أوجب الله ـ تعالى ـ الجهاد لإعلاء كلمته وإظهار دينه واستنقاذ المستضعفين من عباده، وإن كان في ذلك تلف النفوس أو أسرها؛ فإن تَلِفَتْ فهي الجنة، وإن أُسرت وجب فكُّها: إما بالقتال، أو الأموال. قال عمر ـ رضي الله عنه ـ: لئن أستنقذ رجلاً من المسلمين من أيدي المشركين أحب إليّ من جزيرة العرب. وكان عمر بن عبد العزيز لا يسميهم أسارى إنما هم حُبَساء في سبيل الله.. فيا أم الأسير! بل يا أمنا جميعاً ـ فهو أخونا ـ لئن بكيت عليه دمعاً فنحن نبكي عليه دماً، نعم! وأي مسلم يحلو له أن يهنأ بطعام أو شراب، وإخوانُه في سجون الكافرين يعانون؟ فمن سجون فلسطين إلى جوانتانامو، إلى أفغانستان، والعراق، والشيشان.. نحزن جميعاً لأسرهم، ولكننا نفرح بأجرهم {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ}[إبراهيم: ٤٢] .. وأحسب أننا ـ يا أمنا ـ نتفق جميعاً على أن المعالي لا تُكتسب إلا بالتضحيات، وهذا الدين عزيز، بُعِثَ رسوله بالسيف بين يدي الساعة، وهو نبي الملحمة، وما هو والدنيا إلا كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها، ومهما ضحى المسلمون في سبيل نصرة الدين، فما خسروا؛ فهم يعاملون ربّاً كريماً اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة. ولما قاسى بعض الصحابة في الجهاد ما قاسوا، وجعلت أنفسهم تدعوهم للراحة بعدما قدموا كثيراً، أنزل الله عليهم {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: ١٩٥] ، فالتهلكة هي الركون إلى الطعام والشراب والفراش وترك الجهاد في سبيل الله، فاصبري واحتسبي يا حفيدة خديجة وأخت الخنساء! واعلمي أن البكاء والجزع لن ينفع شيئاً، بل هو يُفرح العدو ويُحزن الصديق، وقولي كما قالت أسماء لما قتل الحجاج ابنها عبد الله بن الزبير وعلقه مصلوباً، ثم دخل عليها متشمِّتاً يردد: قتلنا ابنك يا عجوز! فقالت أسماء: وما صنعتَ؟! ما زدتَ على أن أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك. فانقلب فرح الحجاح إلى حزن.