[ما بال أقوام يمالئون اليهود؟]
قراءة متأنيه في موسوعة د. المسيري عن اليهود واليهودية.
د. أحمد إبراهيم خضر
الكثير من المسلَّمات اللصيقة باليهود على امتداد الزمان والمكان حوّلها المفكر العربي المعروف، الخبير في الدراسات الصهيونية واليهودية (د. عبد الوهاب المسيري) ليس إلى مجرد افتراضات فقط، ولكنها افتراضات تنم عن فهم قاصر اختزالي وساذج يعمل على بث الرعب والهزيمة في نفوسنا، وأنه لا يجوز لمسلم ـ حسب رأيه ـ أن يوجه الاتهام إلى أي إنسان دون قرائن، كما لا يمكن لأي رؤية دينية حقة أن تحكم على اليهود باعتبارهم تجسيداً لفكرة، وأن الإسلام عرف حقوق أعضاء الأقليات، فحدد لهم أن لهم ما لنا وأن عليهم ما علينا، ومن ثم فإن حقوق اليهود مطلقة لا يمكن التهاون فيها.
وعلى سبيل المثال: افتراض أن اليهودي شخص فريد لا يخضع للحركات الاجتماعية التي يوجد فيها، وأنه لا ينتمي إلى الأمة التي يعيش بين ظهرانيها، وأنه يقف دائماً في مقابل الأغيار (غير اليهود) ، وأن لليهود يداً خفية توجد في كل مكان، وأنهم أفعى خيالية ميتافيزيقية لا يمسَك بها كالشيطان. وافتراض أن هناك مؤامرة يهودية عالمية تسعى إلى السيطرة على العالم بعد إفساده وتخريبه، وافتراض أن من خصائص اليهود الشر والمكر والرغبة في التدمير، وأن هذه الخصائص فطرت في عقولهم، وهي مكون أساسي وثابت في طبيعتهم، وأن سلوكهم إنما هو تعبير عن مخطط جبار، وضعه العقل اليهودي الذي يخطط ويدبر منذ بداية التاريخ. وافتراض أن اليهود وراء أشكال الانحلال المعروفة والعلنية والخفية في العالم العربي والغربي، بل في كل أرجاء العالم، وأنهم وراء (المحافل الماسونية) التي أسسوها لمؤامراتهم، وأنهم وراء (البهائية) التي تسعى لإفساد ألإسلام وكل العقائد.
كل هذه الافتراضات وغيرها في نظر المفكر العربي متحيزة تؤدي لنتائج مضللة، ولا تصدر إلا من ذات مهزومة أدمنت الهزيمة إدماناً كاملاً، واستسلمت لها بعد أن قَبِلت الآخَر وخضعت له، وهي أيضاً دعوة مقنَّعة للاستسلام، جعلت من يروجون لها جنداً يخدمون العدو بنزاهة موضوعية، يتصرفون بأمانة مضحكة دون تمحيص، كما أنها تسويغ للعجز العربي وللتخاذل أمام اليهود.
وهي في نظره أيضاً افتراضات تروج لها الصهيونية العالمية الواعية، والدعاية المعادية لليهود غير الواعية، بالإضافة إلى المخابرات الإسرائيلية؛ فهي تصور اليهود على أنهم عدو لا يقهر، وأنهم قادرون على كل شيء، وأنهم ظاهرة خرافية، وأن لهم قوة عجائبية، ومن المستحيل ضربهم أو إلحاق الهزيمة بهم، وأنهم وحدة متماسكة صلبة وظاهرة واحدة، وتشكيل حضاري واحد وكلٌّ متكامل متجانس، وهذا من شأنه أن يكسب اليهود شرعية غير عادية في عالم يؤمن بالنجاح والحلول العملية.
ولا شك أن هناك بعض الحق فيما يقوله «المفكر العربي» ، لكنه حق ملتبس بباطل مكسو بعبارات مستحسنة، فيها من حلو الفصاحة والعبارات الدقيقة ما يسرع إلى قبوله من كل من ليس له بصيرة نافذة.
وقَبْل أن نستطرد في إيضاح الكيفية التي يسوِّغ بها «المفكر العربي» السلوكيات اليهودية نرى أنه من اللازم أن نعرض لتجربة الزعيم النازي المعروف (أدولف هتلر) مع اليهود التي لم تسلم من اعتراضات «المفكر العربي» والتي سجلها «هتلر» في كتابه (كفاحي) ، واكتشف فيها أن وراء كل أشكال المعاناة والفساد والانحراف والهزيمة التي عانتها بلاده «مخلوق وديع» أسماه بـ «الغريب ذي الشعر الأسود والأنف الطويل» كناية عن اليهود.
يقول «هتلر» : «الأوضاع الراهنة في بلادنا مروعة. انهيار في الأخلاق، فقدان للشعور بالواجب، رب العائلة يهمل شؤون بيته، لانصرافه إلى البحث عن قوت يومه، المجتمع بأسره متفسخ، تفككت فيه الروابط بين الآباء والأبناء، ومن ثم تفككت تلك الروابط التي تربط بين العائلة والدولة. الأمراض الجنسية متفشية، البغاء والإباحية وكثرة اللقطاء وأبناء الزنا أمور لا تخفى على أحد. إن مجرد إلقاء نظرة على أوضاع الطبقات العليا في المجتمع تكشف درجة الخطورة التي تخطوها أمتنا نحو الانهيار.
ثقافة أمتنا تنحدر إلى الهاوية بفعل المؤثرات الغربية، الفن في بلادنا يخضع لأهواء قلة منحرفة فكرياً، أتت بفكرة التجديد والإبداع لتحط من تراث أمتنا الثقافي، ولتستهزئ بمقدساتها، تريد أن تقطع كل صلة للحاضر بالماضي، جعلت من الأدب الرخيص والفن الإباحي بضاعة سهلة التناول. كل ما يعرض لا يمثل إلا إنتاجاً هزيلاً لا أثر فيه للفكر أو الفن. حملات تشن على الدين والعقيدة بحجة حرية التعبير، المؤلفات والروايات الأجنبية المترجمة لا يجوز أن توضع بين أيدي المثقفين؛ فكيف بعامة الشعب!
رجال الكنائس في بلادنا منصرفون عن هذه الأعمال التخريبية إلى التسابق إلى هدي زنوج أفريقيا إلى النصرانية، هذا التسابق الذي لم يؤد إلى نتيجة، مقارنة بالنتائج الباهرة التي حققها الإسلام هناك.
وحل محلها التراخي والميوعة والتردد والتزلف. لا شك أن مناهج التربية والتعليم مسؤولة عن هذا التفسخ الخلقي، حيث تظهر هذه النقائص والعيوب بشكل واضح في مسلك رجالاتنا نحو رأس السلطة، فيتقبلون كل شيء تقوله لهم، ويعتبرونه مقدساً. إنه التزلف الذي أوصلنا إلى هذا الحال الذي نحن فيه.
أما البرلمان فهو أضعف جهاز في الدولة، يجتمع فيه الجبن والتهرب من المسؤولية، وتكثر فيه الثرثرات الفارغة. إن كل خطوة خطتها الحكومة وجاءت ناقصة كانت نتيجة لإهمال البرلمان، إن لم تكن خيانته. أكثرية جاهلة تتحكم في البلاد لا تخرج عن كونها مجموعة من رجال مغمورين، جعلت منهم الدعايات نجوماً لامعة، عضويتهم في البرلمان تتيح لهم حشو جيوبهم بالمال، وتحقيق الثروات الضخمة على حساب الشعب.
أما الجيش فقد انصب عليه ودسائس الدساسين من الأعداء في الداخل والخارج الذين اختلفوا على أشياء كثيرة، لكنهم أجمعوا على وجوب تصفية هذا الجيش؛ لأنه سياج للوطن وعنوان مجده.
أما الاقتصاد فإن المخلصين من رجاله يحذرون من خطورة رأس المال الدولي واستثماراته على البلاد واقتصادها. لكنه أصبح اليوم حقيقة واقعة، إنه لم يكتف بإشعال نار الحرب فقط، بل جعل من السلم جحيماً لا يطاق، ولم يبق شخص مخلص واحد إلا وأدرك أن محاربة رأس المال الدولي واستثماراته والمعد منه للقروض بوجه خاص أصبح واجباً وطنياً؛ لإنقاذ الأمة وإنقاذ حياتها واقتصادها.
تعلو الأصوات محذرة من تزايد السكان، ولكن ليعلم الجميع أن الطرق المتبعة في الغرب في هذا المجال لو اتبعت في بلادنا فإنها تعني ببساطة القضاء على هذه الأمة.
- ولكن مَن المسؤول عن هذا كله؟
لقد حاولت الوصول إلى هذه الروح الشريرة التي تقف وراء تخلف أمتنا وانهيارها، وتوصلت في النهاية إلى أن السبب في معاناة أمتنا يرجع إلى هذا «المخلوق الوديع» ، «ذي الشعر الأسود والأنف الطويل» إنه «اليهودي» . إن الله سينتقم من هؤلاء الذين يخالفون أحكامه، نسي أهل الأديان أنه عدوهم المشترك، فانصرفوا لقتال بعضهم بعضاً. نسوا هذا «الغريب ذا الشعر الأسود والأنف الطويل» الذي يعيش عالة عليهم، ويدبر لهم المؤامرات، ويلطخ دماءهم، ويحطم مصالحهم، ويقاسم أعداءنا في الخارج تقسيم العالم فيما بينهم ساخرين من مشاكلنا الداخلية الحقيرة. أما الشعب فكان في غفلة من دسائس اليهود، ولقد حاولنا لفت الانتباه إلى الخطر اليهودي المتفاقم، لكن الناس استنكروا علينا ذلك، واتهمونا بالتطرف. لقد أجاد اليهود تمثيل أدوارهم، وأتقنوا لعبتهم تماماً، حينما كانوا يلهُّون شعبنا الطيب بمسائل ثانوية جداً. لقد وجدت أن إتقان الكذب فن يجيده اليهود؛ لأن كيانهم يقوم من أساسه على كذبة ضخمة، وهي زعمهم أنهم «طائفة دينية» مع أنهم في الواقع جنس كسائر الأجناس، وأي جنس هؤلاء! لقد وصفهم «شوبنهاور» بأنهم أساتذة عظام في فن الكذب. نبغي أن يفهم شعبنا أن اليهودي حينما يقول الحقيقة إنما يحاول تغطية خدعة كبرى، وأن كل افتراء يصدر عن اليهود إنما هو شهادة بحسن السلوك. إن الرشوة متفشية في الدولة تفشي اليهود؛ فالرشوة واليهود صنوان لا يفترقان. لقد اختارت (اليهودية العالمية) بلادنا مسرحاً لدسائسها؛ فعمدت إلى تخريب الوجدان القومي لشعبنا لتخضع مقدراتنا لإشراف المؤسسات المصرفية اليهودية.
إن اليهود الذين يصفون أنفسهم بأنهم «شعب الله المختار» هم الذين يوجهون اقتصادنا؛ والإجراءات الاقتصادية التي تتخذ في بلادنا ليست إلا لمصلحة اليهود؛ فحياتنا الاقتصادية معلقة بأيديهم، حتى إن إنتاجنا الحربي بأسره خاضع لرأس المال اليهودي.
إن وجود يهود يهاجمون الصهيونية اليوم ليس إلا من باب التمويه، إنه أمر مصطنع، وهم يلعبون هذه اللعبة على امتداد العالم كله. وهي لعبة قذرة تعتمد على الكذب والرياء مما يتنافى والطهارة الخلقية التي يدعونها. إن كل طهارة يدعيها اليهود هي ذات طابع خاص؛ كنت أضطر إلى سد أنفي في كل مرة ألتقي بأحد لابسي القفطان اليهودي؛ لأن الرائحة التي تنبعث منهم تبعث على الاشمئزاز، ولكن قذارتهم الجسدية ليست شيئاً يذكر بجانب قذارة نفوسهم. لقد أثبتت لي الأيام أنه ما من عمل مناف للأخلاق وما من جريمة بحق المجتمع إلا ولليهود فيها يد.
إن تسعة أعشار المؤلفات والنشرات والمسرحيات واللوحات الفنية التي تدعو إلى الإباحية المطلقة هي من صنع هذا «الشعب المختار» !
أما الصحف الكبرى في بلادنا فإنما يوجهها اليهود وأتباعهم؛ لقد تحققت من تأثير اليهود على توجيه الرأي العام؛ وذلك بالنظريات والآراء التي تتناسب مع مصالحهم البعيدة الهدف. وهي اعتمادهم في أول المناقشة على بلاهة خصمهم، فإذا لم يتمكنوا منه تظاهروا بالغباء؛ فيستحيل على خصمهم أن يتحصل منهم على أجوبة واضحة، أما إذا اضطر أحدهم إلى التسليم بوجهة نظر خصمه في حضور بعض الشهود فإنه يتجاهل في اليوم التالي ما كان من أمره، ويتظاهر بالدهشة إذا ما استجوبه الشهود، ويسترسل في الكذب، ثم يزعم أنه أفحم خصمه بحججه الدامغة في اليوم السابق. لقد درست الاشتراكية؛ فاكتشفت أنها عقيدة مبنية على الحقد والأنانية، عقيدة يعني انتصارها هزيمة البشرية، وما لبثت أن اكتشفت أيضاً هذه الصلات الوثيقة بين هذه العقيدة الخطرة والمبادئ التي يدعو إليها اليهود، وأدركت مع الأيام أن أهداف اليهود هي نفسها أهداف الاشتراكية كشعب، واليهودية كدين، والصهيونية كحركة سياسية قومية.
وعند دراستي للمسألة اليهودية تفهمت الحركة الماركسية دون عناء؛ ذلك أن اليهود هم الذين وضعوا مبادئها، وتولوا الدعاية لها، وعرفوا كيف يستغلون جهود الذين كانوا ضحية لها.
رجعت إلى تاريخ الشعب اليهودي عبر الأجيال وما كان له من تأثير في توجيه البشرية فهالني ضخامة هذا التأثير، وتساءلت بقلق: هل يقضي القدر بأن يكون لليهود النصر النهائي؟» .
إننا خسرنا الحرب؛ لأننا أغضبنا الله والناس أجمعين. ومتى كان الواحد منا يضحي بمصلحة بلاده في سبيل مبدأ هلامي يُدعى بـ «السلام الشامل» الذي كان في أصله ابتكاراً يهودياً! وكيف يريد بعض منا أن نعقد الاتفاقات مع شعب شعاره الكذب والتلفيق والسرقة.
هناك أكثرمن دليل تاريخي يدل على أن الشعوب التي تلقي السلاح، وهي لا تزال قادرة على حمله تفضل أن تتلقى الصفعات والإهانات والذل على معاودة القتال. لقد ألقينا سلاحنا، ونحن لا نزال قادرين على حمله؛ فقبلنا شروط المنتصر، وضعفت عزائمنا، وأصبحنا عاجزين عن المقاومة. لقد قام أعداؤنا بسلسلة تدابير قاسية لإذلالنا وتعذيبنا. إن شعبنا لن يتمكن من تهيئة نفسه للمعركة الكبرى قبل أن يتخلص من أعدائه، وعلى رأسهم اليهود وقبل أن يتمكن من نزع الأفكار غير الصحيحة من عقول ملايين الناس من أفراد الشعب. إننا إذا لم نضع حداً لتلاعب «الشعب المختار» بمقدرات أمتنا فلن يمر وقت طويل حتى تتحقق نبوءة اليهود القائلة: سيُخضع اليهودي شعوب الأرض جميعها، ويصبح سيدها المطاع؛ سنقوم بتوجيه الشعوب حتى المعادية لنا بما يبيته اليهود لنا ولهم، سنخطط لشعبنا سبل الخلاص بحيث يكون كفاح شعبنا من أجل التحرر من سيطرة اليهود المشعل الذي يضيء الطريق أمام الشعوب الأخرى الراغبة في التخلص من «جرثومة اليهود» . إن اليهود كالإنجلو سكسون قد يتحولون عن أهدافهم لفترة محددة، لكنهم لن يتخلوا عنها مطلقاً. إن اليهود أضعف من أن يستمروا في محاولات إخضاع دولة كبرى لسيطرتهم لمدة طويلة؛ إن الملايين من شعبنا سقطوا أسرى لخدعة يهودية تقول: إنه يمكن مقابلة التحدي والعنف بالأسلحة الفكرية فقط. فجردتهم من السلاح، وجعلتهم يعتمدون على الفكر فقط كسلاح وحيد في معركة حياة أو موت، فأصبحوا بذلك تحت رحمة اليهود وعصاباتهم الشرسة. إنه في الوقت الذي نقرر فيه اعتماد الوسائل الفكرية لنشر مبادئنا يجب أن نحتفظ بمبدأ القوة لدعم هذه المبادئ إذا لزم الأمر.
هذه هي قصة «هتلر» مع اليهود، وصف فيها تجربة ألمانيا معهم، وحدد فيها خططه المستقبلية لإعادة بناء ألمانيا بعد تطهيرها مما أسماه «جرثومة اليهود» . وهو وإن كان في منطلقه عنصرياً كما يرى الكثير من المحللين فهذا شأنه، أما ما يقوله عن اليهود فهي قناعاته التي استخلصها من دراساته ومعايشته لليهود.
- فوربيه ينتقد اليهود:
الاشتراكي الفرنسي المعروف «شارل فوربيه» ، انتقد اليهود انتقاداً شديداً، وقد نقل عنه «مفكرنا العربي» قوله: «إن التجارة هي مصدر الشرور، وإن اليهود هم تجسيد لها، كما أنهم المستغلون الرئيسيون في أوروبا. واليهود (في تصوره) ليسوا جماعة دينية، وإنما هم جماعة قومية غير متحضرة وبدائية ومعادية للحقيقة، ولا بد للمجتمع من التخلص منهم بالدمج أو الطرد. وأشار «فورييه» إلى قوانين الطعام اليهودية على أنها قرينة على صدق كل الشائعات التي أطلقها أعداء اليهود عنهم مثل: اتهامهم بأنهم يعتبرون سرقة المسيحي أمراً شرعياً مباحاً لهم، ولذا يرى «فورييه» أن لفظي «يهودي» و «لص» مترادفان، وأن الإنسان عند التعامل معهم لا يتوقع سوى أكاذيب ولا شيء سوى الأكاذيب التي يشجعهم عليها دينهم. بل يرى «فورييه» أن اليهود عنصر تجاري لا ارتباط ولا انتماء لهم بوطن؛ ولذا فهم لا يتورعون عن ارتكاب أعمال الخيانة العظمى، ويعملون جواسيس لكل الأمم وجلادين لها، وهم كذلك غير مبدعين في الفنون والآداب، ولا يتميزون إلا بسجل طويل من الجريمة والقسوة. والنشاطات الاقتصادية لليهود كلها هامشية وشرسة وغير منتجة؛ فهم لا يعملون أبداً بالزراعة، ويشتغلون بالتجارة والأعمال المالية. وهم إلى جانب ذلك متمرسون في التهرب من دفع الضرائب، ولا يستثمرون أبداً رأسمالهم في الصناعة حتى لا يرتبط مصيرهم بمصير الدولة التي يعيشون فيها. ويقتصر نشاطهم على التجارة وعلى الاستيراد والتصدير حتى يحرموا تجار البلاد المضيفة من الاحتكاك بالبلاد الأخرى. وهم يحققون الثروات الهائلة على حساب المواطنين، وخصوصاً أنهم بخلاء إلى درجة أن بإمكانهم العيش على أقل القليل، مما يساعدهم على تراكم الثروة بسرعة.
وكان تصور «فورييه» لعلاج المسألة اليهودية هو تطبيق قوانين قاسية على اليهود، ومنعهم من الاشتغال بالأعمال التجارية، وإبعادهم عن الحدود والسواحل والأماكن التي يمكن أن يمارسوا فيها التهريب والتجارة. أما أتباع «فورييه» فكانوا يرون أن العِرْق اليهودي قبيح من الناحية الجسدية، فوجوههم تخرق قواعد الجماليات؛ والعِرْق اليهودي عِرْق طفيلي كليةً يصيب المجتمع بالتحلل، ولم يختلف رأي «أدولف ألايز» عن رأي «فورييه» و «هتلر» ، فقال: إن اليهود مثل البكتريا القذرة تؤدي إلى عفن المكان الذي تصل إليه. وقد ربطت مدرسة فورييه بين ماركس والبلشفية من جهة، وبين ماركس واليهودية من جهة أخرى، وقال «يوجين دوهرنج» عن اليهود: «إن جمجمة الإنسان اليهودي ليست جمجمة إنسان مفكر؛ فهي ملأى على الدوام بالربا، وأن الحل بالنسبة إلى اليهود هو القتل أو الطرد» (١٤٧ الحركات السرية الهدامة - ١٥١)
- موقف هنري فورد اليهودي مع قومه:
ولعل تجربة رجل الأعمال الأمريكي «هنري فورد» مع اليهود لا تخفى على أحد؛ فقد جَنّد العديد من الباحثين لرصد الظاهرة اليهودية، وسطر خلاصة هذه الأبحاث في كتابه الشهير: «اليهودي التائه» ، وغيره كثيرون وكثيرون.
طعن «مفكرنا العربي» في آراء «هتلر وفورييه» ، كان «هتلر» قد أشار إلى «بروتوكولات اليهود» على أنها دستور الحركة اليهودية، وأن هذه البروتوكولات ترى أن محور العمل اليهودي يجب أن ينطلق من بلاده لتحقيق حلمهم في السيطرة العالمية، وأنه إذا تمكن اليهود من إخضاع ألمانيا فسيكونون قد تخلصوا من أهم العقبات الرئيسة التي تعترض طريقهم، لكن «مفكرنا العربي» يرى في ذلك محاولة من الألمان لتسويغ هزيمتهم بأنها طعنة نجلاء من الخلف قام بها اليهود المشتركون في المؤامرة اليهودية الكبرى، أو العالمية. كما فسر «المفكر العربي» اتهام «هتلر» اليهود بالترويج للإباحية الجنسية والبغاء بأنه اتهام نتج عن ملاحظات «هتلر» لنشاط البغايا والقوادين اليهود في فيينا بشكل مكثف، وأن هذا الأمر ترك أثره على أدبيات معاداة اليهود التي وجدت في ذلك قرينة على مؤامرة اليهود في العالم ومحاولتهم إفساده. كما رفع «المفكر العربي» تهمة «هتلر» لليهود بالاتجار في الرقيق الأبيض، ويرى أنها وإن كانت حقيقة واقعة فهي في نظره «واقعة جزئية» ، وأن تقرير الواقعة الجزئية دون ذكر الحقيقة الشاملة هو جوهر العنصرية.
- تناقضات المسيري وآراؤه الغريبة!
ويعتبر «المفكر العربي» نفسه مجتهداً، وأن ما يقوله يدخل في دائرة الاجتهاد، في حين أن أبسط قواعد الاجتهاد تقول: «لا تجد مجتهداً يثبت لنفسه قولين معاً، وإنما يثبت لنفسه قولاً واحداً، وينفي ما عداه» وهذا ما لم يتبعه «المفكر العربي» في تحليلاته فهو يبرئ اليهود من تهم أثبتها عليهم في الوقت ذاته.
هاجم «المفكر العربي» الأوصاف الشائعة عن اليهود، كتلك التي وصفهم بها هتلر وغيره، فقال في ذلك: «يجب أن نبتعد عن الدهاليز الضيقة المظلمة، وأن نتوقف عن البحث الطفولي الساذج عن اليهودي ذي الأنف المقوس والظهر المحدودب الذي لا يوجد إلا في كتب الكاريكاتير وفي النماذج الاختزالية؛ ظناً منا أننا لو عثرنا عليه، وقضينا عليه فسنستريح» .
أما عن بروتوكولات اليهود فيقول «المفكر العربي» : وإن «البروتوكولات» ليست إلا وثيقة مزورة، وأن نبرتها ساذجة للغاية، وأن كاتبها «سيرجي تيلوف» هو الذي زيفها، رغم أنه لا يجيد التزييف محاولاً أن يضخم اليهود وقوتهم ليخيف الناس منهم. وأن هذه «البروتوكولات» ليست نقداً لليهود بمقدار ما هي تعبير عن إحساس الإنسان الأوروبي في أواخر القرن التاسع عشر بأزمته. ويرى «المفكر العربي» أن الإشارة إلى «البروتوكولات» واستخدامها في الإعلام المضاد للصهيونية أمر «غير أخلاقي» ، وحتى لو كانت حقيقية فإنه لا يمكن إثبات أن هذه الوثيقة تعبِّر عن دوافع أغلبية الجماعات اليهودية في العالم. وأن الهدف من ترويج هذه الوثيقة وغيرها ككتاب «أحجار فوق رقعة الشطرنج» هو إشاعة الخوف من اليهود والصهيونية، ومن ثم تسويغ العجز العربي والتخاذل أمامهما، كما أن استخدام «البروتوكولات» لاتهام اليهود فيه سقوط في العنصرية والعرقية التي تصنف الناس لا على أساس أفعالهم وإنما على أساس مادي علماني لا ديني مسبق وحتمي؛ ولذا فهي لا تميز بين ما هو خير وبين ما هو شر.
وعن رأس المال اليهودي ودوره التخريبي العالمي يقول «المفكر العربي» : إن رأس المال اليهودي يتحرك حسب حركة رأس المال المحلي الذي يتحرك بدوره حسب حركة رأس المال العالمي، وأن تأثير رأس المال اليهودي لا يتناسب بتاتاً مع قوته الفعلية.
وعن «التلمود» يرفض «المفكر العربي» رأي الحاخامات والمفكرين الصهاينة الذين يرون أن «التلمود» هو الذي علم اليهود الاستعلاء والتفوق المليء بالعصبية الضيقة الضارية، وأنه هو الذي صنع النفس اليهودية، وصاغ خصائصها، ويرى أي «المفكر العربي» أن التلمود ليس كلاً متجانساً، كما أن اليهود ليسوا على معرفة بكل ما جاء به، وأنه لا يحدد سلوك اليهود في كل زمان ومكان، وينتهي المفكر العربي إلى القول: «إن كل من يحول التلمود إلى نموذج تفسيري لسلوك اليهود أو أعضاء الجماعات اليهودية يكون قد حكم على نفسه بالانفصال عن الواقع والإخفاق الذريع في التنبؤ، وأن استخدام «التلمود» كنموذج تحليلي ينم عن الكسل الفكري ورفض للتعمق في الظاهرة اليهودية وتركيبتها وتنوعها» . ومع ذلك يرى هذا المفكر أنه ـ أي التلمود الذي هو تفسير الحاخامات للتوراة ـ هو المعيار السائد المقبول في كل ما يتعلق بحياة اليهود وأعمالهم ونشاطهم الفكري منذ القرن السابع الميلادي، وهو أهم الكتب الدينية عند اليهود وهو الثمرة الأساسية للشريعة الشفهية، وينتشر بين اليهود بشكل متزايد، وأنه ساعد على اكتساب مركزية في الفكر الديني اليهودي وأنه الرقعة اليهودية الخالصة، وأنه قد حلّ محلّ التوراة في العصور الوسطى باعتباره كتاب اليهود المقدس والأساسي، وأنه تركزت فيه كل السلطة الدينية والروحية في اليهودية، وأنه لا يقتصر على الحياة العامة لليهود، وإنما يمتد ليشمل أخص خصوصياتهم. وأشار «المفكر العربي» إلى أن الشرائع التلمودية تدرس في إسرائيل، ويعاد طبع النسخة الأصلية منها دون تعديل، وأن تأثيره واضح على قوانين الأحوال الشخصية وقوانين الطعام والقوانين الزراعية، وأن بعض الجامعات هناك تشترط على طلابها تحصيل معرفة تمهيدية بالتلمود، ومن المعروف أن التلمود يرى أن هناك نوعين من البشر فقط: اليهود، وغير اليهود. واليهود هم الوحيدون الذين يجسدون روح الإله، وأنه لن يدخل الجنة غير اليهود؛ لأنهم شعب الله المختار، وأن غير اليهود أنجاس....إلخ. وكل من ينظر إلى اليهود عبر التلمود هو في نظر «المفكر العربي» صاحب فكر اختزالي بسيط منغلق وساذج وبسيط؛ فالكتب الدينية والمثل العليا ليست هي التي تحدد سلوك فرد ما، وإنما هي مركّب هائل من الأسباب التاريخية الاقتصادية والاجتماعية؛ وعليه ـ وفق الفكر المركب المنفتح ـ أن يدرك أن التلمود كتاب تفسير وضعته القيادة الدينية لأقليات متناثرة كانت تعامل معاملة الحيوان، وكانت تعيش في قلق وخوف وإحساس بالخطر المحدق، وأنه ليس كل يهودي قد درس التلمود بعناية فائقة، وأنه يخضع كل حركاته وسكناته، لما يرد فيه من تعاليم دينية، وأنه لا يجب تجريد التلمود من سياقه التاريخي، وألا نستخدمه كنموذج تحليلي لفهم الظاهرة اليهودية.
تصدى «المفكر العربي» لرفض الاتهامات الموجهة لليهود ودورهم في الحركات الهدامة قديمها وحديثها، واعتبر أن العقل الاختزالي هو الذي ينسب لليهود كل الشرور، ويراهم مسؤولين عن هدم المسيحية والإسلام، وأن اليهود يوجدون في كل زمان ومكان بشكل واضح أحياناً وبشكل متخف أحياناً أخرى؛ وذلك لزيادة كفاءتهم في عملية الهدم ونشر الفساد، في نفس الوقت الذي يعترف فيه «المفكر العربي» بأن هناك فكراً هداماً نادت به بعض الجماعات اليهودية، وأن ظاهرة اليهود المتخفين هي ظاهرة حقيقية. بدأ «المفكر العربي» في عرضه للحركات الهدامة يشكك بأن «عبد الله بن سبأ» شخصية حقيقية، وأن هناك من كان يحمل أفكار «ابن سبأ» ، ويروج لها بغض النظر عن وجود ابن سبأ نفسه. افترض «المفكر العربي» أن الفكر الذي يحمله ابن سبأ فكر حلولي بمعنى أنه فكر يفترض الحلول الدائم للإله في الطبيعة والتاريخ، وأن هذا الفكر ذو أصول يمنية، وأن اليهودية التي كانت منتشرة في جنوب الجزيرة العربية يهودية منعزلة عن المراكز والحلقات التلمودية، سواء في فلسطين أو بابل، كما أن الطبيعة الجبلية لليمن تضمن استمرار كثير من العبادات والعادات ذات الطابع البدائي؛ ومن هنا يخرج «عبد الله بن سبأ» من دائرة الفكر التآمري لكونه يمنياً ذا فكر حلولي لم يتأثر بالفكر التلمودي التآمري؛ بفضل الطبيعة الجبلية المنعزلة لليمن.
يثبت «المفكر العربي» أن من ٢٠% إلى ٥٠% من أعضاء الحركات السرية الهدامة الموجودة في الولايات المتحدة هم من اليهود، كما يثبت أيضاً أن نسبة عضوية اليهود في الجماعات السرية في العالم تبلغ ٣٠%، كما يعطي بنفسه أمثلة لهذه الجماعات الهدامة كجماعة «عبدة الشيطان» ، ثم يسوغ ارتفاع هذه النسبة لليهود في هذه الجماعات الهدامة بأنه «تعبير عن ضعف العقيدة اليهودية، وعن تزايد الإحساس بالاغتراب؛ نتيجة لتزايد معدلات الترشيد والعلمنة، وتآكل الأسرة كمؤسسة وسيطة، كما يفسر إقبال الشباب اليهودي على العبادات الجديدة بأنه تعبير عن احتجاجهم على النجاح المادي الذي حققه أهلهم باندماجهم في الحضارة الغربية، فهو في تصورهم نجاح خال من المعنى والمضمون الخُلُقي، ويؤدي إلى الاستغراق في الحياة الحسية والاستهلاك غير المتناهي. وأياً كانت هذه التسويغات أو التفسيرات كما يحلو «للمفكر العربي» أن يسميها فهي ليست صادقة بالضرورة، وتحتمل الخطأ في نفس الوقت الذي تحتمل فيه الصواب، لكنها أياً كانت لا تغير من الحقيقة شيئاً، وهي أن نسبة اليهود في الجماعات الهدامة عالية.
يرفض «المفكر العربي» أي ربط بين الماسونية واليهودية، ومن ثم يرفض القول بوجود تعاون سري بينهما للسيطرة على العالم وتخريب المجتمعات، ثم يثبت في نفس الوقت أن ثمة علاقة سرية بنيوية وفعلية قائمة بين الماسونيين وأعضاء الجماعات اليهودية. يقول «المفكر العربي» : «حينما يربط المعادون لليهود بينهم وبين الحركة الماسونية فإنهم محقون في ذلك تماماً؛ إذ إن نسبة أعضاء الجماعات اليهودية في المحافل الماسونية عادة ما يكون أعلى» . ينفي «المفكر العربي» فكرة ارتباط عضوية اليهود في الجماعات الماسونية بيهوديتهم أو بعقيدتهم، ويرى أن انخراطهم في المحافل الماسونية يمثل بالنسبة لبعض منهم صياغة دينية مخففة تساعدهم على التخلص من هويتهم الدينية دون إحساس بالحرج من عدم وجود إيمان ديني على الإطلاق. هذا التفسير الذي يقول به «المفكر العربي» ليس له من دليل قاطع يثبته، ومع ذلك تظل أمامنا حقيقة قائمة أثبتَ ـ هو ـ بالدليل القاطع صحتها، وهي أن هناك ارتباطاً بين اليهود والمحافل الماسونية.
- اليهود فئه أم فئات؟
المحور الأساس الذي تدور حوله كل تسويغات «المفكر العربي» ـ د. عبد الوهاب المسيري ـ للسلوكيات اليهودية هو أنه ينظر إلى اليهود ليس بوصفهم يهوداً وإنما لكونهم (جماعات يهودية) تشكلت من خلال المحيط الحضاري الذي تنتمي إليه، وليس رغماً عنه، وأصبحت (جماعات وظيفية) تم دمجها في مجتمعاتها، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ منه خاضعة تماماً لآلياتها، وليس أكثر من ذلك؛ ومن ثم لا شأن لليهود ولعقيدتهم الدينية في كل ما ينسب إلى اليهود من سلوكيات. ويعترف «المفكر العربي» بأن هذا المَخرج الذي اخترعه هو الذي أعطى القيمة التفسيرية لتحليلاته عن اليهود؛ وذلك لأن مصطلح «جماعات» يؤكد عدم التجانس، رغم وجود عنصر تشابه ووحدة بينها وهو «اليهودية» ، ثم يعود المفكر العربي بعد ذلك إلى القول: إن هذا لا يمنع من حفاظ اليهود على بعض معالم الهوية العرقية لهم.
«المفكر العربي» غير مقتنع برؤية «هتلر» في كذب ادعاء اليهود بأنهم طائفة دينية، وأنهم في الحقيقة «جنس» كسائر الأجناس، لقد نجح اليهود في إذابة جنسهم وقوميتهم في عقيدتهم. وهذا هو ما فات على «مفكرنا العربي» أو تجاهله، فبدا دفاعه عن عدم ربط سلوكيات اليهود بعقيدتهم مقبولاً؛ فلا يمكن والحال هذه الربط بين التوراة كما أنزلها الله ـ سبحانه وتعالى ـ وبين سلوكيات اليهود المشينة؛ فقد وصف الله ـ تعالى ـ هذه التوراة بأن فيها هدى ونوراً، وأن رسول الله محمداً -صلى الله عليه وسلم- مكتوب عندهم في هذه التوراة وفي الإنجيل كذلك. وصمت «المفكر العربي» عن بيان أن اليهود لم يقيموا هذه التوراة، وأنهم حرّفوا الكلم عن مواضعه؛ ومن ثم فإنهم ليسوا على شيء. ومن هنا جاء التلبيس من «المفكر العربي» حيث جمع بين عقيدة اليهود - كما جاءت في التوراة - وبين اليهود كجنس، ثم بيَّن أن كل ما ينسب إلى اليهود لا شأن له بعقيدتهم الدينية، وبدلاً من أن ينسب هذه السلوكيات إلى اليهود كجنس نسبها إلى ما يسميه بـ «الجماعات اليهودية الوظيفية» التي تكون الوظيفة هي سبب تجانسها وليست العقيدة، وعضو الجماعة الوظيفية في نظر ـ المفكر العربي ـ هو إنسان اقتصادي محْض متحرر من القيم الأخلاقية، يكرس ذاته لمنفعته وللذته، ويؤمن بالنسبية الأخلاقية، وبازدواجية المعايير، ومرجعيته النهائية في علاقته بالمجتمع المضيف مرجعية مادية. وهذا الحكم بالرغم من احتمال صحته فيه تعميم شامل، وليس هناك من دليل قطعي لإثبات صحته. إن القيمة الكبرى التي يعطيها اليهود «للتلمود» ورفع مكانته فوق مكانة التوراة يجعله بمثابة عقيدة اليهود الأولى؛ ومن هنا تسقط تماماً كل دفاعات «المفكر العربي» الرافضة للربط بين سلوكيات اليهود وعقيدتهم الدينية.
إن محاولة الفصل بين اليهود «كجنس» وما يسميه بـ «الجماعات اليهودية» أمر غير منطقي. يفترض خطأً أن هذه الجماعات قد حدث لها ما يسميه العلماء الاجتماعيون بفقدان الطابع القبلي. واستناد «المفكر العربي» إلى هذا الفصل كمفتاح لتسويغ السلوكيات اليهودية يقوم على مسلّمة خاطئة تبناها وهي: اعتقاده أن مصطلح (جماعات) يؤكد عدم التجانس، وهذا خطأ لا يقع فيه دارس مبتدئ لشؤون الجماعات؛ فمجرد الإشارة إلى كلمة «جماعة» يعني الإشارة إلى بناء اجتماعي متكامل، وليس إلى فئة من الأفراد؛ فالروابط التكاملية هي المظهر البنائي للجماعة؛ بمعنى أن بين أفراد الجماعة علاقات معينة تحتم تفكيربعضهم ببعض، وأن الفرد في الجماعة عادة ما يتبنى توقعاتها ومعاييرها وقيمها وأهدافها؛ ويبدو التناقض واضحاً في اعتبار هذه الجماعات «جماعات يهودية ووظيفية» في الوقت نفسه؛ فهذه الخصائص التي تحدثنا عنها هي خصائص ما يسميه هو بـ «الجماعات اليهودية» . أما مصطلح «جماعات وظيفية» فهو لا ينطبق إلا على الجماعات التي تتكون لأداء مهمة متخصصة وهدف محدد كالجماعات المهنية؛ فكيف يمكن وصف الجماعات اليهودية التي يعترف هو نفسه بأنها تحمل بعض معالم الهوية العرقية على أنها جماعات وظيفية بحتة؟ وكيف يمكن الجمع بين قول «المفكر العربي» إن هذه الجماعات التي تنظر إلى المجتمع المضيف نظرة مادية بحتة؛ في الوقت نفسه الذي يقول فيه: إن هذه الجماعات قد اندمجت فيه اندماجاً عضوياً كاملاً، وخضعت كلية لآليات حركته؟ بل إن وصف المجتمع الذي يقيمون فيه بأنه مجتمع مضيف يتناقض مع القول بفكرة الاندماج الكامل هذه. ومن هذا المنطلق يستمر «المفكر العربي» في دفع التهم الموجهة لليهود.
- اليهود والثورة الروسية البلشفية:
إن ما أثير حول «الثورة البلشفية» بأنها ثورة يهودية يرفضه «المفكر العربي» ، بل إنه يرى أن هذا المصطلح له مضمون عنصري؛ لأنه يفترض أن اليهودي يظل يهودياً مهما غيَّر من آرائه، ومهما اتخذ من مواقف، وأن هذا يفترض بدوره وجود هوية يهودية ثابتة لا تتحول ولا تتغير بتغير الزمان والمكان؛ وهذا ما يرفضه «مفكرنا العربي» ، لكنه يسوِّغ كالعادة صعود القيادات البلشفية اليهودية في ميزان القوى بأنه أمر غير ناتج عن يهوديتهم، وإنما كان بسبب الظروف العامة للصراع داخل الحزب الشيوعي والمجتمع السوفييتي، وهذا التسويغ بسيط وغير منطقي؛ فتاريخ الانقلابات والثورات حتى في منطقتنا العربية يبرز كيف أن قادتها استطاعوا الصعود إلى قمة الثورة، بل والاستيلاء عليها لصالحهم الشخصي ولقيمهم الإيديولوجية مستثمرين هذه الصراعات استثماراً ناجحاً.
- اليهود والإفساد الحقيقي:
لا يقر «المفكر العربي» اتهام اليهود بالإباحية المطلقة - كما أوضحنا عند عرضنا لآراء «هتلر» في اليهود ـ باعتبار أن تلك الإباحية إنما هي امتداد لشيطانية اليهود، وجزء من تآمرهم على المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها، هذا في نفس الوقت الذي يعترف فيه «المفكر العربي» بأن سلوك الإسرائيليين يتسم بالكثير من الحرية الجنسية، وبانتشار ظواهر البغاء والإيدز والأطفال غير الشرعيين بينهم. كما يورد «المفكر العربي» مقولة «أميون روبنشتاين» الوزير الإسرائيلي الأسبق: بأن إسرائيل من أكثر المجتمعات إباحية. كما يقر «المفكر العربي» أيضاً بأن العديد من اليهود يعملون في تجارة الرقيق الأبيض اليهودية التي تمتد من شرق أوروبا إلى وسطها وغربها ومنها إلى الشرق، بالإضافة إلى مراكزهم في جنوب أفريقيا ومصر والهند وسنغافورة. ورغم كل ما يقر به «المفكر العربي» فإنه ـ كالعادة ـ يرى أن كل ذلك لا يمثل حقيقة واقعة، وأنه مجرد نشاط اقتصادي ومصدر من مصادر الرزق.
يقر «المفكر العربي» بأن رئيس أول جماعة عالمية للشواذ جنسياً من الذكور هو يهودي يدعى «جينوس هيرتشفيلد» ومساعده يهودي كذلك يدعى «كورت هيلي» ، وأن الأخير هو أول من طالب باعتبار الشواذ جنسياً أقلية لا بد من حماية حقوقها. كما يشير كذلك إلى يهودية عالم النفس المعروف «سبجموند فرويد» الذي نسب «الجنسية المثلية» أو الازدواجية الجنسية إلى كل البشر. ويبين «المفكر العربي» أيضاً أن اليهود الإصلاحيين والمحافظين على السواء لا يحرّمون الشذوذ الجنسي، كما أن هناك معابد يهودية تأسست للشواذ جنسياً، وأنه تم ترسيم حاخامات يهود من الشواذ جنسياً. وكالعادة يبرئ «مفكرنا العربي» اليهود من أي مسؤولية عن انتشار الشذوذ الجنسي؛ ويعطينا تفسيراً غريباً يصعب على أي عقل أن يقبله فيقول: إنه لا بد من الإشارة إلى أن التقبل المتزايد للشذوذ الجنسي هو إحدى سمات المجتمعات العلمانية المتقدمة، وأنه من السخف التحدث عن تاريخ يهودي مستقل أو عن مسؤولية اليهود عن البشر، وأن الوجود الملحوظ لليهود في الحركات الداعية لتطبيع الشذوذ الجنسي أمر نابع من أعضاء الأقليات الذين يوجدون في الهامش، والذين لديهم استعداد أكبر من استعدادات أعضاء الأغلبية لارتياد آفاق جديدة، سواء في عالم الاستثمار أو في عالم الأفكار والسلوك، وهكذا يصبح الشذوذ الجنسي عند «مفكرنا العربي» إبداعاً يتساوى مع الإبداع في عالم الاستثمار والأفكار والسلوك. كما يفرض علينا كذلك أن نعتبر أن لدى أعضاء الأقليات استعداداً أكبر من غيرهم لممارسة الشذوذ الجنسي، ومن ثم نعتبرهم هدفاً محتملاً دائماً للشذوذ الجنسي، وننظر في نفس الوقت إلى وجود الشذوذ الجنسي بين غير أعضاء الأقليات على أنه وجود ليس له أية دلالة حقيقية.
ومن هذا المنطلق التخصصي يمكن أن تبرز إلى السطح رؤية اليهود إلى غير اليهود كأغيار يجوز قتلهم أو سرقتهم أو الاعتداء عليهم، وتدخل تفسيرات «المفكر العربي» من ثم في حدود البواعث على ارتكاب الفعل وليس الدافع إليه.
يسرد «المفكر العربي» العديد من أمثلة الجرائم المالية والتزييف والغش التجاري، ويشير بالتحديد إلى فضائح الفساد المالي والسياسي التي ارتبطت باليهود؛ وكالعادة ينزع الصبغة اليهودية من هذه الجرائم، ويربطها بوجود اليهود داخل مجتمعات فاسدة مستغلة تساعد الإمكانيات الفاسدة داخل الإنسان على التحقق. كما يرى «المفكر العربي» أنه لا يمكن تفسير جرائم الغش التجاري التي يرتكبها اليهود بأنها جزء من المؤامرة اليهودية الأزلية لإفساد أخلاق الأغيار، ويرى بدلاً من ذلك أن الغش التجاري في عصر الرأسمالية يتسم بالرشد وعدم التمييز بين البشر، وأنه غش مجرد لا شخصي تماماً مثل رأس المال المجرد. ورغم هذا التفسير الذي قدمه «المفكر العربي» فإننا نرى أن فيه إدانة لليهود في ذات الوقت حينما يقر بأن في نفوس اليهود إمكانيات فاسدة أصلاً ساعدها فساد المجتمع على الظهور.
- حقيقة بروتوكولات اليهود:
تسيطر على العقل العربي كما يرى «المفكر العربي» أوهام «البروتوكولات» وأن هذه الأوهام مشوبة بإيمان عميق لا يتزعزع بأن لليهود سيطرة كاملة على السياسة والإعلام الأمريكيين، وأن اللوبي اليهودي هو الذي يؤثر في صناع القرار الأمريكيين. يرفض «المفكر العربي» هذا التصور العربي الذي أيده «هنري فورد» في بحوثه عن اليهود، ويرى عكس ذلك تماماً؛ ففي رأيه أن السر الحقيقي للنجاح الصهيوني في الغرب لا يعود إلى سيطرة اليهود على الإعلام ولا إلى شراء اليهود وسيطرتهم المزعومة على التجارة والصناعة، وإنما يعود إلى أن إسرائيل هي جزء من التشكيل الاستعماري الغربي، وأن الإعلام واللوبي الصهيوني يمثلان أداة الغرب الرخيصة، وأن إسرائيل ليست إلا دولة وظيفية عميلة للولايات المتحدة، تؤدي كل ما يوكل إليها من مهام ونجاح، وتنصاع تماماً للأوامر. أما «الجماعات اليهودية» أينما وجدت فليست جماعة من اليهود ذوي المصالح اليهودية، وإنما هي جماعات تم دمجها وأمركتها تماماً، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الأمريكي خاضعة تماماً لآلياته، في الوقت الذي يستخدم فيه مصطلح المجتمع المضيف كما أشرنا من قبل.
- الشخصية اليهودية في الروايات العالمية:
انتقد «المفكر العربي» بشدة أدبيات معاداة اليهود في «الأدب الغربي» ، وتصويرها لهم على أنهم شياطين. الشر لصيق بطبيعتهم، يخربون أي مجتمع يعيشون في كنفه، ويحيكون المؤامرات عبر التاريخ للقضاء على الجنس البشري. تناول «المفكر العربي» أهم شخصيات «أدب شكسبير» في مسرحية (تاجر البندقية) ، وهي شخصية «شيلوك» اليهودي الذي يعمل بالربا والتي أصبحت جزءاً من المعجم الإنجليزي، وتعني الرجل الطماع الشره الذي لا تعرف الرحمة طريقاً إلى قلبه.
دافع «المفكر العربي» عن اليهودي، وقال: إنه لا يعرف على وجه الدقة أصل هذا الاسم ـ شيلوك ـ؛ فهو ليس اسماً يهودياً. كما انتقد «المفكر العربي» موقف الأديب الروسي «دوستوفيسكي» من اليهود؛ الذي كان يرى فيهم شعباً تحركه القسوة والرغبة في شرب الدماء، كل همهم إفساد الشعب واستغلاله بلا رحمة. اتهم المفكر العربي «دوستوفيسكي» بالعنصرية الشديدة فكرياً وعقائدياً، وبالاختزالية وضيق الأفق، والجهل الشديد بأحوال اليهود وبالحقائق التاريخية، وشبّه موقف الأديب الروسي من اليهود بموقف (هتلر) منهم، وسوغ «المفكر العربي» هذه الكراهية لليهود بأنها متجذرة في الوجدان الروسي ومسيطرة عليه، لكن «المفكر العربي» قد أثنى على «تولستوي» من جانب أنه كان ينادي بضرورة حب البشر، ثم انتقده من حيث أن كتاباته تظهر موقفه الأرستقراطي الروسي المعادي لليهود.
أما «هربرت صاموئيل» الذي صنفه اليهود على أنه أول حاكم يهودي على فلسطين منذ سقوط الهيكل، وكان أول مندوب سام بريطاني في فلسطين، وأول من كتب مذكرة مررها على أعضاء الوزارة البريطانية يقترح فيها: إنشاء محمية إنجليزية في فلسطين بعد الحرب، وتشجيع الاستيطان اليهودي فيها، وإعطاء الأولوية للهجرة اليهودية ولبناء مؤسسات استيطانية تساعد في نهاية الأمر على توطين جماعة يهودية يبلغ عددها ثلاثة ملايين، تصبح مكتفية ذاتياً إلى أن تشكل دولة ذات سيادة تكون مركزاً لحضارة جديدة. تبنى «لويد جورج» رئاسة الوزارة البريطانية التي كانت تضم «بلفور» ـ تبنى مشروع صموئيل، وعند تنفيذه له عُيّن «صموئيل» كأول مندوب سام بريطاني في فلسطين. استصدر «صموئيل» في العام الذي عين فيه كمندوب سام قانون الهجرة الذي سمح لستة عشر ألفاً وخمسمائة يهودي بدخول فلسطين. ساعد «صموئيل» النشاط الاستيطاني اليهودي، واعترف باللغة العبرية، وزاد عدد المستوطنات في عهده من أربع وأربعين إلى مائة مستوطنة، واستمر اهتمامه بالمستوطن اليهودي حتى بعد تركه منصبه؛ فكان رئيساً لشركة فلسطين للكهرباء، ثم رئيساً للجامعة العبرية.
ورغم تسجيل «المفكر العربي» لكل ذلك عاد ينكر أن كل ما فعله «صموئيل» كان دافعه يهوديته؛ فيقول: «وصموئيل نموذج جيد للصهيوني غير اليهودي الذي لا تختلف رؤيته لليهود عن رؤية أي عضو في الحضارة الغربية؛ فهو لا يهتم بالعرقية اليهودية ولا بالمصالح اليهودية، ولا بالتاريخ اليهودي، ولا بالعقيدة اليهودية؛ إنه يهودي مندمج تماماً، يود الحفاظ على وضعه، ولكن شأنه شأن أي سياسي غربي، ينظر إلى اليهود من الخارج، ويراهم كمادة بشرية نافعة يمكن أن توظف لصالح الحضارة العربية.
دافع «المفكر العربي» عن «كيسنجر» قائلاً: بأن محاولة اكتشاف المكون اليهودي في تفكير «كيسنجر» أمر لا طائل من ورائه، وأن ما يحدد موقف «كيسنجر» من إسرائيل ليس يهوديته، أو رغبته في الدفاع عن المصالح اليهودية، أو حماية الدولة اليهودية وإنما حرصه على أن تكون إسرائيل حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة، وسوطاً رادعاً في يدها؛ ومن ثم لا يمكن تفسير مواقف «كيسنجر» السياسية على أساس يهوديته، كما يفعل بعض المحللين العرب.
- المسيري مع العدو الصهيوني أم ضده؟
من يقرأ «للمفكر العربي» سيطرح حتماً سؤالاً مؤداه: هل هو مع إسرائيل أم ضدها؟ هل هو مع دعاة السلام أم من دعاة الحرب؟ وقبل أن يطرح أحد السؤال على «المفكر العربي» طرحه هو بنفسه، وانتقده بأنه سؤال بسيط ينم عن عملية اختزالية، تفترض أن العالم مربعات بيضاء وسوداء، وأن المعرفة يتم التوصل إليها من خلال الاختيارات الموضوعية التي يجيب عليها الإنسان بنعم أو لا، وأنه أي «المفكر العربي» يتجاوز هذه الاختزالية، ومع ذلك فهو يجيب عن السؤال فيقول: «نحن ـ والحمد لله ـ لسنا من دعاة الحرب، ولا من دعاة السلام، وإنما نحن من دعاة إقامة العدل في الأرض، ونحن كبشر نفضل بلا شك أن يقام العدل بالطرق السلمية ومن خلال قرارات الأمم المتحدة، إن توفرت السبل إلى ذلك؛ فإراقة الدماء دون مسوغ مذبحة» . ثم يستطرد قائلاً: «ولكن إذا لم تتوفر السبل السلمية فهناك طرق مشروعة، تعترف بها المواثيق الدولية للدفاع عن الأرض والذات مثل المقاومة المسلحة» .
وواضح تماماً أن هذه إجابة غير مقنعة، بل إنها هزلية مستخفة بالعقول؛ فما سمع أحد منذ قرون عدة أن ثقافة العدل هذه لها وجود لا على المستوى النظري أو العملي، ولا حققت قرارات الأمم المتحدة العدل يوماً ما، ولا تحقق العدل لا بالطرق السلمية ولا بالمقاومة المسلحة؛ فما زالت فلسطين والجولان في يد اليهود، وها هو العراق قد سقط، وها هي ليبيا سلمت أسلحتها طواعية، والبقية تأتي، وبشائر الشرق الأوسط الجديد تلوح في الأفق، أليس كل ذلك من أجل سلامة أمن واستقرار اليهود؟
وما نتصوره هو أن السبب الذي يكمن وراء كل هذا الدفاع عن اليهود ومحاولة بذل أقصى الوسع في تبرئتهم من سلوكياتهم اللصيقة بهم إنما يكمن في هذا المنظور الذي تبناه «المفكر العربي» من العلوم الاجتماعية الذي يتلخص في منظومة (الاختزال - التقويض ـ التفكيك ـ التركيب) ، وهي منظومة تفوح منها بشدة رائحة المفكر المعروف «دريدا» صاحب فلسفة التقويض والتركيب. هذه الفلسفة التي أدت «بمفكرنا العربي» طبقاً لمفهوم التفكيك إلى نزع القداسة عما هو مقدس، وما يسمى بتقويض مرجعية المؤلف من جذورها، وأن صاحب النص لا يستطيع أن يفرض على نصوصه المعنى الذي يريده وإنكار لأي نص حتى ولو كان مقدساً له وجود ثابت ومستقر، والسماح للعقل بتجديد النصوص بشكل مستمر. وقد عبر عن ذلك مفكرنا «العربي» بقوله:
(حينما يتم تناول أي نص ـ أياً كانت قداسته - لا بد وأن يؤخذ في الاعتبار سياقه التاريخي ... فالمطلق مهما كان إطلاقه لا بد أن يتبدى من خلال النسبي ... إن الإنسان الذي يعيش في التاريخ لا يمكنه أن يدرك المطلق إلا من خلال النسبي ... وإذا كان هذا ينطبق على الكتب الدينية المقدسة فهو لا شك ينطبق بشكل أكبر على كتب الشروح والتفسير، مهما خلعت على نفسها من قداسة وإطلاق) . يقول «المفكر العربي» ذلك وكأنه لم ينشأ في دار الإسلام، ولم يتعمق في فهم ودراسة القرآن، حتى إنه تبنى المفاهيم الفلسفية عن الله ـ تعالى ـ (كالمطلق) ، ولم يصف الله ـ تعالى ـ كما وصف ـ سبحانه ـ به نفسه.
- تحليلات ساذجه برؤيه غربية:
ووفقاً للمنظور الذي تبناه «المفكر العربي» تسقط عن كل النصوص التي جاءت عن اليهود في القرآن والسنّة القدسية التي تحملها. ولكن أكلما جاءنا رجل ألحن من رجل تركنا كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- واستمعنا إليه؟ إن نصوص القرآن والسنة تقطع تماماً أن الله ـ تعالى ـ قد غضب على اليهود، وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، ووصفهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنفس الأوصاف التي وصفهم الله بها، وقال عنهم: إنهم إخوان القردة، وكان يبدأ أحاديثه عنهم «بقوله: قاتل الله اليهود، ولعن الله اليهود» ، وقال كذلك: «لا تأووا اليهود؛ فإن الله ضرب على رقابهم بذل مقدم» وقيل: «إنه لو بلغت ذنوب المسلمين عدد الحصا والرمال والتراب والأنفاس ما بلغت مبلغ ما قيل لنبي واحد، ولا وصلت إلى قول إخوان القردة {إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: ١٨١] وقولهم {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: ٣٠] وقولهم {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: ١٨] ، أنترك نصوصنا المقدسة، ونستمع تحليلات المفكر العربي المستوحاة من العلوم الاجتماعية؟ إن طبيعة اليهود كما عرضها القرآن الكريم في شتى المناسبات هي:
إن تحليلات «المفكر العربي» ليست إلا رؤية واحدة من العديد من الرؤى التي تعج بها العلوم الاجتماعية، يرفض بها ما يسميه «بالنموذج الاختزالي التآمري» الذي تسبب في اتهام اليهود بكل هذه التهم، وسماه «المفكر العربي» بـ «النموذج البسيط المغلق الواحدي المصمت» الذي يتجه نحو اختزال العالم إلى عناصر بسيطة، والفكر الاختزالي في نظر «المفكر العربي» فكر كسول لا يكد ولا يتعب لكي يحيط بتركيبة الواقع، ويقنع بإدراك هذا الواقع على مستوى واحد، وتبنى بدلاً منه نموذجاً آخر استند إليه في تبرئة اليهود هو «النموذج المركب المنفتح التعددي الفضفاض» والذي يحتوي على عناصر متفاعلة مركبة، أهمها العامل الإنساني ودوافعه، والواضح هنا أن هذا الدفاع المستميت عن اليهود من المنظور المركب المنفتح الذي تبناه «المفكر العربي» ، قد أوقعه في شراك النموذج الاختزالي الواحدي المنغلق المصمت؛ فبدت دفاعاته عن اليهود ـ كما تخيلها ـ متماسكة واحدية صلبة، فيها شمولية التفسير، وطموح في درجة عالية من اليقينية والدقة المتناهية في المصطلحات، وهي نفس خصائص النموذج الاختزالي كما حددها بنفسه.
انتهى «المفكر العربي» إلى نتيجة غريبة لم تكن في الحسبان مطلقاً، وهي: أن اليهود ليسوا بأعدائنا بالدرجة الأولى؛ حيث يقول: «إن عدونا ليس الأفعى اليهودية ... وإنما هو العالم الغربي الذي يدافع عن مصالحه الاستراتيجية التي يمكن تعريفها والتصدي لها ومحاربتها في كل مكان» . والذي لا شك فيه هو عداء العالم الغربي للإسلام، لكن الله ـ تعالى ـ وليس «المفكر العربي» هو صاحب الحق الوحيد في تحديد من هو العدو؛ إذ قال في كتابه العزيز {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ} [النساء: ٤٥] .
لقد حدد الله ـ تعالى ـ هؤلاء الأعداء في اليهود، كما جاء في الفقرة التي قبْلها في نفس الآية: {يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} [النساء: ٤٤] ثم في الفقرة التي تليها في نفس الآية {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} [النساء: ٤٦] ، وقال الله ـ تعالى ـ في سورة المائدة: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ} [المائدة: ٨٢] ، وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسير هذه الآية عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما خلا يهودي بمسلم إلا همّ بقتله» .
ومن أحسن ما يختم به ما يراه علماء الإسلام أن المشتغلين بعلوم لا تتعلق بها ثمرة تكليفية تُدخل عليهم الفتنة والخروج على الصراط المستقيم، فيتركون الاقتصار من العلم على ما يعني، ويخرجون إلى ما لا يعني، ويكون ذلك فتنة على المتعلم والعالم، أو تعطيل للزمان من غير تحصيل. (الموافقات للشاطبي ١/٢٢-٢٣) .
(*) أكاديمي مصري.