متابعات
[نعم.. يموت المجتمع ويحيا]
محمد العسيري
اطلعت على مقال د/ خالص جلبي، فوجدت أن فيه فكرة جديرة بالنظر
والتأمل، وتواصلاً وإسهاماً في هذا النظر أقدم هذه المشاركة المتواضعة:
نعلم علم اليقين أن كل مخلوق حي له جسد وروح، بناءٌ مادي خارجي وروح
تسري في أوصاله، والمجتمع كذلك له جسد وروح؛ ومن هنا كانت ميتة المجتمع
كما أرى إما ميتة مادية محسوسة بهلاك أفراده أو دمار بنيته، وإما معنوية روحية
بانهيار مبادئه وقيمه الحضارية.
فالميتة المادية المحسوسة:
هي الدمار الشامل أو الجزئي لمجتمعٍ ما بحيث تزول إمكاناته البشرية
ومكتسباته الحضارية، وأرى أن هناك طريقين لهذا الموت:
١- انحراف بعض الأفراد وسكوت الآخرين: كما في قوله (تعالى) : [وإذا
أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا]
[الإسراء: ١٦] ، وقوله (تعالى) عن قوم صالح: [وكان في المدينة تسعة رهط
يفسدون في الأرض ولا يصلحون] [النمل: ٤٨] عقروا الناقة وهموا بقتل صالح
(عليه السلام) فكان الجزاء والعقاب: [أنا دمرناهم وقومهم أجمعين]
[النمل: ٥١] .
٢- تواطؤ المجتمع على الانحراف: كما حدث في قوم لوط (عليه السلام)
وما كانوا يقيمون عليه من الفواحش والمعاصي التي استحقوا بها عذاب الله؛ فكان
عقابهم: [فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل] [الحجر: ٧٤]
وتلاشى ذلك المجتمع ودفن في مقبرة التاريخ.
والميتة الروحية المعنوية:
كما حدث لأمتنا في العصور المتأخرة حينما عانت من الإحباط النفسي
والهزيمة الداخلية عندما تسلطت عليها فئات من المستغربين عقدياً وثقافياً وقيميا،
وقدموا روح هذه الأمة عقيدتها وقيمها وثقافتها وفكرها قربان ولاء لأصنام الجاهلية
المعاصرة، ثم بقي جسد الأمة لينهشه كل طامع وحاقد ومتسلط، كما قال
النبي - صلى الله عليه وسلم-: يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها.. [*] .
ولكن كما أن الله يخرج الحي من الميت فقد أراد الله لهذه الأمة أن تبعث من
رقدتها، فتنبهت على نداءات صوت الصحوة الإسلامية يهتف بالرجوع إلى
الأصول وإحياء المبادئ الإسلامية.
من أسباب حياة المجتمعات:
١- الإيمان والتقوى: [ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات
من السماء والأرض..] [الأعراف: ٩٦] .
٢- الاستغفار والتوبة: [فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل
السماء عليكم مدراراً* ويمددكم بأموال وبنين..] [نوح: ١٠ - ١٢] .
٣- الإصلاح (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) : [وما كان ربك ليهلك
القرى بظلم وأهلها مصلحون..] (هود: ١١٧) .
من أسباب موت المجتمعات:
١- الظلم: [وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة..]
[هود: ١٠٢] .
٢- البطر وكفر النعمة: [وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها..]
[القصص: ٥٨] .
وبطرت: أي: أشرت وكفرت نعمة الله فيما أنعم الله به عليهم من الأرزاق؛
فحق الموت على هذا المجتمع واندثرت ديارهم.
هذا ما خطر لي عن موت المجتمع وحياته، نسأل الله (سبحانه) أن يوفقنا إلى
العمل بأسباب حياة مجتمعنا وتجنب أسباب موته، والله ولي التوفيق.
(*) أخرجه الإمام أحمد ج٥ ص٢٧٨، وأبو داود ج٤ ص٤٨٣، وصححه الألباني: صحيح سنن أبي داود ح/٣٦١٠.