للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

قبل فوات الأوان الخطر التنصيري يهدد

البوسنة والهرسك

محمد إسماعيل يوستش

تمثل أرض البوسنة والهرسك نقطة تماس مباشر بين العالمين: الإسلامي

والغربي، وما يزال الغرب ينظر إلى تلك الأرض وفي مخيلته جيوش الفتح

الإسلامي وهي تتقدم في قلب أوروبا. فهي في نظره عضو غريب مغاير في

التركيب الثقافي والحضاري ولا يمكن أن يزرع في جسد القارة؛ واضعاً بذلك

المعايير الثقافية والدينية أساساً للانتماء، متناسياً صيحاته التي صمّت الآذان،

ودعواته لأمم الأرض أن تقبل بالتنوع الثقافي داخل نسيجها الخاص.

وإذا كانت آلة الحرب الصربية والكرواتية لم تستطع أن تحوِّل البوسنة إلى

أندلس جديدة بقبضتها الحديدية؛ فها هي يد التنصير الملساء تلتف من خلف

الكواليس باحثة عن ذوي الحاجات الخاصة، منقبة عن الفئات الاجتماعية ذات

الأوضاع غير الطبيعية؛ لتبذر فيها بذورها دون أن تتعجل الحصاد، في ظل غفلة

العالم الإسلامي الذي تخاذل - إلا من رحم الله - عن نصرة إخوان العقيدة في زمن

الحرب وزمن السلم على السواء.

تزداد المؤسسات التنصيرية الدولية العاملة في البوسنة والهرسك مع الأيام،

وهي تقوم بأعمال إغاثية وخيرية ضخمة، دون أن يكون لها هدف تنصيري واضح؛

وذلك حتى تثبت شرعية وجودها، وتستهدف كثيرٌ من هذه المؤسسات «يتامى

البوسنة» ممن قُتِل آباؤهم دفاعاً عن شرف الأمة ودينها. ولا تزال هذه الشريحة

تسيِّل لعاب المنصِّرين وتفتح شهيتهم للعمل، وذلك لسهولة التأثير فيها وتوجيهها؛

حيث تقوم هذه المؤسسات بانتقاء الأطفال من المدارس ومن ثم توجيه الدعوة لهم

للمشاركة في رحلات خارجية ترفيهية بالمجان.

وعلى سبيل المثال تقوم مؤسستا IKRE و Dom Sindikata بتنظيم

رحلتين لليتامى سنوياً إلى إيطاليا وأسبانيا وباقي الدول الأوروبية؛ الأولى في

أواخر ديسمبر؛ حيث احتفالات رأس السنة وعيد الميلاد، وتستمر هذه الرحلة ٢٠

يوماً، والثانية في الفترة ما بين يوليو وأغسطس وتستمر ٤٠ يوماً، وتكون في

استقبالهم عائلات نصرانية متدينة وغنية تعاملهم كفرد من أفراد الأسرة طوال فترة

الرحلة.

تقول إحدى البنات - لم ترد أن تكشف اسمها - في مقابلة أجريت معها - إنها

تشارك في هذه الرحلات كل سنة؛ حيث تستقبلها عائلة نصرانية ميسورة الحال

توفر لها غرفة خاصة وتلفازاً وجهاز كمبيوتر ومسجلاً إلى ما هنالك من وسائل

الترفيه، وتضيف: إن تلك العائلة متدينة جداً، يصلي أفرادها ثلاث مرات في

اليوم، ويذهبون إلى الكنيسة يومي الأحد والجمعة، وذكرت أنها قد ذهبت معهم مرة

واحدة؛ لأنهم كانوا مصرِّين على ذهابها.

والذهاب إلى الكنائس بالأطفال شيء معتاد كما يقول: (Nezir

Halilovic) نزير هليلفتش - مدير أمانة الوقف بسراييفو والخطيب في مسجد

الملك فهد في العاصمة، ويذكر أيضاً - كما ورد في مقال له نشر في موقع رئاسة

المشيخة البوسنية الإسلامية على شبكة الإنترنت عن إحدى فتيات البوسنة أنها

شاركت في الصلاة داخل الكنائس ثلاث مرات.

وتستقبل هذه الأسر الأوروبية يتامى البوسنة وكأنهم أبناؤهم؛ حيث

يصحبونهم لزيارات الأقارب والمشاركة في الأعياد ذات البعد الديني أو الثقافي

وهي كثيرة عند النصارى. وفي هذه الأعياد والحفلات يعتاد الأطفال على شرب

الخمور وأكل لحم الخنزير والرقص، وغيرها من أنماط الحياة الغربية، كما

يقومون بإعطاء الأطفال هدايا ثمينة مثل المجوهرات والقطع الذهبية.

تقول (عملة) عن العائلة النصرانية التي تستضيفها في أسبانيا خلال فترة

الصيف إنهم يذهبون بها إلى شاطئ البحر وحفلات الرقص، كما أنها تذهب معهم

لمشاهدة حفلات الجمال، أما يوما الجمعة والأحد فهما مخصصان للذهاب إلى

الكنيسة. وعن كرم هذه العائلة تقول: عندما يذهبون للتسويق كان يُشترى لها كل

ما ترغب فيه مهما كان ثمنه!

وتقول (نرمينا) إنها كانت تذهب إلى إحدى المدن الأوروبية (لم تحددها)

وكانت العائلة المستضيفة تضع لها تكلفة التذكرة وكل احتياجاتها الأخرى عن طريقة

مؤسسة IKRA، وتقول: عندما كنت صغيرة جداً كنت أذهب معهم إلى الكنيسة

دائماً، وفي المرة الأخيرة رفضت الذهاب فانقطعوا عن المساعدة.. لا يريدون مني

أن آتي إليهم مرة أخرى.

وبعض هذه العائلات - كما يقول الشيخ نزير هليلفتش - تأتي إلى البوسنة

ويزورون اليتامى في بيوتهم ويحضرون لهم الهدايا القيمة إضافة إلى النشرات

التنصيرية، كما تتصل تلك العائلات باليتامى شهرياً، وترسل لهم مساعدات مالية

شهرية تتراوح ما بين (٣٠٠ - ٥٠٠) مارك ألماني. وعند رجوع الأطفال من

تلك الرحلات يكون معهم العشرات من الكتب عن النصرانية.

كتاب جديد يتحدث عن نشاطهم

صدر حديثاً كتاب يحمل عنوان: «كبِّر رؤيتك للكنيسة الصغيرة»

Magnify Your Visio For The Small Church للأمريكي جون روفل

(John Rowell) وهو القس الأول والمؤسس لكنيسة NCC (Northside

Cmmunity Church) التي مقرها الرئيسي في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا

الأمريكية.

وقد اعترف فيه المؤلف بالجهود التي تبذلها المؤسسات التنصيرية الدولية في

أرض البوسنة والهرسك، ويتألف الكتاب من جزأين: يتحدث الجزء الأول منه عن

التنصير العملي بين البشناق (أهل البوسنة) ، في حين يتناول الجزء الثاني

جوانب التنصير ومشكلاته عموماً ورؤية المؤلف لها، كما يحاول أن يثبت أن

الكنائس الصغيرة تملك إمكانيات أكبر للتحرك من إمكانية الكنائس الضخمة ذات

التنظيم المعقد.

وقد اختار جون روفل مسلمي البوسنة ليكونوا ميداناً للنشاط التنصيري التابع

لكنيسته ووضع أمام أتباعه هدفاً محدداً وهو نشر رسالة الإنجيل و «إيصال صوت

المسيح» لأهل البوسنة الذين وصفهم المؤلف بأنهم (استطاعوا مقاومة المسيح

لأكثر من ٥٠٠ سنة) .

والعجيب أن المؤلف تحدث أنه بدأ بالتخطيط لتنصير البوسنة منذ سنة ١٩٨٩

م أي قبل سقوط الشيوعية واندلاع الحرب وفي الحين الذي لم يكن العالم الإسلامي

يعلم بوجود مكان يقطنه مسلمون يدعى البوسنة.

وقد لاحت الفرصة الذهبية للرجل لتحقيق الهدف المنشود، حين تفجرت أزمة

البلقان ووقع أهل البوسنة تحت وطأة الحاجة الملحة التي يحسن المنصرون

استغلالها لتحقيق مآربهم.

ويعبر المؤلف عن هذا الأسلوب التنصيري المفضل بعبارة YOU GIVE

THEM SOMETHING TO EAT (أعطوهم شيئاً ليأكلوه) ، وهي عبارة

يزعمون أن المسيح - عليه السلام - قالها حين أطعم أهل (غاليليا) ، متناسياً أن

المسيح لم يكن هو المتسبب في تشريد أهل (غاليليا) بخلاف منتسبين إليه في هذه

الأيام الذين يسببون ويشجعون الأوضاع الإنسانية البائسة ثم يقومون باستغلالها.

وبهذه الصورة تتحول المشاهد الإنسانية المروِّعة في أذهان الغربيين المتدينين إلى

منح وفرص تستغل ولا تعالج.

ويورد المؤلف في الكتاب التقارير التي كان أتباعه المنصرون يرسلونها له

عن نشاطهم في أحد مخيمات اللاجئين البوسنويين في كرواتيا، ويسمى (غاشينسي)

(GASINCI) ، زمن الحرب، وكان هذا المخيم يضم ثلاثة آلاف وخمسمائة

مهاجر ممن نجوا من نار الدنيا ليتلقفهم المنصرون بالدعوة إلى نار الآخرة.

ويقدم الكتاب رصداً لتحركات المجموعات الصغيرة (من ٤ إلى ٨ أشخاص)

التي كان القس جون يرسلها إلى المخيم (غاشينسي) والتي تتناوب عليه،

والغرض من كل ذلك تشجيع المؤسسات التنصيرية الأخرى على اتباع منهجه في

التنصير حيث يقدم لهم توجيهات وينقل إليهم الخبرات.

وهكذا تمضي آلة التنصير عاملة في الخفاء، سائرة نحو تحقيق أهداف

مرحلية محسوبة بدقة، ولا تتعجل قطف الثمرة، وسلاحها طول النفس.

فيما أثبتنا نحن قلة التفاتنا للأخطار الخفية مهما كانت قوية، فيكفينا أن نشاهد

عرضاً عن الإسلام في البوسنة، ونرى بعض المساجد وقد بنيت، والمآذن قد

رفعت حتى نستهين بكل حديث عن مشاكل أخرى يواجهها مسلمو البوسنة، وعن

التنصير بالذات، وتعمى أبصارنا عن رؤية هذا الضباب الذي يحوم حول تلك

المآذن! !

فإن بقي العالم الإسلامي بمثل هذه النفسيَّة؛ فسنتحرك لأجل القدس لكن بعد

أن يهدم الأقصى، وسننشط في الدعوة في أرض البوسنة بعد أن تغدو نصرانية! !

فلا بد من نفسية أخرى أشد حساسية نحو الخطر، تتحرك عند بداية الأمر،

وتضمد عند نشوء الجرح، وعلينا أن لا نقصِّر في دعم المؤسسات الإسلامية

الدعوية بكل الوسائل.

بل علينا أن نفكر (مؤسسات وأفراداً) في استقبال طفل بوسني ليتعلم سورة

من القرآن، ويلعب مع أطفالنا ليشعر بأخوة الإسلام، ولينمو في نفسه معنى امتداده

في العالم الإسلامي وانتسابه لأمته.