مقالات مُعَربة
سحب من الشك
شهادة أمريكية على الإرهاب الأمريكي
ترجمه واختصره: د. يوسف الصغير
على الرغم من الطابع الاستعراضي لضرب أمريكا للسودان وأفغانستان، مع
عدم معرفه الذين قاموا بتفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام على
وجه التحديد؛ فإن المشكلات الشخصية دفعت إلى الاستعجال برد فعل غير مدروس، ومع ذلك كان هناك شبه إجماع سياسي وإعلامي في أمريكا انطوى على التهليل
والتطبيل لهذه العملية في شبه تظاهرة يغلب عليها العنصر اليهودي، ومن
الاستثناءات الموضوعية القليلة المقال الافتتاحي لصحيفة Investor's
Business Daily المنشور يوم الثلاثاء ١ سبتمبر ١٩٩٨م، والذي نحاول فيما
يلي أن نقدم ترجمة أمينة لأجزاء منه وبما يسمح به حجم الزاوية جاء في المقال:
(لقد أخذنا كلمة الرئيس كلينتون أن ضرب السودان وأفغانستان كان ضرورياً، وأن قواتنا قد عاقبت الناس الحقيقيين، لكن يجب أن نعرف بصورة أفضل أن
قصته الأصلية في ٢٠ أغسطس، بعد ثلاثة أيام من نصف الاعتراف بالكذب حول
(مونيكا لوينسكي) ، أمر كلينتون قواتنا بإطلاق حوالي ٢٠ من قذائف (توماهوك)
على مصنع في السودان وهي دولة مسلمة ليس بيننا وبينها حتى الآن أي نزاع ذي
شأن. كلينتون أمر أيضاً باستخدام ٦٠ صاروخاً أو حولها من (التوماهوك) أطلقت
على ستة من المعسكرات حول خوست، بأفغانستان.
ولتسويغ الضربة فإن البيت الأبيض ادعى شبهة وجود غاز أعصاب واجتماع
إرهابيين دوليين.
منذ أكثر من أحد عشر يوماً حتى الآن، والتقارير الإخبارية توضح كذب
العديد من البيانات التي أطلقت بواسطة كلينتون وموظفيه لتسويغ الضربتين. وكلما
أصبحت التسويغات غير فعالة أضيفت حجج جديدة، مما زاد الشكوك أن الضربات
أمر بها لتحويل الانتباه عن مشكلاته الشخصية ليس إلا.
المصنع المحمي بقوة:
هكذا وصفت الإدارة المصنع المضروب بأنه مصنع للكيماويات ذات العلاقة
بالأسلحة، بعد ساعات من تدمير القذائف الأمريكية له.
لكن المهندس البريطاني (توم كارنافين) الذي عمل في المصنع من عام
١٩٩٢م إلى ١٩٩٦م أخبر نيويورك تايمز أنه ليس هناك مطلقاً احتياطات أمنية
على المصنع؛ حيث تستطيع أن تتمشى في أي مكان تريده ولا أحد يحاول أن
يمنعك.
مجمع صناعات عسكرية:
بعد يوم من الضربة صرح رسميو كلينتون أن المصنع كان مملوكاً للسودان
باعتباره جزءاً من مجمع صناعات عسكرية.
لكن الصحف وجدت أن المالك الكامل هو مصرفي عربي له مكاتب في لندن!
ليس له إنتاج تجاري:
ادعت الإدارة مبكراً أن المصنع لم يكن ينتج أدوية (نحن لا نملك أي أدلة ولم
نر أي إنتاج تجاري تم بيعه) قال ذلك مصدر رسمي للصحفيين.
لكن الأمر ليس كذلك؛ فقد كان من الواضح تماماً أن المصنع يمد الدولة
بأقراص لملاريا الأولاد وبالعقاقير البيطرية. وفي الحقيقة فإنه يموّن تقريباً نصف
حاجة السودان من العقاقير، بل ولديه عقد مع الأمم المتحدة.
المراسلون الصحفيون الذين تجولوا في المنطقة بعد الضربة شاهدوا بين
الحطام منتجات لها علاقة بالعقاقير، والصور التلفزيونية أوضحت أكواباً من
زجاجات الدواء.
رسميو كلينتون يسلمون الآن بأن للمصنع استعمالات تجارية إلا أنهم قالوا أنها
يمكن أن تنتج كلاً من الأدوية ومكونات لأسلحة كيميائية!
دليل مادي:
لأيام عديدة بعد الضربة، رفضت الإدارة الأمريكية الحديث عن أدلتها
بالتفصيل؛ غير أنها كانت أدلة قوية ومقنعة لا تُدحض، لكن الصحافة تبحث عن
التفاصيل، وبعد ثلاثة أيام من الضربة فإن مستشار الأمن القومي (سندي بيرقر)
ذهب إلى (سي إن إن) ليؤكد على أن المصنع كان ينتج المواد الأساسية لغاز
الأعصاب القاتل. وأضاف: نحن نملك الدليل المادي!
ولما سأله (دولف بلتزر) مراسل (سي إن إن) : هل ستسرب الأدلة للجمهور؟
أجاب بيرقر: لا، إنها معلومات سرية.
وفي اليوم التالي أخبر اثنان من موظفي الإدارة (نيويورك تايمز) أن الولايات
المتحدة حصلت سراً على عينة من التربة من الموقع قبل الضربة، قالت المصادر
المجهولة: إنها تحتوي على مواد كيميائية تستعمل في إنتاج غاز الأعصاب،
ولكنهم لم يعطوا اسم المادة.
وتحت مزيد من الضغط لإعطاء مزيد من التفاصيل قال الموظفون في اليوم
التالي: إن المادة هي حمض يسمى (EMPTA) . لقد ادعوا أنها ليس لها استعمال
إلا في صنع الأسلحة الكيميائية.
لكن هذا الادعاء فيه مشكلتان رئيستان:
الأولى: أن هذه المادة (EMPTA) لا توجد في قائمة المواد الكيميائية
الممنوعة طبقاً للمعاهدة الدولية للحد من الأسلحة الكيميائية.
وقول منظمة منع الأسلحة الكيميائية: إن (EMPTA) يمكن استخدامها
(لأغراض تجارية) قول صحيح؛ لأن المصنع ينتج مضادات الفطريات.
وأيضاً ذكرت (نيويورك تايمز) أن التركيب الكيميائي لـ (EMPTA'S)
مشابه جداً لمبيدات الحشرات ومبيدات الحشائش الضارة التي تباع تجارياً مثل قاتل
الأعشاب الضارة (راوند أب) ؛ ولأن الحكومة كما أعلنت أخذت عينة من تربة
واحدة فقط فإنه يمكن الخطأ في الفحص.
وحتى لو كانت العينة (EMPTA) فإنها لا تثبت أن المصنع ينتجها، ومن
الممكن أن الحمض خُزّن هناك أو تسرب أثناء النقل.
إن مصنع الأسلحة الكيميائية يحتاج إلى مفاعلات مبطنة بالزجاج، وأنابيب
خاصة تتحمل التآكل الناتج من المواد الكيميائية عالية السّمّية، كذلك يحتاج إلى
مساحة كبيرة لهذه الأجهزه وأيضاً لتخزين المواد الكيميائية، وكل هذا غير موجود
كما هي إفادة كل من العاملين السابقين والمراسلين الصحفيين الذين شاهدوا حطام
المصنع.
ومن أجل تقليل الخسائر بين العاملين فإن البيت الأبيض يقول إنه اختار
ضرب المصنع بعد أن أغلق أبوابه (أي بعد نهاية الدوام) .
المراسلون المحليون قالوا إن عشرة أشخاص قد جرحوا، منهم أربعة جراحهم
خطيرة، وأن شخصاً وأحداً قد قتل.
لكن مصنع (شركة الشفاء للصناعات الدوائية) موجود وسط مدينة الخرطوم
فلو كانت الإدارة الأمريكية واثقة أن المصنع ينتج مواد كيميائية مميتة مما يحمل
خطورة انتشار أبخرة في الهواء لقتل المئات أو الآلاف من السودانيين ولأظهرت
الضربة ذلك؛ وهذا لم يحدث!
ملاحظة أخرى غريبة: بعد الهجوم أوضحت الصور التلفزيونية أن رجال
الإطفاء السودانيين كانوا يكافحون النيران داخل المصنع بدون ملابس واقية، ومن
المؤكد أنه في حال وجود مواد كيميائية مميتة فإن هؤلاء سيقضى عليهم بواسطة
الأبخرة، فقطرة واحدة فقط من (VX) عند استنشاقها تقتل البالغ في دقائق.
وأبرز دعاوى كلينتون أهمية لتدمير المصنع هو ادعاء علاقة لـ (بن لادن)
به وهذه غير موجودة.
في يوم الضربة، قال وزير الدفاع (وليام كوهين) : إن المذكور له بعض
المصلحة الاقتصادية في المصنع.
وبيرقر وافق وزير الدفاع فقال: نحن نعرف أن بن لادن كان مساهماً أساسياً، إلا أن الصحافة لم تجد صلة تمويلية؛ فمالك المصنع لم يتعامل مطلقاً مع بن لادن. أيضاً فإن بن لادن لم يُقِم في السودان منذ ١٩٩٥م.
وبعد كل هذا فإن أحد المسؤولين المجهولين يسلم الآن بأن الصلة غير واضحه
تماماً، وأحدهم قال: إنها غامضة.
وعندما نمت الشكوك حول علاقة بن لادن فإن قصة جديدة برزت لتسويغ
الضربة وهي ادعاء أن للعراق دوراً في المصنع.
حتى لو كان هذا صحيحاً فإنه ليس هو القضية. لقد قال كلينتون إن الضربة
كانت رداً على ضرب السفارات في أفريقياً، وأن بن لادن خلف التفجيرات؛ وأنه
يمول مصنع الأسلحة الكيميائية في السودان. إن الفكرة هي عقاب بن لادن وليس
العراق.
أفغانستان:
المبالغة في تدمير البنية التحتية للإرهاب:
في اليوم التالي لإمطار أفغانستان بالقذائف الأمريكية، ادعى الرسميون أنهم
دمروا أو ألحقوا أضراراً بكثير من المباني التي توصف بأنها قواعد للإرهابيين.
لقد ثبت أن مركز قيادة بن لادن لم يكن أكثر من أكواخ طينية وخيام متناثرة
في الجبال؛ حيث أختبأ فيها المجاهدون أيام حرب السوفييت. قال الرسميون: إنهم
دمروا البنية التحتية لاتصالاته؛ ولكن التقارير الصحفية توضح أن المذكور يستعمل
التليفونات الخلوية المرتبطة بالأقمار الصناعية، وليس له أنظمة مركزية يمكن
ضربها بالقذائف.
بعد ثمان وأربعين ساعة كاملة من الضربة، فإن البيت الأبيض قال إنه لم
يستطع الحصول على صور من الأقمار الصناعية. لماذا؟
السحب تحجب المنطقة عن الفضاء الخارجي:
في اليوم الثالث قال الناطق (مايل ماكيري) : إن الصور أوضحت أن القذائف
أصابت أهدافها، ولكن السحب لا تزال تمنع أي استعراض كامل للتدمير!
ونتيجة لعدم الرضا عن التفصيلات السطحية فإن مراسلين مشتركين من
الصحف ووكالة رويتر رحلوا إلى الموقع قرب (خوست) حيث شاهدوا مجموعة من
حفر القنابل، ولكن لا يوجد أنقاض كثيرة مما ادّعِيَ بأنه البنية التحتية.
محادثات الإرهابيين:
لقد قال كلينتون: (إن هناك اجتماعاً لقادة الإرهاب في المعسكر عجل
بالغارات، وأن التقارير الأولية أوصلت عدد الإرهابيين إلى ٦٠٠ إرهابي، وأن
قذائفنا التي ذكرت الإدارة أنها ضربت أثناء الليل وأصابت (الثكنات) قتلت منهم ما
يقارب ٢١ إرهابياً.
وكوهين يقول إنه ليس من الواضح إن كان الاجتماع قد عقد في الحقيقة،
وبعض الأنباء تقول إن معظم المعسكرات كانت فارغة.
هل حققت الضربات أهدافها؟
بيرقر قال: إن معسكرات الإرهابيين أصبحت غير فعالة ووزيرة الخارجية
(مادلين أولبرايت) قالت: إننا قمنا بصدمة مؤثرة على المعسكرات الإرهابية
الأساسية.
بالإضافة إلى مغالاتهم حول التدمير فإنهم قد أهملوا حقيقة أن هناك آخرين
يستخدمون المعسكرات. وهناك رسميون باكستانيون قالوا إنهم يستخدمون اثنين من
المعسكرات الأربعة التي ضربت بالقذائف لتدريب باكستانيين وكشميريين للحرب
ضد الهند في كشمير، وفي الحقيقة فإن هناك ١٥ باكستانياً بين القتلى.
معسكر آخر كان يستعمل من قِبَل عرب من بلدان مختلفة، ومعسكر واحد فقط
كان يستخدم من قِبَل جماعة بن لادن.
مزيد من الأسئلة:
السودان وبلدان أخرى منها الكويت دعت أمريكا لتوضيح الحجة الداعية
لضرب المصنع السوداني.
فلماذا حتى الآن ترفض الإدارة الإجابة؟ ولماذا أيضاً لم تدع الأمم المتحدة
لتقوم بالتحقيق؟
إدارة كلينتون تمانع في نشر تفاصيل المعلومات الاستخباراتية للجمهور من
أجل تسويغ ضربتها العسكرية وذلك في تعارض صارخ مع نهج الإدارات الأمريكية
السابقة.
فإدارة ريجان ذهبت بعيداً في نشر حل الشفرة الدبلوماسية الليبية من أجل دعم
ضرب طرابلس. كما أوضحوا كثيراً في الصور لشرح غزو (قرينادا) التي تشبه
الأفلام الكرتونية. وإدارة بوش أوضحت دوافعها ضد دكتاتور (بنما) المتعامل
بالمخدرات؛ فلماذا تكون هذه الإدارة سرية جداً؟
في الحقيقة، وضّحت التقارير أن كلينتون شخص اختار الضربة واحتفظ
بالقرار سراً، أطلع عليه قليلاً من المستشارين ولم يستشر أحداً من الحلفاء؛ حتى
إن أناساً في مكتب كوهين لم يُخبَروا بالأمر؛ فإن كان هذا الفعل العسكري هو من
كلينتون على ضوء مشكلاته الشخصية؛ فإن هذا تفكير مروّع! !
نحن قد وقفنا للحكم على ما قد يبدو لنا تصرفات غير عادلة حيث صدرت
أوامر عدوانية بواسطة رئيس محاصر.. إننا نُقِرّ أننا لسنا أفضل من الإرهابيين. اهـ
أجمع عدد من الفنيين الأجانب الذين عملوا بالمصنع على خلوه من المواد
الكيماوية المشبوهة؛ وهذا ما يعلل رفض أمريكا للتحقيق حول المصنع حتى لا
يظهر كذبها للجميع
شاهد المراسلون الأجانب آثار العدوان في أفغانستان ووجدوا حفراً لكن لم
يجدوا ما ادعي أنه البنى التحتية للإرهاب.