للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

(ملف الصومال)

ماذا يجري في الصومال؟

مندوب البيان في الصومال

تقع الصومال على رأس القرن الأفريقي في منطقة استراتيجية تشرف على

شرق القارة الأفريقية، وتسيطر على مضيق باب المندب، وتطل على شبه

الجزيرة العربية حيث مهبط الرسالة ومنابع النفط. ولهذا تسابقت الدول الاستعمارية

على هذه المنطقة، وازداد تنافسها، حتى عقد مؤتمر برلين في عام ١٨٨٤ م

لاقتسام هذه الغنيمة، فقسمت الصومال إلى خمسة اقسام:

١- بريطانيا أخذت قسمين.

٢- فرنسا أخذت قسماً.

٣- إيطاليا أخذت قسماً.

٤- الحبشة أخذت قسماً.

وبعد مغادرة المستعمرين أرض الصومال ضمت بريطانيا قسماً للحكومة

الكينية، وضم أقليم أوجادين الصومالي للحبشة، وجعلت فرنسا نصيبها السابق

دولة مستقلة اسمها جيبوتي وأقامت عليها قواعدها العسكرية. كل ذلك من أجل

تمزيق الجسد الصومالي الذي يتميز بنسبة ١٠٠% من المسلمين.

ولكن المؤامرة لم تقف عند هذا الحد، ففي عام ١٩٦٩ م تولى الجنرال محمد

سياد بري السلطة بانقلاب عسكري، وفي سبتمبر ١٩٧٠ م تبنى الاشتراكية العلمية، وفي عام ١٩٧٦ م أسس الحزب الاشتراكي الثوري الصومالي وألغى جميع

الأحزاب السياسية.

منذ أن تولى زياد بري السلطة وهو يعلن حربه على الإسلام وملاحقته الدعاة

والعلماء.. فقد أصدر قانون الأحوال الشخصية وأعلن أمام الملأ أن الإسلام قد ظلم

المرأة وهو ينتصر لها ويسويها بالرجل في جميع المجالات في الإرث والنكاح

والطلاق وغير ذلك!

في أول سنة ١٩٧٥م نشرت جريدة نجمة أكتوبر الحكومية زعمه: أن

خمسين في المائة من القرآن الكريم منسوخ، إلا أن العلماء لا يفهمون ذلك! ولما

اعترض بعض العلماء والدعاة وأنكروا عليه ذلك زج بهم في السجون وسامهم سوء

العذاب، وأخذ عشرة من أجلة الدعاة وأحرقهم بالنار أمام الملأ.. وكان من عادته

أن يتهكم بالعلماء ويسميهم بالسفهاء، وعندما واجهه أحد العلماء بالنصيحة قال له

زياد بري بكل وقاحة: أكره الناس إليّ من قال لي اتق الله، وخوفني بالله.. فهل

الله سبع يأكل الناس؟ !

وفي الثمانينات الميلادية غيرَّ زياد بري من أطروحاته وشعاراته السياسية

وتوجه إلى المعسكر الغربي، وتحولت القاعدة العسكرية السوفيتية في ميناء بربرة

إلى قاعدة أمريكية. وقد فتح زياد بري أبواب الصومال للمنظمات التنصيرية التي

بلغ عددها في آخر عصره ٨٦ منظمة.

وفي ٩/٧/١٩٨٩ قتل أحد الأساقفة الإيطاليين المشهورين، ويرجح كثير من

المتابعين أنَّ المخابرات الصومالية هي التي قتلته، لأنه أعطى أسراراً كثيرة تتعلق

بتجاوز السلطة لحقوق الإنسان في الصومال. ولكنه ألصق هذه التهمة بالإسلاميين

واعتدى على كثير من الشباب والدعاة ... فأعلن العلماء والدعاة استنكارهم لذلك

فكانت النتيجة أن أرسل حرسه الخاص في ١٢/١٤٠٩ إلى جوامع العاصمة

بعرباتهم المصفحة، وأطلق النار بصورة عشوائية على المصلين، فقتل أكثر من

ألف شخص. وأعدم خمسين شخصاً من الدعاة والأئمة على أثر هذه المذبحة أيضاً.

ولما شعر زياد بري بانخفاض قدرته على السيطرة في البلاد مع مرور الأيام، حاول أن يثير النعرات القبلية بين منافسيه، ويدعم قبيلة على حساب القبائل

الأخرى، ثم ينقلب عليها ليدعم قبيلة منافسة أخرى، حتى أشعل الخلافات القبلية

في جميع البلاد. وبسبب الدكتاتورية المتسلطة والفساد السياسي الكبير الذي تميز به

عهد الرئيس زياد بري كثر التذمر الشعبي والرسمي، وفي مايو ١٩٩٠م أصدر

١١٤ رجلاً من زعماء القبائل بياناً اشتهر باسم بيان مانيفستو مقديشو دعوا فيه إلى

عزل سياد بري وتشكيل حكومة ديمقراطية جديدة.

وفي ٢ اكتوبر ١٩٩٠م وقعت بعض حركات المعارضة اتفاقاً سياسياً، وبدأت

معارك عسكرية تمكنت بموجبها من طرد زياد بري من العاصمة في ٢٨/١/١٩٩١

م. وبخروج بري من السلطة ازداد اشتعال الفتيل الذي أطلق شرارته الأولى،

حتى انفجرت البلاد كلها، واستعرت حرب أهلية قبلية بين جميع الأطراف،

وتحولت البلاد إلى ميدان للسلب والنهب القوي فيها يأكل الضعيف.. فكانت هذه

نتيجة حتمية لنظام الديكتاتورية والتلسط وحرمان الشعوب من حقها الشرعي في

الشورى وإبداء الرأي.

القبائل والأحزاب المتناحرة داخل الصومال:

بعد خروج زياد بري من السلطة تكونت أحزاب كثيرة يصعب حصرها،

لكنني سوف أبرز هذه الأحزاب:

١- المؤتمر الصومالي الموحد (U. S. C) بقيادة الجنرال محمد فارح

عيديد، وهو من قبيلة هويت فخذ هبرقدر. ويعتبر هذا الحزب من أقوى الأحزاب، ويسيطر على جزء من العاصمة مقديشو وعلى ثلث البلاد تقريباً.

٢- الجبهة الديمقراطية لإنقاذ الصومال (S. S. D. F) : زعيمها العقيد

عبد الله يوسف والجنرال محمد أبشر من قبيلة مجيرتين، وتسيطر على ميناء

بيصاصو وقرو وجالكعيو. وقد حصل بين هذه الجبهة والإسلاميين صراع عنيف

في بيصاصو، وتشهد المنطقة الآن صراعاً عنيفاً بين هذه الجبهة وبين جيوش

محمد فارح عيديد.

٣- الجبهة الوطنية الصومالية (S. N. M) : ويتزعمها عبد الرحمن أحمد

علي تور من قبيلة إسحاق وتسيطر على منطقة الشمال الغربي الصومالي، وقد

أعلنت هذه المنطقة استقلالها عن الجنوب وأسست دولة مستقلة عرفت بجمهورية

أرض الصومال وعاصمتها مدينة هرجيا Somali Land Republic of.

بالإضافة إلى جبهات أخرى كثيرة وصغيرة لا أهمية لها وبعضها مجرد اسم

ولافتة فقط.

وقد حصلت عدة محاولات للتقريب بين هذه الأحزاب، من أهمها مؤتمر

جيبوتي الذي عقد خلال الفترة ١٥-١٩ يوليو من عام ١٩٩١م. وقد توصل

المؤتمر إلى اختيار رئيس الجمهورية من أعضاء المؤتمر الصومالي الموحد لمدة

عامين، ووقع ترشيحهم على علي مهدي على أن يتم اختيار نائبه الأول من الحركة

الديمقراطية الصومالية، ونائبه الثاني من الحركة الشعبية الصومالية وجبهة الإنقاذ

الصومالية الديمقراطية بالتبادل. ويكون رئيس الوزراء من الجبهة الوطنية

الصومالية.

ولكن هذه الاتفاقية انهارت كما انهارت الاتفاقيات الأخرى بسبب الصراع

على السلطة في المؤتمر الصومالي الموحد بين الجنرال محمد فارح عيديد وعلي

مهدي، ثم ازدادت جذوة الحرب وكثر التنافس على السلطة على حساب الأبرياء

الذين يتساقطون تحت نيران الجنود والخونة.

الاتجاه الإسلامي:

يوجد في الساحة الصومالية عدد من الاتجاهات الإسلامية المباركة التي

تميزت بدعوتها العامة، فانضم تحت ألويتها عناصر من قبائل متنوعة انصهرت

في بوتقة واحدة، ولم تفرق بين قبيلة وأخرى.. ومن أبرز الاتجاهات الإسلامية:

أ- الاتحاد الإسلامي الصومالي: ويعتبر من أنشط الاتجاهات الإسلامية

وأكثرها اتساعاً، وقد أقام المعسكرات التدريبية في عدد من المواقع. وخاض

معارك عديدة مع الجبهة الديمقراطية لإنقاذ الصومال في مدينة بيصاصو، ومع

المؤتمر الصومالي الموحد في إقليم جدو، وكانت هذه المعارك في مجملها موفقة

مباركة ولله الحمد. ويلقى هذا الاتجاه ترحيباً جيداً من الأوساط الشبابية خاصة

لتميزه السلفي والمنهجي.

ب- الحركة الإسلامية الصومالية: وهي حركة نشطة ركزت على الجانب

الدعوي تركيزاً كبيراً، ولم تر الدخول في الصراعات العسكرية القائمة في الساحة

الصومالية.

انهيار الصومال:

لما بدأت الحروب الأهلية واستعرت نيرانها في أرض الصومال استغلت

القوى الغربية هذه الفرصة لإنهاك الصومال المسلم وتمزيقه مرة أخرى، فوقفت

موقف المتفرج على الرغم من دعوتها إلى السلام في ظل ما يسمونه بالنظام العالمي

الجديد. بل بدأت بتغذية الصراع القبلي وإثارته. وقد ذكر الكاتب الإيطالي بال

ترميل في مدينة تورينو الإيطالية بأن الأوربيين هم السبب في استمرار المشكلة

الصومالية وتغذيتها.. كما ذكر مراسل القناة الأخبارية C. N. N، أن الحكومات

الغربية توجه إمدادات الإغاثة الإنسانية للجيوش المتصارعة قصداً لتغذية الصراع

وتصعيده بين القبائل! ! وقد وصلت الصومال من جراء ذلك إلى حالة انهيار كامل

في بنيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلا يوجد أي أثر من آثار الحياة

الإنسانية داخل الصومال، حيث نهبت خيرات البلاد وتسابقت الأحزاب المتناحرة

على بيع الممتلكات العامة لشراء الأسلحة والذخيرة، فالسلاح هو سيد الموقف داخل

الصومال، فلا أثر للكهرباء أو الماء أو غيرها هناك، لأن كل شيء قد نهب وبيع

. فقد كان الصومال على سبيل المثال يملك ثاني أكبر محطة لتصفية البترول في

القرن الأفريقي وتقدر قيمتها بخمسمائة مليون دولار، ولكنها بيعت بمليون دولار

أمريكي فقط. بل وصل الحال ببعض الأحزاب أن نبشت الأرض واستخرجت

أسلاك الكهرباء والتمديدات الأرضية لبيعها في السوق السوداء. حتى بلغت الخيانة

ببعض الأحزاب أن وقعت اتفاقيات مع عدد من الشركات الإيطالية والفرنسية

والسويسرية والأمريكية لدفن آلاف الأطنان من المواد الكيميائية السامة والنفايات

النووية في أرض الصومال.. لكي تستمر آثار هذه الحرب ليس على هذا الجيل

فحسب، بل على الأجيال القادمة..! وأصبحت هذه الدول تتسابق في إرسال هذه

النفايات.. وتتباطأ في إرسال المعونات الإغاثية، بل تختلق المعاذير والحجج لكي

تمنع الإغاثة.

وقد كانت الأحزاب القبلية المتناحرة تمارس أبشع ألوان الوحشية من التدمير

والنهب وانتهاك المحارم والأعراض، بل والتمثيل بالجثث. وهذه الفوضى ساعدت

على انتشار اللصوصية وقطع الطرق والاعتداء على العزل والآمنين.

وهكذا صمتت الدول الغربية طوال هذه المدة لكي تنهار الصومال تماماً، ومن

ثم تتدخل الدول الغربية لتفرض الرجال والحكومة التي تريد، وتصبح المنطقة

مهيأة لإقامة القواعد العسكرية الأمريكية والأوربية. فلا توجد قوة تستطيع أن تهدد

المصالح الغربية..! !

المهاجرون الصوماليون:

اضطر الشعب الصومالي الأعزل إلى الهرب خوفاً من نيران الحرب الأهلية

التي أهلكت الأخضر واليابس. فكان كثير من الصوماليين يفر من مدينة إلى أخرى، حتى إذا لحق بهم الحرب مرة أخرى اضطروا للفرار إلى مدينة ثالثة.. فأصبح

الشعب الصومالي كله مهاجراً سواء كان في الداخل أو في الخارج. فالقادرون منهم

وخاصة أصحاب التخصصات العلمية هاجروا إلى أوربا وأمريكا وكندا، ويقدر

عددهم بحوالي مأتى ألف صومالي. وأما عامتهم فقد استقر بهم المقام في الدول

المجاورة مثل كينيا وأثيوبيا وجيبوتي واليمن.. بعد أن أنهكتهم الهجرة وهدهم

المسير.

رأيت أحدهم على الحدود الصومالية الكينية وليس معه إلا ولده البالغ من

العمر خمس عشرة سنة، وقد شحب وجهه وغارت عيناه وتشققت قدماه.. فسألته

عن حاله؟ فجلس على الأرض ووضع يده على رأسه وأغمض عينيه.. ثم

أحضرنا له قليلاً من الماء، فلما شرب وارتوى، قال لي: اسبوعان، كنا نمشي

على الأقدام، هلكت أمي وزوجتي وثلاثة من أطفالي، ولم يكن لي القدرة على

دفنهم.. وكما ترى لم يبق معي إلا هذا الولد؟ ! !

قد بلغ عدد المهاجرين إلى كينيا حوالي خمسمائة ألف لاجىء توزعوا في عدة

مخيمات. كانوا يظنون أنهم فروا من الموت، لكنهم في حقيقة الحال فروا من

الموت السريع تحت نيران الجنود إلى الموت البطيء حيث الجوع والمرض. وقبل

أن نبدأ بذكر أحوالهم، هذه نظرة سريعة لأحوال المنطقة التي هاجروا إليها:

- يمر الشمال الشرقي الكيني المجاور للحدود الصومالية - وهي المنطقة التي

هاجر إليها الصوماليون - بجفاف شديد منذ ثلاث سنوات تقريباً لانقطاع الأمطار.

- يوجد في المنطقة مائة سد لمياه الامطار جفت تماماً.

- ٨٠% من الأغنام والأبقار و٤٠% من الإبل قد هلكت في منطقة وجير

الكينية بسبب الجفاف.

- منطقة وجير مساحتها ٥٦٥٠٠ كم٢ يعيش عليها ١٢٦ ألف نسمة من

الأهالي، يضاف إليهم ٢٠ ألف نسمة من المهاجرين الصوماليين لا يوجد فيها إلا

١٨ بئراً ارتوازياً عاملاً، أما بقية الآبار وعددها ثلاثون بئراً فقد تعطلت.

- ٢٠% من الأطفال دون سن الخامسة ماتوا خلال شهري شوال وذي القعدة

الماضيين بسبب أمراض سوء التغذية.

فإذا كانت هذه هي حالة أهل البلد الأصليين فكيف يكون حال المهاجرين

الصوماليين إلى هذه المنطقة..؟ وإليكم الإحصاءات التي تدل على عمق المأساة

وآثارها الواسعة بين المهاجرين:

- عدد الوفيات حوالي ٢٠٠ حالة يومياً.. وقد بلغت في بعض الشهور

الماضية إلى خمسمائة حالة أو أكثر.

- ٣٠٠. ٠٠٠ طفل ماتوا جوعاً ومرضاً داخل وخارج الصومال منذ بداية

الأزمة.

- ٥٥% من الأطفال مصابون بأمراض سوء التغذية.

- ٣٠% من الأطفال دون سن الخامسة يحتاجون إلى تغذية طبية بالسوائل.

- ٣٠% من الصوماليين مصابون بأمراض الجهاز التنفسي والسل.

- ٨٠% من النساء الحوامل يمتن أثناء الولادة لعدم وجود الرعاية الصحية

الأولية.

- ٩٠% من المهاجرين لا يملكون خياماً للسكن فيها وإنما يسكنون في بيوت

من القش.

وبعد هذه الإحصاءات يتبين حجم المأساة، فالأحوال بلغت حداً لا يوصف من

التردي والمجاعة، حتى إني رأيت امرأة في مخيم صوفتو في أثيوبيا تأخذ جلداً

مجففاً وتدقه.. فلما سألتها عنه؟ قالت: إنها تطبخه بالماء وتطعمه لأولادها

الأيتام..! !

وفي مخيم آخر رأيت رجلاً قد جفف دم إحدى الحيوانات بعد ذبحها حتى

تجلط وتصلب.. فلما سألته عنه؟ قال: إنه طعامه هو وأولاده!

ورأيت رجلاً مع زوجته في مخيم مانديرا الكيني في حالة يرثى لها، فدخلت

في خيمته فلم أجد فيها أثراً لطعام، فسألته: ماذا أكل في هذا اليوم؟ فقال: لا

تسلني عن اليوم، ولا عن الأمس، ولا عن الذي قبله، فلي ثلاثة أيام لم أذق طعاماً

قط..! !

وجلست في أحد الايام في مقبرة صغيرة في مخيم مانديرا - وهي مقبرة من

بين عدد من المقابر المنتشرة في المخيم - ما بين الساعة الثامنة صباحاً إلى العاشرة

صباحاً، دفن خلالها ١٥٠ نفساً.. فكيف يُتصور العدد في بقية اليوم.. وكيف في

بقية المقابر؟ ! !