخضع بالكامل لسيطرة الرئيس وجهازه التنفيذي؛ ولكن

الكونجرس يتابع هذه الأنشطة من مدخلين:

- الاعتمادات المالية المخصصة لها.

- التحقيق ومراقبة أعمالها، وذلك من خلال لجنة دائمة.

كذلك فإن المحكمة العليا أقرت عام ١٩٧٣م أثناء فضيحة ووترجيت مبدأً وهو: أن الرئيس ليس مخولاً بالاحتفاظ بسرية معلومات من شأن الإعلان عنها التأثير

على مجريات وحيثيات العدالة.

إن قوة هذه الوكالة وتأثيرها على العملية السياسية الأمريكية تنبع من عاملين:

١- الإطار السري الذي يحيط بعملها الذي يحميه التشريع الأمريكي.

٢- الميزانية الضخمة التي تتوفر عليها (٣٠ مليار دولار سنوياً) وهذه

تتجاوز ميزانية دولة مثل المغرب.

ومن مظاهر تأثير الوكالة في صنع السياسة الخارجية:

في عام ١٩٦١م عندما كشفت عن وجود منصات الصواريخ الروسية في

كوبا وهو ما استند عليه الرئيس كنيدي في قراره بمحاصرة كوبا.

أخفقت الوكالة في تقديراتها بالنسبة لفييتنام مما أدى إلى تورط أمريكا في

حرب خاسرة.

وبالنسبة للتعامل مع الحركات الإسلامية يجري تنفيذ استراتيجية أعدتها

الوكالة، وقد فسر وليام كوانت مستشار الأمن القومي في عهد كارتر والمشرف على

قسم دراسات الشرق الأوسط في معهد بروكنز للدراسات الاستراتيجية بواشنطن

حالياً فسر هذه السياسة بقوله: (إن الاتصال بزعماء هذه الحركة لن يغير من

استراتيجية الولايات المتحدة سواء في مواجهة خطر هذه الحركات أو دعمها

للأنظمة الصديقة التي توجد بها، وغاية ما في الأمر أن الولايات المتحدة حريصة

على الاتصال بمخالفيها الرأي لمعرفة ماذا ينوون فعله (وكان كوانت يرد على

انتقادات مصرية وجهت للإدارة الأمريكية خلال عام ١٩٩٣م بسبب اتصالات جرت

بين عناصر من الوكالة وزعماء إسلاميين مصريين.

وتقيم الوكالة علاقات اتصال دائمة في منطقة الشرق الأوسط مع كبار

المسؤولين في الدول.

يقول الملك الحسن في مذكراته: إذا كان حبل التفاهم موصولاً بين الدول

خارج القنوات الرسمية التقليدية بواسطة المخابرات فحينئذ يكون الاقتناع من أن

الرسالة ستصل مباشرة دون أن تكون موضع تعليق أو تصل إلى شخص آخر،

وتلك طريقة أمارسها مع عدد معين من البلدان.

ولعبت اتصالات وكالة المخابرات المركزية مع منظمة التحرير الفلسطينية

دوراً حاسماً في خلق أجواء الحوار الأمريكي - الفلسطيني التي كان من آثارها فيما

بعد القرارات المتعلقة بتسوية قضية الشرق الأوسط.

وإثر اغتيال كنيدي عام ١٩٦٣م برزت في الساحة الأكاديمية والسياسية

الأمريكية نظرية تدعم اتجاه تحليل القرار السياسي الأمريكي من منطلق دورٍ رئيسٍ

تقوم به الوكالة وتتحكم من خلاله في مختلف أطراف العملية السياسية، ويطلق على

هذه النظرية: نظرية المؤامرة التي قوامها بناء الرأي عند تحليل الحدث أو الموقف

أو القرار السياسي على المعلومات أو التقارير السياسية التي تقف وراء الحدث أو

القرار، وأن المظاهر لا تعني سوى التمويه وإخفاء الفاعلين الأساسيين الحقيقيين

(أي رجال المخابرات) . وجرى استخدام هذه النظرية في تحليل القرارات السياسية

الأمريكية في عدد من مناطق العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط، ولكن - كما

يوضح الباحث - فإن هذه النظرية تضفي على الولايات المتحدة هالة أسطورية

خارقة من القوة تجعلها تتصرف في العالم كله، كما لو كان خاتماً في إصبعها.

وهذا لا يقلل من خطورة الوكالة؛ فلم يرصد لها المبالغ الطائلة والقوة البشرية

الهائلة لنشر النشاطات الثقافية في العالم؛ بل لتكون الجهاز التنفيذي الأكثر نجاعة

وفعالية داخل عملية صناعة القرار السياسي الأمريكي في مختلف مراحله: إعداداً

ودراسة وتقريراً ومتابعة وتنفيذاً.

رابعاً: وزارة الدفاع:

تتألف المؤسسة العسكرية من ثلاث وحدات رئيسة:

قسم وزارة الدفاع التي يرأسها وزير مدني وهو المسؤول الإداري المكلف

بشؤون الدفاع، ويخضع لرئيس الدولة مباشرة.

قسم هيئة الأركان التي تتولى تقديم المشورة العسكرية لرئيس الدولة،

وتشرف على هيئات وقادة جيوش البر والبحر وسلاح الجو.

قسم القيادات المتمركزة في جميع أنحاء العالم التي يشرف عليها قائد

القيادات وله صلة إدارية بوزير الدفاع ويخضع لإشراف واتصال من قِبَلِ رئيس

هيئة الأركان المشتركة.

وهي عشر قيادات: قيادة الأطلسي، القيادة المركزية، الأوروبية، قيادة

القوات، الباسفيك، القيادة الحكومية، الفضاء، العمليات الخاصة، الجوية

والاستراتيجية، النقليات.

وأثناء الهجوم على ليبيا عام ١٩٨٦م صرح ريشارد ميرل مساعد وزير الدفاع

آنذاك: بأن الولايات المتحدة ستستخدم قواعدها العسكرية حسب ما ترتئيه القيادة

العسكرية دون الرجوع للحكومة.

أما اتخاذ القرار العام بشأن المناورات في خليج ليبيا فقد اتخذ على مستوى

آخر، وحسب صحيفة هيرالد تريبيون فإن البدء بالمناورات تقرر بناءاً على

مداولات بين مسؤولين من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والـ C. I. A والبيت

الأبيض.

وإذا كانت مساهمة المؤسسة العسكرية في صناعة القرار العسكري تعتبر

محورية فإن دورها في القرارات السياسية ذات الطابع الدبلوماسي أو الاقتصادي لا

يقل أهمية؛ حيث إن القرار السياسي الأمريكي هو نتاج تحالف نخبة عسكرية

وبيروقراطية إدارية، وأصحاب الصناعات الكبرى الاستراتيجية تؤلف بمجموعها

ما يصطلح عليه في أمريكا بمركب صناعي عسكري بيروقراطي، وتفسر عدة

قرارات سياسية أمريكية على أساس صفقات عسكرية اقتصادية يبرمها تحالف

اللوبي الصناعي والتكنولوجي والقيادات العسكرية في البنتاجون مع الدول الأجنبية

فلا يكون أمام مسؤولي البيت الأبيض - وأحياناً وزير الدفاع نفسه - سوى

الإذعان والتواطؤ. ومن أمثلة ذلك: صفقة الأسلحة التي تمت بين إدارة ريجان

وإيران عام ١٩٨٦م.

خامساً: الجهاز الدبلوماسي:

ينقسم عمل وزارة الخارجية حسب التوزيع الجغرافي إلى إدارات: إدارة

أوروبا، شؤون القارة الأمريكية، شؤون الشرق الأوسط وأدنى شرق آسيا،

الشؤون الإفريقية، المنظمات الدولية.

وحسب الناحية الفنية: الشؤون القانونية، الاقتصادية، المراسيم، الاتصال

والإعلام، التخطيط السياسي، الأبحاث والاستخبارات.

وتشكل سفارات الولايات المتحدة بالخارج حلقة أساسية لتنفيذ القرارات

المتعلقة بالبلد المعنيِّ ومتابعة سير العلاقات وتطورها، وتُعتمد تقارير السفارات

مصدراً رسمياً للمعلومات والتقييم والآراء.

وأكبر مثال على تأثير العملية الدبلوماسية في القرار هو دور جلاسبي سفيرة

الولايات المتحدة بالعراق؛ حيث أدى كلامها مع الرئيس العراقي قبل الغزو وقولها

بعدم ممانعة الإدارة الأمريكية من مطالبة العراق بحقوقه من الكويت والإمارات،

وأن الولايات المتحدة لا تتدخل في الصراعات العربية - العربية أدى هذا إلى

اعتبار الرئيس العراقي ذلك بأنه ضوء أخضر أمريكي لتحرشاته بالخليج؛ ولكن

مساهمة السفارات في تكوين الرأي لدى الإدارة المركزية يكون وفق معايير سياسية

تتحدد بناء على اختيارات وأولويات البرامج السياسية للحكومة. ومثال ذلك:

معيار حقوق الإنسان، ومعيار مكافحة الإرهاب والمخدرات؛ ولكن هذه

التقنية الدبلوماسية تحفها في الواقع بعض الشروط التي تبعدها عن أهدافها، وظهر

ذلك في عهد الرئيس بوش عندما خضع لضغط اللوبي اليهودي كي لا يُنشر تقرير

أعدته السفارة الأمريكية بتل أبيب عام ١٩٩١م عن الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق

الإنسان الفلسطيني.

ويتجلى المظهر الثاني في تطبيق المعايير من جانب الدول المعنية نفسها

عندما تنهج إلى تكتيك سياسي ودعائي يتطابق مع المعايير السياسية المعنية كأن

يركز الخطاب السياسي للدولة على حقوق الإنسان أو تثير الدولة مسألة الخصوصية

الثقافية والحضارية فتظهر الولايات المتحدة حينها بمظهر تدخلي في الشؤون

الداخلية للدولة.

ولعبت شخصية وزير الخارجية دائماً دوراً كبيراً في توجيه القرار الأمريكي،

ومثال ذلك: شخصية كيسنجر اليهودي الألماني الذي تولى منصب وزير الخارجية

في عهد نيكسون الذي اشتهر بمساعدته الدائمة لإسرائيل على الخروج من مآزقها

العسكرية والدبلوماسية.

الفصل الثالث: الهيئات والجماعات المؤثرة:

المبحث الأول: الأحزاب السياسية:

يسيطر على النظام الحزبي في الولايات المتحدة حزبان: الحزب

الديموقراطي معبراً عن فئات الطبقة الوسطى والاتجاه التحرري في القضايا

الاجتماعية والحزب الجمهوري معبراً عن نزوع الفئات الميسورة التي تجمع بين

السلطة الاقتصادية والنفوذ السياسي.

ويرى بعض علماء السياسة أن السنوات الأخيرة اتسمت بتراجع دور

الأحزاب في تشكيل الفريق التنفيذي الذي يعينه الرئيس.

ويرى موريس ديفرجيه: (أن ظاهرة جديدة تميز الأحزاب الأمريكية: فبدل

أن يصبح تأثيرها على البرلمانيين المنتمين للحزب يصبح البرلمانيون مصدر تأثير

وتوجيه للحزب) .

ويمكن القول: إن القضايا الخلافية بين الحزبين تظهر في ميادين السياسة

الداخلية أكثر منها في حقل السياسة الخارجية، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال

الاستمرارية التي طبعت قرارات الولايات المتحدة إزاء مفاوضات الشرق الأوسط

وأزمة الخليج.

المبحث الثاني: الجماعات الضاغطة (اللوبي) :

هي إطار تنتظم فيه مجموعة ذات مصالح ومنافع مشتركة وتستهدف التأثير

على صناعة القرار من أجل توجيهه بما يتوافق ومصالحها وأغراضها.

وهناك المجموعات المرتبطة بالأصول الدينية والعرقية كاليهود والسود وذوي

الأصول اليابانية والأسبانية، وهناك أيضاً جماعات المهن والبيئة ونقابات العمال

واتحادات رجال الأعمال.

وتستخدم هذه المجموعات مجموعة من أدوات النفوذ: القوة المالية، والقوة

العددية أو النوعية، وتتوفر جماعات اللوبي على وضع شرعي من الناحية الواقعية

والقانونية رغم أن عدداً من السياسيين والأكاديميين ينظرون إليها من منظور

أخلاقي بازدراء، وقد أخذت أشكال عمل اللوبي صيغاً أكثر دقة وتطوراً في

السنوات الأخيرة بحكم التقدم الحاصل في الميدانيْن التكنولوجي والتدبيري فأصبحوا

يعتمدون على المعلومات ووسائل الاتصال الحديثة للوصول إلى أصحاب القرار.

وتذهب حقيقة العملية السياسية الأمريكية إلى أن هنالك جماعات ضغط قوية

جداً ذات تأثير قوي على القرار السياسي، وهنا يبرز دور اللوبي الإسرائيلي في

صناعة القرار السياسي الأمريكي الذي تتجلى قوته في مظهرين أساسين:

١ - قوة موارده وضخامتها داخل الولايات المتحدة وخارجها: المالية منها

والإعلامية.

٢ - نفوذه داخل المؤسسات الأمريكية إلى أعلى قمة هرم الدولة (البيت

الأبيض) .

المبحث الثالث: المؤسسات الاقتصادية:

تمارس المؤسسات الاقتصادية دورها في صناعة القرار من خلال عدة مظاهر:

١ - الارتباط بين المؤسسة العسكرية وشركات الصناعة.

٢ - بروز دور قوي للشركات المتعددة الجنسيات وتأثيرها على مجريات

الأوضاع داخل بلدان العالم الثالث ومن ثَمَّ على القرار في واشنطن.

٣ - ظهور دور المنظمات الدولية المتخصصة، وخاصة صندوق النقد

الدولي والبنك الدولي في توجيه القرار السياسي للبلدان النامية، وتعتبر الولايات

المتحدة من أقوى الفاعلين داخل هذه المنظمات وتؤدي أكبر حصة مالية فيها.

٤ - قيام الولايات المتحدة بأدوار دولية ترتكز على الاقتصاد مثل مشروع

مارشال في أوروبا؛ كما كان للعامل الاقتصادي الذي استخدمته الولايات المتحدة

أثره الكبير في إضعاف الاتحاد السوفييتي، ومن ثم سقوطه.

٥ - تمدد نفوذ العائلات الغنية في أمريكا داخل مؤسسات السياسة الأمريكية

مما جعلها ذات أثر في توجيه القرار الأمريكي بما يخدم المصالح الاقتصادية لهذه

العائلات.

مثلاً: عائلة روكفلر من أكبر مالكي شركات النفط وكان منها ريجينو

بريجنسكي مستشار كارتر للأمن القومي، وكذلك بوش الذي كان يشغل منصب

رئيس مجلس إدارة شركة (زاباتا أوفشور) النفطية في تكساس وهي التي مولت

حملته الانتخابية وظهر أثرها على اهتمامه بالنفط خاصة إبان أزمة الخليج.

المبحث الرابع: (الرأي العام) :

مع مطلع الثلاثينات قام (كنت كوبر) مدير الوكالة الأمريكية للإعلام بشن

حملة عنيفة على الإعلام العالمي؛ حيث كانت تحتكره حينذاك دول أوروبا فقال:

(إنها - أي الدول الأوروبية - تستخدم احتكارها للأخبار الدولية لتحديد ما يسمح به

من معرفة كل شعب عن الشعوب الأخرى واختيار ظلال المعاني التي يقدمون بها

هذه المعرفة ... إن الروح الأمريكية الوثابة لم تظفر بحقها في العرض؛ وذلك بعد

تبلور الاتجاهات الدولية عن سلسلة من الانطباعات والانحيازات التي أثارتها

وكالات الأنباء) .

لقد أضحت العملية الإعلامية صناعة كبرى؛ فحسب الأرقام الرسمية: توجد

بالولايات المتحدة أكثر من عشرة آلاف صحيفة يومية أو أسبوعية، وعدد كبير من

القنوات التلفزيونية مثل NBC وتمتلك الدولة أغلب أسهمها، و CNN التي يمتلك

أسهمها القطاع الخاص، وقد حرصت الحكومة على أن لا يشمل الاتفاق التجاري

مع أوروبا مجال المنتجات السمعية البصرية؛ لأن للأوساط السياسية النافذة في

البيت الأبيض والبنتاجون ووزارة الخارجية علاقات استراتيجية كبيرة تمكنها من

تطويع القرار في أمريكا بحسب ما تريده هذه المؤسسات.

ويستطرد الباحث قائلاً: إن عصرنا الحالي يتميز بحجم التدفق الهائل

والخطير للمعلومات وتقنية تكاليف الحصول عليها؛ وفي آخر الإحصائيات أن

معالجة مليون عملية إعلامية أصبحت تكلف ٠. ٠٦ دولار وتستغرق ٥، ٠ ثانية

بعدما كانت تستغرق ٥ دقائق بتكلفة قدرها ٣٠٠ دولار. إن هذا الحجم الهائل من

التدفقات المعلوماتية جعلت العملية الإعلامية بيد الأكثر قدرة على التحكم في

مصادرها؛ فمثلاً في حرب الخليج كانت الصحافة والقنوات التلفزيونية تدعم الإدارة

الرسمية ومثلث البيت الأبيض والبنتاجون ووزارة الخارجية. ولتغيير وجه الحقيقة

يلجأ صناع القرار للتركيز على مظاهر معينة توحي بوجود توازن والأخذ بالرأي

المعارض؛ وبذلك فإن صناع القرار يستفيدون من المادة الإعلامية من خلال ثلاثة

مظاهر رئيسة:

الحصول على المعلومات المفيدة لصناعة القرار ومعرفة الآراء والمستجدات.

إعلان القرار ومتابعته.

تركيز الاهتمام وخلق مناخ مناسب لتلقي الآراء.

المبحث الخامس: الجامعات ومراكز الأبحاث:

تخصص الولايات المتحدة للأبحاث والتطوير سنوياً ١٠٠ مليار دولار؛ بينما

يقدر إنفاق الدول النامية بمجموعها في المجال نفسه بخُمس الإنفاق الأمريكي.

وقد لاحظ الدكتور سعيد سليمان (وزير تربية سعودي سابق وباحث بجامعة

عجمان) : أن الجامعات الأمريكية ودور العلم والبحث فيها أقرب في تكوينها

وتنظيمها إلى بيوت الخبرة منها إلى الجامعات التقليدية المألوفة، وقال معلقاً على

أحداث الخليج: إن الذي حارب في الخليج بشكل مباشر هي الجامعات ومراكز

البحوث؛ ولكن أي نوع من الجامعات، وأي نوع من مراكز البحوث؟

ويوجد بخلاف الجامعات معاهد ومراكز دراسات يتولى الإشراف عليها

سياسيون سابقون ومن أشهرها: معهد بروكنز بواشنطن الذي يشرف عليه وليام

كوانت مستشار الأمن القومي في عهد كارتر.

وفي حكومة كلينتون الحالية من أصل ٢٢ منصباً تنفيذياً تم تعيين ثلثها من

شخصيات علمية وأكاديمية سبق لهم أن تولوا وظيفة التدريس بالجامعات، وفي

كتاب ألفه ستانفيلد تيرنر مدير الـ CIA في عهد كارتر قال: إن على المخابرات

المركزية أن تركز على غير السياسيين في عملية تحليل المعلومات وتقييمها

وخاصة من الأكاديميين؛ وذلك لأن المهم ليس جمع المعلومات بقدر ما هو تحليل

تلك المعلومات وطرق الاستفادة منها.