للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقابلة مع الشيخ: علي بلحاج

عضو الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر

منذ أحداث أكتوبر عام ١٩٨٨ والجزائر تسير باتجاه تغيير البيئة السياسية

الداخلية، فقد سمحت الدولة بما يسمى (التعددية الحزبية) وكان من نتائج ذلك أن

ظهرت الجبهة الإسلامية للإنقاذ، التي أعلنت أهدافها ومبادئها في بياناتها التي

نشرت في الصحف [١] ، والتي تتلخص في السعي لإعادة الحياة الإسلامية لبلد

عربي أصيل قاوم فرنسا مقاومة باسلة خلال عشرات السنين، ويرأس هذه الجبهة

الأستاذ عباس مدني، ومن مؤسسيها البارزين الشيخ علي بلحاج والشيخ ابن عزوز. ... وقد اعترفت الدولة الجزائرية مؤخراً بالجبهة كحزب سياسي له حق العمل ضمن

أهدافه ومبادئه.

وحرصاً من (البيان) على معرفة أوضاع المسلمين في كل مكان من أنحاء

العالم الإسلامي، وخاصة في بلد مثل الجزائر، وحرصاً على معرفة الحقائق من

أصحابها فقد رأينا أن نحاور الشيخ علي بلحاج أحد مسؤولي هذه الجبهة.

وقد كان بودنا أن نلتقي برئيس الجبهة الأستاذ عباس مدني أثناء زيارته لندن

ولكنا لم نتمكن من ذلك، وعسى أن تتاح لنا الفرصة للقائه في المستقبل القريب إن

شاء الله.

ولا يفوتنا هنا أن نذكر أنه بعد هذا اللقاء مع الشيخ علي بلحاج أصدرت

الجبهة صحيفتها الأسبوعية (المنقذ) وقد نشرت فيها بيانها الرئيسي، نسأل الله أن

يوفق العاملين في الجبهة لما فيه خير الإسلام والمسلمين.

س١ - نرحب بالشيخ علي، ونريد منك في البداية أن تحدثنا عن العلماء

والدعاة الذين تأثرت بهم في الجزائر.

ج ١ - من العلماء والدعاة الذين تأثرت بهم الشيخ عبد اللطيف السلطاني،

والشيخ سحنون، كما أنني درست على يد الشيخ العرباوي رحمه الله، وهو الذي

كان عنده حلقات علمية ودرسنا عليه: التوحيد وأصول الفقه، والفقه المقارن،

وهو الذين ترك أثره في نفوسنا، فكان يعلم ويربي في نفس الوقت، وكان يواسينا

إذا نزلت بنا بعض المشاكل، وكان يحدب علي شخصياً، وله مواقف شجاعة في

نقد المجتمع.

س ٢ - ومطالعاتك الشخصية هل تذكر لنا الكتب التي تكثر من قراءتها؟

ج ٢ - من الكتب التي شغفت بها كثيراً، كتب السلف رضي الله عنهم،

وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، تعلمت منهما الاستقلال في

الاستدلال، ونبذ التعصب المذهبي وتصفية العقيدة الإسلامية من العقائد الفاسدة.

وهناك كتب فكرية كثيرة، لأننى في الحقيقة كما أدرس لابن تيمية، أدرس لغيره

وخاصة من المعاصرين كالشيخ حسن البنا وسيد قطب، كما أقرأ ما يكتب عن

الحركات الإسلامية في العالم، وبالطبع نأخذ الحق ونترك ماعداه إذا قام الدليل على

ذلك، فلست محصوراً في زاوية واحدة لا أتجاوزها.

س ٣ - كان من الواضح لكل من عايش البعث الإسلامي في الجزائر، ومن

خلال ظهور الثورة الإيرانية ومحاولتها لتصدير أفكارها، أنك كنت من القلائل

الذين تصدوا لتأثيرها وفكرها، فهلاّ حدثتنا عن شيء من هذا، ودورك في ذلك؟

ج ٣ - إن أفكار وعقائد الشيعة، كنا قد درسناها في الكتب، مثل منهاج

السنة وغيره، وقد تركت مثل هذه الدراسة أثراً في نفوسنا وفي أذهاننا وقد تحركوا

في الجزائر فعلاً والتف الشباب حول السفارة الإيرانية، فرأينا في ذلك خطراً على

الدعوة الإسلامية وأنه من واجبنا أن ننبه لهذه الأخطار والمفاسد التي تمس الجانب

العقدي، ولذلك رددنا على الشيعة ونقدنا الخميني من خلال كتبه وتصريحاته، رغم

ما وجدنا من مضايقات ممن كانوا متأثرين في ذلك الوقت بالشيعة.

س ٤ - هل تذكرون لنا نماذج من تلك المضايقات؟

ج ٤ - بدأت المضايقات من بعض الدعاة الذين أحسنوا الظن بإيران، وكانوا

يرون أنه ليس من الحكمة في شيء أن نتعرض لعقائد الشيعة، والدولة الإيرانية في

طور التكوين، بل ينبغي علينا أن نسكت رغم قناعتنا بأنها عقائد فاسدة، حتى لا

نمكن للاستعمار العالمي.

بهذه الحجج وأمثالها حدثت لنا مضايقات واتُهِمْنا بأننا لسنا من أهل الحكمة،

وأننا من أهل التسرع والتهور ولكن الذي كنا ندين الله به أن العقيدة لا يمكن

التسامح فيها، قد نتسامح في بعض الأخطاء الفرعية، أمّا أن تكون مصيبة

المسلمين في عقائدهم فهذا من الشيء الذي لا يمكن السكوت عنه، وقد ظن بعضهم

وصرح لي بذلك أن الخلاف بيننا وبينهم في الفروع مثل الخلاف بين الأئمة الأربعة!!.

س ٥- هل للشيعة نشاط الآن في الجزائر؟

ج ٥ - النشاط موجود، ولكن ليس هناك واحد منهم يصرح أنه شيعي،

هناك أناس ذهبوا ودرسوا في (قم) هناك بعض المساجد تباع فيها أشرطة الشيعة،

ويقولون: نحن نقرب بين المذاهب؟ ! .

على كل حال، هناك فرق أخرى تنشط أيضاً في الجزائر، هناك الطرق

الصوفية، ولكننا نحن نعمل بقدر المستطاع لتبيان منهج أهل السنة والجماعة.

س ٦ - وموقف الإسلاميين ... هل ترى أن ذلك الموقف كاف؟

ج ٦ - أما عن موقف الإسلاميين فالتقصير موجود، لأنه إذا بقى في مثل

هذه المسائل داعية أو اثنان أو ثلاثة، وكبار الدعاة وأصحاب الكلمة ساكتون عن

هذا، فأظن أن هذا الموقف فيه تقصير كبير، وينبغي لكل الدعاة، وكل من يزعم

أنه على مذهب أهل السنة والجماعة أن لا يسكتوا عن الباطل، ولا يقولون: (سكوتنا سياسي فقط، نتعاطف معهم سياسياً لا عقائدياً) .

س ٧ - ما هو تعليقك على هذه العبارة الأخيرة؟

ج ٧ - هذه العبارة لا أصل لها من الصحة بالطبع، لأن الحق أحق أن يقال

وأن يتبع.

س ٨ - ننتقل إلى موضوع آخر ... هل من الممكن أن تحدثنا عن الجبهة

الإسلامية للإنقاذ، وانضمامك إليها باختصار؟

ج ٨ - الجبهة الإسلامية للإنقاذ، هي جماعة من جماعات المسلمين،

والجبهة ما هي إلا وسيلة فقط وليست غاية، ونحن لا ندعو إلى تحزيب الإسلام،

وإنما رأينا فيها مجالاً للعمل للإسلام، والعمل ليس كما يظن عمل سياسي بحت،

بل عملها في ميادين كثيرة، تعمل في ميدان التربية، وتعمل في ميدان التوعية

للشعب، وتعمل في ميدان السياسة، وبكلمة أخرى: لا يمكن أن نغض الطرف عن

جانب من جوانب الإسلام، ونحن انضممنا إليها لأننا رأينا فيها فرصة نستطيع من

خلالها أن نقدم للإسلام خدمات في جو من الراحة.

س ٩ - وهل من الممكن أيضاً أن تحدثنا عن رابطة الدعوة الإسلامية والفرق

بينها وبين الجبهة الإسلامية للإنقاذ؟

ج ٩ - الجبهة الإسلامية للإنقاذ لها منحى تعمل فيه، منحى واضح وموجود

في مشروعها، أما الرابطة فهي تهتم بأمور الدعوة أكثر مما تهتم بالعمل السياسي،

فهي ترى أن تكون فوق العمل السياسي. ونحن والحمد لله مع أننا أعضاء في

الجبهة الإسلامية فنحن أيضا من الأعضاء المؤسسين لرابطة الدعوة الإسلامية.

س ١٠ - وهل الرابطة أيضاً تتبنى منهج أهل السنة والجماعة، أم أنهم

يقبلون في صفوفهم من لا يسير على هذا الطريق؟

ج ١٠ - على كل حال، نحن نحاول فيما نعرض في جلساتنا دائماً أن يكون

المنهج السائد هو منهج أهل السنة والجماعة، هذا ما أستطيع الإجابة عنه الآن.

س ١١ - هل لك كلمة أخيرة تريد أن تقولها، نصيحة للمسلمين أو تعليقاً

على الوضع في الجزائر؟ أو أي كلمة أخرى؟

ج -١١ - أنصح نفسي الخاطئة وإخواني المسلمين، أن طريق النجاة إنما

يتمثل في الاستمساك بكتاب الله عز وجل وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي

فهم السلف الصالح، وأي طريق نسلكه لاستئناف حياة إسلامية بعيدة عن كتاب الله

وسنة رسوله سيؤدي إلى طريق مسدود، وقد أثبتت التجارب ذلك.

وأنصح المسلمين أيضاً أن لا يتحزبوا، ولو كانوا وسط أحزاب، فيجعلوا تلك

الأحزاب وسائل لا غايات، وأن يبتعدوا عن التعصب المذهبي، كما يبتعدوا عن

التعصب الحركي وأن يجعلوا الحق فوق الأشخاص لا العكس.

وأشكركم على إتاحة هذه الفرصة، لأقول كلمة جاشت في نفسي إبراء للذمة،

ونحن نقبل النصح من أي جهة، بشرط أن يكون مدعوماً بدليل من كتاب الله وسنة

النبي صلى الله عليه وسلم.

المجلة: ونحن نشكر الأخ الشيخ علي بلحاج على هذه الفرصة الطيبة وندعو

الله سبحانه وتعالى أن يوفقه والعاملين في الجبهة الإسلامية وكل الدعاة الصادقين في

الجزائر لما فيه خير الإسلام والمسلمين.


(١) سننشر فقرات من بيان الجبهة في قسم شؤون العالم الإسلامي، من هذه المجلة.