[هل حان الوقت لرسم رؤية تربوية؟]
محمد بن عبد الله الدويش
يعد المجال التربوي من أنجح مجالات العمل الدعوي المعاصر، وقد حقق العمل الإسلامي منجزات مهمة في الميدان التربوي، واستطاع أن يُخرِج جيلاً متميزاً من الشباب والفتيات، تَمثَّلَ التدينَ في نفسه، وانطلق في الميدان العملي الدعوي.
ومهما كان من خلل في هذا الجهد التربوي فلا زال يستحق الإشادة والثناء.
لكن هل نقف من حيث بدأنا؟
إن ظروف النشأة والتكوين التي صاحبت العمل الإسلامي، والمشكلات التي واجهها، والإمكانات التي يملكها ربما تقودنا إلى قبول نتاج العقود الماضية، ولكن!
لا زال العمل التربوي الدعوي يفتقر إلى رؤية واضحة شاملة؛ فمفهوم التربية عائم غير محدد، أو يدور في إعطاء الأفراد قدراً من المحتوى العلمي والسلوكي. والممارسات التربوية إما تنطلق من السجية والعفوية، أو وفق ما نسميه (تخطيطاً) وهو لا يعدو رسم خارطة سنوية أو فصلية لمحتوى البرامج التربوية.
إن انعدام الرؤية في العمل التربوي يقود إلى كثير من المشكلات التربوية، منها:
٣ أنه يفتح مجالاً واسعاً للتباين والرؤى المختلفة والمتفاوتة؛ والخلاف واتساع التجارب وتنوعها لا اعتراض عليه حين يكون صادراً عن منهجية واقتناع، أما حين يكون صادراً عن غياب للرؤية وتخبط فلا.
٣ أنه يؤدي بالمربي الواحد إلى تلوُّن أهدافه ورؤاه من وقت لآخر، حسب ما يجري في الساحة، وحسب ما يسبق إلى ذهنه.
٣ غياب التجانس في شخصية الفرد؛ إذ هو نتاج رؤى وأفكار متناثرة لا رؤية متسقة.
٣ غياب التجانس على مستوى الساحة الدعوية؛ والتجانس المنتظر ليس أن يكون الناس على نمط واحد ونموذج واحد، لكنْ ثمة حدٌّ أدنى لا يمكن بدونه أن يوجد تيار ينشئ أعمالاً ومشروعات جماعية منتجة.
٣ وجود كثير من مظاهر الخلل التربوي التي لا تظهر إلا في الميدان، وحين تظهر يعيش المربون جدلاً طويلاً حول فهمها وتفسيرها، فضلاً عن التعامل معها.
وحين نطالب برؤية تربوية فطبيعة الرؤية تقتضي أن تتسم بقدر من النظرة الكلية التي ترسم الأطر العامة لشخصية المنتج التربوي لا أن تغرق في التفاصيل المحددة التي ينبغي أن تتسع فيها مساحة التنوع والممارسة، وتستوعب اختلاف البيئات والظروف.
كما أنها لا يسوغ أن تكون نتاج خواطر تجول في أذهان معدِّيها، أو فكرة طرأت في محاضرة أو مناسبة، فلا بد أن تكون نتاج دراسة عميقة يتاح لها جهد يتلاءم مع أهميتها.
وهي تتطلب أن تنطلق من مصادر تجمع بين المنهج الشرعي في بناء الفرد المسلم، وظروف الواقع وتحدياته، وطبيعة المهمة التي يُعَدُّ لها هذا الجيل، وأن تنسجم مع الرؤى العامة للعمل الإسلامي وتسهم في تحقيق أهدافه.
وتتطلب اتساعاً لدائرة المعدِّين لها؛ فلا تكون نتاج اجتهادات فردية، ولا نتاج فئة أو أصحاب تخصص معين؛ فالرؤية التربوية تتضمن جانباً يتصل بمحتوى التربية الذي يسهم في بنائه العديد من المختصين في مجالات المعرفة، وجانباً يتصل بعمليات التربية الذي يسهم فيه العديد من المختصين في المجالات التربوية.
كما أنه من الضروري أن تنسجم كافة أهداف وعمليات التربية مع هذه الرؤية وتسهم في تحقيقها.
إن الاقتناع بالحاجة لهذه الرؤية، والاقتناع بتجاوز الممارسات التقليدية في بنائها يمكن أن يوجِد لدى العاملين في الساحة الإسلامية خيارات عدة في التنفيذ.