للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

القضية الكشميرية

رهينة نتائج العدوان الأمريكي على أفغانستان

كمال حبيب

ربما تكون القضية الكشميرية هي أكثر القضايا تأثراً بما يجري على الأرض

الأفغانية منذ العدوان الأمريكي عليها في ٧/١٠/٢٠٠١م، ولسنا نبالغ إذا قلنا إن

قضية كشمير رهينة بالفعل بالنتائج التي تسفر عنها الحرب الدائرة على أرض

أفغانستان بين أمريكا القوة العظمى في العالم وبين حركة طالبان الإسلامية ... ذلك

أن الحرب الأمريكية على طالبان هي في الواقع حرب على العالم الإسلامي كله،

بل هي حرب على الإسلام ذاته.

وتبدو القضية الكشميرية أكثر القضايا شبهاً بالقضية الفلسطينية؛ فهناك قوة

احتلال ذات طابع استيطاني ترفض الاعتراف بحق أهل البلاد الأصليين في الحرية

والاستقلال، وهناك قوة تحرر وطني يقودها المجاهدون لانتزاع حقهم في تقرير

مصيرهم وإعادة بلدانهم المغتصبة، وهناك إعلان للجهاد من منطلق إسلامي

لاستعادة الحقوق المشروعة للشعبين من القوى الاستعمارية، وهناك ما يمكن أن

نطلق عليه: (انتظام صفوف قوى الاستكبار المجرمة في مواجهة جهاد المسلمين

لاستعادة أوطانهم المحتلة) ؛ فنجد تحالف الهند والكيان الصهيوني وروسيا في

مواجهة المجاهدين في كشمير؛ بينما في فلسطين نجد نفس القوى تتقدمهم جميعاً

أمريكا. بيد أن القضية الكشميرية تبدو في تقديرنا أكثر تأثراً بالحملة العسكرية

الأمريكية الظالمة على أفغانستان للأسباب الآتية:

أولاً: التجاور الجغرافي بين كشمير وأفغانستان وبينها وبين باكستان، ولا بد

أن يؤثر هذا التجاوز بقوة في الأعمال السياسية ونتائجها وخاصة أن مصير باكستان

الحليف الاستراتيجي للمجاهدين في كشمير بيد الأمريكان، وتعد أرض باكستان

نقطة انطلاق للهجمات العسكرية على طالبان، كما أن طالبان كانت تمثل سنداً

معنوياً واستراتيجياً هائلاً للقضية الكشميرية.

ثانياً: الارتباط السياسي والعسكري بين القضية الكشميرية والقضية الأفغانية

من ناحية، وبينهما وبين ما يجري على الساحة الباكستانية؛ وخاصة أن الأحزاب

الإسلامية في باكستان لها ما يمكن أن نطلق عليه «رءوس حراب جهادية» في

كشمير باعتبارها قضية إسلامية وقضية أمن قوي لباكستان لا يمكن التفريط بها أو

التغاضي عنها؛ ولذا فكل الحركات الجهادية في كشمير موجودة في باكستان،

وتتخذ من خطوط التماس المباشرة مع الهند ساحة للمواجهة والاستنزاف للقوة

الهندوسية العسكرية.

ثالثاً: دخول الهند وروسيا ودول آسيا الوسطى العلمانية في حسبة استراتيجية

مع التحالف الذي تقوده أمريكا ضد الإرادة الإسلامية في أفغانستان تحت دعوى

محاربة الإرهاب، ولكل منها وجهته وهدفه؛ فالهند دخلت وقدمت تسهيلات

لوجستية ومخابراتية بلا حدود من أجل مقايضة ما تقدمه بتنازلات أمريكية في

المسألة الكشميرية، كما أن روسيا تهدف إلى الضغط على المجاهدين في الشيشان.

أما دول آسيا الوسطى فهي تسعى بالإضافة للتقرب من أمريكا إلى القضاء

على الحركات الإسلامية في المنطقة والتي تمثل تهديداً حقيقياً للأنظمة العلمانية

الديكتاتورية في منطقة آسيا الوسطى؛ بيد أن الذي يجعل المسألة الكشميرية هنا

أكثر حساسية لما يجري في تقديرنا هو دخول باكستان الحليف الاستراتيجي للقضية

الكشميرية في الحلف الأمريكي ضد الإرهاب المزعوم؛ وهو ما يفرض مأزقاً على

النظام العسكري في باكستان بقيادة «برويز مشرف» ؛ إذ إنه سيجد نفسه بين

تيارين أحلاهما مرّ وهما: إما التفريط بالقضية الكشميرية وفق ما تمليه قواعد

اللعبة الاستراتيجية الجديدة للتحالف الذي تقوده أمريكا، وإما الحفاظ على مصالحه

الحيوية وأمنه القومي الذي يجعل من كشمير فناء متقدماً لباكستان لا يمكن التلاعب

به أو التفريط فيه. ويكفي أن نشير إلى أن مياه باكستان تأتي بالأساس من كشمير،

كما أن القضية الكشميرية في الوجدان الباكستاني هي قضية وطن لا يمكن لأي نظام

سياسي أن يساوم عليه.

مفهوم الإرهاب وتأثيره على القضية الكشميرية:

تشن أمريكا حملتها العسكرية تحت عنوان الحرب على الإرهاب، ومن

المؤكد أن أمريكا اندفعت في حملتها وأطلقت شعاراتها تحت ضغط ضربة يوم

الثلاثاء ١١/٩/٢٠٠١م، القاتلة التي استهدفت العصب الاقتصادي والعسكري للقوة

الأمريكية، لكن أمريكا لم تحدد ما هو المقصود بالضبط بالإرهاب، وسرعان ما

ربطت بين الإرهاب والجمعيات الإسلامية الخيرية والجهادية، وأعلنت عن ٢٧

جمعية إسلامية مسجلة قانونياً أنها مطلوبة لأمريكا باعتبار أن لها صلة بأسامة بن

لادن، ومن بين هذه الجمعيات «حركة المجاهدين الكشميرية» التي يتزعمها

الشيخ فضل الرحمن خليل باعتبار أن الشيخ كان قد وقَّع على البيان الذي أطلقه بن

لادن عام ١٩٩٨م والذي أطلق عليه: «إعلان الجبهة العالمية لقتال اليهود

والصليبيين» ، وبعدها قامت السلطات الباكستانية بالقبض على الشيخ والإعداد

لمحاكمته باتهامات وصفت بأنها خيانة عظمى، وقرر البنك المركزي الباكستاني

تجميد حسابات حركة المجاهدين في إطار التعاون الباكستاني مع الحملة الأمريكية

على الإرهاب المزعوم، كما اعتبرت باكستان الحركة محظورة رغم أنها كانت

تعمل بشكل قانوني في باكستان.

وتسعى الهند إلى تبني المفهوم الأمريكي للإرهاب الذي يعتبر بعض حركات

التحرر الوطني إرهابية رغم أن المواثيق والأعراف الدولية تؤكد حق حركات

التحرر الوطني في مقاومة المحتل حتى الحصول على حق تقرير المصير؛ ومن

هنا فإن الهند تحاول أن تصم حركات المجاهدين في كشمير بأنها حركات إرهابية

بلا قضية، وحين زار «كولن باول» وزير الخارجية الأمريكي الهند مؤخراً قال:

«الولايات المتحدة تتعهد بمحاربة كل أنواع الإرهاب بما في ذلك الذي يستهدف

الهند» ، وأضاف باول في مؤتمر صحفي مشترك مع «جاسوانت سينغ» وزير

الخارجية الهندي «إننا نستنكر الإرهاب أينما وجد سواء الذي حدث في ١١ سبتمبر

أو الأول من أكتوبر في» سرينجار «في إشارة إلى هجوم المجاهدين الذي

استهدف المجلس التشريعي في كشمير المحتلة، وأكد باول إن أمريكا والهند

متحدتان ضد الإرهاب بما في ذلك الإرهاب الموجه إلى الهند، مشيراً إلى أن

البلدين يقفان كتفاً إلى كتف في مواجهة الظاهرة، وفي هذا السياق قبل رئيس

وزراء الهند» أنال بيهاري فاجباي «الدعوة التي وجهها له» باول «لزيارة

أمريكا الشهر الحالي، كما وقعت الهند وأمريكا اتفاقية لمكافحة الإرهاب بهدف تبادل

المساعدة وتقوية التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، وقال وزير الخارجية الهندي:

» إننا نعتبر زيارة باول جزءاً من الحملة على منفذي الهجمات على الديمقراطية

والحضارة، ونتفهم ذلك، ونؤكد أن موقفنا ثابت، ونقف جنباً إلى جنب معهم في

مواجهة التهديد العالمي. وقد شهدت الفترة الأخيرة تصعيداً في العمل الجهادي

الكشميري، كما شهدت توتراً في العلاقة بين الهند وباكستان واتهامات متبادلة

بإطلاق النار على طول خط الهدنة الذي يفصل بين البلدين، وأطلق بعض

المتعصبين من الهندوس في الحكومة الهندية مثل وزير الداخلية «لال كريشنا

أوفاني» [١] تصريحات لا بد من أخذها بعين الاعتبار مثل قوله: «إن الحرب

على الإرهاب سوف تستهدف المقاتلين في كشمير» ، وأكد أن بلاده تلقت تأكيدات

أمريكية بأنه سيتم توجيه ضربات لمعسكرات تدريب الكشميريين في باكستان،

وقال في تصريحات صحفية: «إن العملية الأمريكية ستشمل توجيه ضربات لوقف

ما وصفه بالإرهاب عبر الحدود في ولاية جامو وكشمير» [٢] ، ونشطت الهند

للمطالبة بتشريع قوانين جديدة دولية تسهل تسليم المطلوبين في أعمال إرهابية

معتبرة أن الطريقة الوحيدة لذلك هي تفعيل دور الشرطة الدولية [٣] .

وقال وزير الدفاع الهندي (جورج فرنانديز) : «إن مواقع المجاهدين سوف

تقصف بالطائرات» ، بينما قال رئيس وزراء القسم المحتل من كشمير فاروق عبد

الله [٤] : «الهند ستهاجم المجاهدين داخل معسكراتهم في باكستان معتبراً أن عهد

التفاوض قد انتهى» .

ورغم أن تصريحات المسؤولين الهنود المتشددة ليست جديدة؛ لكن سياق

اللحظة الحاضرة يوحي بأن الهند تحاول الاستفادة من الحملة العالمية التي تقودها

الولايات المتحدة الأمريكية ضد طالبان وتوسيعها لتشمل كشمير؛ بحيث يوصَم

المجاهدون بالإرهاب. ويجري الضغط على باكستان لرفع يدها عن مساندة القبضة

الكشميرية، ويتأكد الأمر الواقع بما انتهت إليه الأوضاع هناك بحيث يبقى ثلثا

كشمير المحتلة تحت القضية الهندية، والثلث الآخر تحت القبضة الباكستانية

رغم أن الطرف الأصيل في الموضوع هو شعب كشمير نفسه الذي يسعى

للحصول على حريته وتكوين دولته المستقلة عن جارتيه الكبيرتين الهند وباكستان،

كما أن الأمم المتحدة أصدرت ما لا يقل عن اثني عشر قراراً رسخت بشكل كامل

ونهائي مبدأ حق تقرير المصير لمواطني كشمير عبر الاستفتاء، وتريد الهند أن لا

يكون للأمم المتحدة أو أي أطراف دولية أخرى صلة بالقضية الكشميرية؛ إذ

تعتبرها مسألة ثنائية بينها وبين الباكستان تحل عبر موازين القوى العسكرية

المدعومة بالتحالفات الدولية.

سيناريوهات القضية الكشميرية:

١ - تبدو مسألة استمرار المجاهدين الكشميريين في جهادهم لاستنزاف القوة

العسكرية للهند قضية مصيرية لأجل فرض وضع اقتصادي عليها لا يمكنها معه

الاستمرار في احتلال كشمير، أو بمعنى آخر: تعظيم الأحلاف العسكرية للوجود

العسكري الهندي في كشمير المحتلة؛ وخاصة أن أكثر من نصف الجيش الهندي

موجود بكشمير (حوالي ٦٠٠ ألف جندي وهي أعلى نسبة عسكرية في العالم بل

وفي التاريخ) فلكل مدني واحد ستة جنود، وبقدر ما يمثل هذا عسكرة وعدواناً

هندياً غاشماً لكنه في الوقت نفسه يعني تكلفة اقتصادية؛ فالتقديرات تشير إلى أن

الجيش الهندي يكلف ميزانية الهند ٢٥٠ مليون روبية يومياً مع أن المواطنين الهنود

الذين يعيشون تحت خط الفقر يبلغون حوالي ٣٥٠ مليوناً، هذا بالإضافة إلى أن

استمرار الجهاد الكشميري في مواجهة الاحتلال العسكري الهندي يهدد شرعية

وجودها؛ بحيث تبدو الهند التي تقدم نفسها للعالم باعتبارها أكبر ديمقراطية

قوة احتلال غاشمة عنصرية تحاول فرض وجودها الهندوسي على أغلبية مسلمة

ترفضها، كما أن العنف والعدوان الهندي منذ تفجر ثورة المجاهدين عام ١٩٨٩م

وضع الجنود الهنود في وضع نفسي سيئ جعلهم يفرون ويرفضون الخدمة في

كشمير، ولو حاولنا استقصاء التقارير المحايدة التي تتحدث عن الوحشية الهندية

لكتبنا مجلدات؛ لكن يكفي أن هذه التقارير تصف أعمال الاغتصاب والقتل بدون

محاكمة والتعذيب الوحشي والتطهير العرقي بأنه أسوأ من أعمال النازية، ونستشهد

هنا فقط بما كتبه صحفي أمريكي محايد هو «مارتن شوغرمان» حيث قال: «إن

ما يحدث في كشمير المحتلة ليس له مثيل في أي مكان آخر؛ فهو أسوأ مما يحدث

في البوسنة؛ ففي البوسنة يوجد على الأقل مناطق آمنة للمسلمين؛ غير أنه لا يوجد

للمسلمين ملاذ البتة في كشمير» .

فاستمرار الجهاد في كشمير سوف يفرض على أرض الواقع ما تريد الهند نفيه

وهو وجود تصفية لشعب كامل أعطته قرارات الأمم المتحدة الحق في تقرير مصيره،

وهذه القضية ليست مجرد مسألة ثنائية بين الهند وباكستان لكنها قضية دولية

عادلة يهدد استمرارها الأمن والاستقرار في آسيا والعالم.

٢ - بالطبع تسعى الهند ومعها الحلف الروسي تتبعه دول آسيا الوسطى ثم

الكيان الصهيوني [٥] إلى محاصرة المجاهدين والقضاء عليهم عبر التعاون العسكري

والمخابراتي؛ كي يسعى هذا الحلف نفسه لمحاصرة طالبان والقضاء على نظامها

الإسلامي.

فالعلاقة وثيقة جداً بين أفغانستان المجاهدة والإمارة الإسلامية الأفغانية وبين

الجهاد في كشمير، وتكفي الإشارة إلى أن تفجر المقاومة الكشميرية الجهادية جاء

أثراً من آثار الجهاد الأفغاني ضد الروس، ويطل هذا الحلف الإجرامي الذي تقوده

الهند برأسه اليوم ليلقي بثقله خلف الحملة العسكرية الأمريكية للقضاء على إمارة

أفغانستان الإسلامية واستبدالها بنظام سياسي آخر؛ وجزء من هذه المسألة في

الإدراك الهندي مرتبط بحرمان المجاهدين في كشمير من قاعدة إسلامية خلفية تمدهم

بالزاد المعنوي والعسكري معاً.

٣ - الموقف في باكستان التي دخلت جزءاً من التحالف الدولي ضد حكومة

أفغانستان يبدو كأنه نوع من مقايضة هذا الموقف باستمرار الدعم الباكستاني لحركة

المقاومة في كشمير؛ ذلك لأن مسألة كشمير بالنسبة لباكستان هي قضية مصير

وحياة وأمن قومي حقيقي لا يمكن التفريط فيها أو المساومة. وفي الواقع فإن حركة

الجهاد الكشميرية هي حركة مستقلة بالأساس فجَّرها الكشميريون، ثم استغلتها

باكستان بوصفها جزءاً من حربها وصراعها مع الهند. وفي الواقع فإن الحركات

والجماعات الإسلامية في باكستان لها امتداداتها أو ما يقابلها في كشمير، كما أن

المواطن الباكستاني يشعر أن قضية كشمير هي مسألة حياة أو موت بالنسبة له، وقد

قال محمد علي جناح أول رئيس جمهورية لباكستان بعد الاستقلال عن كشمير:

«إنها شريان باكستان؛ فثلاثة أنهار تمدنا بالماء تنبع منها» . وهنا فإن باكستان لا

يمكنها المساومة على كشمير، بل ربما يكون موقفها كما نعتقد جزءاً من محاولة

الحفاظ على وضعها قوياً في كشمير.

وفي كل الأحوال فإن استمرار الجهاد الكشميري بلا هوادة هو ضمان بقاء

القضية الكشميرية حية لا تموت.


(١) يطلق عليه المسلمون في كشمير المحتلة: «عدواني» ؛ لعداوته الشديدة للإسلام.
(٢) لمجلة «ييرنس ستاندر» الهندية التي تصدر بالإنجليزية.
(٣) وذلك في اجتماع الجمعية العامة للإنتربول بالعاصمة المجرية بودابست.
(٤) رئيس وزراء عميل للهند في كشمير.
(٥) تشير التقديرات إلى أن الوجود العسكري الصهيوني في كشمير يبلغ حوالي ١٥٠٠ ضابط؛ بدؤوا بـ ٣٠٠ ثم تضاعفوا خمس مرات.