هموم ثقافية
مسيرة المنهج وتشكلاته
في الفكر الإسلامي
عبد العزيز بن محمد الوهيبي
متى ظهر المنهج في الإسلام؟ وهل تشكل وتغير أم بقي على صورته الأولى
لم يتغير؟
* وإذا كان قد تغير، فما هي المحطات الأساسية التي توقف عندها؟ ومن هم
أبرز ممثلي التيارات الفكرية الكبرى في ذلك المنهج؟
* هل عرف المنهج في الإسلام ما يسمى بـ «الثورة العلمية» ، أو
«القطيعة المعرفية» في التفكير الغربي الحديث؟
هذه الأسئلة وغيرها من قضايا المنهج، كانت ومازالت مطروحة في الفكر
الإسلامي في مختلف عهوده، ولكنها اليوم بخاصة، في هذا الطور الحديث لمسيرة
الفكر البشري، ومسيرة الأمة الإسلامية، وذخيرتها من التجارب والمحاولات
المختلفة للنهضة، ورؤاها المختلفة للمنهج ولنفسها وللعالم والكون من حولها،
نتيجة للتخبطات والمناهج الملفقة، فإن هذه الأسئلة تعود لتحتل موقعاً مركزياً في
التفكير والتأليف من مفكرين ومؤلفين عرب ومسلمين، ذلك أن واقع البشرية
والتعاسة والدمار الذي أصابها منذ الثورة العلمانية الكبرى الحديثة التي يؤرخ لها
بالثورة الفرنسية (سنة ١٧٨٩م) .
وواقع العرب والمسلمين الذين يجيئون في قاعدة السلم في التقدم والعلم والنماء
الاقتصادي، هذا الواقع يشهد بأن هنالك أزمة في المنهج، أزمة في التفكير
وطرائقه، أزمة في النظام التشريعي والأخلاقي والإداري وباختصار أزمة في كل
شيء تقريباً، ولا مناص من مواجهة الأزمة في جذورها الحقيقية والبحث عن
علاج ناجع لها، ومخرج سديد منها.
ومن هنا فإني في هذا المبحث القصير أحاول الرجوع القهقرى، لنرى معاً
البدايات للمنهج في الإسلام، والمحطات والمنعطفات التي توقف عندها
والشخصيات والأعلام الذين توهج بهم، وتركوا خلفهم بصمات لا تنسى على
مسيرة المنهج في الإسلام.
والبداية التي ننطلق منها معاً هي: نزول الوحي، ذلك أن الرسل عليهم
السلام بُعثوا إلى أمم متعددة وشعوب متفرقة، كانت ذات ثقافات ومناهج وطرق
متنوعة في التفكير، ولذلك لم يكن لهم عليهم السلام مندوحة من خطوتين اثنتين في
التغيير الفكري، والعقدي والاجتماعي والسياسي:
الخطوة الأولى: هدم المناهج الباطلة السائدة في مجتمعاتهم وأممهم، وبيان
ضلالها وتهافتها.
الخطوة الثانية: بناء المنهج الصحيح البديل، وتأصيله وتعميقه.
فهما خطوتان: هدم وبناء، إبطال وتأسيس، تخلية وتحلية، تفكيك وتركيب، كما هو هدف الرسالة كلها: [فمن يكفر بالطاغوت، ويؤمن بالله فقد استمسك
بالعروة الوثقى لا انفصام لها] [البقرة: ٢٥٧] ، فهما عمليتان: كفر وإيمان،
رفض وقبول، هدم وتأسيس.
مناهج الجاهلية ومواجهتها:
فما هي يا ترى مناهج الجاهلية التي واجهت الرسل، وعلى الخصوص
خاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ وكيف تمت تعريتها وكشفها وإبطالها وتقديم
البديل الصحيح عنها؟ .
إن الإجابة على هذا السؤال إجابة عن قضية المنهج التي شغلت البشرية بكل
أبعادها وما تزال، وهي قضية ضخمة وخطيرة وشديدة التأثير، ولذلك استحقت كل
هذا الاهتمام وأكثر منه، والله المستعان.
أول ما نندهش لمواجهته في موضوع المنهج في الإسلام كتاباً وسنة هو
غزارة النصوص في هذا الباب وثراؤها الملفت للنظر..!!
حقاً، لقد احتلت قضية المنهج موقعاً مركزياً في نصوص الكتاب والسنة
للخطورة التي تمثلها، وللأهمية العميقة للوصول للمنهج السليم في تحديد خيارات
الإنسان ورهاناته المستقبلية وميزان قيمه وأحكامه: [لقد أرسلنا رسلنا بالبينات،
وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ... ] [الحديد: ٢٥] .
فما هي أولاً: طبيعة التفكير الجاهلي؟ وكيف تنقض وتبطل؟
وما هي ثانياً: المنهجية البديلة عنها؟
في المسألة الأولى: هنالك ملامح ومظاهر متعددة للتفكير الجاهلي نحاول أن
نجملها في هذه العُجالة بما يلي:
أولاً - الفهم السحري الخرافي للكون والحياة ومظاهر الطبيعة:
يقول تعالى: [وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم
رهقاْ ... ] [الجن: ٦] ، [واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان، وما كفر
سليمان، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ... ] [البقرة: ١٠٣] ،
[قالوا اطيرنا بك وبمن معك، قال: طائركم عند الله، بل أنتم قوم تفتنون ... ]
[النمل: ٤٧] .
ولقد رفض الإسلام هذه الرؤية السحرية، وأثّمها وجّرمها، بل لقد كفرها،
كما قال تعالى: [وما يعلمان من أحد حتى يقولا: إنما نحن فتنة فلا تكفر ... ]
[البقرة: ١٠٣] .
كما قوّض الوحي معالم هذه الرؤية السحرية الخرافية: يقول النبي - صلى
الله عليه وسلم-: «إن الرقى، والتمائم، والتولة شرك» [١] ، ويقول: «لا
عدوى، ولا طيرة ولا هامة، ولا صفر» ، عن أبي هريرة وزاد: «ولا نوء ولا
غول ... » [٢] .
ثانياً - تعطيل وسائل الفهم الصحيح والاستدلال المنتج:
[ولقد ذرأنا لجهنم كثيراْ من الجن والإنس: لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم
أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام، بل هم أضل،
أولئك هم الغافلون] [الأعراف: ١٧٩] .
فهم لا يسمعون: [بشيراْ ونذيراْ، فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون ... ]
[فصلت: ٤] ، وإذا سمعوا لا يعقلون: [ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم
أكنة أن يفقهوه..] [الأنعام: ٢٥] ، وإذا عقلوا لا يعملون: [إن تدعوهم لا
يسمعوا دعاءكم، ولو سمعوا ما استجابوا لكم] [فاطر: ١٤] ، [أفتطمعون أن
يؤمنوا لكم، وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم
يعلمون ... ] [البقرة: ٧٥] .
ولذلك فقد قارن كتاب الله تعالى بينهم وبين المؤمنين، وبيّن آثار هذه المقارنة
بقوله: [مثل الفريقين كالأعمى والأصم، والبصير والسميع، هل يستويان مثلاْ؟
أفلا تذكرون] [هود: ٢٤] ، والنصوص في هذا الباب كثيرة جداً نكتفي منها بذلك
الذكر الطيب المبارك.
ثالثاً - استحداث مناهج ووسائل بديلة باطلة: ومن ذلك:
١ -القول بعصمة طائفة من الناس وصحة أقوالهم مطلقاً بغض النظر عن
شواهدهم أو أدلتهم أو مستنداتهم، وذلك لقدرهم وعظمتهم في النفوس (كالآباء
والأجداد) أو لوجاهتهم وقوتهم وجبروتهم (كالزعماء السياسيين) أو لقداستهم ومكانتهم
الدينية! (كالأحبار والرهبان) ، يقول الله سبحانه وتعالى عن النوع الأول:
[وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على
أمة، وإنا على آثارهم مقتدون] [الزخرف: ٢٣] ، وفي الأخرى (مهتدون)
[الزخرف: ٢٢] ، وعن النوع الثاني يقول تبارك وتعالى: [وقالوا ربنا إنا أطعنا
سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً
كبيراْ ... ] [الأحزاب: ٦٧، ٦٨] ، وعن النوع الثالث يقول جل وعلا:
[اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ] [التوبة: ٣١] .
ولا ريب أن أعظم إبطال لنظرية العصمة هذه سواء أجاءت على لسان المقال
(كما هو عند النصارى والشيعة) أو على لسان الحال (كما هو عند كثير من الناس)
هو البيان الأكيد والتكرار الشديد لبشرية النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتعرضه
للخطأ والنسيان وإن كان لا يقر من الله تعالى ونزول المعاتبة له ولأصحابه في
نصوص قرآنية قاطعة متكررة تتلى إلى يوم القيامة، كما في سورة «عبس»
وغيرها من السور.
٢- التقليل من قيمة المعرفة والاكتفاء في القضايا الخطيرة بالظن والخرص
والهوى والمتشابهات: [وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها، قلتم ما
ندري ما الساعة، إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين ... ] [الجاثية: ٢٢] ،
[إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بها من سلطان، إن يتبعون
إلا الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى ... ] [النجم: ٢٣] ،
[وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله، إن يتبعون إلا الظن وإن هم
إلا يخرصون] [الأنعام: ١١٦] [فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه
ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ... ] [آل عمران: ٧] ، وهذه هي الوسيلة المفضلة في
انحرافات المعاصرين فقل أن تجد ذكر الله واليوم الآخر في وسائل الإعلام المقروءة
والمسوعة والمرئية الغربية؟!
٣ -الكبر وبطر الحق بعد ظهوره لهم: [سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون
في الأرض بغير الحق، وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها، وإن يروا سبيل الرشد لا
يتخذوه سبيلا، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً ... ] [الأعراف: ١٤٦] ،
[ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس، فلمسوه بأيديهم، لقال الذين كفروا إن هذا إلا
سحر مبين] [الأنعام: ٧] ، [وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم، ظلماً وعلواً فانظر
كيف كان عاقبة المفسدين] [النمل: ١٤] .
وهؤلاء لا تنفع معهم الحجج مهما تكاثرت وتضافرت، فالعيب عندهم أخلاقي
سلوكي داخل في باب الشهوات، وليس معرفياً علمياً يدخل في باب الشبهات التي
تزول بالعلم، وهي علل قديمة جديدة، فلم تخرج انحرافات المعاصرين مع تنوعها
وتشعبها في خطوطها العريضة عن الانحرافات الأولى بل لاتزال تكررها وتعيد
إنتاجها بصور وعناوين جديدة، والاستقراء خير شاهد.
ذلك هو منهج الإسلام في بيان خلل وخطل وفساد المناهج الجاهلية وذكر
وجوه العيب فيها، وسبل السلامة من تلك الوجوه، فما هو يا ترى المنهج المفضل
البديل..؟!
ملامح المنهج الإسلامي في التفكير:
هنالك الكثير من النصوص التي ترسم ملامح وقسمات هذا المنهج وطرائقه
نذكر منها:
أولا: الإعلاء من شأن العلم، والرفع من قيمة العلماء المخلصين في البحث
عن الحقيقة: [وقل رب زدني علماً..] [طه: ١١٤] ، [اقرأ باسم ربك الذي
خلق ... ] [العلق: ١] ، [يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم
درجات ... ] [المجادلة: ١١] ، [وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير] [الملك: ١٠] ، [قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ... ] [الزمر: ٩] ، ونصوص الكتاب والسنة في هذا المعنى كثيرة جداً، نكتفي منها بما ذكر هنا.
ثانياً: إطلاق الوسائل المعرفية إلى أقصى مداها كي تنهل من مصادر المعرفة
المتاحة لبني الإنسان، فقد خلق الله الإنسان للإعلام، ولكنه زوده بوسائل المعرفة:
[والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً، وجعل لكم السمع والأبصار
والأفئدة لعلكم تشكرون ... ] [النحل: ٧٨] ، [ولا تقف ما ليس لك به علم، إن
السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا] [الإسراء: ٣٦] .
فلدينا سمع ينهل من الأخبار: وحياً ربانياً، أو حدثاً إنسانياً، وبصر ينهل من
الكتاب: المقروء وهو الوحي، والكتاب المنظور وهو الكون، وفؤاد يعقل نفسه
ويعقل الكتاب المنظور والمسطور، ولقد تكاثرت نصوص الكتاب والسنة في
الحديث عن الوسائل الثلاث: السمع والبصر والفؤاد، حيث ورد كل منها وما
يشتق عنها في مائة وثمانين موضعاً في كتاب الله تبارك وتعالى بينما ورد الحديث
عن العقل، واللب، والنهى، والحكمة في حوالي ستة وثمانين موضعاً، وكفى
بذلك دلالة على عناية الإسلام وحرصه الشديد على إطلاق وسائل الإنسان المعرفية
المتاحة إلى مداها الأقصى، تلك الوسائل التي تنهل من المصادر الثلاثة: الخبر
عن الله في وحيه، وعن الإنسان في حاضره وماضيه، والكون والعقل الذي يتلقى
ذلك كله ويتدبره ويفهمه ويزنه ...
ثالثاً: التأكيد على الصياغة السننية العقلانية لظاهرة الوحي والظاهرة
الإنسانية والكونية: [أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ... ]
[محمد: ٢٤] ، [ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون] [البقرة:
١٧٩] ، [ولكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون]
[الأعراف: ٣٤] ، [سنة الله في الذين خلو من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلاً]
[الأحزاب: ٦٢] ، [ولن تجد لسنة الله تحويلاً] (فاطر: ٤٣) ، [ومن الجبال
جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف
ألوانه كذلك، إنما يخشى الله من عباده العلماء ... ] (فاطر: ٢٧-٢٨) . ...
وهكذا فالظواهر الرسالية، والإنسانية، والكونية قابلة للتعقل والفهم والتركيب، ولذلك والله أعلم لم ينزل الله تبارك وتعالى الكتاب فقط وإنما أنزل معه الميزان
العقلي: [لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ] [الحديد: ٢٥] .
والأنبياء لم يعلّموا الكتاب فقط، ولكنهم خلطوه بالحكمة: [لقد من الله على
المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ... ] [آل عمران: ١٦٤] ، [يؤتي
الحكمة من يشاء، ومن يؤتّ الحكمة فقد أوتي خيراْ كثيراْ] [البقرة: ٢٦٩] .
و «الميزان» العقلي في الحقيقة يقوم «بوزن» الحقائق التي تحصل عليها
الوسائل المعرفية الممكنة من مصادر المعرفة، ومن ثم ترتيبها في سلم أولويات
يعيد تشكيلها بعد انتزاعها من الواقع ويعطيها موقعاً في هذا السلم، وحجماً مرناً
قابلاً لإعادة التشكيل في ظروف الزمان والمكان، فهو ليس ميزاناً جامداً لا يتبدل
ولا يتغير، وإنما يخضع لظروف الزمان والمكان والبيئة، وهكذا نجد على سبيل
المثال قضايا الرسل الحيوية تتفاوت من أمة لأخرى، حسب انحرافها وضلالها،
ومن هنا يظهر وجه الخلل في الرؤية الخوارجية أو الإرجائية أو الشيعية مثلاً،
فضلاً عن أهل الكتاب، فما بالك بالوثنيين..؟!
رابعاً: رسم معالم المنهج وتوضيحها بحسب العقل المعرفي الذي يعمل فيه:
١ -ففي حقل الأخبار: تأتي الوثائق المكتوبة المضبوطة تاريخياً ونقدياً في
الطليعة: [ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ... ]
[الحج: ٨] ، ومن هنا كانت جريمة تزييف الوثائق خصوصاً فيما يتعلق بالوحي
من أخطر الجرائم على الإطلاق: [فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون
هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما
يكسبون] [البقرة: ٧٠] ، وكذلك الآثار: [قل سيروا في الأرض فانظروا كيف
بدأ الخلق، ثم الله ينشئ النشأة الآخرة ... ] [العنكبوت: ٢٠] ، ثم يأتي قبول
خبر الثقة: [ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن، قل أذن خير لكم يؤمن
بالله ويؤمن للمؤمنين ... ] [التوبة: ٦١] .
والتوقف عن خبر الفاسق: [يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا
أن تصيبوا قوماْ بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين] [الحجرات: ٦] ورفض
خبر الكاذب: [لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا
إفك مبين ... ] [النور: ١٣] .
٢ -وفي حقل الكونيات تجيء المشاهدة والتجربة والاستقراء معياراً أولاً:
[قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي، قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك
ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعياً واعلم أن الله عزيز
حكيم ... ] [البقرة: ٢٦٠] ، [أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت، فذكر إنما أنت مذكر ... ] [الغاشية: ١٧٢١] ، وحديث التأبير الصحيح شهير في هذا
المعنى.
٣ -وفي حقل العقليات تجيء المسلمات والبداهات العقلية معياراً: [وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ... ] [النساء: ٨٢] [يا أبت لم تعبد
ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً..] [مريم: ٤٢] .
وللحديث بقية.