للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[وقفة مع الخطاب الإسرائيلي والخطاب العلماني العربي]

عبد الكريم بن عبد الله بقنه

يلاحظ المتابع للساحة العربية والإسلامية أن (الخطاب الإسرائيلي) يتطابق

مع الخطاب العلماني العربي في مسألة تبدو مهمة بل هي غاية في الأهمية؛

إذ تتعلق بازدراء الجماهير الإسلامية واعتبارها جحافل من الدهماء التي

تستجيب لخطاب «التطرف» والعنف و «الأصولية» أكثر من استجابتها

للخطاب «الحضاري» و «العقلاني» الرافض للأصولية من جهة

والمنسجم مع خطاب العولمة أو «الأمركة» بتعبير أكثر دقة وتحديداً؛ حيث إن

العولمة أصبحت تعني ديكتاتورية النموذج الأمريكي وهيمنته على العالم، كما

يذهب الفرنسي (رجاء جارودي) ؛ فالخطاب الأمريكي الإسرائيلي يعتبر الجماهير

العربية لا تبدو منسجمة ومتوافقة مع منظومة السلام في الشرق الأوسط؛ فإذن لا بد

من الضرب على يديها ومن ثم ترويضها بعد ذلك لقبول خطاب «السلام» .

ففي الدول العربية على الحكومة أن تبادر إلى فرض توجهات التطبيع على

الشارع العربي، وعدم ترك هذا الشارع لمشاعره الذاتية «تلك التي تحركه في

اتجاه الرفض» ؛ فعلى النظام أن يلجم التوجهات الرافضة بالقوة بوصفها واقعاً لا

بد من القبول به تحت كل الظروف، ومن جهة أخرى على السلطة الفلسطينية مثلاً

ألاَّ تسمح بالتوجهات الرافضة والمعارضة بالتعبير عن نفسها بحرية، بل ملاحقتها

بضرب بنيتها التحتية وزج ناشطيها في المعتقلات ما دام ذلك ضرورياً لبناء وَهْم

السلام والثقة المزعومة!

ولكن هل يحدث مثل ذلك في (الجانب الإسرائيلي) ؟ بالطبع لا. فإذا تحدث

أحد المجاهدين في غزة عن الجهاد باعتباره حلاً وحيداً للتعامل مع (إسرائيل)

نجده يصبح قضية ثابتة على أجندة أحاديث كلينتون وأولبرايت، وعلى قادة

السلطة اعتقاله دون محاكمة، وذلك بصفته شخصاً خطيراً على تقدم عملية السلام.

أما عندما يطالب (حاخام كبير) بالقيام بعمليات انتحارية ضد الفلسطينيين

واستحلال دمهم، بعد استحلال أرضهم ومقدساتهم، وعندما تكون ثمة عصابات

وجمعيات علنية بعضها موجود في الولايات المتحدة تتحدث عن العنف ونسف

عملية السلام، ونسف المقدسات وبناء الهيكل وغير ذلك فإننا لا نجد أحداً يطالب

بقمع هؤلاء وفتح باب السجون لهم.

والخطاب العلماني العربي تجده - بوعي أو بغير وعي - ينحو في هذه

القضية المنحى الأمريكي الإسرائيلي ذاته؛ فهو يرى أن الجماهير العربية تملك

استعداداً وافراً للاستجابة للخطاب الأصولي «المتطرف» ، ولا تتوقف القضية

عند موضوع التعاطي مع (الشأن الإسرائيلي) ، وإنما يمتد إلى الشؤون الأخرى؛

وإلا فكيف يفسر انحياز الشارع العربي أو جزء كبير منه إلى الخطاب الإسلامي

وإدارة ظهره للخطاب العلماني «التنويري» ؟ !

الإشكالية أن الفريقين يتبنيان الدعوة إلى الديمقراطية، وهذه الأخيرة تقول

بالقبول برأي الأغلبية؛ فإذا كانت الأغلبية رافضة وتنحاز بالضرورة إلى الرافضين

الإسلاميين فما العمل؟

الطرف (الأمريكي - الإسرائيلي) في هذه الحالة لا يبدو حريصاً على القيم

الديمقراطية ما دامت القضية عندهم تعني «المصلحة العليا» لهم.

لكن ماذا يفعل الطرف التابع «الطرف العلماني» ؟ إنه يجد نفسه ينحاز إلى

المهرولين للسلام! بشيء من التأويل وقمع القوانين، بل صياغة قوانين تناسب

المرحلة أو تصادر حق الغالبية في تقرير مصيرها، ولكن من خلال صياغة قوانين

انتخابية وغير انتخابية تحجم رأي الغالبية بالإكراه.

إنها إذن عملية جر للجماهير إلى مربع «التنوير المزعوم» بالسلاسل،

والإبقاء بكل الوسائل على سيوف الناس في جهة وقلوبهم في جهة أخرى؛ غير أن

من المستحيل الوصول إلى حالة جعل سيوف الناس وقلوبهم معاً ضد الحق؛

فالجماهير قد تستكين لسلطات القمع، وقد تحمل سيفه عندما تختل موازين القوى،

غير أن قلوبها ستظل في الطرف الآخر؛ فمتى يعلم أصحاب الطرح العلماني أن

تلك معادلة مستحيلة؟