المسلمون والعالم
(تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى)
[الأحزاب الصهيونية في الانتخابات]
رؤية صهيونية
باسل يوسف النيرب
حالة التذمر التي مر بها حزب الليكود بعد سلسلة من الأزمات التي أصابته
منذ تولي بنيامين نتنياهو الحكم وحتى تحديد موعد الانتخابات المبكرة الحالية جاءت
بسبب تصرفات نتنياهو التي أجملتها (نوريث بيلد أبلكنهان) بأنه يميل إلى رؤية
الحياة لعبة، ويتصف بشكوكية غريبة تجاه أقرانه؛ فليس هناك من هو أهل للثقة
لديه، وتضيف: كنت أعتقد بحكم ذكائه أنه مؤهل ليكون أشبه بزعيم مافيا أو زعيم
عصابة؛ فهو يعتقد أن العالم غابة.
بدأت الخلافات داخل الليكود عندما انسحب (دان مريدور) وأكد أنه نوى
الانسحاب قبل عام ونصف عندما كان وزيراً للمال، ويعترف مريدور أنه لم يجد
من يسانده في منافسة نتنياهو، مؤكداً أنه لا توجد احتمالات لاستبداله، ويحمله
مسؤولية التدهور الاقتصادي الذي تعيشه (إسرائيل) ؛ فقد ارتفع معدل البطالة في
عهده ووصل إلى ٨. ٧%، وحقق النمو الاقتصادي أدنى معدل له منذ عشر
سنوات وبلغ نسبة ١. ٩%، وقفز التضخم لنسبة ٩%، وتشير الإحصاءات
الإسرائيلية إلى أن ٧٠٠ ألف إسرائيلي يعيشون تحت خط الفقر، مما يؤكد أن
(إسرائيل) تشهد أزمة خطيرة، وأن لا أحد يصدق أقوال نتنياهو لا من أعضاء
الكنيست ولا من أعضاء الليكود ولا من خصومه أو أصدقائه.
تناولت الأخبار نية (أرييل شارون) صاحب المواقف الأكثر حدة في حزب
الليكود ترشيح نفسه لمنافسة نتنياهو على رئاسة الليكود للانتخابات القادمة، وأعلن
عن احتمال ترشيح نفسه للانتخابات القادمة في ظروف خاصة، ولكن العلاقة بين
نتنياهو وشارون تُعدّ بمثابة الورقة الرابحة لنتنياهو؛ فهو بحاجة لحشد المتطرفين
والمستوطنين والقوميين الدينيين، وفي الوقت نفسه يتهم شارون نتنياهو بأنه دمّر
الحزب وأن إصلاحه بات صعباً جداً، ومع هذا؛ عادت الوحدة من جديد إلى
الطرفين لمصالحهما المشتركة، وطالب شارون من تكتل الليكود الالتفاف حول
نتنياهو الوحيد القادر على الفوز في الانتخابات القادمة.
(إيهودا ألمرت) صاحب الحيل الملتوية والمعروف بانتهازيته، أعلن عن
نيته: الترشيح لمنافسة نتنياهو على زعامة الليكود؛ ولكنه تراجع؛ لأن ظروف
الترشيح لم تتضح بعد، وكان (عوزي لاندو) رئيس لجنة الخارجية والأمن أعلن
عن منافسة نتنياهو، وطالب من أعضاء الليكود التغيير والعودة إلى الجذور الداخلية
لحركة حيروت اليمينية والدفاع عن (الشعب الإسرائيلي) على أرض إسرائيل،
واتهم نتنياهو بأنه يعمل على تغيير موقفه وفقاً لمقتضيات الساعة.
وقد أكد (موشي أرينز) المرشد السياسي السابق لنتنياهو في أوائل الثمانينات،
والذي قدمه إلى الساحة السياسية وعمل وزيراً للخارجية من ١٩٨٨ ١٩٩٢م،
ووزيراً للدفاع مرتين ١٩٨٣ ١٩٨٤، ١٩٩٠ ١٩٩٢م، أكد أن نتنياهو مسؤول
عن انشقاق كبار الحزب، وأنه تم ترشيحه لمنافسة نتنياهو بناء على طلب من كبار
قادة الحزب.
ومما يعرف عن أرينز أنه ضد الاتفاقية المصرية الإسرائيلية، ومن معارضي
الانسحاب الإسرائيلي من سيناء، وخلال توقيع اتفاقية أوسلو أعلن أن السلام مع
الفلسطينيين لا رجعة عنه، وأن قيام دولة فلسطينية أمر حتمي.
أما (إسحاق مردخاي) فمنذ ما بعد اتفاق الخليل إلى استقالته الفعلية فُرض على
الليكود، وخاض الكثير من المناورات، وهدد مراراً بالانسحاب من الحكومة
والحزب، ولكن نتنياهو حافظ عليه وجذبه إلى وسطه لضمان بقائه مع مؤيديه
داخل التكتل.
ومنذ أن بدأ ماراثون الانتخابات الإسرائيلية، وكافة القوى والأحزاب تنتظر
موقف مردخاي لكونه سيبدل موازين القوى للأحزاب، فوعده إيهود باراك
بالمنصب الثالث في الحزب بعد شمعون بيريز. وقادة حزب الوسط وعدوه
بالمنصب الأول، ونال هذه المرتبة.
جاءت بداية النهاية لمردخاي بحزب الليكود عندما أعلن مع نهاية ١٩٩٨م،
أنه يفكر بمستقبله في الليكود. وقال: أنا اليوم في الليكود، وإذا توصلت إلى نتيجة
مختلفة فسأعلن ذلك. وكان مردخاي قد انتقد أسلوب تطبيق اتفاقيات السلام مع
الفلسطينيين. ومما زاد من وضعه تعقيداً ترحيبُه بمحاولات الانشقاق عن الليكود
وترحيبه بمنافسة أمنون شاحاك على الانتخابات العامة، كما توالت اللقاءات بين
نتنياهو ومردخاي مما أسفر عن تعهد مردخاي بدعم نتنياهو في انتخابات اللجنة
المركزية لليكود مقابل تعيين مردخاي وزيراً للدفاع في الحكومة القادمة. ولكن
الاجتماع الذي عقد مع قادة حزب الوسط وتسربت الأنباء عنه أضعف فرص
مردخاي للبقاء في الليكود، إضافة إلى رفض مردخاي أن يكون على قوائم الليكود، وهي الخطوة التي عجلت بإقالته، وبالطبع فإن مردخاي سيأخذ بعض أصوات
الشرقيين من تكتل الليكود مما سيعزز فرص إسقاط نتنياهو.
يضاف إلى ذلك حالة الانقسام التي سببها بنيامين بيجن الذي شكل حزبه
الخاص (حيروت) ، وكان والده قد أسسه قبل الاندماج مع الليكود، وقد انخرط
بيجن الابن بالحياة السياسية بعد رحيل والده، وفي الوقت الذي يمارس فيه بنيامين
بيجن دوره مرشحاً للانتخابات تحاول الأحزاب اليمينية دفعه إلى التراجع لصالح
حزب الليكود ومرشح اليمين بنيامين نتنياهو متذرعة بأن احتمالات فوز بيجن الابن
بالنسبة إلى نتنياهو متدنية.
لا بد من التأكيد على أن الليكود عبارة عن سلسلة من الأحزاب اليمينية
الصغيرة المندمجة، والملتفة حول شعار: (إسرائيل الكبرى) والمعارضة للاتفاقيات
السلمية، وقد أثّر التصريح الذي أدلى به نتنياهو عشية انتخابات ١٩٩٦م: أنه مع
أوسلو وذلك لضمان أصوات المترددين من الوسط إضافةً إلى تنفيذ الانسحاب من
الخليل وتوقيع اتفاق واي ريفر والتراجع عنه، أثر ذلك في التعجيل بالانقسامات
الداخلية في الحزب، كما أن أسلوبه في الإدارة والحكم أدى إلى خروج الزعامات
التاريخية من الحزب، فأحاط نفسه بمجموعة صغيرة عملت على اتخاذ القرارات،
إضافة إلى أنه أسند الوظائف الإدارية لفئة من جماعته التي سيطرت على الحزب
والحكم.
تشتت حزب العمل:
حالة حزب العمل ليست بأفضل من الليكود؛ فبعد صعود نجم (أيهود باراك)
على حساب كثير من الشخصيات العمالية بدأ الحزب الذي شكل كل الحكومات
الإسرائيلية المتعاقبة من ١٩٤٨ ١٩٧٧م يعاني من التفكك بسبب القيادات الشابة
الجديدة.
وأُولى الأزمات التي تعرض لها الحزب كانت طلب باراك تعيين أربعة من
المرشحين للانتخابات القادمة من خارج الحزب لضمان بقائهم في القائمة المنوي
تشكيلها. ومن الشخصيات التي طرحت في بداية الخلاف ديفيد ليفي وإسحاق
مردخاي وأمنون شاحاك، ورأت قيادة حزب العمل في هذا الإجراء ممارسة
دكتاتورية؛ لأن باراك يريد فرض رجاله على الحزب، وقبل أن يعدل باراك موقفه
هاجمه كل من حاييم رامون وعوزي برعام ويائيل ديان.
أعلنت نتائج الانتخابات الداخلية لحزب العمل التي شارك فيها ٩٦ ألف عضو
من أصل ١٦٠ ألف عضو، وقد لوحظ على قائمة حزب العمل ارتفاع نسبة اليهود
الشرقيين في قائمة الحزب؛ ففاز: البروفسور شلوم بن عامي وهو يهودي شرقي
ومؤيد لعملية السلام على أساس الانسحاب التام من الأراضي المحتلة ١٩٦٧م،
وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب (إسرائيل) ، ويوسي بيلين مهندس اتفاق أوسلو،
وأربعة آخرون من اليهود الشرقيين في الصفوف القيادية ومنهم: بنيامين بن أليعزر
وزير الإسكان في حكومة رابين ورئيس قسم التنظيم في الحزب وهو من أصل
عراقي، وشلو لحيان الذي انضم إلى الحزب مع عدد من أعضاء المجالس البلدية،
وإلي بن عامي، وداليا اتسك وهو رئيس الفريق الإعلامي في حزب العمل،
وفازت المرأة العربية ناديا الحلو وهي من يافا بالمرتبة ٤٩، ونواف مصالحة،
وصالح ريف نائب رئيس الكنيست ويمثل العرب الدروز في (إسرائيل) .
الوسط القادم إلى الصراع:
شكّل الحزبَ أمنون شاحاك، وينتمي إلى المدرسة السياسية القديمة، ويصف
شاحاك نفسه بأنه معتدل سياسياً ويؤيد السلام، وأكد في مقابلة له بعد إعلانه ترشيح
نفسه للانتخابات أن عملية السلام لا بد أن تتحرك، ولا بد من التوصل رغم
الصعوبات إلى حلول وسط.
اعتزل شاحاك العمل العسكري بعد حياة عسكرية استمرت ٣٦ عاماً ليعلن
ترشيح نفسه للانتخابات القادمة للتغيير.
لم ينشأ الحزب وفق قاعدة أيديولوجية محددة بل ظهر كالفقاعة فجأة، وتعود
بداية الحزب إلى استقالة دان مريدور من حزب الليكود وإعلانه أنه سينشئ حزباً
جديداً هدفه هزيمة نتنياهو في الانتخابات القادمة، أو أي انتخابات مبكرة، وحزب
الوسط الذي نشأ على يد سفاح قانا شاحاك ليس وسطياً بمعنى الكلمة؛ لأن الكلام
عن (إسرائيل) الجديدة والمصالحة والوفاق وإزالة الحواجز وتقريب قلوب اليهود من
العلمانيين والمتدينين والشرقيين والغربيين واليمين واليسار حديث شامل للجميع ولم
يكن في يوم من الأيام حكراً على أحد.
ينتمي شاحاك إلى صفوف القادة في الجيش الإسرائيلي، وكان إسحاق رابين
قد ضمه إلى مباحثات السلام مع الفلسطينيين عام ١٩٩٥م. وفي حكومة نتنياهو
وبعد أن تراجع دور العسكريين جاء إلى الوسط.
إلا أن فرص صعود حزب الوسط إلى سدة الحكم بعيدة المنال؛ فبعد أول
مؤتمر صحفي خسر شاحاك الكثير من بريقه، ففرص صعود حزب الوسط لن
تكون سهلة؛ فأصواته من الناقمين على نتنياهو والهاربين من حزب العمل بقيادة
باراك والكثير من الأصوات العائمة التي تحدد موقفها يوم الاقتراع، ولكنه قادر
على الإضرار بمصالح الليكود وغير قادر على إدارة شؤون (إسرائيل) إلا مع حزب
العمل.
الأحزاب العربية:
تشير دائرة الإحصاءات الإسرائيلية إلى أن العرب من سكان فلسطين المحتلة
١٩٤٨م بلغوا مليوناً و٤٠٠ ألف نسمة يمثلون ما نسبته: ١٨ ٢٠% من نسبة سكان
فلسطين. وتتعدد الأحزاب العربية في الساحة السياسية الإسرائيلية وتتنوّع: فمن
التيار الشيوعي إلى القومي تتقاسم الأحزاب العربية مقاعدها في الكنيست، ولكن
العامل المشترك أمام هذه الأحزاب هو الدفاع عن قضايا الخدمات العامة
والاصطفاف لزيادة المعونة الاجتماعية وغيرها من قضايا التأمينات لصالح الطبقات
الفقيرة.
تُجْمع الأحزاب العربية أن الانتخابات القادمة ستكون مصيرية بالنسبة لعملية
السلام وخاصة على الصعيد الفلسطيني الإسرائيلي، وإذا تمكن اليمين من الصعود
مرة أخرى فسيكون بسبب أصوات اليمين المؤتلفة حول (إسرائيل الكبرى) أما
أصوات العرب فستكون لإحدى الجماعتين: العمل أو الوسط.
فوضى حزبية:
مع الإعلان المبكر عن الانتخابات عجت الساحة السياسية الإسرائيلية بالعديد
من الأحزاب التي ظهرت بسبب الانتخابات، كما أن العديد من الأحزاب شكلت لها
علاقة بالتحالفات الانتخابية.
١- حزب اليهود الروس: وهم الذين يبلغون مليون مهاجرٍ وقد شكلوا حزبهم
الثاني مؤخراً باسم: (إسرائيل بيتنا) على يد المنشق عن الليكود أفغدور ليبرمان.
ويؤكد ليبرمان أن الحزب شُكّل ليناضل ويدافع عن حقوق الأفراد ضد النخب
التقليدية في الدولة وتكتل الليكود وليحافظ على اللغة والعادات والتقاليد الروسية،
بعد رفض المجتمع الإسرائيلي اندماجهم. وقال ليبرمان إن حزبه الجديد هو عبارة
عن الليكود.
٢- حزب عم أيهاد: تصاعدت حمّى الأحزاب مما دفع بأمين عام الاتحادات
النقابية الهستدروت عامير بيرتيز أن يشكل حزب (عم أيهاد أي: شعب واحد)
ويميل الحزب إلى مصالح العمال، كما أسست حركة ميماد حزباً سياسياً يميل نحو
اليمين المتطرف بعد الانشقاق عن الحزب الوطني الديني، وضربت الحمى
عارضة الأزياء الإسرائيلية ينينا روزنبلوم فسجلت حزباً جديداً لخوض غمار
الانتخابات القادمة تنوفاة وأكدت أنها تحلم بالتغيير الذي لا يتم إلا عن طريق الدخول
في البرلمان، وتعرف ينينا الحزب أنه من تيار الوسط، وتؤيد اتفاقيات السلام بين
إسرائيل والفلسطينيين ما دامت تُنفّذ بشكل مسؤول. وفي الوقت نفسه توجه
اهتمامها نحو المشاكل الداخلية، وتأمل أن يحصل حزبها على ثلاثة مقاعد في
الانتخابات القادمة.
٣- حزب الفلاشا: شكل المهاجرون الأثيوبيون (الفلاشا) حزباً جديداً للطائفة، ويعلل أعضاؤه سبب نشأة الحزب بأنهم لا يجدون أنفسهم ومصالحهم مع أيٍ من
الأحزاب؛ فالكل يتناسى مطالبنا ويعاملوننا باستهتار. وقال عضو الكنيست
الأثيوبي الأصل عن هذه المجموعة إنها تنتمي إلى الليكود وتحاول حرق بضعة
آلاف من الأصوات لا أكثر.
برنامج الليكود والعمل:
بدأت الحملة الانتخابية الإسرائيلية في وقت مبكر، وجاءت واضحة في
معالمها على الصعيد الخارجي؛ فرئيس الوزراء نتنياهو بدأ في تقديم الوعود
الانتخابية: كالبناء في جبل (أبو غنيم) بإقرار ١٠٢٥ مسكناً من أصل ٦٥٠٠
مسكن. فالبناء قضية سيادة.
وفيما يخص الشق الأمني من البرنامج القادم فقد هدد (نتنياهو) بإغلاق مطار
غزة بسبب ما يراه من التجاوزات الأمنية التي تمارسها السلطة الفلسطينية المخالفة
لما تم توقيعه في برتوكول فتح المطار وفيما يخص الإجراءات الأمنية.
كما أعلن نتنياهو موقفه الصامد في وجه من يحاول تقسيم القدس؛ فقد أكد أنه
نجح في إغلاق بيت الشرق في وجه الدبلوماسيين الغربيين، وسيواصل السعي
والنضال لترسيخ السيادة على المدينة، وأكد خلال زيارته إلى حائط المبكى أن
القدس الموحدة جزء من (إسرائيل الكبرى) .
برنامج حزب العمل:
أما برنامج أيهود باراك الانتخابي فإنه لا يختلف يمينيةً عن برنامج نتنياهو،
فيركز باراك على دولة فلسطينية محدودة الصلاحية: حكم ذاتي ضعيف، مؤكداً أن
الدولة الفلسطينية ليست حلمه، وما يعنيه هو أمن (إسرائيل) وليس جوازات السفر
والطوابع. وإن أرادوا تسمية كيانهم الذي يستجيب لقيودي فهذا شأنهم، والقدس
عاصمة أبدية وموحدة لدولة (إسرائيل) ، وأعلن عن رفض العودة إلى حدود الرابع
من حزيران ١٩٦٧م في الضفة والقطاع والجولان، مع التمسك بالمستوطنات على
أن تبقى الغالبية العظمى بيد إسرائيل، ورفض أي وجود عسكري غرب نهر
الأردن.
جاء شعار حزب العمل قريباً من شعار الليكود: (قائد لشعب واحد) ، وفي
المقابل وصفه نتنياهو بأنه متورط بالدعاية الهتلرية، مؤكداً أن باراك يعمل على
تقسيم شعب (إسرائيل) ، وأن هتلر كان يقول: شعب واحد، قائد واحد.
ومن يراهن على صعود حزب العمل وباراك على اعتبار أن السلام والحوار
مع حزب العمل أسهل من الحوار من الليكود عليه أن يستعرض بعض التصريحات
التي يؤكدها باراك وخاصة بعد صعوده إلى قيادة حزب العمل؛ فقد أكد أنه إذا نشب
خلاف بين الفلسطينيين والإسرائيليين حول تطبيق الاتفاقيات الموقعة، فإن الجانب
الإسرائيلي سيفرض وجهة نظره لأنه الجانب الأقوى. ويهاجم باراك نتنياهو؛ لأنه
تسبب في تقسيم القدس.
فكيف يمكننا أن نراهن على أي من البرنامجين، والنتائج النهائية للانتخابات
لا تظهر إلا في صندوق الاقتراع، وتحسمها التعبئة قبل الانتخابات؟ هذا إذا اقتنعا
فعلاً أن أغلبية الإسرائيليين ضد نتنياهو الذي وُصِف بالكاذب وله كل يوم فضيحة
جديدة، وأنه يقودهم نحو الهاوية، ولكن ما يدور لا يمنع من إعادة تكريس الكاذب
رئيساً لوزراء إسرائيل.
إن استعراض بعض الأرقام من زاوية الاستيطان مفيدة في تحديد بعض
الأولويات عند كلا الحزبين: الليكود، والعمل؛ فحتى ١٩٨٠م كان لحزب العمل
٢١ مستوطنة، والليكود ٩ مستوطنات، وفي انتخابات ١٩٩٢م تعهد حزب العمل
بعدم بناء مستوطنات، إلا أنه قام ببناء ١٠ آلاف وحدة سكنية في الضفة الغربية،
و١٢٠٠ في غزة والجولان، ومن ١٩٩٣م ١٩٩٦م قام حزب العمل بمصادرة ٢٢
ألف دونم [١] في الضفة والقطاع، و٢٤ ألف دونم في القدس، ومصادرة أراضي
الجفلت في غور الأردن، وبناء ١٥ طريقاً التفافياً يقوم نتنياهو حالياً بإكمال خمسة
منها فقط، وإقرار اللجنة الفرعية بالبناء على أراضي جبل أبو غنيم في القدس.
إن التقارب بين البرنامجين يبدو واضحاً، والتشابه فيما يخص قضايا
الصراع الخارجي واضح بين الحزبين، ولكن الاختلاف هو في القضايا المحلية
وخاصة في مجال الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية؛ فعمل نتنياهو بصفته وزيراً
للمالية على اتخاذ بعض الخطوات الإجرائية الانتخابية والاقتصادية؛ إذ مدّد فترة
الامتيازات المعطاة إلى المستعمرات اليهودية ومدن التطوير في مدن الجولان
والأراضي الفلسطينية، ووضع قانوناً جديداً لتوسيع التعليم المجاني يشمل جيل
٣-٤ سنوات، واتباع منهج يوم تعليم طويل في المدارس في مدن التطوير، وقام بتمديد فترة إعفاء أصحاب البيوت من الضرائب عند تأجيرهم بيوتهم، إضافة إلى الاستمرار في إعطاء المتقاعدين الإعفاءات والمنح من الضرائب، وتطبيق قانون السكن الجماهيري القاضي بأن يعطى المواطنون الساكنون في تلك البيوت فرصة امتلاك تلك البيوت بقيمة زهيدة.
وفي الوقت نفسه لم تتضح بيانات أولية عن برنامج حزب العمل وخاصة في
الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الموجه أساساً إلى الناخبين العرب وبعض
الطوائف الشرقية، والتي لن تخرج في مجملها عن تحسين الأوضاع الاجتماعية
والاقتصادية من تخفيف للضرائب وتحسين المستوى الاقتصادي والتخفيف من حدة
البطالة.
برنامج الوسط:
يستقي حزب الوسط أفكاره من اليمين واليسار، ولا توجد له أي قاعدة
أيديولوجية واضحة المعالم، ولكن من خلال الحوارات التي نشرت مع قادة حزب
الوسط يمكن استخلاص برنامجه.
فيرى دان مريدور أن الواقعية في الصراع العربي الإسرائيلي هي الراجحة
بعد أن قَبِلَ العرب بـ (إسرائيل) ليس بدافع الحب والاعتراف بالحقوق التاريخية
والأيديولوجية، ولكن بسبب الواقع الذي حدث على الأرض والسياسة، ويرى أن
سياسة فرض الواقع لم تكن من الناحية العسكرية فقط بل من الناحية الاقتصادية
والديموغرافية، فقد نالت (إسرائيل) اعتراف كل من: مصر والأردن والسلطة
الفلسطينية.
ويعترف قادة حزب الوسط أن حرب أكتوبر وما تبعها من تغييرات سياسية
في المنطقة وصولاً إلى الانتفاضة وحرب الخليج أثرت على الموقف الإسرائيلي،
ويصف الحزب المرحلة الحالية من الصراع العربي الإسرائيلي بأنها مرحلة إذابة
الجليد؛ فما زال الكثير من العمل المشترك والقضايا العالقة. ومنها: الحدود
النهائية، المستوطنات، القدس التي يرى فيها حزب الوسط أنها ستبقى موحدة تحت
السيادة الإسرائيلية. أما بالنسبة إلى الدولة الفلسطينية فيرى الحزب أن ما هو قائم
في غزة وجنين ونابلس ليس مجرد حكم ذاتي؛ بل هو أكبر من ذلك بكثير، ويؤكد
على ضرورة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني. ويرى حزب الوسط أن اليمين لا
يريد التنازل عن أي شيء في حين أن اليسار مستعد للتنازل عن كل شيء. وفي
سياق آخر من برنامجه للعمل في الانتخابات يؤكد أنه لا يوجد استعداد عند أي
يهودي للسماح بعودة اللاجئين إلى حيفا ويافا وعكا.
وفي موضوع الاستيطان؛ مع أن حزب العمل مع التنازل عن كل شيء إلا
أنه لا يوجد عضو واحد من الحزب مع التنازل عن غور الأردن أو جفعات زئيف.
تحالفات انتخابية:
تشكل التحالفات الانتخابية قبيل عملية الاقتراع، أساساً واضحاً إلى ما بعد
تشكيل الحكومة.
فكانت أول التحالفات التي صاغها حزب العمل: التحالف مع حزب جيشر
بزعامة ديفيد ليفي، وكان الاتفاق المبدئي أن يدعم جيشر حزب العمل للانتخابات
العامة لرئاسة الحكومة، ولأن جيشر يبحث عن موطئ له في الانتخابات القادمة؛
فإن التحالف الحالي له سيكون مع اليسار، مع التأكيد على أن حزب جيشر لا
يخوض الانتخابات بصورة منفردة، وترتكز قاعدته الانتخابية على اليهود الشرقيين. ومطالبه اجتماعية في أغلبها.
كما يتحالف مع حزب العمل حزب إسرائيل بعلياة وهو لليهود الروس الذي
وجه دعوة لباراك إلى لقاء القاعدة الانتخابية لليهود الروس في بئر السبع، وفي
المقابل سيترك الحزب خيار التصويت مفتوحاً وليس محدداً لصالح أي من
المتنافسين، إلا أن الصورة الحالية تؤكد أن الحزب سيعطي أصواته لصالح حزب
العمل أو الوسط في الجولة الثانية لنقمته على تحالفه السابق مع الليكود، وتأييد
الليكود تشكيل حزب جديد للمهاجرين الروس.
حزب الليكود سينشئ التحالف مع الأحزاب اليمينية القومية والدينية التي
أخفق بنيامين بيجن في جمعها أو التي رفضت الانضمام إليه، وما يجمع هذه
الأحزاب سيكون الالتفاف حول (إسرائيل الكبرى) . وتحاول الأحزاب الدينية بهذا
التحالف: إما الحفاظ على مقاعدها الـ (٣٣) ، أو زيادة عددها؛ وفي المقابل
سيحاول الليكود زيادة عدد المقاعد التي ينافس عليها لتشكيل الحكومة بصورة أفضل
مما كانت عليه في الانتخابات السابقة.
وتبدو الأحزاب العربية كأنها غير مستقرة على رأي؛ ولكن القائمة الواحدة
المرجح أن يعلن عنها قريباً ستعطي للأحزاب العربية الدعم للمشاركة في المرحلة
القادمة في الكنيست؛ فمن المتوقع زيادة عدد مقاعد الأحزاب العربية إلى ١٤ مقعداً
في الكنيست القادم.
أما الوسط فلن يستطيع تشكيل حكومة وحده؛ لأنه غير قادر على النجاح في
ظل المعطيات السياسية والأمنية في إسرائيل، ولكن التحالف المرجح له هو تحالف
الوسط واليسار والناقمين على اليمين ضد سياساته التي قوبلت بالرفض في إسرائيل
في الدورة الثانية.
كل ذلك يدفع للتأكيد على أن الساحة السياسية الإسرائيلية متغيرة بشكل كبير،
واحتمالات الربح والخسارة لا تحدد إلا في صناديق الاقتراع، وحسب المستجدات
في اللحظات الأخيرة، وكما أجمعت استطلاعات الرأي على أن بيريز سينتصر
على نتنياهو في انتخابات ١٩٩٦م، إلا أنه خسر الانتخابات، وكما تجمع
الاستطلاعات على فوز باراك في الجولة الثانية، إلا أن النتائج تحددها صناديق
الاقتراع ساعة الفرز، والتي لا تمنع من إعادة تكريس نتنياهو وفق المحددات
التالية:
١- بعد تجميد اتفاق واي ريفر زادت نسبة المعارضين للحكومة الليكودية
الحالية، ولكن في الوقت نفسه كان الملتفون حول شعار (إسرائيل الكبرى) من أشد
المعجبين بأداء نتنياهو لتجميد اتفاق واي ريفر؛ خاصة أن الشروط التي وضعها
في نظر المراقبين السياسيين غير قابلة للتنفيذ من قِبَلِ السلطة الفلسطينية.
٢- حملات تصعيد الاستيطان والدعوات المتكررة لبناء أحياء استيطانية
تجلب المزيد من المؤيدين مع الإغداق على المستوطنين بالوعود والمنح والإعانات
والمال.
٣- بدء حملة على لبنان وسوريا يعقبها تصعيد بالمنطقة الحدودية المحتلة
يقابلها رد قوي من حزب الله، مما يعزز النظريات الأمنية التي ينادي بها نتنياهو.
مهما كانت نتائج الانتخابات القادمة وأتت بحكومة ليكودية أو عمالية أو حتى
شَكّلتْ حكومة وَحْدةٍ وطنية؛ فإن الجميع داخل هذا الوسط متفق على شعارات
أساسية لا يمكن أن يتجاوزها وهي قضية الحدود النهائية التي تتناسب ومعطيات
حرب ١٩٦٧م. وتشكل مسألة القدس إجماعاً وطنياً إسرائيلياً، وتُجمع الأحزاب
عامة على أن القدس عاصمة موحدة لدولة واحدة؛ ففي ظل الوضع الحالي علينا ألا
نعوّل على أيٍ من البرامج الصهيونية أو الحكومات القادمة؛ فإنه يخطئ من يظن
أن الحكومات العمالية أسهل في التفاوض من الحكومات الليكودية، ويكفي التأكيد أن
الحروب العربية الإسرائيلية حدثت في عهد الحكومات العمالية، وكامب ديفيد
ومؤتمر مدريد للسلام حدثا في عهد الليكود.
(١) الدونم: - وحدة قياس المساحات وتقدر بنحو ١٢٠٠م٢.