للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسلام والمسلمون في السنغال

من الإخوة الذين اشتركوا في دورة العلوم الشرعية التي نظمها المنتدى

الإسلامي الأخ محمد بامبان جاي، وقد انتهزنا فرصة وجوده وأجرينا معه هذه

المقابلة التي تلقي الضوء على بلد من البلاد الإسلامية في إفريقية، وهو (السنغال) .

س - أخ محمد هل لك أن تعطينا فكرة عن السنغال من حيث سكانها، موقعها، مواردها الاقتصادية؟

ج - أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد:

السنغال دولة من دول إفريقية الغربية، يحدها شمالاً جمهورية موريتانيا

الإسلامية، وجنوباً جمهورية غينيا بيساو، وشرقاً جمهورية مالي وغينيا، وغرباً

المحيط الأطلسي، ومساحة البلاد ١٩٢ ألف كيلو متر مربع، ونالت استقلالها عام

١٩٦٠م وكانت مستعمرة فرنسية، أما نسبة المسلمين حسب الإحصائيات التي

أقيمت عام ١٩٨٠م فقد بلغت حالياً ٩٤% ويمثل المسيحيون ٤% والوثنيون - الذين

هم أناس يسكنون في إقليمي تامباكوندا في شرقي السنغال وكازموسن في الجنوب -

ويمثلون ٢% وهم أناس مازالوا على فطرتهم!

أما الثروات فالسنغال بلد زراعي يعتمد حوالي ٨٠% من السكان على الزراعة

وتربية المواشي وأدى هذا إلى بعض المشاكل؛ لأن البلاد تتعرض للجفاف منذ ما

يزيد عن عشرة أعوام، وهناك ثروات معدنية بسيطة مثل الفوسفات، وتم اكتشاف

البترول ولم يستغل بعد وهو نفط بحري في حدودها مع غينيا بيساو، ومازالت هذه

المنطقة النفطية موقع نزاع بين السنغال وغينيا بيساو حالياً، وهنائى الحديد في

شرق السنغال وقد اكتشف حديثاً ولم يستغل بعد، وكذا الذهب في نفس الأقاليم في

الشرق، والسنغال من الدول التي تنتج السمك بكثرة، لأنها تقع على المحيط

الأطلسي، وفيها ما يزيد على ثلاثة أنهر: نهر السنغال، ونهر كامبيا، ونهر

كازلماس، أما المحاصيل الزراعية الرئيسية فالفول السوداني ثم الذرة والحبوب.

س - متى دخل الإسلام إلى السنغال أو متى دخل أهلها في الإسلام وعلى يد

مَن؟

ج - القول المعتمد الذي عليه براهين وأدلة تاريخية هو أن الإسلام دخل

السنغال على يد المرابطين مع حركة عبد الله بن ياسين وذلك في القرن التاسع

الهجري وربما هذا له دلالات كثيرة جداً، وهناك شيوخ تعلموا على أيديهم واعتنقوا

الدين الإسلامى، وهم أيضاً بدأوا حركة في (فُتا) ثم بعد عبد الله بن ياسين وحركته

بدأ بعض السنغاليين يروجون للدين الإسلامي في باقي أرجاء الوطن منهم الحاج

عمر الفوتي والحاج مالكسي الذين كانوا ينشرون الدين في ربوع البلاد..

ولما دخل الاستعمار الفرنسي السنغال كانت السنغال دولة مسلمة، والأكثر من

ذلك هناك أدلة تاريخية تقول: كان هناك دولة إسلامية في فُتا في القرن السابع عشر

عند مجئ الفرنسيين (وهذا غير بعيد عن الصواب) ، الفرنسيون لما جاءوا حاربوا

بعض الملوك الوثنيين في منطقة جلق في قلب البلاد وفي كايور وكانت شبه دويلات

صغيرة أما باقي البلاد فكانت تحت أيدي شيوخ مسلمين يحكمون مناطقهم بالشريعة

الإسلامية، ومن هذه المناطق (فتا) وكان فيها الشيخ سليمان بعل وإلى الآن توجد

مخطوطاته وكان يحكم البلاد في كل الجوانب الإدارية ولما قتله الفرنسيون عينوا

الشيخ (عبد القادر كان) وكان آخر شيخ، وكانوا يطلقون اسم الإمام على الشيخ الذي

كان يدير البلاد مثل الإمام سليمان بعل والإمام عبد القادر كان. والشيوخ تعلموا في

السنغال وهناك مراكز علمية تعتبر بمثابة جامعات، والدليل على رسوخ الدين

الإسلامي في البلاد أن أكثرها كانت تدرّس اللغة العربية، وإذا اطلعنا على اللغات

القومية الموجودة في السنغال نجد الكثير من المفردات المستعملة مشتقة من اللغة

العربية، ومن هذه اللغات اللغة الوُلوفية نأخذ مثالاً أيام الأسبوع، اسمها كلها عربية

ماعدا يوم الأحد ويسمى بيير، أما باقي الأيام: السبت: السبت، الاثنين: تنين،

الثلاثاء: ثلاثة، الأربعاء: أربع، الخميس: الخمس، الجمعة: الجُمع، وكان

الفرنسي أثناء الاحتلال مجبراً على استعمال اللغة العربية في الدواوين، وكانت

السنغال مدخلاً للصحراء إلى مالي وكانت مركزاً ويسمونها غرب إفريقية الفرنسية،

وكانت تسمى كذلك السودان الغربي الفرنسي.

س - أثناء وجود الاستعمار الطويل هل ظهرت حركات مضادة للاستعمار؟

أو حركات إسلامية يقودها علماء؟

ج - الحركات بدأت قبل دخول الاستعمار، إن دولة الإمامية في فُتا كان على

رأسها شيوخ وعلماء قاوموا الفرنسيين أشد المقاومة في أواخر القرن التاسع عشر،

فالحاج عمر الفوتي قاوم الفرنسيين مدة ٨ سنوات ثم توفي مقتولاً على أيديهم،

وحركة الشيخ (أحمد بادئ خُبا) وهو عالم مسلم يقود أشد حركة لمقاومة الفرنسيين

(١٠ سنوات) ، والفرنسيون اعترفوا بذلك وبعد ذلك قضوا عليه بعد محالفات

عقدوها مع الملوك الوثنيين في عام ١٨٨٦) وكذلك ما يسمى (تمرد العلماء) عام

١٩٠٥ م حيث قام كثير من العلماء وعلى رأسهم (عثمان جُمكة) بحركة تمرد ضد

الفرنسيين حيث جهزوا أنفسهم لعدة أشهر دون أن يعلم الفرنسيون ذلك وشنوا ثورة

عنيفة ضد الفرنسيين دامت ٥ أشهر فقط، وكانوا يقولون صراحة إنهم يحاربون

الكفرة لإخراجهم من بلاد المسلمين، وكان قمع هذه الحركة شديداً جداً؛ حيث إن

الشيخ عثمان جمكة قُتل ليكون عبرة للذين يأتون من بعده.

ومن الذين قاموا بالمقاومة ضد الفرنسيين الشيخ محمد بَمبا الذي نُفي إلى

غابون. وكذلك شيوخ آخرون استمروا في المقاومة حتى عام ١٩٢٠ وقد اضطر

المستعمر الفرنسي لإقامة مدرسة للقضاة والمترجمين، تهدف إلى تربية أولاد هؤلاء

الشيوخ، وفي ذلك يقول الحاكم الفرنسي للسنغال آنذاك مبيناً الهدف من هذه المدرسة:

(لابد أن نوجد لهم مدرسة نكوِّن فيها أبناءهم ونفسر لهم فيها القرآن تفسيراً لا

يتنافى مع الحكم الفرنسي، ونعلمهم فيها الفقه تعليماً لا يكون منافياً مع ما تريده

الإدارة الفرنسية) . وقد لعبت هذه المدرسة دوراً مهماً في هذا المجال وبعد ذلك

أخذوا أولاد الشيوخ والعلماء الذين حاربوا آباءهم إلى باريس لتلقِّي العلم الغربى،

وبعد عودتهم هادنوا المستعمر وبدأت المقاومة تهدأ شيئاً فشيئاً.

س - ما هي الحركات السياسية الموجودة في السنغال. ويلاحظ المرء كثرة

المنظمات الشيوعية، وليس بينها أحزاب أو جماعات تقابلها من المسلمين هل هذا

صحيح أم أن هناك جماعات تتصدى لهؤلاء؟

ج - حالياً يوجد ١٧ حزباً سياسياً وأكثرها شيوعي، ماعدا الحزب الاشتراكي

الحاكم، وهو ليس حزباً شيوعياً، وحزب المحافظين وحزب العمال، والدستور

السنغالي ينص في بنده الثالث على أنه من الممنوع منعاً باتاً تكوين أي حزب على

أساس ديني..

وهناك جماعات تتصدى لهؤلاء الأحزاب مثل حركة الفلاح للثقافة الإسلامية

السلفية وهي حركة كبيرة جداً، وجماعة عباد الرحمن وهاتان الحركتان لعبتا دوراً

كبيراً في التصدي لمواجهة الشيوعيين والعلمانيين وكان البعض يتساءل: هل

السنغال يحتاج حقيقة إلى حزب إسلامي نظراً لأن الجماعتين لهما حرية التصدي

والتحرك. وهناك مجلة تصدر باللغة الفرنسية وتُقرأ بها مقالات سياسية بحتة،

وهناك في كل أسبوع على الأقل محاضرة كبيرة علنية بالفرنسية أو باللغات المحلية

أو باللغة العربية.

وبالجملة فإن هذه الحركات الإسلامية غير المرخص بها تقوم بنشاط ملموس

وتتصدى لكثير من المشاكل التى يثيرها العلمانيون اللادينيون، وتهاجم برامج

العلمانيين المتعارضة مع الإسلام مما يضطر الدولة بين وقت وآخر أن تصدر

بيانات تحذيرية لهذه الحركات والجماعات كي لا تتدخل في السياسة ولا تهاجم

العلمانية المنصوص على وجوب احترامها في البند الأول للدستور. ومع هذا فإن

الضغط لإزالة العلمانية من الدستور يزداد يوماً بعد يوم، وبعد أن كانت مبدأً متفقاً

عليه في السابق أصبحت الآن تهاجَم من جهات كثيرة من الشعب وزال ما كان لها

من هالة وتهويل.

س - ألم تؤثر أحداث أوربا الشرقية على الشيوعيين والتيار اليساري؟

ج - أثرت وأصبح الشيوعيون يعيشون أزمة، وحدث في الأيام الأخيرة أن

أستاذاً للفلسفة ينتمي إلى حزب الرابطة الديمقراطية - وهو أكبر حزب شيوعي في

السنغال - وله نشاط وسيطرة في المجال التعليمي والتربوي هذا الأستاذ تكلم في

درس له بكلام غير لائق بحق الله - تعالى - وبحق الرسول -صلى الله عليه

وسلم- فتصدى له أحد الطلبة وثار بينهما نقاش أدى إلى الضرب، ثم رُفعت القضية

إلى مجلس الجامعة فطرد الطالب فحدث على إثر ذلك ضجة كبيرة جداً تضامناً مع

هذا الطالب، وعقدت محاضرات وأرسلت احتجاجات إلى رئيس الدولة وإلى

البرلمان، وكانت نتيجة لذلك أن أعيد الطالب إلى الدراسة ونُقل الأستاذ، وألفت

لجنة لإعادة النظر في مناهج الفلسفة التى كانت منبراً للمهاجمين للإسلام في

المدارس.

س - لا شك أن هناك مشاكل وصراعات ما بين المسلمين أنفسهم،

وخصوصاً نحن نعلم أن الصوفية لها جذورها في إفريقية، وأن الصوفية من خلال

تاريخها دائماً ترتبط بالحكومات التي تعاصرها، فهل هناك مثلاً ضغوط من

الصوفية على الناس الذين يحبون أن تكون الدولة ذات توجه إسلامي؟

ج - نعم هناك ضغوط كبيرة خاصة في السنوات الماضية، السنغال يتميز

بكثرة الطرق الصوفية، وهي كثيرة وربما لا يعرفها العالم الإسلامى لأنها سنغالية

المنشأ، وعادة رؤساء الطرق يشجَّعون من قبل الدولة ويدعمون بالمال الذي

يوزعونه على مريديهم، ويحضر المسؤولون الاحتفالات التى يقومون بها، فيعبر

مشايخ الطرق عن ولائهم للدولة وموافقتهم على مواقفها السياسية، وتحاول الدولة

تشجيع هؤلاء ودعمهم لأنهم بديل مأمون ولا خطر منهم، بعكس دعاة الإسلام الذين

عندهم تجرد وإخلاص وعلم شرعي صحيح فإن الدولة تضغط عليهم وتحاول عزلهم

بكل الوسائل.

ومع هذا فإن زعماء الطرق الصوفية قد تضاءل أثرهم عن السابق، وذلك لأن

نسبة الوعي قد ازدادت نسبياً بين الأتباع (وإن هى لم تصبح كاملة ومثالية) حتى أن

من زعمائهم من يشارك في التجمعات الإسلامية غير الصوفية ويحرص على

الظهور فيها حتى لا يجرفه تيار النسيان ويسحب البساط من تحت قدميه مثل زعيم

الطائفة التيجانية الشيخ عبد العزيز سي.

س -ما هو حجم الحركات التي تنتهج منهج أهل السنة؟

ج - هناك حركة الفلاح السلفية للثقافة الإسلامية، وقد أنشئت قبل الاستقلال

من قبل الشيخ محمود يار - رحمه الله - وقد كانت محدودة إلى الثمانينات ثم

انتشرت وأصبح لها فروع في فولتا العليا ومالي وموريتانيا وغينيا، وفي السنغال

لها فروع في جميع الأقاليم ولها فرع للشباب وآخر للنساء.

وهناك حركة عباد الرحمن وهي حركة جديدة، ومؤسسوها تربوا في حركة

الفلاح وهم من المثقفين والمعلمين. وعلى كل حال فإن أكثرية الشعب السنغالي لا

تفرق بين حركة الفلاح وحركة عباد الرحمن.

س - ماذا عن موقف رئيس الدولة من الإسلام؟

ج - كما تعلمون فإن ليوبولد سنغور هو الذي عين الرئيس الحالي،

وليوبولد سنغور محب لفرنسا حتى العبادة، وإن كانت أصوله إسلامية، لكن فرنسا

احتضنته ونصَّرته منذ صغره وعملت على شهرته، وفي أوائل الثمانينات بدأ

الشعب يتململ وبدأ يطرح مشكلة دين الرئيس ومشكلة إيجاد وزارة مستقلة للأوقاف

الإسلامية، فما كان من سنغور إلا أن عين (عبدو ضيوف) وهو مسلم وزوجته

مسيحية متعصبة تربت في المدارس الكنسية.

ومع أن الشعب أيده - لأنه مسلم - لكنه عمل أعمالاً لم يكن سنغور يجرؤ

على القيام بها، فقد تلاعب في قانون الأحوال الشخصية، وكما هو جارٍ في كثير

من البلاد الإسلامية فإن كثيراً من الأمور لم يكن يجرؤ المستعمرون على القيام بها

قام بها أناس من بَنِي جلدتنا.

س - في العالم الإسلامي اليوم حركات باطنية لها نشاط واسع ومحموم مثل

البهائية والقاديانية والرافضة ... فهل لهذه الحركات وجود في السنغال؟

ج - السنغال يعاني من نشاط الحركات الباطنية؛ فالماسونية منتشرة منذ القدم، وقد شن أهل السنغال حملة قوية ضد الماسونية التي كان لها مراكزها

ومستوصفاتها فحلت محلها الكنيسة في إدارة هذه المراكز؛ مما يدل على التعاون

والتنسيق بين الكنيسة والماسونية.

أما الرافضة فأثرهم في صفوف أهل السنغال ضئيل وينحصر نشاطهم ضمن

الطائفة اللبنانية، وقد ازداد نشاطهم بعد ثورة الخميني تجاه الشعب السنغالي ففتحوا

المدارس، ووزعوا المطبوعات الإيرانية، وكذلك الدعوات وتذاكر السفر لزعماء

الصوفية ولبعض الشباب للذهاب إلى إيران.

ونتيجة لوعي المسلمين هناك فإن نشاط الشيعة انحسر، والسفارة الإيرانية لم

تعد توزع مطبوعات إيران كما كان الحال سابقاً.

س - هل انعكس الخلاف بين الموريتانيين والسنغاليين على واقع السنغال؟

ج - الانعكاس واضح في المجال الاقتصادي في كلا البلدين، وكذلك في

مجال العلاقات حصلت أشياء سلبية، وقد كانت هناك أصوات خبيثة تحرض كلاً

من الشعبين ضد الآخر، وقد لعبت فرنسا دوراً لا يستهان به في ذلك عن طريق

نشر الأخبار والتهويل فيها، وقد بدا في حمى الأزمة أن الحكومة عاجزة عن فعل

شيء، ولكن من حسن الحظ أن تلك الأزمة حصلت في شهر رمضان فاستغل

الإسلاميون هذه المناسبة واستنكروا ميل الشعب إلى الانتقام سواء في موريتانيا أو

في السنغال، وسرعان ما هدأت الأمور بعد هذا الدور الذي قامت به جماعتا الفلاح

وعباد الرحمن في كلا البلدين. وصاروا يجتمعون في غامبيا - وهي داخل السنغال

- ويمكن لكل من الموريتاني والسنغالي أن يدخلها وتألفت لجنة مشتركة وأصبحت

تجتمع لإيجاد الحلول لهذه المشكلة المؤسفة.

ختاماً لهذه المقابلة تتقدم مجلة (البيان) بالشكر للأخ الكريم محمد بامبان جاي

على هذه المعلومات التي أدلى بها لنا عن السنغال.