[من مصادرهم الرسمية: القوات الخاصة الأمريكية والقتل خارج نطاق القانون]
باسل النيرب
أدت الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة إلى فرض نوع جديد من القوة العسكرية التي تقوم على أساس القوة الضاربة، وتلقين الخصم الدرس القاسي من جراء معارضته للوجود الأمريكي، وقد صاحب تلقين الخصم الدرس القاسي؛ فرض نوعٍ من الرقابة العسكرية الصارمة، والتعتيم الإعلامي وبخاصة على أرض المعركة؛ حيث يقوم الجنود بمهامهم وفق الطريقة الأمريكية المُثلى كما يرتؤون في القضاء على كل أشكال المقاومة.
- غياب التشريع القانوني:
لقد تنوعت أسماء الوحدات الخاصة المقاتلة في الحياة العسكرية الأمريكية؛ فهناك قوات القبعات الخضراء، وجوالة الجيش (رانجرز) ، وقوة النخبة في القوات الأمريكية الخاصة (دالتا) ، وفرقة النشاطات الخاصة SA)) ، ووحدة مساندة النشاطات الاستخباراتية المعروفة باسم الثعلب الرمادي التي شكلتها استخبارات الجيش، ويضاف إلى ما سبق الفرقة (١٠١) المحمولة جواً من الجيش الأمريكي، وتعد رديفاً للقوات الخاصة، واللواء (٨٢) المحمول جواً وهو ذو كثافة نيران عالية وتسليح خاص، وقادر على الانتقال فوراً إلى مناطق العمليات الساخنة بكامل أسلحته وقوته ومباشرة الاشتراك في العمليات.
ولا تكاد تؤثر تلك القوات الخاصة على الحياة المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فالأخبار عنها شحيحة أو تكاد تكون معدومة أحياناً ما لم يظهر حدث يدل على بشاعة المصير الذي آل إليه أعضاء إحدى الفرق وهو الحدث الذي يتبارى في إظهاره المراسلون الحربيون؛ ففي الحرب الفيتنامية تبارى المراسلون في إظهار تجاوزات أصحاب القبعات الخضر في جبال وأحراج فيتنام، عندها سارع الشعب الأمريكي إلى تنظيم المظاهرات لسحب الجنود من غابات فيتنام، والحال ذاتها تنطبق على الجنود في الصومال عندما قُتل وسُحل مجموعة من أفراد القوة (١٠١) على أيدي المقاومين في الصومال، فسارع الشعب الأمريكي إلى التنديد بالهجوم وفرض انسحاب القوات منها؛ أما عند شيِّ مجموعة من الأسرى الصوماليين على النار على أيدي جنود المارينز فلم يبادر أفراد الشعب الأمريكي إلى المطالبة بالانسحاب.
ومهما كانت أسباب عودة القوات الخاصة الأمريكية إلى دائرة الحدث بقوة؛ فإن إعادة إحيائها تمثل انتصاراً لسياسة وزير الدفاع الأمريكي (دونالد رامسفيلد) الذي أعلنها إثر غزو أفغانستان والمتمثلة في اصطياد البشر، وهي للأشخاص المطلوبين وفق تصور الأجهزة الأمنية الأمريكية لمشاركتهم الأساسية، أو المحتملة في الهجمات على الولايات المتحدة الأمريكية.
ومع تغوُّل الحياة العسكرية داخل الولايات المتحدة وتصديرها عبر حلمها الإمبراطوري، توسعَ عمل القوات الخاصة كثيراً في إدارة جورج بوش؛ حيث لا يوجد تشريع قانوني يلزم الرئيس الأمريكي بإحاطة الكونغرس بعمل القوات الخاصة خارج الأراضي الأمريكية، كما أن ميزانية البنتاجون لعام ٢٠٠٤م خصصت ما يزيد على ٦.٥ بلاين دولار لتغطية مهامها بزيادة قدرها ٣٤% عما كانت عليه عام ٢٠٠٣م. أما لماذا سمح التشريع الأمريكي للقوات الخاصة بذلك وليس للجيش وإن كانت إحدى تشكيلاته؛ فلأن القوات الخاصة أفضل من ناحية الحركة من حيث الملاحقة واصطياد الخصوم، واليوم من أنشط هذه القوات كتيبة قوات دلتا وهي الأكثر سرية ضمن الوحدات الخاصة الأمريكية المتخصصة في الخطف والتسلل، وقوة المهمة (Task force ١٢١) جمع أفرادها من قوات دلتا السابقة والقوات الخاصة البحرية ووكالة المخابرات المركزية وقوات أخرى من القطاع الأمني الخاص، وقد تشكلت هذه القوة لأجل مطاردة صدام حسين وأسامة بن لادن وآخرين، ويقود هذه القوة الطيار بالقوات الخاصة سابقة هو العميد (لايل كوينيج) .
- تبرير منطقي للقتل:
لقد تنوعت البرامج الأمريكية العسكرية في القتل خارج نطاق القانون؛ ففي عام ١٩٦٢ ناقش كبار قادة هيئة أركان القوات المسلحة الأمريكية خطة تدميرية، واتفقوا على عملية سرية أطلق عليها اسم عملية نورثوودز، وهي خطة لتدمير ممتلكات أمريكية وقتل مواطنين أمريكان؛ الهدفُ منها إعطاء مبرر لأمريكا لكي تغزو كوبا، كما نشر الجيش الأمريكي في عام ١٩٧٠ دليل العمليات الميدانية المرقم بـ ٣٠ - ٣١B والمعنون بـ «استخبارات عمليات الاستقرار والتوازن - الميادين الخاصة» المؤرخ في ١٨ مارس ١٩٧٠ والذي وقعه الجنرال وليام ويستمورلاند؛ حيث شجع الدليل على القيام بعمليات إرهابية «وزرع» أدلة كاذبة في أماكن عامة لكي يتهم بها الاتحاد السوفييتي لاحقاً، ويذكر التقرير ضرورة القيام بهجمات إرهابية في عموم أوروبا الغربية تقوم بها شبكة من الوحدات الخاصة للجيش الأمريكي وجيوش دول حلف الناتو، الغرض منها هو إقناع الحكومات الأوروبية بالخطر الكبير للاتحاد السوفييتي، ومن ثم تباشر آلة الإعلام في اتهام التنظيمات الإرهابية، مما يستدعي الأمر أهمية التدخل العسكري الأمريكي في ذلك البلد.
ومنذ الحرب الفيتنامية أطلقت العسكرية الأمريكية العديد من البرامج التي تتعقب كل من لا ينتمي إلى تيارها أو يحاول ضرب الولايات المتحدة، وهناك برنامج فينكس phoenix)) ، وهو الاسم الحركي لبرنامج مضاد للمقاومة الفيتنامية نفذته الولايات المتحدة أثناء حرب فيتنام؛ حيث كانت فرق القوات الخاصة تقوم باعتقال أو اغتيال الفيتناميين الذين يعتقد أنهم يعملون مع الفيتكونج أو يتعاطفون معهم، وكان اختيار الأهداف يعتمد بشكل كبير على ضباط جيش فيتنام الجنوبية ورؤساء القرى، وطبقاً لإحصائيات فيتنامية جنوبية رسمية قام برنامج فينكس بقتل نحو ٤١ ألف ضحية خلال الفترة من ١٩٦٨ وحتى ١٩٧٢ معظمهم لا علاقة لهم بالحرب ضد الولايات المتحدة، ولكنهم استهدفوا من أجل الثأر ولعداوات سابقة، وقد أقر وليام كولبي ضابط وكالة المخابرات المركزية الذي كان مسؤولاً عن هذا البرنامج عام ١٩٦٨م، وأصبح فيما بعد مديراً للوكالة، أمام الكونغرس بأنه كان يجب ألا يحدث الكثير مما حدث.
وفي العراق تنشط العديد من المنظمات للتعقب والقتل ومنها مجموعة الفئران القارضة والثعلب الرمادي، وتقوم هذه الوحدات الخاصة بقنص المطلوبين واصطيادهم. وإن كانت العسكرية الأمريكية استخدمت القتل وبررته خارج الحدود؛ فقد أكدت العديد من التقارير وجود القوات السرية في العراق التي من أدق مهامها القتل. وهنا نحيل القارئ الكريم إلى مقال أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا (جون يو) ، والباحث في منظمة اليمين المتطرف المعروفة باسم American Enterprise Institute، فقد اقترح في مقال نشره في صحيفة لوس أنجيليس تايمز، إنشاء منظمات إرهابية وهمية كطريقة لمقاتلة منظمات إرهابية أخرى، وأن يكون لهذه المنظمات الوهمية مواقع على الإنترنت، ومراكز تجنيد ومعسكرات للتدريب إضافة إلى تسهيل عمليات جمع الأموال لها، والسبب كما ذكره من أجل بذر الشقاق بين الحركات الإرهابية كما وصفها، على أن تمارس تلك المنظمات أعمالاً إجرامية بحق مواطنين أبرياء تماماً كما حدث مرات عديدة في العراق مما يفسر استمرار الحرب على الإرهاب، وهذا بالطبع يقودنا إلى مرحلة ما بعد الغزو.
وبعد حوالي ثمانية شهور من سقوط بغداد نشرت صحيفة الواشنطن بوست أن السلطات الأمريكية في بغداد وافقت بعد شيء من التردد على تشكيل ميليشيا عراقية مضادة للإرهاب تتكون من قوات خمسة أحزاب رئيسية، وهذه الوحدة تضم حوالي ٨٠٠ رجل من مهامها التعرف وتعقب من وصفتهم بالإرهابيين الذين لم يلق عليهم القبض، وقد اعترفت قيادات أمنية وعسكرية أمريكية بتخريج وتكوين وحدات خاصة من العراقيين المتعاونين معها والأمريكيين ترتدي الملابس المدنية وتقوم بعمليات خارج القانون، وتداهم البيوت وتعتقل الأفراد، وقد صُرِّح لها بالتعذيب والقتل في خطة أمريكية جديدة تسمى «محاربة الإرهاب» .
ويُنقل عن فينسان كانيسترارو المدير المساعد لشعبة محاربة الإرهاب بوكالة المخابرات الأمريكية قوله: «إن واشنطن لا تكذب وجود مثل هذه الخطة التي عهد بها إلى الـ CIA لأنها خرَّجت بالفعل وحدات هي رهن الاستخدام اليوم في العراق» .
وأُكد بدء عمل هذه الوحدات في بغداد؛ حيث قام نحو ١٢٠ رجلاً يرتدون ملابس مدنية بمهاجمة ما أسموه «أوكار الإرهابيين» في شارع حيفا والأعظمية ومعسكر يقع على شاطئ الفرات على الضفة الشرقية يضم مستودعات أسلحة، وقتلوا ٣٦ عراقياً واعتقلوا آخرين في هذه الغارات، وقد أكدت صحيفة الخليج البحرينية وجود معلومات خاصة تفيد أن CIA هي التي دربت وخرَّجت هذه الوحدات الخاصة التي تعمل بتفويض خاص من الحكومة العراقية، ويسمح لها بتجاوز القانون في عمليات الهجوم والسجن والتعذيب والقتل. وأضافت الصحيفة أن هناك معلومات أمنية فرنسية تفيد بأن تشكيل هذه الوحدات راود الاستراتيجيين الأمريكيين منذ عام تقريباً عندما تيقنوا أن «المقاومة العسكرية» المناهضة للوجود الأمريكي بدأت تنتشر بسرعة في أنحاء عديدة من العراق، وقد رفع هؤلاء تقريراً إلى هيئة الأركان الأمريكية والبيت الأبيض يقترحون فيه خطة تخريج مثل هذه الوحدات الخاصة مستفيدين من التجربة الأمريكية في فيتنام، والإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويجد هذا الرأي دعماً وصدى إيجابياً لدى كل من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وستيفن كامبوني (Stephen Cambone) نائب وزير الدفاع لشؤون الاستخبارات الذي كان من مؤسسي فكرة القوات الخاصة الجديدة، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، وعمل عام ١٩٩٨م مديراً للجنة التي رأسها رامسفيلد والتي حذرت في تقريرها من ظهور تهديد صاروخي بالستي للولايات المتحدة، واقترحت أن تذهب وكالات الاستخبارات في تحليلاتها إلى ما هو أبعد من البيانات المتوفرة تحت اليد، وقد حظي هذا النهج بتأييد رامسفيلد، إلا أنه تعرض للهجوم عندما لم تتحقق تنبؤات الإدارة الأمريكية حول أسلحة الدمار الشامل العراقية وإمكانية قيام مقاومة عراقية، ويتفق كامبوني مع آراء رامسفيلد في كيفية محاربة الإرهاب كما أنه شعر بالإحباط بسبب تردد القيادة العسكرية في تبني مهمة اصطياد البشر، مما دفعه إلى محاولة السيطرة على القوات الخاصة.
وهناك الفريق وليام بويكن مساعد كامبوني العسكري، والذي أصبح مقرباً جداً من رامسفيلد، وبويكن هذا قارن الإسلام أمام رواد إحدى الكنائس أكثر من مرة بالشيطان، وقال واصفاً الدين الإسلامي: (الشيطان يريد أن يدمر هذه الأمة ... يريد أن يدمرنا كأمة، ويريد أن يدمرنا كجيش نصراني) وقد أثنى على الرئيس بوش باعتباره الرجل الذي يصلي في المكتب البيضاوي، معلناً أنه ـ أي «بوش» ـ لم يكن رئيساً منتخباً؛ وإنما مفوضاً من قِبَل الرب) .
أما أعماله في القتل؛ فقد كان قائد المعارك العسكرية في مقديشو عام ١٩٩٣ عندما قتل ١٨ جندياً أمريكياً خلال مهمتهم الفاشلة، وعندما كان برتبه كولونيل قاد فريقاً مكوناً من ٨ رجال من قوات دلتا مهمتهم مساعدة الشرطة الكولومبية في تعقب (بابلو اسكوبار) تاجر المخدرات الشهير؛ وحسب القانون كان محظوراً على فريق بويكن التورط في القتل بدون موافقة رئاسية، ولكن كان هناك شكوك في البنتاجون أن الفرقة تخطط للمشاركة في اغتيال اسكوبار بمساعدة موظفي السفارة الأمريكية في كولومبيا، ويصف مارك باودين أيضاً في كتابه (قتل بابلو) تفاصيل مطاردة اسكوبار وكيف تيقن مسؤولون في قيادة البنتاجون بأن بويكن قد تجاوز صلاحياته وينوي انتهاك القانون وبعلم رؤسائه في القوات الخاصة الذين أرادوا سحبه، ولكن ذلك لم يحدث، وقد قتل اسكوبار على سطح بناية بواسطة الشرطة الكولومبية، ولكن كما كتب مارك باودن في داخل مجتمع العمليات الخاص اعتبر موت بابلو مهمة ناجحة لفريق دلتا باعتبار أنهم من قام بالمهمة.
- شواهد على حالات القتل:
وفي التاريخ الأمريكي الحديث هناك شواهد كثيرة على مثل هذه الحوادث؛ فخلال الفترة الممتدة من ١٩٨٠ ـ ١٩٩٠ شنت الولايات المتحدة العديد من الهجمات على نيكاراجوا وحولتها إلى مقبرة كبيرة، وعندما انتقدت الأمم المتحدة التجاوزات الأمريكية والاستخدام اللاشرعي للقوة وانتهاكها للمعاهدات وعلى إثر ذلك تحالفت الولايات المتحدة مع حزبين من نيكاراجوا، وأعطت أوامرها بقصف ما عرف باسم (الأهداف اللينة) مثل المستوصفات الصحية والتعاونيات الزراعية، وكذلك الحال في السلفادور كما يقول ناعوم تشومسكي؛ فقد مارست الولايات المتحدة الحرب على هذا البلد بعد المساعدات التي قدمتها الكنيسة الكاثوليكية إلى الفقراء.
وفي هاييتي ومنذ انتخاب الرئيس جين أرستيد تحركت الولايات المتحدة للإطاحة به بقطع المساعدات الاقتصادية وبالتمويل الضخم لجماعة المعارضة النخبوية، وبدعم مساعي العسكريين السابقين لقلب حكومة أرستيد، وبمرور الوقت تمت الإطاحة بأرستيد نتيجة انقلاب دموي قادته الولايات المتحدة، ونفذ على أيدي عصابات من القتلة المستأجرين الذين سُرِّحوا من الخدمة عام ١٩٩٤، وعملوا لاحقاً مع المخابرات الأمريكية وسلحتهم ودربتهم في جمهورية الدونيمكان، ومن ثم أطلقوا عبر الحدود ومارسوا دورهم في القتل، والضابط الذي قام بالانقلاب هو جاي فيليب حيث تلقى تدريبه في الإكوادور خلال التسعينيات، وبعد ذلك قبض المارينز على الرئيس أرستيد بعد حصاره، ثم دخلت الولايات المتحدة الجمهورية بحجة فرض الأمن والديمقراطية.
وتعترف الأدبيات الأمريكية بتدريب الجنود الكولومبيين الذين نفذوا ما عرف باسم مذبحة المناشير السلسلية؛ حيث كان الجيش الكولومبي يدخل منطقةٍ ما بمساعدة القوات الأمريكية ويقوم الكولومبيون بالباقي، أما جزاء الضابط الذي كان يقدم التسهيلات للقتلة الكولومبيين فقد كان الإعفاء من المنصب فقط، كما نصبت الولايات المتحدة على الهندوراس الجنرال (غستافو الفاريز مارتنيز) الذي ساهم بقتل واختفاء عشرة آلاف شخص في الأرجنتين ومن ثم كُرِّم بتقليده وسام الاستحقاق لدوره في إشاعة الديمقراطية في الهندوراس.
- القاموس الأمريكي في التعذيب:
ومهما تنوعت وتعددت الوثائق التي تقر بالتجاوزات الأمريكية فإن ما أفرج عنه من كتيبات أساسية للمحققين تعطي خير برهان عن وجود نشاط للقوى الخاصة وممارساتها، ومن هذه الشواهد تأسيس المدرسة العسكرية عام ١٩٤٦ في باناما، وكان الهدف من هذه المدرسة تدريب رجال الشرطة والضباط في بلدان أمريكا اللاتينية ضدّ الأنظمة الشيوعية وحركات التحرير، وكانت هذه المدرسة أوّل من أصدر كتباً منسّقة توصي باستخدام التعذيب والإعدامات بدون محاكمة، واستخدام كل أساليب العنف بغية الحصول على المعلومات من المعارضين وأعضاء الميليشيا السياسية أو العاملين في صفوف حركات التحرير.
ثمّ انتقلت هذه المدرسة عام ١٩٨٤ إلى نورث بينييج؛ حيث كانت هذه المدرسة قد بلغت ذروتها في تعليم التعذيب في الستينيات من القرن الماضي؛ حيث كانت أمريكا تدرّب الضباط ضدّ الشيوعيين في أمريكا اللاتينية، وقامت هذه المدرسة منذ تأسيسها بتدريب ٦٠ ألف عضو من ١٢ بلداً، وقد أصبح عدد منهم فيما بعد رؤساء دول بعد أن أصبحوا جلاّدين مشهورين.
وفي عام ١٩٦٣م تمّ طباعة أبرز كتب التعذيب تحت اسم KUBARK لتعليم فنون التعذيب، ويبدأ الكتاب بجملة «حتى تكون محقّقاً جيداً!!» ويشرح الأساليب والطرق التي يجب اتباعها لانتزاع المعلومات من الأسير. والكتاب مزوّد برسوم وتفاصيل الانتقال من مرحلة إلى أخرى ومن أسلوب إلى آخر والظروف المناسبة لأداء ذلك والتأثير الذي يتركه هذا على الأسير أو المعتقل. ويؤكّد واضعو هذا المنهج أنّ أفضل وسيلة هي التي تجعل المعتقل يعذّب نفسه وأن يُعذَّب المعتقلون بمعتقلين آخرين، وقد تمّ تدريس هذا المنهج لرجال الاستخبارات والضبّاط في السجون وضبّاط مكافحة التمرّد والثورات.
وفي عام ١٩٨٣م طوّرت الاستخبارات الأمريكية منهاج التدريس في التعذيب نحو الأسوأ وأصدرت كتاباً آخر تحت اسم «التدريب لاستغلال القدرات البشرية» وكان هذا أسوأ نتاج في التعذيب، ويعتقد أنّ المنهج الذي طبِّق في سجن «أبو غريب» هو نفسه المذكور في ذلك الكتاب. وقد تمّ ترجمة العديد من هذه الكتب إلى اللغات المتعددة، وسرعان ما انكشف أمرها وأدّى إلى استياء لدى شعوب أمريكا اللاتينية خاصّة أنّه كان يتم تعذيبهم عبر المناهج الواردة فيها؛ ممّا دفع الحكومة الأمريكية خلال عهد بوش الأب إلى سحب جميع النسخ الموجودة والتي تباع بعد أن كان رونالد ريجان فعّلها لاستخدامها في مآرب خاصّة في الحرب الباردة، ولا نستبعد أنّ بوش الابن يستعين فيها الآن في حربه على الإرهاب.
- حقوق الإنسان الغائبة:
وفي تقرير جديد شامل صدر عن المنظمة الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان هيومن رايتس ووتش ويقع في ٥٠٠ صفحة، تناول وضع حقوق الإنسان في ٦٨ بلداً؛ إلا أن المهم في هذا التقرير هو ما جاء في مقدمة التقرير وهو «النفاق» في الخطاب الأمريكي؛ إذ تعتبر المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقراً لها أن رسالة واشنطن للعالم هي: «طبِّقوا ما أدعو إليه، وليس ما أقوم به» . وأكدت المنظمة في تقريرها أن «لجوء الحكومة الأميركية إلى التعذيب ودفاعها» عنه كانا من العوامل الأساسية التي جعلت هذا البلد يفقد مصداقيته على صعيد حقوق الإنسان» . كما أن التقرير أكد على أن سوء معاملة معتقلين بأيدي أمريكيين لم يكن من فعل بعض العناصر السيئة في القيادات الدنيا كما روجت الآلة الإعلامية الأمريكية، بل هو قرار تم بموافقة كبار القادة العسكريين والأمنيين.
أما الدليل على ما سبق وإن رفضت الولايات المتحدة ما جاء في التقرير فهو يتمثل في رفض الرئيس الأمريكي جورج بوش توقيع قانون ضد المعاملة غير الإنسانية والمهينة تجاه المعتقلين، وكذلك ضغوط نائب الرئيس ديك تشيني لاستثناء وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) من تطبيق مثل هذا القانون؛ وهذا بلا شك دليل فاضح على أن المسألة عكس ذلك تماماً، وأشار التقرير إلى ملف «اختفاء» معتقلين يشتبه بضلوعهم بالإرهاب، يعتقد أن الولايات المتحدة سلمتهم إلى دول أخرى مما يؤكد احتمال وجود سجون أمريكية سرية في بولندا ورومانيا وغيرها من الدول.
وأخيراً: إن كانت الولايات المتحدة قد وضعت الكتيبات المساعدة على التعذيب، وتقوم وتشرف على القتل والاختفاء القسري، وفي كل يوم تقوم بتطويرها فلا يفوتنا التذكير بأن حجم المساعدات يزداد إلى بلدٍ ما بمقدار ما يمارسه من قمع للحريات (دول أمريكا الجنوبية نموذجاً) وما يؤكد هذا دراسة (لارسن شولتز) من جامعة شمال كارولينا حول مساعدات الولايات المتحدة إلى دول أمريكا اللاتينية؛ فقد كتب مقالة عن وجود علاقة وثيقة جداً بين المساعدات الأمريكية والإساءة إلى حقوق الإنسان؛ حيث تتدفق المساعدات بصورة غير متكافئة على حكومات أمريكا اللاتينية التي تعذب مواطنيها، كما أجرى (إدوارد هيرمان) دراسة أثبت من خلالها وجود علاقة كبيرة بين المساعدات الأمريكية والتعذيب.