[لا استقالة ولا استجابة لغير مطالب الشعب الفلسطيني]
حاوره: نائل نخلة
مشير المصري أمين سر كتلة حماس البرلمانية لـ (^) :
٣ لن نقبل بأيِّ فاسد في حكومة الوحدة الوطنية.
٣ بعض الأطراف في حركة فتح تحاول إفشال تشكيل حكومة الوحدة.
٣ من يطلب من حماس الاعتراف بالعدو كشرط لتشكيل حكومة الوحدة فإنه سيُفشل كل الجهود لإنجاح المشاورات.
٣ الإضراب سياسي يهدف إلى إسقاط الحكومة وحرفها عن مسارها.
البيان: تواجه حركة المقاومة الإسلامية حماس منذ التاسع والعشرين من شهر آذار ـ مارس الماضي تحديات هي الأخطر منذ انطلاقتها عام ١٩٨٧م.
فبعد أيام قليلة من فرز صناديق الاقتراع في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني ـ يناير وفوز حماس الكاسح فيها أعلن ما يسمى بـ (المجتمع الدولي) أن على أيِّ حكومة تشكلها حماس تنفيذ شروطه الثلاثة المتمثلة في: الاعتراف بالدولة الصهيونية، ونبذ العنف، والالتزام بالاتفاقيات التي وقّعتها السلطة؛ بدءاً باتفاق (أوسلو) وانتهاء بخارطة الطريق، وإلا فلن يكون هناك أموال!
حماس وعبر عدد من قيادتها البارزين كانت تتوقع حدوث ذلك، وخطتها البديلة ـ باختصار ـ كانت تعتمد على المسار التالي: محاربة الفساد المالي الذي أفرغ خزينة السلطة من الأموال وأهدر أكثر من مليار دولار من أموال الشعب الفلسطيني، إلى جانب اعتماد سياسة التقشف، مما يتيح توفير أموال باهظة على الحكومة، ومعالجة الخلل الإداري الذي كانت تعاني منه السلطة في التوظيف المفرط وبأعداد كبيرة مما جعل فاتورة الرواتب باهظة جداً.
وبالتزامن مع ذلك عملت حماس على تفعيل وتنشيط الدعم العربي والإسلامي للشعب الفلسطيني حتى يتم الاستغناء عن المال الغربي الذي ثبت أن له ثمناً سياسياً باهظاً لا يمكن لأيِّ فلسطيني شريف أن يقبله.
ثم تبين لاحقاً أن الحكومات العربية غير قادرة على تحويل الأموال إلى حسابات السلطة، كما أن البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية، وهي أردنية ومصرية، رفضت التعاطي مع الحكومة؛ خوفاً من تهديدات أمريكية صهيونية لها بمصادرة أموالها المكدّسة في بنوك أجنبية، وأغلقت دولة العدو المنْفَذ الوحيد لقطاع غزة وهو معبر رفح الحدودي الذي تمكن من خلاله بعض وزراء الحكومة من إدخال أموال نقدية، إلى جانب تواطؤ أطراف فلسطينية محسوبة على حركة فتح في الحصار المالي، وإعلان دولة العدو أنها ستحتجز أموال الضرائب التي تقتطعها عبر موانئها ومطاراتها ومعابرها من التجار الفلسطينيين. وكانت العصا الأخيرة التي أُشْهِرت في وجه حكومة حماس الإضراب السياسي الذي أعلنه آلاف الموظفين وأغلبيتهم من حركة فتح، وظّفتهم ضمن ما يعرف عند الفلسطينيين بالقهر الوظيفي في وزارات ومؤسسات السلطة، وهو أخطر تهديد يواجه الحكومة الفلسطينية الآن.
وبالأرقام تتلخص معضلة حكومة حماس بالتالي: (١٢٠) مليون دولار فاتورة الرواتب، إلى جانب (٥٠) مليون دولار نفقات تشغيلية، جزء منها مصاريف مؤسسة الرئاسة ورواتب لأعضاء اللجنة التنفيذية ومركزية فتح، ومصاريف الوزارات والمؤسسات الحكومية. مقدار ما يدخل جيب الحكومة هو من (٢٥) إلى (٣٠) مليون دولار شهرياً إيرادات محلية تجبيها الحكومة، ونحو (٧٠) مليون دولار عوائد ضريبية تجبيها الدولة الصهيونية وهي الآن تحتجزها في بنوكها وتصل إلى نحو نصف مليار دولار.
في ظلِّ هذه الأزمة الخانقة والصعبة بدأ الحديث مجدداً من قِبَل الرئيس الفلسطيني وحركة فتح عن حكومة وحدة وطنية، لها برنامج مقبول دولياً ويلتزم بالقرارات العربية والدولية، ويلتزم باتفاقيات السُلطة مع الدولة الصهيونية.
البيان: ما هي الحكومة الجديدة المتوقع تشكيلها؟ وما برنامجها السياسي؟ وهل سينجح الفلسطينيون في تشكيلها؟ وهل ستنجح هذه الحكومة في رفع الحصار المالي عن الشعب الفلسطيني؟ وكيف تنظر حماس إلى هذه الحكومة؟
للإجابة عن هذه الأسئلة كان لنا هذا الحوار مع أمين سر الكتلة البرلمانية لحركة حماس في المجلس التشريعي، وأحد المتحدثين الرسميين باسمها في فلسطين الشيخ مشير المصري.
البيان: هل بدأت المشاورات لتشكيل حكومة وحدة وطنية؟ وأين وصلت هذه المشاورات؟
٣ أولاً: تشكيل حكومة الوحدة الوطنية هو غاية لحركة حماس، ولطالما دفعنا في هذا الاتجاه، وحقيقةً إن الحركة بادرت بتشكيل لجنة من قيادتها السياسية لبدء المباحثات والمشاورات، وأجرينا مشاورات مع الرئيس عباس، ومن حضر معه من الإخوة في حركة فتح في عدة لقاءات، وأعتقد أنه خلال الأيام المقبلة، يمكن أن تشهد مشاورات معمّقة مع الكتل البرلمانية والفصائل الفلسطينية؛ لوضع المحددات، والأسس والموازين لتشكيل الأرضية الخصبة التي يلتقي عليها الكل نحو حكومة وحدة وطنية.
البيان: هناك ورقة سياسية للرئيس (أبو مازن) تبنّتها اللجنة التنفيذية حول تشكيل الحكومة، هل تسلّمت حماس هذه الورقة؟ وما موقفكم منها؟
٣ لم نتسلّم أيَّ ورقة، وأعتقد أنه لا تُفرض علينا تلك الأوراق، إن الورقة واضحة وبيّنة، هي إرادة الشعب الفلسطيني، وهو الذي اختار بنفسه من يمثّله. وحكومة الوحدة الوطنية واضحة، بحسب وثيقة الوفاق الوطني التي هي محلُّ إجماع وطني، ونصَّت على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية. ومن باب حرصنا الكبير على ضرورة النهوض بالواقع الفلسطيني، بادرْنا في الحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، ويمكن أن تأتي اللحظة التي نتحدث فيها عن منظمة التحرير الفلسطينية ونبيّن رأينا فيها.
إذاً؛ الأسس والمبادئ والمحددات واضحة، وهي وفق إرادة الشعب الفلسطيني، وليس وفق أجندة فصائلية أو منظمية إن صحَّ التعبير، أو بحسب المزاج والهوى لبعض الشخصيات. وإن كنت على قناعة أن بعض أفراد اللجنة التنفيذية الذين لا وزن لهم ولا ثقل ـ مثل: ياسر عبد ربه ـ أوضحوا موقفهم من حكومة الوحدة الوطنية، لحظةَ التوافق الوطني، وقالوا: إن الحديث عن حكومة الوحدة الوطنية إنما هو أكذوبة وملهاة.
البيان: هل الحكومة المقبلة في حال تشكيلها ستكون من جميع الفصائل؟ أم ستقتصر على الفصيلين الأكبر شعبيةً: فتح وحماس؟
٣ بالتأكيد. نحن حريصون على تشكيل حكومة وحدة وطنية، تشارك فيها كافة الفصائل الفلسطينية، وسندفع في هذا الاتجاه إلى آخر رمق، وإن كان ـ بالتأكيد ـ الفصيلان الأساسيان حماس وفتح هما أصحاب الثقل البرلماني، لا سيما أن الحكومة ستخضع لنتائج الانتخابات، لكن نحن معنيون بمشاركة كل فصيل فلسطيني يتحمّل مسؤولياته، لننهض بالواقع الفلسطيني، مع توحيد صفنا؛ لأنني أعتقد أن حكومة الوحدة الوطنية هي الضمانة التي تحمي الساحة الفلسطينية من أيِّ تداعيات خطرة.
البيان: ما أهم نقاط الخلاف بين حركة حماس وفتح في تشكيل حكومة وحدة وطنية؟
٣ هناك أسس ومبادئ تمَّ التوافق عليها هي التي يمكن أن تشكل الأرضية الخصبة لحكومة وحدة وطنية، هناك من يتحدث بثلاثة شروط، وهي: أولاً: الالتزام بما التزمت به منظمة التحرير الفلسطينية، ثانياً: الالتزام بالاتفاقات الموقعة بين السلطة السابقة وبين العدو الصهيوني، وثالثاً: الاعتراف بالشرعية الدولية، ومجمل ذلك الاعتراف بالعدو، وهو ما صرَّح به عزام الأحمد صراحةً في وسائل الإعلام، وما كرّره جمال نزال وما يكرره في كل يوم، هذا هو الموقف، ولكن هل هو الموقف الرسمي؟ نعم هذه التصريحات تؤثر على الأجواء العامة، ولكن نحن لا نكترث بها ونبقى نتعامل مع المواقف الرسمية لحركة فتح، وأعتقد أن مسألة الاعتراف بالعدو مسألة خط أحمر لحركة حماس، ومن يطرحها كشرط يعني أنه لا يريد الشراكة السياسية.
إلى هذه اللحظة الأجواء إيجابية، ونحن لن نضع شروطاً، ولا نرغب أن يضع أحد شروطاً، وأي حكومة وحدة وطنية ينبغي أن تخضع لإرادة الشعب الفلسطيني التي عبَّر عنها من خلال صناديق الاقتراع، سواء حول التوجه السياسي أو حول الوزن السياسي.
البيان: هل ستتمكن هذه الحكومة من فكِّ الحصار عن الشعب الفلسطيني وتوفير أموال للسلطة الفلسطينية؟
٣ إن هذا مبدأ وأساس لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ومن واجباتها أن تسعى لفكِّ الحصار المفروض على شعبنا، وهذا ما ينتظره شعبنا الفلسطيني، وإلا ما الذي يمكن أن نُقدمه للشعب؛ الذي يرنو قلبه إلى رؤية حكومة الوحدة الوطنية؟ ومن المؤكد أننا بالجهد المشترك سنتمكن من كسر حلقات الحصار المفروض على هذا الشعب العظيم.
البيان: هل ترى أن الولايات المتحدة ستضغط على العدو الصهيوني من أجل القبول بهذه الحكومة والتعامل معها، بعكس ما يدّعيه أن الحكومة هي حكومة حماس؟
٣ أعتقد أن المشكلة لدى الإدارة الأمريكية أكبر من العدو الصهيوني، والغطاء الأمريكي للمواقف الصهيونية هو الذي شجع العدو وجعله يتمادى في كل مواقفه، حتى وصل إلى سابقة تاريخية باختطاف الوزراء والنواب، وهم (ممثلو الشعب الفلسطيني) ، والذي يمثل قرصنة ونحو ذلك، ومن ثم فإن موقف الإدارة الأمريكية واضح ومعادٍ للشعب الفلسطيني، ويكيل بمكيالين، وواضح أنه يريد ديمقراطية مُفصّلة بالمزاج الصهيوني والأمريكي، بعيداً عن إرادة الشعوب صاحبة الأرض.
البيان: بالنسبة للبرنامج السياسي لهذه الحكومة، ما أهم النقاط التي يشملها هذا البرنامج السياسي؟
٣ دعني أؤكد في البداية أن البرنامج السياسي سقفه وثيقة الأسرى، وليس أكبر من ذلك، وهي محل إجماع وطني، ومن يتحدث غير ذلك فإنه يتهرب من الإجماع الوطني الذي قطعنا فيه شوطاً طويلاً من المباحثات والمشاورات حتى وصلنا إلى اللحظة التاريخية حيث أصبح هناك توافق، ومن ثمَّ فإن هذا البرنامج وهذه الوثيقة التي وضعت في ديباجتها في السطر الثاني منها عبارة: إن الحقوق لا تزول بالتقادم، وعلى قاعدة عدم الاعتراف بشرعية الاحتلال نعلن هذه الوثيقة، ومن ثم ينبغي على البرنامج السياسي ألاَّ يخرج عن هذا الإطار.
البيان: كيف ستُوزَع الحقائب الوزارية في الحكومة المقبلة؟ هل ستكون على شكل حصص أم حكومة تكنوقراط؟
٣ نحن لا نتحدث عن حكومة (تكنوقراط) نحن نتحدث عن حكومة وحدة وطنية، وإن كنا حريصين في المبادئ التي وضعناها أن تكون من المختصين ومن المهنيين، لكن لا يعني ذلك (تكنوقراط) سياسيين وأصحاب خبرة مهنية، وتخصص؛ لأننا جرّبنا الحكومة التكنوقراطية السابقة، والتي ورثنا من ورائها ما يزيد عن مليار و٧٠٠ مليون دولار ديوناً متراكمة.
البيان: ما حجم الضغوط التي تمارس على حكومة الأستاذ إسماعيل هنية؟ وما هي هذه الضغوط؟
٣ الضغوط كبيرة، سواء كانت صهيونية أو أمريكية أو دولية أو داخلية، ومن ثم فإن حجم الضغوط كبير، والهدف منها حرف الحكومة عن مسارها السياسي، أو في الحقيقة إسقاط الحكومة القائمة، لوضع حكومة بالمزاج الأمريكي، تتعامل مع الواقع على قاعدة الاعتراف بالكيان المغتصب الصهيوني، ومن ثم نحن ندرك عظم هذه الضغوط. وإن كان الجانب الفلسطيني في الداخل يمارس جزءاً من هذه المؤامرة عبر محاولة صنع التوتر والاضطرابات والفوضى داخل الساحة الفلسطينية، كمحاولة لإضعاف الحكومة، ولكن ستبقى هذه المحاولات الداخلية محاولات يائسة وفاشلة أمام احتضان الشعب للحكومة، والذي يعبّر عنه عبر صناديق الاقتراع كل يوم في انتخابات النقابات التي تفوز بها حركة حماس بأغلبية كبيرة، كما كان في نقابتي الممرضين والمحاسبين.
البيان: كيف ترون توقيت الإضراب في قطاع غزة، والضفة الغربية؟
٣ أولاً: نحن نؤكد علىِ أن الإضراب حق، ونؤكد على وقوفنا إلى جانب مطالب الموظفين، لكن ذلك خطوة في الاتجاه الخاطئ؛ لأن المشكلة ليست فلسطينية، ويجب أن توجه التظاهرات والمسيرات والفعاليات نحو من يحاصر الشعب الفلسطيني وهو العدو الصهيوني والإدارة الأمريكية، ودعني في المقابل أؤكد أنه ليس هناك ما يسمى بنقابة الموظفين العموميين، وهذه نقابة غير شرعية ولا تعبِّر عن إرادة الموظفين، وأعتقد أن هذا الإضراب إنما هو إضراب سياسي، وطالما حذرنا منذ البداية من (تسييس) الإضرابات، لكن خروج قوات الأمن كان مخالفاً للقانون الأساسي، ومخالفاً لقرار الرئيس عباس الذي منع التظاهرة العسكرية، بالإضافة إلى أنه وصل بهم الأمر إلى إطلاق الرصاص على المجلس التشريعي وتكسير محتوياته، والاعتداء على المؤسسات التي تمثل رمزية الشعب الفلسطيني، وأصبح واضحاً أن هناك جهات سياسية معروفة ومكشوفة بأسمائها تقف وراء هذا الإضراب؛ لتحقيق أهداف حزبية وفئوية ضيقة على حساب أهداف شعبنا الفلسطيني الكبرى.
البيان: كيف ستتعامل الحركة أمام هذا التحدي الكبير الذي يهدد بشلِّ عمل الحكومة وزيادة التحديات التي تواجهها منذ استلامها لزمام السلطة؟
٣ أولاً: على المستوى الداخلي للإضراب أكدنا على أن هذه الجهات التي تقف وراء الإضراب لا تمثل قاعدة الموظفين، وهي جهات سياسية تسعى لأهداف سياسية، بدليل أن إضراب المعلمين فشل أمام حرص المدرّسين ـ بفضل الله سبحانه وتعالى ـ، وهناك ما يزيد عن (٨٠%) من المدارس انتظمت فيها الدراسة في قطاع غزة، وما يزيد عن (٧٠%) في الضفة الغربية، ومعظم المدرّسين يداومون، المشكلة فقط كانت لدى المديرين، فمعظهم ينتمون للونٍ سياسي واحد، ومن ثم هم الذين يسعون لترجمة الأهداف السياسية التي يُرجى لها أن تتحقق من وراء هذا الإضراب، وأعتقد أنه من خلال الأيام القادمة يمكن أن تشهد تحوّلاً إيجابياً في اتجاه فشل الإضراب بشكل عام؛ لأن الشعب الفلسطيني بدأ يدرك مخاطر ذلك على حساب المرضى والطلاب. أما على المستوى الخارجي أعتقد أن حكومة الوحدة الوطنية يمكن أن تمثل مخرجاً ولو جزئياً في هذا الجانب.
البيان: هناك من يقول: إن الحكومة اليوم في أصعب مراحلها، إذ فقدت الأغلبية البرلمانية بعد اعتقال أكثر من أربعين نائباً من حماس، ومن ثم هي تحت رحمة فتح، وبقية الفصائل الفلسطينية الأخرى، ولا يوجد عندها سوى خيار الاستقالة أو الاستجابة لمطالب الرئيس (أبو مازن) ؟
٣ لا استقالة، ولا استجابة لغير مطالب الشعب الفلسطيني، هذه مسألة. وإنّ العدو الصهيوني باختطافه الوزراء والنواب حاولَ أن يمارس الضغط على الحكومة لتقديم تنازلات سياسية أو محاولة لإسقاطها، كما هو هدف داخلي لتيار فلسطيني يعمل على ذات المستوى، لكن أؤكد بأن حماس وإن فقدت الأغلبية فإنه لا أحد يمتلك الأغلبية في البرلمان الفلسطيني؛ لأن حركة حماس فقط هي من كانت تمتلك الأغلبية البرلمانية، وما غير ذلك بمجموع الكتل البرلمانية أقل من النصف، ومن ثم فإن القرارات المصيرية لا يستطيع أحد أن يتخذها إلا عبر وفاق وطني. وأي تشكيل لأي حكومة وطنية لا يمكن أن يُمنح الثقة إلا بموافقة ورضى حركة حماس؛ لأن اجتماع كل الكتل والقوائم البرلمانية لا يصل إلى منح أيّ حكومة الثقة، ومن ثم نحن لسنا تحت رحمة أحد، فقط نحن تحت رحمة الله ـ سبحانه وتعالى ـ، ونحن من يحدد القرارات المصيرية بمفردنا يوم أن كنا أغلبية برلمانية، أو بالوفاق الوطني يوم أن فقدت الأغلبية البرلمانية للجميع.
البيان: هل ستشهد الحكومة حالة من الانقلاب الأبيض في الوزارات والمؤسسات الحكومية؟
٣ حالة الاضطرابات والفوضى للوصول إلى عصيان مدني هي بالتأكيد هدف أسمى لهذه الجهات السياسية التي تسعى إلى انقلاب أبيض على الحكومة الفلسطينية للوصول إلى إسقاطها، وهو هدف صهيوني أمريكي، وهدف لتيار فلسطيني داخلي، ومن تتبّع المواقف والتصريحات والتحركات لهذا التيار ـ الذي يقف وراء الإضراب وتدمير المؤسسات صاحبة الرمزية، والاعتداء على المجلس التشريعي وعلى مجلس الوزراء وإشعال النار فيهما، سواء في رام الله أو في غزة، والاعتداء من قبل على النواب ومحاولة التشهير بالحكومة والتحريض عليها ـ فإنه سينجلي له من هو، ويظهر له أن كل ذلك لا يفسر إلا في إطار انقلاب أبيض نتيجته كانت بازدياد شعبية هذه الحركة الذي أكدته الانتخابات المتتالية في عدة نقابات فلسطينية.
البيان: في حال استمرار الإضراب: كيف ستواجه الحركة هذا الواقع الصعب على جميع مؤسسات السُلطة؟
٣ أعتقد أن الإضراب سيفشل ـ بإذن الله تعالى ـ أمام حرص الشعب الفلسطيني؛ لأنه إضراب ليس لحل الأزمة، وليس لمواجهة الحصار، ولكنه إضراب لتأزيم الواقع الفلسطيني، وهذا ما بدأ يدركه شعبنا الفلسطيني، وإنه إضراب على حساب المرضى وحساب هذا الشعب، ومن هنا بدأت حلقات الإضراب تتكسر وبدأ يخفت ضوؤها، وأعتقد أن الجهات التي تقف وراء الإضراب بدأت تستنفذ خياراتها أمام حرص الشعب الفلسطيني على تسيير أموره، وعدمِ الانزلاق إلى تحقيق أهداف حزبية وشخصية وفئوية ضيقة لهذا التيار الذي يسعى لكسر إرادته بإسقاط حكومته.
البيان: كان هناك تصريح لـ (نبيل أبو ردينة) : بأن المحادثات بين (هنية) و (أبو مازن) إيجابية، ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن الحكومة خلال عشرة أيام، هل من تعقيب على هذه التصريحات؟
٣ أعتقد أنه لا جدوى من هذه التصريحات. ومحاولة وضع سيف الوقت في كل نقطة أصبح لا ينطلي على الفصائل والقوى والشعب الفلسطيني، وأؤكد أنه ليس هناك سقف زمني لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، نحن معنيون بها وندفع باتجاهها، وشكّلنا لجنة لها، وبادرْنا بإجراء بعض مشاوراتها، وسنجري بقية المشاورات المعمقة، لكن متى سيكون ذلك؟ نأمل أن يكون في الوقت القريب، لكن الحديث عن أيام ـ بالتأكيد ـ أمر غير منطقي.
البيان: بالنسبة للإضراب؛ هل تعتقدون أنه جاء من أجل خدمة طرف على حساب طرف آخر؟
٣ بالتأكيد هو إضراب سياسي، وهو لخدمة أهداف شخصية وحزبية وفئوية على حساب مصالح شعبنا الفلسطيني، ثم أين كانت هذه الجهات التي تقف وراء الإضراب، وأين كانت مواقفهم من حصار الشعب الفلسطيني؟ هل أقامت فعاليات وإضرابات ومسيرات لمواجهة الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني؟ أم إنه فقط يأتي في مواجهة الحكومة الفلسطينية وكأن المشكلة ليست فلسطينية؟
البيان: لماذا توقفت جهود حماس لجمع الأموال في الخارج لصالح الشعب الفلسطيني والحكومة؟ وهل هناك جهات عربية وقفت مانعاً لمواصلة جهود حماس لجمع الأموال؟
٣ إن التبرعات الشعبية تبقى تبرعات شعبية، مع تقديرنا لعظم مكانتها وقدر أصحابها، لكن المطلوب في المقابل أن تتحمل الأنظمة العربية والإسلامية مسؤولياتها في الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني، والوقوف بجانب حكومته المنتخبة المحاصرة والمحاربة من قبل العدو الصهيوني والأطراف الخارجية، وأعتقد أن ثمة مشكلة كبيرة في إدخال الأموال، متمثلة في معبر رفح المدخل الوحيد للشعب الفلسطيني والذي يتم إغلاقه على فترات طويلة، وهذا شدّد من الحصار المفروض على شعبنا الفلسطيني، ونعتقد بأننا في حاجة إلى وقفة للأنظمة، ووقفة للشعوب المعطاءة، ومن المؤكد نحن في حاجة لإبقاء التبرعات مفتوحة من قبل الشعوب العربية والإسلامية، وأعتقد أن هناك جهات مشكورة تستمر في جمع التبرعات لصالح الشعب الفلسطيني، ندعوهم للمواصلة ونحثّهم على الدفع بهذا الاتجاه، فهو جهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى.
البيان: ماذا بالنسبة لقضية الجندي الإسرائيلي الأسير (جلعاد شليط) ؟ هل هناك مباحثات ووساطات تبذل لإطلاق سراحه؟
٣ أؤكد بأنه ما زالت هناك جهود مصرية تبذل في هذا الاتجاه، وإنْ جُوبهت بالصلف والتعنّت الصهيوني، لكن لا خيار أمام العدو الصهيوني إلا الاستجابة للشروط الإنسانية التي وضعتها الأجنحة العسكرية، وينبغي ألا يحلم العدو بأن الشعب يمكن أن يُقدِم على إطلاق سراح الجندي الأسير (جلعاد شليط) مجاناً وبلا مقابل. إن الشروط واضحة، والجندي موجود، وحل هذه الأزمة فقط بالطرق الدبلوماسية على قاعدة تبادل الأسرى، خاصة بعد أن فشل التصعيد الصهيوني بحسم هذه القضية، والذي راهن عليها (أولمرت) والجيش الصهيوني، لذلك نحن نعتقد بأن لحظة حل هذه الأزمة على قاعدة تبادل الأسرى ستأتي ـ بإذن الله سبحانه وتعالى ـ بعد أن استنفذ العدو الصهيوني خياراته، ولم يترك وسيلةً في جعبته إلا واستعملها، وكلها قد فشلت في تحقيق أهدافه والإفراج عن جنديّه الأسير. نحن نؤكد بأن الجهود المصرية هي الأقوى التي تبذل في هذا الاتجاه، ونتمنى أن تكلّل بالنجاح، ونعتقد بأن الخيار الأوحد هو ما طرحته الأجنحة العسكرية الفلسطينية منذ اللحظة الأولى لأسر الجندي في حل هذه الأزمة.
البيان: بالنسبة للعلاقة بين الرئاسة والحكومة؛ من الملاحظ أن هناك فراغاً بينهما، وهناك بعض الاختلاف في المواقف السياسية، هل تعتقد أن هناك أطرافاً تساعد على اتّساع الهوة بين الحكومة والرئاسة؟
٣ أؤكد أن هناك برامج مختلفة، وخاصة أن هناك برنامجين سياسيين مختلفين في الساحة الفلسطينية، برنامج يتبنّى الجهاد والمقاومة كخط إستراتيجي، وبرنامج يتبنّى المفاوضات والاعتراف بالكيان المغتصب كخيار إستراتيجي، ومن ثَمَّ نعم هناك جهات من أقطاب حركة فتح معروفة بأسمائها وبتصريحاتها ومواقفها تستغل هذا الفراغ لتوسيع الفجوة والهوة بين الحكومة والرئاسة، وما زالت تستمر في عقليتها غير الوحدوية، على الرغم من الأجواء الوحدوية التي عاشتها الساحة الفلسطينية بعد التوقيع على وثيقة الوفاق الوطني ووثيقة الأسرى، ومن ثم فإنه على الرغم من وجود برامج مختلفة، تمكّنّا ـ بفضل الله سبحانه وتعالى ـ من التوافق على وثيقة تجمَعُ الكل وهي تمثل برنامج الحد الأدنى والقواسم المشتركة، لكن على الرغم من ذلك إلا أنه يطل علينا بين الفينة والأخرى من يعكّر صفو الوحدة الوطنية ويحاول تفكيك التوافق، وإيجاد فراغات بين الحكومة والرئاسة ومحاولة توسيع الفجوة بينهما.
البيان: إلى أين وصلت مساعي الحكومة في فتح ملف العملاء، ومحاسبتهم على الجرائم التي ارتكبوها ضد قادة المقاومة الفلسطينية، والشعب بأكمله؟
٣ إن ملف العملاء من الملفات الأخطر الموجودة على الساحة الفلسطينية، ومن المؤكد أن فصيلاً بعينه لا يستطيع أن يتحمّل تبعات هذا الملف بمفرده، ويحتاج إلى رؤية وطنية مشتركة، وهذا ما دعت إليه حركة حماس منذ القدم، وأيضاً هذا الموضوع لا يزال مطروحاً على الأجندة، وهو بحاجة إلى رؤيا وعلاج متكاملين، وإلى طواقم كاملة، ورؤية وطنية مشتركة لفتح هذا الملف وإنهائه، وأعتقد أن هذا الموضوع ما زال في الأولوية، ويمكن أن تأتي اللحظة المناسبة ـ بإذن الله سبحانه وتعالى ـ لتنفيذ ذلك على أرض الواقع، وملاحقة العملاء ووضعهم أمام طائلة القانون، لكن موضوعاً مثل هذا تُرك على مدار سنوات طويلة؛ لا يمكن أن يتم معالجته بفترة وجيزة، وأعتقد أن الحكومة لم تنسَ هذا الموضوع ولا زال محل الاهتمام وله الأولوية.
(*) مراسل المجلَّة في فلسطين.