للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آية من كتاب الله

[مَن ذَا الَذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً

واللَّهُ يَقْبِضُ ويَبْصُطُ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ] [*]

والتعبير عن الإنفاق - الذي يُشعر بحاجة المستقرض إلى المقرِض عادة -

جدير بان يملك قلب المؤمن، ويحيط بمشاعره، ويستغرق وجدانه؛ حتى يسهل

عليه الخروج من كل ما يملك ابتغاء مرضاة الله وحياءً منه، فكيف وقد وعد برده

مضاعفاً أضعافاً كثيرة ووعده الحق؟ هذا التعبير بمثابة الهز والزلزال لقلوب

المؤمنين، فقلب لا يلين له ويندفع به إلى البذل قلب لم يمسه الإيمان. ولم تصبه

نفحة من نفحات الرحمن. قلب حاوٍ من الخير، فائض بالخبث والشر، أي لطف

من عظيم يداني هذا اللطف من الله - تعالى - بعباده؟ جبار السماوات والأرض

رب كل شيء ومليكه، الغني عن العالمين، الفعال لما يريد، المقلب لقلوب العبيد، يرشد عباده الذين أنعم عليهم بفضل من المال واختصهم بشيء من النعمة - إلى

مواساة إخوانهم بما فيه سعادة لهم أنفسهم ولمن يعيش معهم، ويهديهم إلى بذل شيء

من فضول أموالهم في المصالح العامة التي فيها صلاح حالهم، وحفظ شرفهم

واستقلالهم، فيبرز هذا الهدي والإرشاد في صورة الاستفهام، دون صيغة الأمر

والإلزام، ويسمي نفسه مقترضاً ليشعر قلب الغني بمعنى الحاجة التي ربما تصيبه

يوماً من الأيام، ثم هو يعده بمضاعفة ذلك العطاء، أيكون هذا اللطف كله منه بعبده

الذي غمره بنعمته، وفضَّله على كثير من خلقه، ثم يجمد قلب هذا العبد وتنقبض

يده، لا يستحي من ربه، ولا يثق بوعده، ويقال مع هذا إنه مؤمن به، وبأن ما

أصابه من الخير فهو من عنده؟ ! كلا، مثّل في نفسك ملكاً من ملوك الدنيا يريد أن

يجمع إعانة للفقراء أو لمصلحة من مصالح الدولة، وقد خاطبك بمثل هذا الخطاب،

في التلطف والاستعطاف، ومثل في خيالك موقع قوله من قلبك وأثر كلامه في يديك.

أما كون القرض حسناً فالمراد به ما حل محله ووافق المصلحة، لا ما وضع

موضع الفخفخة وقصد به الرياء والسمعة. ومن الناس من ينفق في الصالح بنية

حسنة ولكن بغير بصيرة تريه مواطن المنفعة بنفقته، فيبني مسجداً حيث تكثر

المساجد فيكون سبباً في زيادة تفرق الجماعة وذلك مخالف لحكمة الشرع، أو يبني

مدرسة ولا يحسن اختيار المعلمين لها، أو يفرض لها من النفقة ما لا يكفي لدوامها

فيسرع إليها الخراب، أو يضع فيها معلمين فاسدي الاعتقاد أو الآداب، فيفسدون

ولا يصلحون، فمثل هذا لا يقال له قرض حسن، وإنما يكون الإنفاق قرضاً حسناً

مستحقاً للمضاعفة الكثيرة، إذا وضع موضعه مع البصيرة وحسن النية، ليكون

على الوجه المشروع من إقامة الدين، وحفظ مصالح المسلمين، أو منفعة جميع

الأنام، من الطريق الذي شرعه الإسلام.

تفسير المنار ٢/٤٦٦


(*) [البقرة ٢٤٥] .