للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

مخيمات اللاجئين الفلسطينيين

في لبنان آلام وآمال

خالد بن عبد الله الخليوي

كم سمعنا عن شيء اسمه «المخيمات الفلسطينية» ، وكم تردد على ألسنة

الباكين على الأمة والمتحسرين على أوضاعها الحديث عن مخيمي «صبرا

وشاتيلا» وما حصل فيهما من المجازر والمظالم من قِبَل اليهود وعلى رأسهم شارون،

ومن قِبَل أعوانهم من الروافض وكتائب النصارى، ولقد صدق المثل القائل:

«ليس الخبر كالمعاينة» و «ليس راء كمن سمع» ؛ فمهما قرأ الإنسان أو ذُكر

له من تفصيلات إلا أن التصور الحقيقي لا يتم إلا بالوقوف على الحدث،

والمعاينة له.

وقد يسَّر الله لي مع بعض الإخوة الأفاضل زيارة المخيمات الفلسطينية في

لبنان، فكان هذا المقال الميداني.

ما سبب وجود المخيمات؟

إن الإجابة عن هذا السؤال لا تحتاج إلى كثير بحث وتأمل؛ إنها الحروب

الطاحنة والهجمة الشرسة، والخيانة العربية، والتواطؤ الخبيث بين نصارى

الغرب ونصارى العرب مع ثالثة الأثافي الصهيونية؛ كل ذلك من أجل بناء هيكل

سليمان المزعوم، وإقامة دولة اليهود كورم خبيث في قلب الأمة الإسلامية وإن كلف

الأمر ما كلف؛ وفعلاً كلف الأمر منذ عام ١٩٤٧م عشرات الألوف ممن نحسبهم

من الشهداء، وحرق مئات الألوف من المزارع، وهدم ما لا يحصى من المنازل،

وملايين من المشردين الهاربين من جحيم الحرب والتسلط، وهم الذين نحن بصدد

الحديث عنهم لا لمجرد الإخبار فقط وإنما لتوسيع دائرة المسؤولية أمام الله تعالى،

وعسى أن نرزق قلوباً حية، تحيى بحياتها الجوارح فينطق اللسان بالحق، وتبسط

اليد بالبذل، ويجهد الذهن بالتفكير والتخطيط والتأمل لعلَّنا نفوز بوعد الله تبارك

وتعالى: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ]

(العنكبوت: ٦٩) .

ماذا تعني المخيمات، وما واقعها العام؟

إنها الجموع الغفيرة التي خرجت مضطرة من بلادها لتلجأ إلى أقرب مكان

تجد فيه الأمن والأمان؛ وإن كان على حساب أي أمر آخر.

ثلاث يعزّ الصبر عند حلولها ... ويذهل عنها عقل كل لبيب

خروج اضطرار من بلاد تحبها ... وفرقة إخوان، وفقدُ حبيب

وكان من كثرة هذه الأعداد التي هربت ما جعلها تحتل المرتبة الأولى على

مستوى العالم كله في عدد اللاجئين؛ فقد بلغوا في إحصائيات عام ١٩٩٨م ثلاثة

ملايين وسبعمائة وثلاثة وخمسين ألف نسمة، ويأتي لاجئوا أفغانستان في المرتبة

الثانية بعدهم. ولا عجب أن تحتل الشعوب الإسلامية المراتب الأولى؛ فإن ما يزيد

على ٨٠% من نسبة اللاجئين في العالم هم من المسلمين.

وكان النصيب الأكبر من لاجئي فلسطين في الضفة وقطاع غزة، وفي

الدول الثلاث المجاورة وهي: لبنان، وسورية، والأردن. وأمّا البقية الباقية

فإلى ما تيسر من الدول العربية والأجنبية، وصمد داخل فلسطين ما يقارب ثلاثة

ملايين.

وكان استقبال تلك البلاد لهؤلاء اللاجئين مختلفاً في درجته ومتفاوتاً في دوافعه؛

فكان القبول المبدئي لضيافتهم في أراضٍ مكشوفة نصبت فيها الخيام في بادئ

الأمر ليبدأ الشعب الفلسطيني داخل هذه المخيمات مأساة أخرى لا تقل ضراوة عن

مأساتهم ومعاناتهم من قبل.

ففي سوريا وحدها ما يقارب ٤٠٠ ألف من اللاجئين يسجل منهم ١١١٧١٢

في المخيمات لدى منظمة الأونروا، وكلهم يعيشون في أوضاع لا يمكن أن تقارن

على الإطلاق بأوضاعهم في لبنان؛ فالفلسطيني في سوريا كالمواطن السوري في

معظم الأمور؛ ففرص العمل متاحة، والحقوق محفوظة، وقل مثل ذلك عن الأردن

التي فيها أكبر عدد من اللاجئين؛ إذ بلغوا مليوناً ونصف مليون؛ بل زادوا عليه،

ومنهم ٢٨٠١٩١ لاجئاً هم المسجلون في مخيمات وكالة الأونروا.

أما في لبنان فحقاً يتصاغر التعبير بـ «كارثة» أمام أوضاعهم، ولك أن تتصور

كيف تعيش مثل هذه الأعداد الهائلة في مخيمات، وقد سجل ٢١٠٧١٥ لاجئاً في

مخيمات الأونروا، وقريب منهم خارج إشراف الوكالة وهم يمثلون ١٠% من

مجموع اللاجئين الذين تفرقوا في شمال البلاد وجنوبها مروراً ببقاعها ليعيشوا في

مخيمات لا تعدو مساحة الكثير منها كيلو متراً مربعاً واحداً، وفي هياكل بنايات أكل

عليها الدهر وشرب، بل أكلت الحروب بعضها ودمرته.

وإن زيارة واحدة لمخيمي (صبرا وشاتيلا) لكافية للتحقق من هذا الوصف؛

إنها مبان يكاد يُقبِّل بعضها بعضاً من شدة تجاورها؛ فواجهة هذه البناية تبعد عن

واجهة التي أمامها متراً واحداً فقط في أحيان كثيرة، بل مررنا بين مبانٍ المسافة

بين واجهاتها يقيناً أقل من المتر، فكم يساعد هذا الواقع في إيجاد بيئة موبوءة

صحياً وخلقياً.

وكالة الأونروا:

في عام ١٩٤٩م قررت هيئة الأمم المتحدة إنشاء وكالة لغوث اللاجئين أطلق

عليها اسم: «الأونروا» وذلك بعد رفض الدولة العبرية تطبيق القرار رقم

(١٩٤) الذي يقضي بعودة اللاجئين إلى أوطانهم.

واتخذت هذه الوكالة «فيينا» مقرّاً لها إلى ما قبل سنوات قليلة، ثم أصبح

المقرّ الرئيسي لها في غزة.

وقد بدأت هذه الوكالة بمباشرة أعمالها، في ١/٥/١٩٥٠م، فقامت بفتح

مراكز لها في الضفة وقطاع غزة، وفي الدول الثلاث المجاورة، لمحاولة رفع

جزء من المعاناة عنهم، وفعلاً قامت الوكالة بعدة برامج غذائية وكسائية وتعليمية،

واختارت للإشراف على تلك البرامج والقيام بها أفراداً من أهل المخيمات أنفسهم،

وقد بلغ العاملون في هذه المنظمة ٢٢٠٠٠ ألف موظف كلهم فلسطينيون ما عدا مائة

موظف تقريباً.

ولتعلم أن الداعم الأساس لهذه الوكالة من الناحية المادية هي الدول الغربية

بالغين المعجمة، وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.. فوا عجباً

كيف يخططون لقتل الضحية ثم يشاركون في تشييعها والبكاء عليها؟ !

إن أمريكا وحدها كانت تشارك بأربعة وسبعين مليون دولار سنوياً للاجئين

الذين يقارب عددهم (ثلاثة ملايين ونصف مليون نسمة) ، أي بمعدل عشرين

دولاراً في السنة لكل لاجئ، لكنها في المقابل تشارك بثمانين مليون دولار سنوياً

للمهاجرين الروس القادمين إلى فلسطين لكي يعيشوا في بيوت اللاجئين أنفسهم، أي

بمعدل ألف ومائتين وثلاثين دولاراً في السنة للمهاجر وهو ما يساوي ستين ضعفاً

مما تدفعه للفلسطيني؛ فأين الذين يلهثون وراء أمريكا ويدافعون عنها، وأنها داعية

السلام وحامية الديمقراطية؟ !

إنها الحرب العقائدية، وما أمريكا وإسرائيل إلا وجهان لعملة واحدة.

وعلى كل حال فمنذ سنة ١٩٨٤م بدأت خدمات (الأونروا) بالانحدار السريع

وخاصة في المجال الصحي، إلى أن تم ما يسمى بـ «اتفاق أوسلو» ١٩٩٣م

حيث وصلت أو أوشكت الخدمات أن تصل في انحدارها إلى القاع، فلم تبق على

ما كانت عليه من قبل بل ولا على نصف ما كانت عليه، وإنما تواضعت جهودها

لتصل إلى ٢٠% تقريباً مما كانت تقوم به سابقاً.

التركيبة السياسية والدينية في لبنان:

وهذه القضية من الأمور التي يجب أن نستحضرها ونحن نتحدث عن مآسي

إخواننا الفلسطينيين في لبنان.

فلبنان (صاحب الأربعة ملايين نسمة تقريباً) ذو تركيبة معقدة، كان لها

الأثر الكبير في عدم استقرار البلاد ونشوء الحروب الأهلية فيها؛ ففي لبنان ما

يقارب ثماني عشرة طائفة يشكل المسلمون منها أعلى نسبة؛ حيث يصلون إلى

٦٠ % من عدد السكان، ٢٧% منهم شيعة، و ٣٠% سنة، والبقية القليلة الباقية

من النصيريين والدروز، وأما النصارى فيشكلون ٤٠% ما بين موارنة

وكاثوليك وأرثوذكس.

ومع هذه النسبة للمسلمين، وبالأخص أهل السنة منهم إلا أنهم يأتون في آخر

القائمة؛ فعدد السنة كثير لكنهم أضعف الموجودين، لا لعدم وجود إمكانيات لديهم،

ولا لعدم وجود من يمثلهم في البرلمانات بل ربما وصل من ينتسب إليهم إلى

منصب رئيس الوزراء ولا لعدم وجود من يملك الأموال فيهم؛ ولكن لعدم من يحمل

همهم بصدق ويمثل الإسلام والسنة بحق.

وبناءً على تلك التركيبة أصبحت كل طائفة ترى أن لبنان لها أو على الأقل

يجب أن يكون لها النصيب المرضي منه؛ فالرافضة وبدعم من أمّهم إيران تسيطر

على بعض المواقع، وتدافع عنها وكأنها مملوكة لهم منذ غابر العصور والأزمان،

وسورية النصيرية ترى أن لبنان وخاصة الشمال منه (طرابلس وما حولها) ما هو

إلا محافظة من محافظاتها.

وإسرائيل ما تزال تكرر المحاولات مع إخفاقها ليشمل احتلالها أجزاء كبيرة

من جنوب لبنان الذي يحاذي حدودها الشمالية.

وإن الزائر لهذا البلد لبنان لا يجد أدنى مشقة في الخروج بهذا التصور؛ فهذه

صورة الرئيس النصيري الهالك وابنه، وعبارات التأييد لهما ربما تجدها أكثر من

رئيس وزراء لبنان نفسه، وقل مثل هذا عن الرافضة بدءاً بصور الخميني زعيم

الثورة المزعومة، وانتهاءً بحسن نصر الله زعيم (حزب الشيعة) الحالي والذي

كان قد انشق عن منظمة (أمل) عام ١٩٨٢م ليصبح مرتبطاً بإيران مباشرة، وكل

له من يبكيه، ومن يتابع أخباره، ومن يتضامن حقاً معه، ومن يدعمه ويدافع عنه

إلا أهل الإسلام وبخاصة أهل السنة منهم؛ فما زلنا نحتاج الكثير والكثير لكي

نصل إلى الحد الأدنى من دعمهم.

المخيمات وشيء من معاناتها:

بقي في لبنان بعد حروبها الأهلية اثنا عشر مخيماً قد تفرقت في شمال البلاد

وجنوبها وسهلها؛ حيث تعيش وضعاً متشابهاً في الفقر، والمجاعة، والحاجة،

وطبيعة الظلم الواقع عليها؛ فهم يعيشون فعلاً على أرض لبنان، لكنهم محرومون

من كل شيء، بخلاف الفلسطينيين النصارى وهم قلة إلا أنهم تمكنوا من الحصول

على الجنسية اللبنانية وبكل سهولة؛ فلهم ما للبنانيين وعليهم ما عليهم؛ ففي

السبعينيات جُنّس أكثر من (خمسين ألفاً) طبقاً للسياسة المعتمدة آنذاك لتكثير عدد

النصارى مقابل الأعداد المتزايدة للمسلمين.

أما المسلمون فليس لهم إلا هذه المخيمات وبصورتها التي أسست عليها، وفي

مخيمات الجنوب ليس لأي أحد أن يدخل للمخيمات أي مادة من مواد البناء التي

يمكن أن تساعد ولو بشيء يسير في إصلاح بعض المباني التي عسى أن تكون

مناسبة للبهائم، فضلاً عن الإنسان!

وليس لأحد أن يهدم في هذه المخيمات جداراً أو يبني فيها آخر.

أما إذا خرج الفلسطيني من أروقة مخيمه بحثاً عن مصدر رزق في مكان آخر

في لبنان، فإنه سيجد الباب موصداً بل ومثقلاً بالأقفال؛ فالفلسطيني ممنوع من كل

وظيفة حكومية؛ وإذا أردنا أن نكون أكثر دقة فهو ممنوع من (ثلاث وسبعين

وظيفة) منها أن يكون «زبالاً» فضلاً عن أن يكون طبيباً أو مهندساً.

وها هي نبذة عن أحوال تلك المخيمات:

١ - مخيم (نهر البارد) : ويقع في مدينة طرابلس، وفيه ما يقارب ثلاثين

ألفاً.

٢ - مخيم (البدّاوي) : ويقع في طرابلس كذلك، وفيه ما يقارب ثمانية

عشر ألفاً.

٣ - مخيم (ويفل) : ويقع في مدينة بعلبك، وفيه ستة آلاف نسمة تقريباً.

٤ - مخيم (ضبية) : وفيه ما يقارب ثلاثة عشر ألفاً.

٥ - مخيما (صبرا وشاتيلا) ، وهو في العاصمة بيروت، وفيه نحو ثمانية

آلاف نسمة.

وما أكثر ما سمعنا عن هذين المخيمين، وهما من أشد المخيمات حاجة مع

أنهما في بيروت العاصمة، مع فارق ما بينه وبين الحضارة المادية والتقدم

التكنولوجي، بل ليس بينه وبين الماء والكهرباء والتعليم إلا تلك البوابة التي تتقدم

كل مخيم، والتي يعسكر عندها أفراد من الجيش اللبناني.

ولم يستفد أهل تلك المخيمات من كونهم في العاصمة إلا الغث من الأخلاق السيئة

المشينة، أما السمين فهم محرومون منه، وهو محرم عليهم في ميزان النظم

المتوالية على تلك الدولة.

وقد روى لنا بعض كبار السن هناك صوراً من مأساة صبرا وشاتيلا التي

كانت عام ١٩٨٢م، وكيف تكاتف أهل الباطل من يهود ونصارى ورافضة في

إيقاع أبشع صور الظلم والتسلط على أناس عزل لم يرحموا فيهم طفلاً رضيعاً ولا

شيخاً كبيراً ولا امرأة ضعيفة [١] .

كل ذلك بحجة وجود أفراد من المقاومة الفلسطينية داخل المخيم؛ لكن العالم

الإسلامي لم يسكت آنذاك، وإنما فجر قنبلة استنكارية أثرت في اليهود أيما تأثير؛

حيث جعلتهم يستهينون بنا أكثر وأكثر! !

٦ - مخيم (مار إلياس) : في مدينة بيروت كذلك، وفيه ما يقارب سبعة

آلاف نسمة.

٧ - مخيم (برج البراجنة) : وهو في العاصمة، وفيه ثمانية عشر ألفا

تقريباً.

٨ - مخيم (عين الحلوة) : في مدينة صيدا، وهو أكبر المخيمات في تعداد

السكان، ففيه ما يقارب سبعين ألفاً، ولا تزيد مساحته عن ٢. ٥ كيلو متر مربع.

٩ - مخيم (المية مية) : في مدينة صيدا، وفيه ما يقارب ثلاثة آلاف نسمة.

١٠ - مخيم (البص) ، في مدينة صور، وفيه ثمانية آلاف نسمة تقريباً.

١١ - مخيم (البرج الشمالي) : ويقع في مدينة صور، وفيه نحو من

عشرين ألفاً.

١٢ - مخيم (الرشيدية) : في مدينة صور كذلك، وفيه قريب من عشرين

ألف نسمة.

وملخص القول: أن ٧٠% من فلسطينيي لبنان يعيشون في المخيمات، ولا

يعني هذا أن البقية في أحسن حال؛ بل الجميع لاجئون، ولكن بعضهم غير

مسجلين عند وكالة الغوث (الأونروا) ؛ فلذلك لا تشملهم الإحصائيات الرسمية؛

فوصف (اللاجئ) إنما تطلقه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين

(الأونروا) على الأشخاص الذين كانت فلسطين مكان إقامتهم الطبيعي في المدة

الواقعة بين يونيو (حزيران) ١٩٤٦م ومايو (أيار) ١٩٤٨م أي أنهم أقاموا لمدة

سنتين على الأقل في فلسطين قبل عام ١٩٤٨م، وفي المقابل تشير بعض التقارير

إلى أن ٢٠% من اللاجئين يقيمون في (ثلاثة عشر تجمعاً) غير رسمي.

أهم احتياجاتهم:

قبل أن أبدأ بذكر أهم ما يحتاجون إليه أحب أن أقدّم بين يدي هذا العنصر

ذكر الأساس الذي تنبني عليه معرفة الاحتياجات وتقدير الأوضاع، ألا وهو إقامة

جسور التواصل معهم؛ فإننا إن استطعنا تحقيق هذا المطلب مع ما يبذله إخواننا في

المخيمات من محاولات لإعلان قضيتهم، وإبراز مشكلتهم، وتدويل مأساتهم؛ فإن

بقية المطالب ستتحقق بإذن الله تعالى وبكل يسر وسهولة وخاصة أن طريق

التواصل ما زال مفتوحاً وميسراً إلى حد بعيد؛ منّا إليهم ومنهم إلينا.

وحينما نستوعب هذه المقدمة يأتي الدور لذكر أهم احتياجاتهم.

١ - الدعوة والتعليم:

يوجد في مخيمات الفلسطينيين في لبنان (سبع وسبعون) مدرسة فقط الأكثر

منها تقتصر على المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وفي نوبتين في الغالب صباحية

ومسائية لتغطية هذه الجموع الغفيرة من الطلاب.

وإنه مما يجدر التذكير به أن الشعب الفلسطيني شعب مسلم سنِّي إلا نزراً

قليلاً من النصارى وغيرهم، وهذا يفيدنا في شيئين أولهما: في معرفة السبب

الأساس في تلك الهجمة الشرسة وذاك التواطؤ العجيب من جميع طوائف لبنان على

المخيمات الفلسطينية، والأمر الثاني: أن هذا يعني سهولة الدعوة وإقامة البرامج

العلمية في أوساطهم.

ثم لا يخفى على الجميع سعة مجالات الدعوة وتنوع وسائلها؛ فلنرسل إليهم

الكتب، ولنهدي لهم الأشرطة، ولنبعث إليهم الدعاة، ولنقم المدارس، ولنكثف هذه

البرامج ولنستمر عليها، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل.

تنبيه وتحذير:

إذا أحببت أخي القارئ أن أطلعك على مكمن الخطر وموضع الألم فإنه ليس

في جوع إخواننا هناك، ولا في عطشهم، ولا في قلة ما في أيديهم؛ وإنما هو في

نقطتين وضربتين تكاد الحيرة تملكك: أيهما أخطر وأوجع؟

الأولى: في خذلان كثير من المسلمين لإخوانهم (حكومات وتجاراً ودعاة

وعلماء) إلا ما شاء الله تعالى، وقليل ما هم.

الثانية: ولربما كانت قاصمة الظهر وهي ما يتعرض له إخواننا هناك من

إغراءات متكررة ربما سقط أمامها بعضهم أو كاد، والتي يقدمها لهم النصارى حيناً،

ويقدمها لهم الرافضة أحياناً أخرى، وقد حدثنا كثير من المشرفين على المخيمات

كم هي المرات التي يعرض عليهم الرافضة تقديم يد العون والمساعدة؛ فهذا مسجد

لم يكتمل يتكفلون بإكماله وفرشه، وهذه روضة أطفال ما زالت فكرة قائمة يتكفلون

بإقامتها على أرض الواقع، وهذه مدرسة قد شيدت ولا مناهج موجودة فلربما تكفلوا

ابتداءً بتهيئة جميع المناهج الدراسية، وبعدد زائد على النسخ المطلوبة، وهنا لا

يستغرب من أنهم ربما تكفلوا بالمناهج الدراسية التي تحددها لجان المخيمات وليسوا

هم؛ كل هذا الخداع ليهزوا نظرتك عنهم، وحكمك السابق عليهم؛ ومن ثم يُدخلون

في المناهج الدراسية ما يريدون، ولربما ضعف البعض (وهم قلة ولله الحمد) أمام

هذه الإغراءات مع علمهم بمنهج الرافضة، لا اقتناعاً بهم، وإنما غضب وضعف

واحتجاج على سكوت إخوانهم المسلمين السنة وانشغالهم عنهم، وهم يسمعون كل

يوم كيف تبدد أموال المسلمين ذات اليمين وذات الشمال.

٢ - الماء:

فهو في المخيمات شحيح جد شحيح إلا ما يسَّره الله تعالى على يد بعض أهل

الخير من الجمعيات الإسلامية كالندوة العالمية للشباب الإسلامي وغيرها، ومن

الجمعيات الإسلامية في بعض دول الخليج العربي؛ ففي مخيمي (صبرا وشاتيلا)

على سبيل المثال لم توافق مصلحة مياه بيروت على طلبات الاشتراك، ووكالة

الغوث لم تعد تزودهم بالمياه الضرورية، وما كان من قبل فقد جف ونضب؛ هذا

مع أن الماء عندهم يمكن أن ينبع عذباً أحياناً على عمق لا يزيد على خمسين متراً

فقط، بل ربما كان أقل من ذلك، ويبلغ الحد الأدنى في تكلفة حفر البئر مع جميع

مستلزماته (ستة آلاف دولار تقريباً) .

٣ - الكهرباء:

كثير من المخيمات تعتمد على مولدات كهربائية لا تغطي إلا جزءاً يسيراً من

المخيم، ولربما وصل شيء متقطع من الشبكات الحكومية، وفي المقابل فلا تخلو

هذه المخيمات من أجزاء منها ليس فيها كهرباء إطلاقاً؛ فنهارها إلى حد كبير كليلها

في أشد الحاجة إلى مولدات كهربائية.

٤ - بناء المساجد:

الجميع يعلم كم للمسجد من أهمية من حيث إنه مكان لأداء أعظم الشعائر،

ومنطلق لكل خير، ولعله من المناسب هنا أن أنبه إلى أهمية استيفاء الدراسة لبناء

أي مسجد، ومعرفة التكاليف بدقة حتى يكون المتبرع على بينة من الأمر، فكم

رأينا هناك وفي غيرها من المساجد التي شُرع في تنفيذها بدون تهيئة المال الكافي

أو وجود من يتكفل به، وقد وقف المشروع عند مرحلة لا تكفي للصلاة فيه ولا

يوجد من يُتمّه، وليست المشكلة الكبرى هنا، وإنما ما يحصل من اهتبال بعض

المبتدعة لمثل هذه الفرص؛ حيث يقومون بإتمام بناء المسجد وما يحتاجه، ومن ثمّ

يجعلونه مسجد ضرار لهم ليصدوا عن سبيل الله تعالى.

٥ - إقامة المستوصفات والعيادات الطبية:

الحكومة اللبنانية غير متكفلة بعلاج أهل المخيمات، بل حتى في الحالات

الإسعافية الخطرة، وربما تكفلت وكالة (الأونروا) بشيء من قيمة السرير فقط؛

أما الباقي فعلى المريض إن استطاع إليه سبيلاً وإلا فلا علاج.

والعيادات الحالية عندهم فيها من التواضع الشيء الكبير: نقص شديد في

الأدوية، ونقص أشد في المعدات الأساسية للقيام بعملية التطبيب، ومع ذلك كله فقد

سررنا كثيراً حينما رأينا شيئاً من التضامن من قِبَل بعض الأطباء اللبنانيين مع

إخوانهم المسلمين في المخيمات، وعلى سبيل المثال ما رأيناه في مخيم (بعلبك)

حيث إن بعض الأطباء اللبنانيين قد تركوا عياداتهم في بيروت وغيرها وهي التي

تدر عليهم المال الوفير، فرسوم الكشف هناك تكاد ألاَّ تقل عن (مائة دولار) ،

ليستقروا في المخيمات برسوم لا تزيد عن (خمسة دولارات) للمستطيع منهم،

وكشوف مجانية لغير المستطيع وما أكثرهم؛ فنسأل الله أن يبارك جهودهم، وأن

يقبل عملهم، وأن يشكر لهم.

وإن من أهم ما يحتاجونه في تلك العيادات: إقامة المختبرات؛ إذ تصل تكلفة

تجهيز المختبر الواحد إلى (خمسة وعشرين ألف دولار) ولا يقل عنها أهمية بل

ربما يزيد تجهيز غرف التوليد، وهي معاناة تتجدد معهم عند كل حالة ولادة،

وتصل تكلفة تجهيزها إلى ستة وستين ألف دولار تقريباً.


(١) ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب: أمل والمخيمات الفلسطينية، لعبد الله الغريب، ص ٥٣ وما بعدها.