للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

مطلب الانتخابات في الوضع الراهن

وتداعياته على مستقبل العراق

إبراهيم العبيدي

[email protected]

في وسط الجدل المحتدم حول قانون نقل السلطة للعراقيين غداة حلول شهر

يونيو/ حزيران القادم من العام الجاري يتصاعد الجدل الدائر في الأوساط الرسمية

والشعبية في العراق حول مطلب المرجع الشيعي علي السيستاني بضرورة إجراء

انتخابات عامة لتشكيل المجلس التشريعي للحكومة العراقية المرتقبة. ومن الجدير

بالذكر أن جميع أطياف الأحزاب العراقية والكتل السياسية المهمة والكبيرة بالعراق

لا تعارض من حيث المبدأ إجراء انتخابات عامة لتشكيل الحكومة الجديدة في

العراق. وقبل الحديث على أوجه الاختلاف لا بد من تناول بعض المحاور بشيء

من التفصيل كي تتضح معالم المشهد العراقي للوصول إلى مرامي ودوافع الإصرار

على مطلب إجراء الانتخابات العامة في الوقت الراهن.

* المشهد العراقي من الداخل:

لا يخفى على أحد أن الوضع العراقي الراهن يعاني من مشاكل كبيرة وعلى

كافة الأصعدة؛ فمجلس الحكم الانتقالي لم يتمكن من تحقيق أي إنجازات هامة تذكر

في أمور محورية وجوهرية للمواطن العراقي. فالوضع الأمني لا زال متردياً،

وحوادث القتل اليومي وعمليات السطو والاختطاف قد ألفها الناس، ولا يكاد يمر

يوم إلا وهو حافل بهذه الجرائم المستمرة، ولا توجد أي سلطة أو قانون يحد من

استمرار مثل هذه الأعمال ومعاقبة الجناة الذين يروعون الناس الآمنين، أضف إلى

ذلك ما هو أخطر من هذا كله وهو تنامي ظاهرة الاغتيالات بين طوائف الشعب

العراقي سنة وشيعة وغيرهم الذي تنفذه أياد تابعة لجهات مجهولة لها مصالحها في

ذلك، ولا يستبعد أن تكون فرق الموساد الإسرائيلي المدربة (وأفرادها يجيدون

اللغة العربية بطلاقة، وبعضهم يهود من أصل عراقي) وكذلك عناصر من

الاستخبارات الإيرانية تصول وتجول في أنحاء العراق؛ إضافة إلى إمكانية وجود

عناصر أخرى لجهات معينة تتقاطع مصالحها في العراق لزرع الفتنة واستهداف

العناصر السنية والشيعية المؤثرة على السواء لإثارة الطائفية بين العراقيين، وما

يترتب على هذا الوضع من تداعيات خطيرة في الوضع الأمني العام.

ومن جهة أخرى لم يتمكن مجلس الحكم ولا سلطات الاحتلال من تأمين

الخدمات الأساسية للمواطن العراقي والتي أصبحت كابوساً يرهق نفسية العراقي كل

يوم؛ فالتيار الكهربائي لا زالت كثير من المدن العراقية تفتقده (عدا المدن

الجنوبية) ، ولم تنعم بالكهرباء أكثر من ثماني ساعات كمعدل في اليوم،

وأزمة الوقود بأنواعه. فمثلاً لا زال العراقي يقف عدة ساعات حتى يحصل على

نصف خزان سيارته (بسبب ترشيد قوات الاحتلال) مع ارتفاع سعر اللتر

الواحد إلى عشرة أضعاف في السوق السوداء، وكذلك النفط الذي يستخدمه كثير

من المواطنين في التدفئة بسبب البرودة القارسة في شتاء العراق المعروف.

أضف إلى ذلك البطالة وارتفاع مستوى الأسعار في السوق العراقية؛ ولا

سيما للمواد الغذائية مقابل انخفاض سعر الدولار مع محدودية دخل الفرد العراقي،

وهو الأمر الذي يجعل من الصعب بمكان أن يقال إنه يمكن إجراء عملية انتخابات

عامة مستوفية الشروط؛ في وقت لا يتمتع فيه العراقي بأقل الحقوق والخدمات

المفترض توفرها.

* الأمم المتحدة ومطلب الانتخابات:

منظمة الأمم المتحدة وأمينها العام كوفي عنان وما لديها من خبرة طويلة في

هذا المجال، قد أقحمت هي الأخرى من قِبَل مجلس الحكم وقوات الاحتلال في

وسط الجدل الدائر بخصوص إجراء الانتخابات المباشرة في العراق لنقل السلطة

للعراقيين بحسب ما يطلبه السيد السيستاني؛ فقد تنبأ الأمين العام في أول تصريح

له لوسائل الإعلام بصعوبة إجراء انتخابات عامة مباشرة في العراق، واستبعد

تحقيق ذلك لأسباب منها:

١ - عدم وجود قانون انتخابات في العراق.

٢ - عدم وجود قانون ينظم الأحزاب المشاركة بالانتخابات.

٣ - عدم وجود إحصاء سكاني رسمي دقيق ومحايد للعراقيين.

٤ - عدم استقرار الوضع الأمني في العراق.

وقال إن للانتخابات آليات وشروطاً لا بد من توفرها لضمان النزاهة

والموضوعية والعدالة التي ينبغي أن تتحقق في عملية الانتخابات لتكون نتائجها

معتمدة في تمثيل المرشحين تمثيلاً حقيقياً من قِبَل الشعب. وهو الرأي الذي يتفق

مع ما يقوله الحاكم المدني للعراق ومجلس الحكم الانتقالي ومن ورائهم الإدارة

الأمريكية مع اختلاف الأسباب والنوايا الحقيقية للإدارة الأمريكية. ومع ذلك فلم

يجزم الأمين العام كوفي أنان بالقول بعدم إمكانية إجراء الانتخابات في الوقت

الراهن قبل أن يرسل وفداً فنياً لتقصي الحقائق، وتقييم الوضع عن كثب ثم يتخذ

القرار. والذي أصبح من المؤكد أن يكون قرار الوفد هو عدم إمكانية إجراء

الانتخابات للأسباب الظاهرية الآنفة الذكر. ومن ثم ستكون توصية منظمة الأمم

المتحدة ملزمة للمرجع الديني علي السيستاني بالعدول عن مطلبه بإجراء انتخابات

عامة ومباشرة في الوقت الراهن. ولا يخفى على المراقب ما تتميز به الأمم المتحدة

من مواقف سلبية بخصوص القضية العراقية؛ فهي التي أضفت الشرعية على

الحرب الأمريكية على العراق، وسوغت ذلك بخروج بعثتها قبل أيام قلائل من

العراق، ولم تتخذ موقفاً جدياً ضد الحرب والقرار الأمريكي، وهي التي ساهمت

في تأجيج الأزمات حول عملية التفتيش عن الأسلحة في العراق من خلال

تصريحاتها بهذا الخصوص والمحرضة للإدارة الأمريكية على شن الحرب، وهي

لا تعدو أن تكون أداة بيد الإدارة الأمريكية تمارس عليها الضغوط؛ لذلك لا يعول

كثيراً على عودة الأمم المتحدة إلى العراق، وهي لا تملك الوقوف والصمود بوجه

قرارات مخالفة للإدارة الأمريكية. ومن الجدير بالذكر أن الأمم المتحدة سيبقى

دورها منقوصاً وغير فعال ما لم تلعب دوراً إيجابياً وشاملاً لكل العملية السياسية في

العراق، وهذا لا يمكن أن يكون إلا بإصدار قرار دولي ينص على إخراج القوات

الأمريكية وحلفائها من العراق والاستعاضة عنها بقوات تابعة للامم المتحدة.

* المقاومة العراقية:

لا شك أن المقاومة العراقية ولا سيما في المناطق السنية من العراق أصبحت

أمراً واقعاً في يوميات العراق والعراقيين، وباتت اليوم تشكل خطراً حقيقياً على

القوات الأمريكية من خلال العمليات التي تشنها المقاومة، والتي تتراوح بين

(١٨ - ٢٥) عملية - وباعتراف القوات الأمريكية - يومياً، وما يرافقها من

عمليات نوعية تكبد الأمريكان خسائر أصبحت موجعة لهم، وبات شبح المقاومة

العراقية التي تتكون من أطياف عدة من تنظيمات وتشكيلات إسلامية جهادية

وعسكريين وطنيين وعرب غير عراقيين وسواهم يشكلون خطراً كبيراً على القوات

الأمريكية، وهو الأمر الذي جعل الإدارة الأمريكية تغير بعض خططها العسكرية

والسياسية، وتجسد ذلك في تنازلات الإدارة عن أمور كانت لم تتركها لولا ضربات

المقاومة والاضطراب الأمني لقواتها في العراق، ومنها على سبيل المثال تشكيل

المجلس الانتقالي للعراقيين وإعطاؤه هامشاً من الصلاحيات بعد أن كانت تريده

مجلساً استشارياً فقط، وكذلك تحديد موعد لانتقال السلطة والسيادة للعراقيين،

وإنهاء الاحتلال قانونياً في نهاية حزيران، بعد أن كانت تقول لا يوجد سقف زمني

لبقائنا في العراق، والحديث عن حكومة عراقية سابق لأوانه، إلى آخر ذلك من

المكاسب التي حققتها المقاومة واستفاد منها مجلس الحكم المعارض لها وهو لا يدري!

وهكذا كلما تتواصل ضربات المقاومة، تتواصل قوات الاحتلال في إرجاعها

للحقوق تحت مطارق العبوات الناسفة والسيارات المفخخة وصواريخ مدافع الهاون

وإسقاط الطائرات المروحية؛ حتى يتحقق مستقبل العراق، ويعود إلى العراقيين

ليحكموا أنفسهم في نظام يضمن لجميع العراقيين حقوقهم من دون تمييز للون أو

طائفة أو عرق.

* المأزق الأمريكي:

مما لا شك فيه أن الإدارة الأمريكية في مأزق كبير في العراق بسبب مطلب

الانتخابات العامة المباشرة التي يطالب بها المرجع الشيعي علي السيستاني، وهو

الأمر الذي يعني تعكير صفو الطبخة الأمريكية المعدة مع الحكومة المؤقتة بعد نقل

السلطة، والتي كان من المفترض أن يتبوأ فيها مواقع بعض الأعضاء الأوفياء

للإدارة الأمريكية أمثال أحمد الجلبي أمين عام المؤتمر الوطني، وإياد علاوي أمين

عام الوفاق الوطني وكلاهما وأخرون معهم ممن يشغلون الآن منصب عضو في

مجلس الحكم قد جاؤوا على الدبابة الأمريكية والذين من خلالهم تحقق الإدارة

الأمريكية أهدافها الرئيسية من التواجد العسكري (بطلب من الحكومة الجديدة كما

صرح بذلك مسؤولون أمريكيون بمعرض الإجابة عن أسئلة الصحفيين: هل

سترحلون من العراق بعد تسليم السلطة للعراقيين؟) وإبرام اتفاقات وعقود

استراتيجية في العراق وعلى رأسها إرساء قواعد عسكرية، والسيطرة على مخزون

النفط، وحيازة مجمل عقود الإعمار للشركات الأمريكية لتطويق الشرق الأوسط

وموارده النفطية لصالحها. وهم في قرارة أنفسهم لا يرغبون في إجراء انتخابات

مباشرة؛ لأن الانتخابات بهذه الطريقة سترجعهم من حيث أتوا من خارج العراق

لعدم وجود أي تأييد أو قاعدة شعبية لهم. لذلك يمكننا القول إن الإدارة الأمريكية

اليوم في محك حقيقي أمام مطلب الانتخابات العامة، وهو الأمر الذي يتمثل في

صدق النوايا لدعاوى قوات الاحتلال، ورفعهم شعار التحرير والديمقراطية، وبين

الشارع العراقي بكافة شرائحه وطوائفه. فهناك مقاومة سنية بالقوة ضد القوات

الأمريكية، وهناك مقاومة شيعية سلمية عبر المظاهرات الحاشدة والشعارات المنددة

بالاحتلال.

* مطلب السيستاني:

لقد أثار مطلب المرجع الشيعي علي السيستاني بضرورة إجراء انتخابات

عامة مباشرة لتشكيل المجلس التشريعي في الحكومة العراقية الجديدة ضجيجاً كبيراً

في الأوساط العراقية والعالمية حول إمكانية ذلك من عدمه، ومن الواضح أن جميع

العراقيين متفقون على مبدأ إجراء الانتخابات لتشكيل الحكومة الجديدة، ولكن

الاختلاف هو في التوقيت والآلية التي يمكن أن تتوفر لتجعل من هذه الانتخابات

صورة حقيقية لاختيار الشعب العراقي لمرشحيه، وتكون الانتخابات نزيهة بكل ما

تحمله الكلمة من معنى. وقد قوبل هذا المطلب برفض سني قاطع، وقد جاء ذلك

عبر بيان أصدره مجلس شورى أهل السنة الممثل الأكبر لأهل السنة في العراق،

وكذلك على لسان أحد ممثلي جمعية علماء المسلمين من أن الظروف الأمنية غير

مناسبة ألبتة، إضافة إلى أمور اخرى فنية وإدارية يتطلب توفيرها لإجراء أي

انتخابات عامة ونزيهة وعادلة، وتحت إشراف دولي محايد لتحقيق الأهداف

المرجوة من الانتخابات ليتمكن الشعب العراقي من تمثيل مرشحيه بصورة طبيعية

وحقيقية.

إن الناظر لمعطيات المشهد العراقي بتمعن يجد بوضوح أن هناك خشية

وتحفظاً وحسابات سياسية طائفية تفوح رائحتها في الوسط العراقي من خلال

الضغط الإيراني الكبير من خلال المرجع الديني الشيعي السيد علي السيستاني

ودفعه بقوة بضرورة مطالبته بإجراء انتخابات مباشرة في الوقت الحاضر والضغط

على الإدارة الأمريكية من خلال التظاهرات الحاشدة لتحقيق هدفين رئيسيين للسياسة

الإيرانية في العراق الجديد وهي:

١ - إيجاد موطئ قدم راسخة ونفوذ سياسي مؤثر في العراق الجديد.

٢ - الاحتفاظ بالمرجعية الشيعية الموالية لإيران والمتمثلة بالسيد علي

السيستاني ذي الأصل الفارسي، وسد الطريق أمام تنامي المرجعية الشيعية من

أصل عربي والمتمثلة بمقتدى الصدر ابن المرجع العراقي محمد صادق الصدر الذي

اغتيل على يد النظام العراقي السابق. وهذا يعني بقاء الوارد المالي الكبير الذي

يدر على المرجعية من خلال دفع الشيعة في العالم للخُمْس والذي يقدر بالمليارات

التي يتم استثمارها في إيران. لذلك يتوقع أن يتعمق الخلاف والحساسية المتنامية

بين خط مقتدى الصدر والمرجع السيستاني، وربما يتطور إلى نوع من الخلاف

الذي قد يكون عامل ضعف في الكتلة الشيعية في العراق مستقبلاً، بسبب رغبة

شيعة العراق (العرب) في أن يتقلدوا زمام الأمور، ويعيدوا لحوزة النجف مكانتها

الأولى، بدلاً من حوزة قم الإيرانية؛ وهذا لا يكون إلا بعودة المرجعية وكسر

التوارث الفارسي لهذه المرجعية، وإحلال المرجعية العربية مكانها.

إن القول بأن مطالبة المرجع الديني علي السيستاني بإجراء الانتخابات

المباشرة والإصرار عليها في الوقت الراهن فيها نَفَس طائفي واضح لتحقيق مكاسب

طائفية ولا سيما إذا ما قورنت هذه المطالبة ببعض المعطيات والتوجهات التي طفت

على السطح من خلال التصريحات الرسمية لممثلي السيستاني والرموز الشيعية

الأخرى عبر وسائل الإعلام وقولهم: إن الشيعة أغلبية ساحقة ويمثلون نسبة ٨٠%

من الشعب العراقي، وصيحة أخرى أكثر إنصافاً تقول إن الشيعة يمثلون ٦٠% من

الشعب العراقي، وناطق آخر يقول إن لدينا أكثر من أربع ملايين شخص قد

أسقطت عنهم الجنسية العراقية في عهد النظام البائد (والمقصود كلهم من الشيعة)

لا بد من إرجاع الجنسية لهم! والقول الآخر وهو الأخطر والذي صرح به ممثل

السيستاني من ضرورة إجراء انتخابات ولا سيما في المناطق الآمنة (وهي المناطق

الجنوبية والتي فيها أغلبية شيعية والمتمثلة في محافظة الناصرية والعمارة

والنجف وكربلاء، وواسط) وتترك المناطق التي فيها مشاكل أمنية وغير

المستقرة التي هي كلها مناطق سنية والمتمثلة (بمحافظة الموصل والرمادي

وديالى وبعقوبة وغالبية العاصمة بغداد) إلى حين آخر. وهذه النظرة وما رافقها

من توجهات أخرى حول نسبة الشيعة ومحاولة المبالغة المتعمدة بزيادة النسبة،

وتردد القول بأن الشيعة هم الأغلبية في العراق عبر وسائل الإعلام، وهو أمر

منافٍ للحقيقة العملية؛ حيث إن من المؤكد قطعاً وحسب الإحصائيات الرسمية

السابقة والتوزيع الجغرافي للسكان وعدد العراقيين البالغ ٢٢ مليوناً إلى ٢٤ مليوناً؛

فإن نسبة الشيعة لا تتجاوز (٣٥ - ٤٠) بالمئة في أحسن الأحوال، ومن ثم فإن

نسبة السنة (عرباً وأكراداً) تصل إلى ٦٠% إذا ما اعتبرنا (٣ - ٥) بالمئة

للأقليات الأخرى. والقول بأن هناك أكثر من أربع ملايين عراقي (شيعي) قد

أسقطت عنهم الجنسية العراقية من قِبَل النظام السابق بحجة أنهم (تبعية إبرانية)

قول في غاية الغرابة ومجانب للصواب. والمؤكد أن الذين أسقطت عنهم الجنسية

للسبب المذكور لا يتجاوز المائتي ألف على أكثر تقدير، وهو أمر ثابت

ومعروف للعراقيين! ولكن هذا هو أسلوب للمبالغة للحصول على أكبر قدر من

الحقوق وهو أسلوب قديم، ومحاولة منح الجنسية العراقية لهؤلاء المهجرين، في

ظل الفوضى التي يمر بها العراق اليوم والتي أعقبت الحرب وإسقاط النظام، وما

صاحبه من تدمير وحرق متعمد للمؤسسات الحكومية ولا سيما ما يتعلق

بدوائر الجنسية والأحوال الشخصية المدنية العراقية لتكثير السواد الشيعي في

العراق والجنوب على وجه التحديد ليكون جنوباً شيعياً خالصاً ومهيأ للانفصال (فيما

إذا اقتضت الضرورة ذلك) ويكون متواصلاً مع إيران والشيعة في الخليج

المجاور للعراق.

هذه بعض المخاطر التي تنطوي عليها دعوى السيستاني لإجراء الانتخابات

المباشرة في الظرف الراهن، ومن دون تدخل دولي يضمن ويشرف على عملية

الانتخابات وتأمين كل ما تحتاجه من إجراءات قانونية لازمة لتكون نزيهة وعادلة.

* حلول بديلة ممكنة:

في ظل هذه الأزمة التي أفرزتها دعوى السيستاني للانتخابات العامة يمكن

القول بأن هناك بعض الحلول المتوقعة لتسوية الأمر بين سلطات الاحتلال والقوى

العراقية، والاتفاق على حلول توافقية لتجاوز هذه الأزمة وتشكيل أول حكومة

انتقالية مؤقته تتمتع بكامل السلطة والسيادة على العراق. منها:

١ - تمديد فترة مجلس الحكم الانتقالي ثلاثة أشهر أخرى على ما هو عليه

للاستفادة من عامل الزمن لترتيب كل ما تتطلبه عملية الانتخابات؛ على أن يتم

تسليم السلطة للعراقيين في الموعد المقرر في نهاية حزيران من قِبَل قوات الاحتلال،

وعلى أن لا يمنح مجلس الحكم أي صلاحية لإبرام أي اتفاقات وعقود هامة

وحساسة تمس العراق الجديد (والتي ينبغي أن يقررها جميع العراقيين) مع قوات

الاحتلال في هذه الفترة.

٢ - القبول بنقل السلطة للعراقيين على ضوء الخطة المتفق عليها من قِبَل

الإدارة الأمريكية ومجلس الحكم، وبدون إجراء انتخابات في الوقت الراهن،

والقبول بالحكومة المؤقته المنبثقة عن هذا الاتفاق، شريطة أن تقيد هذه الحكومة

بعدم إبرام أي عقود واتفاقات هامة تمس العراق الجديد، ولحين الانتهاء من توفير

الاستعدادت التامة لإجراء الانتخابات العامة خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر، أي

حتى نهاية العام الجاري، وأن يصبر العراقيون ويتحملوا سلبيات الوضع الحالي

على مرارتها حتى إجراء الانتخابات العامة بصورة نزيهة وعادلة ليختار العراقيون

من يمثلهم حقيقة في الحكومة الجديدة. وعندها فقط سيتذوقون طعم الحرية المنشودة

في بلاد الرافدين.

٣ - القبول بأي حلول أخرى يمكن أن يتوصل إليها بين قوات الاحتلال

ومجلس الحكم والمجتمع الدولي في نقل السلطة للعراقيين. بشرط أن تضبط هذه

الحكومة بالشرط المذكور أعلاه. وأي حلول أخرى خارجة عن هذا النطاق ولا

تنضبط بهذا الشرط الهام الذي يحقق مصلحة الشعب العراقي؛ فهي حلول عميلة

يراد لها تكريس الاحتلال وإعطاؤه الشرعية في السيطرة على العراق ومقدراته،

والهيمنة على المنطقة بأكملها. لذلك ينبغي على القوى المناوئة للاحتلال بجميع

أطيافها وخاصة الإسلامية منها والشيعية على وجه التحديد أن تدرك هذا الأمر،

وأن تعطي الفرصة المقترحة (وكل آت قريب) لقوات الاحتلال لاتخاذ ما يلزم،

وبعدها ستنكشف النوايا الحقيقية لكل الأطراف؛ وعندئذٍ يمكن للمرجع الديني

السيستاني أن يحرض على المقاومة بكافة الوسائل المتاحة له ومنها المقاومة السلمية،

وأن يدعو إلى المظاهرات والعصيان المدني، وأن لا يعترف بشرعية الحكومة

التي أقرتها قوات الاحتلال، وعند ذلك ستلتقي معه كل القوى الوطنية وعلى رأسهم

الأحزاب السنية في خندق واحد، لمعارضة الاحتلال وخططه الشريرة لتحقيق

مصلحة الشعب العراقي الجريح، ويكون حينها موقفه أكثر تجرداً ووطنية من

مطلبه الحالي في إجراء انتخابات عامة في الوقت الراهن، مخالفاً فيه للسنة في

العراق.

* خلاصة:

هل ستستجيب الإدارة الأمريكية لمطالب المقاومة بشقيها السلمي والعسكري،

وتقبل أن تكون بمثابة هيئة خيرية تعمل لتحرير الشعوب من الدكتاتوريات، وتترك

العراق للعراقيين أمام صيحات المتظاهرين وعمليات المقاومين، وتنسحب أدراجها،

وتمزق جميع خططها الاستعمارية التي جاءت من أجلها إلى المنطقة، وخاضت

الحرب على العراق بخرق قانون الأسرة الدولية ومجلس الأمن، وأنفقت الكثير من

الأموال والسلاح، واستنزفت مغامرتها هذه مئات القتلى والجرحى من الجنود

الأمريكان بحسب إحصائيات الإدارة الرسمية؟

نعم! سيكون كذلك إذا ما أصرت إرادة وعزيمة العراقيين على مطالبهم

المشروعة شرعاً وقانوناً، والمقاومة برزت صفاً واحداً في سبيلها مهما بلغت

التضحيات [وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ] (الحج: ٤٠) .

وهل ستتحمل الإدارة الأمريكية مضاعفات الشأن العراقي وتداعياته على

الانتخابات الأمريكية في الأشهر المقبلة؟