خواطر في الدعوة
أهل مكة أدرى بشعابها
محمد العبدة
هذا المثل المشهور يجبهك به بعض الناس عندما تبدي وجهة نظرك في
أحداث معينة، أو تناقش فكرة تخالف فيها ما هو واقع في بلد من بلدان العالم
الإسلامي، وأنت لست من أهله، فهل يصح إطلاق مثل هذا المثل في واقعنا اليوم
وهل تُحلّ مشكلة كبيرة بمثل هذا التبسيط، حيث لا داعي للمشاركة والاستفادة من
آراء الآخرين أو المخالفين.
لا يشك أحد في وجود خصوصيات معينة لكل بلد سواء من ناحية جغرافيته أو
طبيعة سكانه أو مستوى ثقافته، لكن ما حجم هذه الخصوصية أمام كثير من
الأحوال المتشابهة: الاجتماعية منها والاقتصادية والسياسية؟
إن الخصوصية تمثل نسبة قليلة، فلقد عاشت معظم شعوب العالم الإسلامي
ظروفاً واحدة، والتخلف الحضاري يلفها جميعاً، ولم تتمكن حتى الآن من العودة
لهويتها وأصالتها وإلى الدين الذي يرقيها معنوياً ومادياً، وقد تسلطت أوروبا على
معظم هذه الشعوب في القرن الماضي، وجعلت أرضه مِزَقاً وأوزاعاً، وفرضت
مناهج للتعليم خرجت أجيالاً ممسوخة العقل والفكر، فلا دنيا أقامت ولا رجعت إلى
دينها الذي هو مبعث حضارتها وعزها، فالمشكلات واحدة والهموم واحدة، فهل
هناك خير في نقل الخبرات والتجارب، وقد وقعت أحداث في المشرق كانت جديرة
بالتأمل والدراسة وأخذ العبرة، وحدثت أمور في المغرب كان حَرىّ بأهل المشرق
أن يستفيدوا منها.
لقد ذكر القرآن الكريم قصص أقوام لنعتبر بها وهم بعيدون عنا زماناً، وقد
مَرّ على المسلمين زمن كان من مميزات طلب العلم الرحلة إلى الأقطار المجاورة
لزيادة في العلم أو الخبرة ومعرفة أحوال المسلمين، بل إننا نجد في أيامنا هذه من
أذكياء المجتمعات الغربية مَنْ يصف ويحلل بعض مشاكل المسلمين وكأنه يعيش بين
ظهرانَيْهم، فلماذا يحرم المسلمون أنفسهم من خبرات متراكمة لمقولة يقولها إنسان لم
يتعود على التفكير العميق، وعلى التأمل في سنن الاجتماع البشري التي ذكرها
القرآن، وإذا كان الحاضر أشبه بالماضي، أفلا تتشابه أحداث وقعت في زمن
متقارب؟ ولا أظن أن مثلاً هنا وشعاراً هناك يحل مشاكلنا المعقدة التي تحتاج إلى
دراسة وحوار ومشاركات للرأي تعقد لها ندوات ومؤتمرات حتى تتضح القضايا،
ويبين السبيل.
وإذا كان أهل مكة أدرى بشعابها، فليس من الضروري أن يكونوا أدرى
بظروفها وما يحيط بها، وبطبيعة الصراع الذي يدور في العالم اليوم، ولقد رمى
عمر بن الخطاب رضي الله عنه داهية الروم بداهية العرب عمرو بن العاص
رضي الله عنه ونحن تحاصرنا الشعارات العامة والأمثال المضروبة، وقد تحولت
الدنيا إلى قرية كما يقولون.