للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شؤون العالم الإسلامي

المسلمون في شبه القارة الهندية

دور المخابرات الهندية في اضطرابات السند

أحمد موفق زيدان

اندلعت في الشهرين الماضيين أعمال عنف شديدة في إقليم السند بباكستان

الذي يعاني منذ مجيء حكومة حزب الشعب حالة من الفوضى والإرهاب

واللامسئولية حيث قلما يمضي يوم دون قتلى أو خطف أو اعتقالات أو نهب أو

مداهمة بيوت حتى وصل الأمر إلى إطلاق الرصاص وبشكل عشوائي وهمجي على

الأهالي دون تفرقة بين طفل وهرم، ولا نريد أن نتجاهل حوادث العنف التي كانت

تحدث قبل بي نظير بوتو ولكن الوضع المتأزم الذي وصلت إليه البلاد ما كان

ليحصل - والله أعلم - لو كان الجيش عل رأس الإدارة الأمنية لهذا البلد، وفي

مقالنا هذا الذي نود تسليط الأضواء على الدور الهندي في هذه الاضطرابات لا

ينبغي أن نتناسى العامل الداخلي الذي ينخر في جسم هذا البلد منذ استقلاله وحتى

الآن، وهذا العامل هو الذي هيأ للهند أو غيرها لتتدخل في شئون باكستان الداخلية.

خلفية الإقليم العرقية:

بدأت مشاكل باكستان عموماً ومشكلة السند خصوصاً في أعقاب التقسيم الذي

قضى بقيام باكستان كدولة والهند كدولة، وحصل حينها مسألة الفرز السكاني على

أساس العقيدة حيث هاجر مسلمون هنود من شمال الهند إلى باكستان واستوطنوا

إقليم السند وحصراً في كراتشي وحيدر آباد، كما هاجر مسلمو البنجاب الشرقية

واستوطنوا في إقليم البنجاب الباكستاني ونظراً للتوافق العقدي واللغوي والثقافي

والتاريخي بين الطرفين لم يحصل أي مشاكل، أما مسلمو الهند المدعوون بـ

(المهاجرين) أو الذين سموا أخيراً (أهل الأوردو) نسبة إلى لغتهم الأم التي يتكلمونها

وهي الأوردية فقد وقعت بينهم وبين أهل المنطقة الأصليين السنود خلافات وذلك

في غياب الدعوة الإسلامية الحقيقية والتصور الإسلامي الصحيح.

ومما يذكر أن نسبة البنجابيين في باكستان تتصدر المرتبة الأولى حيث

يبلغون ٤٨. ١٧% من سكان باكستان، أما البشتون الذين يأتون في المرتبة الثانية

فيصلوا إلى ١٣. ١٤%، ويبلغ السنود ١١. ٧%، ثم المهاجرون٧. ٦٠%

والبلوش ٢. ٤٩%، وذلك حسب إحصائيات ١٩٦١.

وتبلغ نسبه المهاجرين في السند ٣٥% ويتمركزون في كراتشي وحيدر آباد

ويعزو البعض خلافات السنود معهم إلى نشاط وحيوية المهاجرين ومنافستهم أهل

البلاد الأصليين في التجارة والصناعة والحرف وهذا يحدث جرياً على عادة نشاط

المهاجرين بشكل عام في العالم، وخمول السكان الأصليين، وزاد الطين بلة عندما

قام أيوب خان رئيس باكستان (١٩٥٨ - ١٩٦٩) بتوزيع أراضٍ كثيرة لأهل السند

على العسكريين والجيش والشعوب غير المنتمية للسند. ويقول تقرير خاص قدمه

أعضاء البرلمان الباكستاني في تلك الفترة أن حوالي ٤ ملايين هكتار وزعت من

قبل أيوب خان على هذه الجهات.

السنود الذي يرون الآن أن نسبتهم في إقليمهم أصبحت أقل من نصف سكان

كراتشي يتخوفون على مستقبلهم خاصة وأن النظرة ليست على أساس أن هؤلاء

إخوة لنا في الدين ويتوقعون أن يحصل المهاجرون وغيرهم من غير السنود على

أغلبية البرلمان في الانتخابات القادمة، خاصة وأن كراتشي التي كان عدد سكانها

عام ١٩٤٧ حوالي ٣٥٠ ألف نسمة وصلت الآن إلى ٧ ملاين نسمة كما أنها تعتبر

مركز باكستان التجاري والصناعي الأول، حيث تستقبل ٩٠ - ٩٥% من

استيرادات باكستان ونفس الأمر في التصدير، أما ضريبة المبيعات فيصل سهمها

بالنسبة للمناطق الباكستانية الأخرى ٨٠% وضريبة الدخل حوالي ٦٠%، وكان

قلق السنود في البداية من البنجابيين عندما استوطنوا في بداية الستينات المناطق

المروية والخصبة ولكن بعد منتصف السبعينات بدأوا يظهرون قلقهم إزاء

المهاجرين، والحقيقة أن مسألة تخوف السنود أو البلوش من المستقبل واردة عن البعض الذي يرى أن البنجابيين أو البشتونيين هم المتحكمون في قياده باكستان واقتصادها، فمثلاً بلوشستان التي تعتبر أكبر مصدر للغاز الطبيعي في باكستان محرومة منه في الوقت الذي تنعم به الأقاليم الأخرى وغير هذا من المشاكل.

وزاد من حنق السنود عندما نادى الرئيس الراحل ضياء الحق بتوطين

البهاريين المقيمين في باكستان الشرقية في إقليم السند حيث غضبت الأحزاب

السندية واعتبرت هذا مؤامرة موجهة ضد أهالي السند لتخفيف وزنهم ونسبتهم.

وهناك عدة منظمات سندية عرقية نشأت من المنظمة الأم بعد الانفصال وهي

(جي سند) أي منظمة السند المتحدة ولكن في بداية السبعينات انشق (رسول بخش

باليجو) وأسس منظمة (سند عوامي تحريك) وبقي غلام محمد سيد رئيساً لـ (جي

سند) كما نشأت في تلك الفترة حركة سندية وهي فرع لحزب الشعب، ويترأسها

ممتاز على بوتو.

وطالبت حركة منظمة السند المتحدة في ١٨ يونيو ١٩٧٢ عبر برنامجها

الحزبي بالاستقلال الذاتي باستثناء الشؤون الخارجية والعملة، كما طالبت

بالاعتراف باللغة السندية كلغة قومية وكلغة وحيدة على مستوى الإقليم، وقد انشق

فيما بعد حيدر بخش جاتوي عن باليجو وأسس حركة على المنهج الماوي الصيني

الشيوعي. ويقود بالمقابل حركة المهاجرين القومية الصيدلي ألطاف حسين الذي

كان عضواً في الجماعة الإسلامية الباكستانية التي أسسها الإمام المودودي ولكن في

بداية الثمانينات انشق عنهم بحجة أن الجماعة لم تقدم لأبناء عرقه شيئاً وأسس

حركة وهو المرشد الروحي لها ولكن لا يقول بأنه رئيس الحركة حتى لا يدخل في

حزبيات المهاجرين وإنما مرشد روحي لهم يوفق بين آرائهم المتنافرة فيما لو

حصلت، وقد أسست الحركة أخيراً كما يتردد ميليشيا للدفاع عن أبناء عرقها من

هجمات السنود المدعومين من حزب الشعب.

مجازر وأحداث:

في ٣٠ سبتمبر ١٩٨٨ وقعت مجزرة رهيبة في حيدر آباد راح ضحيتها

٢٠٠ شخص عندما هاجم مجهولون تجمعاً شعبياً وبدأوا يطلقون النار على الأهالي

وفي ١٨ مايو الماضي قامت المخابرات الباكستانية باعتقال الدكتور قادر مكي وهو

سندي وتعتقد الاستخبارات الباكستانية بأنه العقل المدبر لهذه العملية التي استهدفت

المهاجرين وهو نفسه يرأس (جي سند) جناح التقدم، ثم تتابعت الأحداث مثل حادثة

القطار في كراتشي ورشق باص مملوء بالناس بالرصاص في كراتشي والانفجار

الأخير في حيدر آباد وغير هذه الأحداث كثير. كما قام الطرفان السنود

والمهاجرون بخطف بعضهم بعضاً حتى طال الأمر مسؤولين من الجماعتين وقد بلغ

عدد ضحايا موجة العنف الأخيرة مئات من القتلى وآلافاً من المشردين.

دولة سندوديش:

بدأت قيادات حركات السنود الانفصالية بالتحدث صراحة عن دولة لهم على

غرار بنغلاديش، وبدأ يردد البعض أن إمارات الخليج ليست بأكبر مساحة من

السند ويؤسسون دولتهم عليه وكان الأمر قد وصل ذروته في أوائل العام الماضي

عندما رفع علم سندوديش في مطار كراتشي. وفي ١٩ - ٢٠ مايو الماضي قامت

مجموعة من السنود بالهجوم على (حي إسلامياً) في حيدر آباد ورفعوا شعارات

تطالب بدولة سندوديش، كما قامت مجموعة (جي سند) بإغلاق الطرق في حيدر

آباد ورفعت شعارات مؤيدة لقيام سندوديش، وفي مؤتمر صحفي عقده فاروق

الحسن جيلاني أحد زعماء السنود طالب علناً وصراحة بدولة سندوديش والتي

ستضم حسب زعمه كراتشي وحيدر آباد وكوتري وسكر. وقال السكرتير العام

لحركة (تاج جويا) وهو المدعو (عدابي سانكان) : (إذا لم تمنحنا البنجاب حقوقنا

فسيقوم شعب السند بالانفصال، وأضاف إن الشعب إذا لم يحصل على ما يريد

فسيفكر حينها بالانفصال) مجلة نيوز لاين الباكستانية، يوليو / ١٩٩٠. ...

رأي القيادة الباكستانية:

تباينت آراء القيادة الباكستانية حيال الأحداث الأخيرة، وبعيداً عن التوتر

الذي طرأ بين القيادة العسكرية والسياسية حيال من يتسلم الملف الأمني فقد أخبر

الجنرال ميرزا أسلم بيغ قائد الجيش الباكستاني نواز شريف وبي نظير بوتو أمام

رئيس الدولة ولكن بشكل منفصل بأن الجيش لن يقف مكتوف الأيدي وهو يرى

البلاد تتمزق وتتشتت على يد السياسيين. ونقلت مصادر باكستانية بأن بي نظير

طلبت من بيغ أن يهاجم أو يشدد على حركة المهاجرين فرفض خاصة وأنه مهاجر

مثلهم هاجر من الهند عقب الانفصال وقال بيغ أمام بوتو إن المهاجرين فيهم الصالح

والطالح مثل الأحزاب الأخرى.

نصرت بوتو نائبة رئيسة الوزراء ووالدتها حملت المهاجرين مسؤولية

الحوادث التي تقع، وانتقدت وصف الرئيس إسحاق خان لعملية البوليس التي سقط

ضحيتها عدد من النسوة اللواتي طالبن بعودة الحكم العسكري ورفعن شعارات

وصور ضياء الحق، وقالت نصرت: إن حركة المهاجرين بالتعاون مع

الاستخبارات الهندية تنفذ عمليات وحوداث كراتشي وحيدر آباد.

الرئيس الباكستاني غلام إسحاق خان قال وبصراحة إن كل حزب من

الأحزاب الباكستانية يحتوي على عناصر إرهابية، هذا الأمر أزعج وأقلق رئيسة

الوزراء بي نظير.

فتش عن أصابع الهند:

لم تجمع القيادة الباكستانية بكافة شرائحها مثل إجماعها على تورط يد الهند في

اضطرابات السند الأخيرة التي ستشغل باكستان عن استعداداتها لمواجهة الهيمنة

الهندية أو مساعدة كشمير أو المجاهدين الأفغان.

وتحصر الدوائر الباكستانية المطلعة الاتهام في الاستخبارات الهندية المسمى

بـ (راوا) ففي المؤتمر الصحفي الذي عقدته رئيسة الوزراء بعد عودتها من زيارة

قادتها لبعض الدود العربية في ١٧/٧/١٩٩٠ اتهمت بي نظير الهند وبصراحة في

تدخلها وتورطها في تمرير المخربين ودعمهم ومساندتهم في أحداث السند الأخيرة.

وفي لقاء لأحد مسؤولي جهاز الاستخبارات العسكرية الباكستانية مع صحيفة

(فرايدي تايمز) يوم ١/٧/١٩٩٠ قال: (إن الهند قامت عن طريق عملائها من كلا

الحزبين الشعب والمهاجرين باستخدامهم في إحداث التوتر) .

وفي تصريح لسيد أحمد أمير حيدر كاظمي وزير الصحة الفدرالي نشر في

الصحافة الباكستانية يوم ٢١/٧/٩٠ قال: (حسب علمنا هناك عملاء تسربوا إلى

داخل إقليم السند وعندما سئل عن هويتهم أجاب بأنه لا يريد التحدث بأي شيء

حول هذه النقطة ولكن القادة الهنود قد أشاروا سابقاً إلى أنهم سيعملون بورقة إقليم

السند ضد باكستان) .

ومنذ فترة طويلة والجيش الباكستاني - كما تنقل عنه الصحافة - يتهم

السلطات الهندية ومخابراتها بإشعال فتيل الفتنة في السند؟

إستراتيجية المخابرات الهندية في السند:

منذ انفصال بنغلاديش عن باكستان بتعاون وتورط هندي في ١٩٧١

والاستخبارات الهندية (راوا) تحاول جاهدة لفصل السند عن باكستان لاضعافها

وشرذمتها، وبالتالي تتمكن الهند من الاستفراد بالمنطقة حيث لا معارض ومنافس

لها إلا باكستان وتعمل المخابرات الهندية لتحقيق هذه الغاية عن طريق عدة محاور:

أ- ثبت عن طريق المطبوعات وعملائها وحتى صانعي القرار في الحكومة

الباكستانية أن العامل العقدي ليس كافياً للتلاحم القومي والوطني وبالتالي لا بد من

انفصال كل عرق لنفسه، ولهذا تحاول (راوا) إضعاف جذوة الإسلام في هذا البلد.

أما السياسيون الباكستانيون القوميون حتى من غير الإسلاميين فيدعون إلى أن يكون

الإسلام هو القاسم المشترك كما قال جناح الذي يدعى بمؤسس باكستان في إحدى

خطبه بعد الانفصال: إذا أردتم لهذا البلد الاستمرار فالقاسم المشترك الإسلام ولا بد

من نشر العربية وتقوية صلاتنا بالبلاد العربية، حيث إن الدين يجمع العرقيات أما

غيره من اللغة ونحوها فلا يمكن لأن اللغة مختلفة فيما بين العرقيات الباكستانية.

٢- تمكنت (راوا) من النفاذ إلى صانعي القرار في القيادة الباكستانية وهذا ما

أبلغته المخابرات الباكستانية للصحافة ولكن دون أن تذكر أحداً بالاسم ومما يذكر هنا

حادثة اعتقال فريدة أحمدي الأفغانية والتي كانت تترأس منظمة أفغانية شيوعية

ولدى تحقيق المخابرات العسكرية الباكستانية معها اعترفت بعلاقاتها مع المخابرات

الهندية وبالأدلة كما اعترفت بعلاقاتها مع بي نظير بوتو رئيسة الدولة.

وتعمل (راوا) عن طريق عملائها من صانعي القرار بتنفيذ ما تريده وهي

نفس السياسة التي اتبعتها الهند عقب انفصال باكستان مع الحركات العرقية

البشتونية في إقليم سرحد حتى وصلت إلى قوتها الحالية.

كما تفيد تقارير المخابرات الباكستانية إلى أن الهند وصلت أيضاً إلى

المنظمات الطلابية الباكستانية وبعض التجمعات الدينية، كما مارست سياسة

التضليل الإعلامي حتى ينبني عليها قرارات مصيرية خاطئة. وتأكيداً لنفاذها إلى

بعض القيادات فقد اعتقلت المخابرات الباكستانية الدكتور (قادر مكي) زعيم حركة

(جي سند) جناح التقدم يوم ١٨ مايو الماضي وهو العقل المدبر لمجزرة سبتمبر

١٩٨٨ وأدانته المخابرات الباكستانية بأنه أحد عملاء الهند في أعقاب المجزرة

وتابعت أموره الاستخبارات الباكستانية ولما عاد مؤخراً قبضت عليه، وكان (مكي)

أعلن حرباً مفضوحة ووحشية ضد حركه المهاجرين.

٣ - صرح أحد كبار مسؤولي المخابرات العسكرية الباكستانية لصحيفة

فرايدي تايمز الأسبوعية يوم ١/٧/٩٠ قائلاً: (إن الهدف الأساسي لأحداث السند

هو صب الزيت على النار وإنعاش التوتر العرقي كي يتحول الأمر إلى حرب أهلية

واسعة النطاق والتي ستؤدي أخيراً بقطع الطرق عن مدينة كراتشي وتبقى منعزلة

عن المدن الباكستانية الأخرى) .

فالحرب الأهلية هو مراد ومرام الهند من تخطيطها ضد باكستان وإذا ما وقعت

- لا سمح الله - فستصبح باكستان فريسة سهلة للهندوس.

٤- أقامت الهند معسكراً خاصاً على حدودها مع باكستان ودعته قسم العمليات

الخاصة لاستغلال الأفراد الباكستانيين المتشردين من الأحزاب العرقية وتدريبهم ثم

إرسالهم للسند وبث الاضطرابات فيها مع تهريب الأسلحة والمخدرات كما يقوم

هؤلاء العملاء بالمقابل بتزويد المخابرات الهندية بالمعلومات عن باكستان، كما

أقامت الهند معسكراً خاصاً آخر للتدريب العسكري وترسل المدربين للمناطق

المضطربة مع أدوات التخريب الضرورية.

٥- تعمل الهند وعلى المدى البعيد وحسب خطة مدروسة متقنة إلى ضرب

البنية التحتية للجيش الباكستاني الوحيد الذي يقف في وجه الهيمنة والتسلط الهندى

في المنطقة ولذلك فقد هللت الهند لمقتل هذا العدد الضخم من القادة الباكستانيين

العسكريين في حادثة طائرة ضياء الحق يوم ١٨ أغسطس ١٩٨٨.

وهذا ما يفسر هجوم القادة الهنود بعد وصول بي نظير على الجيش وبدأوا

يعبرون عن تخوفهم منهم على مسيرة الديمقراطية التي باتوا خائفين عليها

وحريصين على مصلحة باكستان! وهل يمكن أن يتحول الذئب إلى حَمَل بين يوم

وليلة؟ ! .