للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منتدى القراء

[الأمة والحاجة إلى الصبر]

عبد الله بن محمد السرحاني

تمر أمتنا الإسلامية اليوم بمحن عظيمة وجراح أليمة؛ ترى جراحها تنزف

مرة في القدس الشريف، ومرة في لبنان، وأخرى في صراعات متوالية في

أفغانستان والبوسنة والشيشان وألبانيا، كل ذلك وغيره شكل جرحاً جديداً للمسلمين.

والمشكلة: أن كثيراً مِمّنْ يُحسبون على هذه الأمة لا يعلمون أن ألبانيا مسلمة، كما

كانوا يجهلون هوية البوسنة وعقيدتها قبل المجازر الصربية؛ والله المستعان.

نَعم! ومع هذا يزيد الأمر سوءاً حينما ترى شباباً أغراراً يُحسبون على هذه

الصحوة المباركة يخوضون خوضاً في هذه الجراحات دون علم أو بصيرة؛ فمرة

ترى الواحد منهم يخبر الناس أن هؤلاء يستحقون ما أصابهم، وأن ما جاءهم إنما

هو ثمرة لأعمالهم وسيئاتهم، ومرة تراه يحكم بالحق لهذه الفئة أو تلك، ومرة تراه

يائساً قانطاً.. يقول: لا فائدة ... لقد عملنا ودعونا وفعلنا ولكن ... !

لقد نسي كثيرون أن الأمة لا زالت بخير والحمد لله ونسي كثيرون أن هذا

الدين يستعصي على الفناء، وأن سنة الله في الصراع بين الحق والباطل باقية إلى

يوم القيامة، أن هذا الدين كلما قُدّمت له الدماء والأشلاء زادته تمكيناً وثباتاً ورسوخاً.

ولكي نكون على بصيرة فيجب التنبيه إلى أمر على الأمة أن لا تنساه؛ لكي

تسود وتقوى شوكتها وعزتها ويزيد عزمها: هذا الأمر هو: (الصبر) : [يَا أَيُّهَا

الَذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]

[آل عمران: ٢٠٠] [وَالْعَصْرِ (١) إنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إلاَّ الَذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ] [العصر: ١ ٣] .

إن الأمة حينما تنسى أو تتناسى هذا الخلق العظيم فإنها سرعان ما تتكاسل

وتتقاعس. فلننظر كيف ساد الرعيل الأول في فجر الإسلام الذي كان في مقدمة

ركبه الرسول عليه الصلاة والسلام الذي أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين وهو صابر

محتسب. عانى رسولنا عليه الصلاة والسلام كلا النوعين، من الصراع: واضحه

وخفيه، عليّه ودنيّه، فكان ثابتاً لم يتزحزح؛ وضعوا سلى الجزور على كتفه

وسبوه وشتموه، ومع ذلك كله فقد حاولوا إغراءه بالمال والجاه فظل ثابتاً صابراً

محتسباً. إنه الصبر والثبات في أعظم الصفحات. إنه الصبر والثبات في أسمى

المعاني وأوسع الآفاق.

أما الصحابة رضي الله عنهم والذين اتبعوهم بإحسان فما كان لهم أن يغفلوا

عن هذا الأمر العظيم بعقيدة وصبر ويقين، فالصبر قرين اليقين: [وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ

أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ] [السجدة: ٢٤] .

ولذلك قال سفيان: (بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين!) إن الأمة لن

تنال ما تصبو إليه إلا بالصبر على الشدائد والمحن؛ والناس معادن، وعند الابتلاء

يبين المعدن الصافي مما تشوبه الشوائب.