منتدى القراء
[الكلمة الحية]
بقلم: عبد الهادي أحمد الحسيني
ثمة صنف من الناس، تجلس لأحدهم تحدثه ويحادثك فإذا بكلماته لا تقع من
قلبك موقعاً، بل تتجاوزه إلى السويداء؛ لتستكن فيها، والعجب في الأمر: أن
أولئك قد لا يكونون قد أوتوا فصاحة لسان أو غزارة بيان! وقد يقول الكلام نفسه
غيرهم، لكنه لا يقع في نفسك الموقع نفسه! ولا يؤثر التأثير نفسه! فبحثت عن السبب فوجدته في ذي المحادثة المعبرّة، حيث قال ذر لأبيه عمر بن ذر: (يا أبت: ما بال المتكلمين يتكلمون فلا يبكي أحد، فإذا تكلمت - يا أبتي - سمعت البكاء
من ها هنا وها هنا؟ فقال: يا بني: ليست النائحة المستأجرة كالنائحة الثكلى) ،
إنها الكلمات.. إذا ما اقتاتت من قلب صاحبها: نمت وكبرت، فتخرج من لسانه
متوثّبة، فتية، مشعّة، بما شابها من صدق وإخلاص، فيكسبها ذاك حرارة،
فلكأنها قد خرجت من بركان! حروفها من نار تلذع أكباد سامعيها! قد ذابت كلماتها
في معانيها، ثم استحالت معانيها إلى الإيمان يتغلغل في أفئدة مُتلقيها.. فهي قد
خرجت من قلب حيّ عاش بحمية الإيمان، وحماسة الشرف، واقتات من إرث
الجدود، وتضلّعت من تركتهم سواءً أكانت: صلاة، أو ذكراً، أو إحساناً، أو
خشوعاً، أو إخلاصاً وصدقاً..
إمّا ذاك.. وإلاّ فتخرج الكلمات كسيحة، مشلولة، باهتة، باردة، تخرج
تحبو حتى تصل لأذن سامعيها، هذا إن هي وصلت! .
فلا تموت الكلمات إلاّ حينما تموت وتكفّن القلوب بكفن الغفلة والفتور! وفرق
شاسع بين من يقذف بالحمم، ومن يقذف بالثلج والبَرَد! وبون عظيم بين من يحمل
سيفاً صقيلاً ومن يحمل سيفاً خشبيّاً! فواشوقاه للكلمات الحية، وسحقاً وبؤساً
للكلمات الميتة! .
وما أشد حاجة الأمة إلى (الوعّاظ الصادقين) الذين ينفخون الحياة في قلوب
الغافلين والفاترين! .
ورحم الله القائل: (إن الكلمات والمبادئ والأفكار، بلا عقيدة دافعة: مجرد
كلمات خاوية والذي يمنحها الحياة حرارة الإيمان المشعة من القلب) .