المسلمون والعالم
[إثيوبيا في مفترق طرق!]
عبد الرحمن سهل الصومالي
[email protected]
تمر إثيوبيا في الوقت الراهن بمرحلة عصيبة لم تتوقعها من قبل، مما لم
يخطر في بالها منذ استقلالها. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن حيث ألقت
تلك الظروف بظلالها على جميع الأصعدة الساخنة منها والباردة، كما وجدت نفسها
تسبح في بحر من التناقضات التي لا بداية لها ولا نهاية. والأدهى من ذلك وأمر أن
المناخ السياسي والطقس الأمني هما المجالان الأكثر حساسية في الوقت الحالي.
وتزامنت تلك الظروف بالغة التعقيد مع الإفلاس الفكري والمادي الذي أصاب
الحكومة الحالية بقيادة رئيس الوزراء السيد ملس زناوي بالإضافة إلى تفكيك جبهته
الداخلية رغم أن عمرها في الحكم جاوز عقداً كاملاً من الزمان.
ومن المضحكات العجيبة في دنيا السياسة أن شعار الديمقراطية الذي رفعته
أديس أبابا في بداية ميلاد ثورتها العنصرية التجراوية عام ١٩٩١م قد منيت بنكسة
شديدة ذات أبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادية؛ حيث تلاشت الآمال العريضة التي
كانت القوميات المضطهدة في أثيوبيا سابقاً تتوقع تحقيقها؛ وذلك بعد انهيار النظام
الاشتراكي السابق، وأصبحت النتيجة الحتمية الخروج الدراماتيكي من النظام
الإمبراطوري (هيلاسلاسي) إلى النظام الماركسي (منغستو) إلى النظام
العنصري التجراوي الراديكالى الأكثر دموية ودكتاتورية مقارنة بالأنظمة السابقة
سالفة الذكر. ونستطيع القول إن جميع الأنظمة التي تعاقبت على إثيوبيا لا تزال
تدور في حلقة مفرغة حيث تبدأ مسيرتها السياسية من صفر وتنتهي إلى صفر، ولم
ينته هذا المسلسل إلى هذه الساعة التي نكتب فيها هذه السطور.
ولا نبالغ إن قلنا: تمخض الجبل فولد عناصر مشلولة الهيكل وعديمة الإرادة
إشارة إلى التغيير الثوري في أديس أبابا الذي تزامن مع انهيار الاتحاد السوفييتي
السابق، ويرى المراقبون السياسيون أن إخفاق السياسة الخارجية الإثيوبية والداخلية
أيضاً تعود إلى أنها انتهجت سياسة التبعية العمياء للغرب على حساب مصلحة
شعبها وقارة إفريقيا بوجه عام، وتارة تهرول نحو موسكو المنهارة سياسياً ونفسياً
عند الأزمات العسكرية في القرن الإفريقي؛ حيث استوردت كميات كبيرة من
الأسلحة التقليدية المختلفة والذخائر، ولذلك نجد أن أديس أبابا لم تتبع سياسة النفس
الطويل تجاه حل مشكلاتها الداخلية المتراكمة، والدبلوماسية الهادئة حيال دول
الجوار، كما لم تراعِ مصالحها الاستراتيجية المرتبطة بهم.
وتتجلى الغرابة والغباوة معاً لدى القيادة الإثيوبية عندما نشبت الحروب
الطاحنة بينها وبين إرتيريا الحديثة؛ حيث خاض البلدان أشرس وأخطر حرب
عرفتها قارة إفريقيا في هذا العصر الذي تحكمه الولايات المتحدة الأمريكية، وبلغت
حصيلة القتلى بين الجانبين ما يفوق العقل البشري إذا نظرنا إلى المدة القصيرة التي
استمرت فيها الحرب، ومات من الجانب الإثيوبي أكثر من ١٢٩ ألف جندي في
حين خسرت أرتيريا أكثر من ١٩٠٠٠ ألف مقاتل. هذا الحدث كان فريداً في نوعه
ونموذجاً حياً يبرهن إخفاق سياسة واشنطن الموجهة تجاه القرن الإفريقي.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن تلك الخطوة العسكرية من التصادم
والتناطح بين الجارتين الصديقتين أربك الحسابات الاستراتيجية الإثيوبية والأمريكية
معاً، وتضاءلت الآمال البراقة التي كان من المقرر تحقيقها، ولكن التصرفات
الصبيانية التي صدرت من القيادة الإثيوبية ضد حليفتها الاستراتيجية إريتريا
أجهض محاولاتها الدؤوبة للسيطرة على القرن الإفريقي الاستراتيجي؛ فبدلاً من أن
تحتل إثيوبيا موقعاً سياسياً مرموقاً بفضل إرثها التاريخي وبحكم علاقاتها السياسية
مع الغرب أصبحت دولة مشلولة الحركة سياسياً وعديمة الفاعلية، وتفتقد أيضاً
الدبلوماسية النشطة الإيجابية كما تفتقر إلى جميع العناصر التي تمكنها من أن تحتل
الريادة؛ ويرجع ذلك إلى التخبط العشوائي في سياستها الخارجية والداخلية، وهناك
عوامل أخرى لا تقل أهمية عن هذه العوامل المذكورة، وهي:
١- العقلية الثورية لدى حكام إثيوبيا الحاليين.
٢ - الضربات الموجعة التي يسددها المجاهدون في الصومال الغربي ضد
قوات الاحتلال الإثيوبية.
٣ - عدم انتهاج الحكومة الإثيوبية سياسة متوازنة في سياستها الخارجية
والداخلية.
- أما المجال العسكري فقد تلقت القوات الإثيوبية هجمات قوية وبصورة
متتالية من قِبَل المجاهدين في الصومال الغربي والقوميات الأخرى المعارضة للنظام
الحالي. وقد أسفرت تلك المواجهات المسلحة من هنا وهناك عدة نتائج إيجابية
أهمها انهيار معنويات الجيش الإثيوبي بصورة تلقائية، وفقدان مهاراته القتالية
المعهودة لدى قوات الاحتلال في بدايات انفجار شرارة الجهاد في الصومال الغربي؛
حيث انتظم في صفوفه الهروب الجماعي والانفراد إلى دول الجوار بحثاً عن
الأمن والعيش في مدنهم وقراهم. وبناءً على ما سبق فإن القوات الإثيوبية تمر الآن
في مرحلة يرثى لها.
- أما مجال حقوق الإنسان فإن الحكومة الإثيوبية تعتبر من أسوأ الأنظمة
الدكتاتورية في العالم؛ وذلك حسب التقارير الأخيرة الصادرة من هيئة مراقبة حقوق
الإنسان التابعة للأمم المتحدة وسلطت التقارير الضوء على الانتهاكات الخطيرة التي
تمارسها القوات الإثيوبية ضد القوميات المضطهدة فيها. إلا أن تلك التقارير أغفلت
تماماً التجاوزات اليومية التي تنفذها القوات الإثيوبية المعتدية ضد المدنيين الأبرياء
في إقليم الصومال الغربي المسلم.
إن الأسلوب الهمجي التي تتعامل الجيوش الجائعة الغازية من خلاله ضد
الشعب الصومالي في الإقليم المحتل يتعارض مع القوانين والأعراف الدولية، ولكن
الهيئة المذكورة غضت طرفها عن أن تكشف ممارسات جيش الاحتلال اليومية في
حين نشرت تقارير أخرى تتناول الأحداث الدامية التي وقعت في جامعة أديس أبابا
وغيرها، ولكن سياسة الكيل بمكيالين هي التي تحكم المنظمات الدولية، وإن كانت
تدعي أنها مستقلة ومحايدة.
ونريد أن نوضح للعالم الإسلامي أن السلطات الإثيوبية عمدت في الآونة
الأخيرة إلى سياسة الأراضي المحروقة من دفن الآبار وتدمير البيوت وإحراقها،
وإغلاق المحلات التجارية والحبس الجماعي، ونستطيع القول إن أديس أبابا تسعى
إلى استئصال جذور الشعب الصومالي في الإقليم المحتل أرضاً وشعباً.
- أما المجال الاقتصادي فإنها تعتمد وبالدرجة الأولى على المعونات والهبات
الخارجية التي تقدمها الولايات المتحدة والدول الأوروبية وغيرها من الدول الأخرى
ذات الطابع الأيديولوجي النصراني التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الحكومة الإثيوبية
النصرانية الأرثوذوكسية، أما الموارد المحلية الكلاسيكية المتوفرة لديها فلا تغطي
احتياجات الحكومة الإثيوبية، بل ويعاني الاقتصاد الإثيوبي بمشاكل حقيقية تتمثل
في السياسات الاقتصادية البالية التي خلفها النظام الاشتراكي السابق، والحروب
الطاحنة التي لا تزال تخوضها القوات الإثيوبية ضد القوميات الكبرى المعارضة
بالإضافة إلى تصادمها الخاطف مع إرتيريا، والهجمة الشرسة من اختلاس أموال
الدولة التي تنفذها العناصر التجراوية الجائعة الحاكمة متخذين في تحقيق ذلك شتى
الحيل والوسائل المعروفة لدى قيادة العالم الثالث وعلى رأسهم رئيس الوزراء
زناوي؛ كل هذه العوامل وغيرها ارجعت الاقتصاد الإثيوبي إلى الوراء، حيث
تبلغ ديونها الخارجية الآن حوالي ٣٠ بليون دولار؛ ولذلك فلا عجب أن تسبح
حكومة أديس أبابا في بحر من الديون المتراكمة وموجات من التصحر والجفاف.
- أما الصحافة والنشر وحرية التعبير فلا اعتبار لها في مداولات الطاقم
الحاكم على أشلاء المدنيين العزل في الصومال الغربي (أوجادين) الذين لا ذنب
لهم سوى أن يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ حيث تتعرض الصحافة في
الإقليم المحتل وغيره إلى مضايقات جاوزت الحد المعقول، ولا يوجد الآن أي جهاز
إعلامي حر يعكس الانتهاكات الخطيرة التي تمارسها قوات الاحتلال الإثيوبي ضد
الأهالي الأبرياء، ويعتبر هذا الإقليم منطقة عسكرية مغلقة لا يسمح للمنظمات
والهيئات الإسلامية الاقتراب منها، وفي بعض الأحيان فإن الحكومة الإثيوبية تعطي
الضوء الأخضر إلى المنظمات والهيئات الغربية والتنصيرية للدخول في الإقليم
والتجول في بعض الأماكن التي عينت من قِبَل القوات الإثيوبية المرابطة في ثكناتها
ومواقعها العسكرية في الإقليم المحتل.
أما الحكم الذاتي المزعوم فقد استفحل أمره حيث لم يقدم أي شيء جديد في
الساحة رغم طول مدته التي جاوزت سبع سنوات متتالية؛ كما لم يستطع حتى الآن
تقديم خدماته إلى المواطنين البائسين. والأدهى من ذلك وأمر أنه أصبح مجرد
وسيلة ماكرة تستخدمه الحكومة الإثيوبية لتحكم قبضتها الاستعمارية على الصومال
العربي المسلم.