للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دراسات شرعية

هذه أحكام الأضحية

بقلم: عبد الله الإسماعيل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.

فإن الأضحية من شعائر الله الظاهرة التي أجمع المسلمون على

مشروعيتها [١] ، وداوم النبي -صلى الله عليه وسلم- على فعلها، كما في حديث أنس - رضي الله عنه- (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين، فذبحهما بيده) . [٢]

وإليك أيها القارئ الكريم مسائل في الأضحية وأحكامها تحت العناوين الآتية:

أولاً: حكمها:

الأظهر من قولي العلماء أنها سنة مؤكدة للقادر عليها، وهو قول الجمهور،

وليست بواجبة؛ لجملة من الأدلة منها:

١) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى عمن لم يضحّ من أمته، كما في

حديث جابر -رضي الله عنه [٣] .

٢) حديث أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال

: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمسّ من شعره وبشره شيئاً) [٤] ،

فقوله: (وأراد) ظاهر الدلالة في عدم الوجوب [٥] .

٣) أن أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى

بهما [٦] .

٤) قول أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- (إني لأدع الأضحى وإني

لموسر، مخافة أن يرى جيراني أنه حتم عليّ) . [٦]

ثانياً: وقتها:

يبدأ وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة العيد؛ لحديث أنس -رضي الله عنه-

قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من ذبح قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين) [٧] ، ويمتد وقت الذبح

إلى آخر أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح

أربعة، لحديث جبير بن مطعم مرفوعاً: ( ... وفي كل أيام التشريق ذبح) [٨] .

والأفضل ذبحها في اليوم الأول بعد الصلاة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-

(إن أوّل ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر) [*] .

ثالثاً: صفة ذبحها:

يسن أن يذبحها بيده، فإن كانت من البقر أو الغنم أضجعها على جنبها الأيسر، موجهة إلى القبلة، ويضع رجله على صفحة العنق، ويقول عند الذبح: بسم الله والله اكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عني (أو اللهم تقبل مني) وعن أهل بيتي، أو عن فلان -إذا كانت أضحية موصي -، ويدل على هذه الصفة الأحاديث الآتية:

١- حديث أنس -رضي الله عنه- قال: (ضحى النبي بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمّى وكبّر، ووضع رجله على صفاحهما) [٩] .

٢- حديث جابر السابق.

٣- حديث عائشة -رضي الله عنها- (أن رسول الله أمر بكبش أقرن، يطأ

في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد [١٠] ، فأتي به ليضحي به، فقال

لها: يا عائشة هلمي المدية، ثم قال: اشمذيها بحجر، ففعلتُ، ثم أخذها وأخذ

الكبش فأضجعه، ثم ذبحه ثم قال: باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن

أمّة محمد، ثم ضحى به) [١١] .

٤- أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يكره أن يأكل ذبيحة ذبحت لغير

القبلة. [١٢]

- أما جملة: (اللهم هذا منك ولك) فقد جاءت في حديث جابر -رضي الله

عنه - وإسناده صحيح لولا عنعنة أبي إسحاق، إلا أن لها شاهداً يتقوى به [١٣] .

- وإن كانت الأضحية من الإبل نحرها معقولة يدُها اليُسرى؛ لحديث ابن

عمر -رضي الله عنهما- أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها، فقال: (ابعثها

قياماً مقيّدة، سنّة محمد) [١٤] .

وعن عبد الرحمن بن سابط -رحمه الله-: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليُسرى قائمة على ما بقي من قوائهما) . [١٥]

رابعاً:

ويحرم بيع شيء منها حتى من شعرها وجلدها، ولا يعطى الجزّار بأجرته منها شيئاً؛ لقول علي -رضي الله عنه- (أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أقوم على بُدْنه، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، وأن لا

أعطي الجزار منها) [١٦] (قال: نحن نعطيه من عندنا) . [١٧]

خامساً: ما يجزئ في الأضحية:

أ- لا تجزئ إلا من الإبل والبقر والغنم؛ لقوله تعالى [لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى

مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ] [الحج: ٣٤] وبهيمة الأنعام هي: الإبل، والبقر،

والغنم [١٨] .

ب- تجزئ الشاة عن الواحد وأهل بيته، لقول أبي أيوب -رضي الله عنه-

لما سئل: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله؟ فقال: (كان الرجل يضحي

بالشاة عنه وعن أهل بيته) [١٩] .

وتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة وأهل بيوتهم؛ لحديث جابر -رضي الله

عنه-، قال: (خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مهلين بالحج، فأمرنا

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نشترك في الإبل والبقر، كل سبعة منا في

بدنة) . [٢٠]

ج- أقل ما يجزئ من الضأن ما له نصف سنة، وهو الجذع؛ لقول عقبة بن

عامر -رضي الله عنه- قال: (ضحينا مع رسول الله بجذع من الضأن) [٢١] .

وأقل ما يجزئ من الإبل والبقر والمعز سنّة؛ وهي من المعز ما له سنة،

ومن البقر ما له سنتان، ومن الإبل ما له خمس سنين [٢٢] ؛ لحديث جابر - رضي

الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تذبحوا إلا سنة، إلا

أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن) . [٢٣]

د- أربع لا تجوز في الأضاحي، كما في حديث البراء بن عازب -رضي

الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (أربع لا تجوز في

الأضاحي: العوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن

ظلعها [٢٤] ، والكسير [٢٥] ، وفي لفظ: والعجفاء [٢٦] التي لا تنقي [٢٧] [٢٨] .

سادساً: ما يجتنبه المضحي:

إذا دخلت العشر حرم على من أراد أن يضحي أخذ شيء من شعره أو ظفره

أو جلده حتى يذبح أضحيته؛ لحديث أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي قال:

(إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً) ، وفي

رواية (ولا من أظافره شيئاً حتى يضحي) . [٢٩] ، وهذا النهي خاص بصاحب

الأضحية، أما المضحى عنهم من الزوجة والأولاد فلا يعمهم النهي؛ لأن النبي ذكر

المضحي، ولم يذكر المضحى عنهم. ومن أخذ شيئاً من شعره أو ظفره في العشر

متعمداً فلا يمنعه ذلك من الأضحية، ولا كفارة عليه، ولكن عليه أن يتوب إلى الله

(تعالى) .

سابعاً: الأضحية عن الميت:

أ- تصح الأضحية عن الميت إذا كانت إنفاذاً للوصية.

ب- أما أن يفرد الميت بأضحية تبرعاً، فهذا ليس من السنة، وقد مات عم

النبي حمزة وزوجته خديجة، وثلاث بنات متزوجات، وثلاثة أبناء صغار، ولم

يرد عنه أنه أفردهم أو أحداً منهم بأضحية.

ج-إن ضحى الرجل عنه وعن أهل بيته ونوى بهم الأحياء والأموات شملهم

جميعاً [٣٠] .


(١) انظر: المغني، ج١٣ ص٣٦٠.
(٢) البخاري: كتاب الأضاحي، ج٦ ص٢٣٤.
(٣) أخرجه أحمد، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.
(٤) مسلم: ح/١٩٧٧.
(٥) انظر: المغني، ج١٣ص٣٦١، المجموع، ج٨ص٣٥٦.
(٦) أخرجه البيهقي، وصححه الألباني في الإرواء ٠.
(٧) البخاري: كتاب الاضاحي، ج٦ص٢٣٤.
(٨) قال ابن حجر: (أخرجه أحمد، ولكن في سنده انقطاع ووصله الدارقطني ورجاله ثقات) (الفتح، ج١٠ص١٠) .
(*) البخاري: كتاب الاضاحي، ج٦ص٢٣٤.
(٩) البخاري: كتاب الاضاحي، ج٦ص٢٣٧.
(١٠) أي: إن أظلافه، ومواضع البروك منه، وما أحاط بعينيه: أسود.
(١١) مسلم: ح/١٩٦٧.
(١٢) أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح.
(١٣) أورده الهيثمي في المجمع (ج٤ ص٣٥٠) .
(١٤) أخرجه البخاري ومسلم.
(١٥) صحيح سنن أبي داود للألباني، ح/١٥٥٣.
(١٦) متفق عليه.
(١٧) أخرجه مسلم.
(١٨) المغني: ج١٣ ص٣٦٨، ابن كثير، ج٥ ص٤١٢.
(١٩) أخرجه الترمذي، ج٢ ص٩٠.
(٢٠) أخرجه مسلم.
(٢١) أخرجه النسائي، ج٣ ص٩١٥.
(٢٢) المغني، ج١٣ ص٣٦٩.
(٢٣) أخرجه مسلم.
(٢٤) أي: عرجها.
(٢٥) أي: المنكسرة.
(٢٦) أي: المهزولة.
(٢٧) أي: لا مخ لها لضعفها وهزالها.
(٢٨) صححه الألباني، انظر: الإرواء، ج٤ ص٣٦١.
(٢٩) أخرجه مسلم.
(٣٠) انظر: أحكام الأضحية للشيخ ابن عثيمين.