الجزائر في الصحافة الغربية
لابد أن نتابع ما تكتبه الصحف الغربية المهمة عن بلادنا، ونحلل أبعاد العقلية
التي يفكر بها القائمون على هذه الصحف ... وهذه ترجمة لمقال نشرته صحيفة
التايمز في عددها الصادر في ٢٦/٢/١٩٩٠ وعنوان المقال: «ثورة الجزائر
ليست إلا جعجعة» وأهم ما ورد في هذا المقال:
أن فرنسا تفكر بالتدخل في الجزائر إذا انفجر الوضع الحالي فيها، ولقد
استفاضت الأخبار التي تؤكد عزم فرنسا على اتخاذ مثل هذا الموقف، وهذا لا
يعني أنها الآن واقفة على الحياد ولا تتدخل، الحقيقة أن لها تحركاً واسعاً ولها
أنصار داخل الجزائر.
تأزم الخلافات بين قادة جبهة التحرير، وتهديدات قادة الجيش بأنهم لن يقفوا
مكتوفي الأيدى إذا فشلت التجربة الديمقراطية، أو ازداد المد الإسلامي، وهذا أيضاً
صحيح، فخلافات قادة الجبهة لم تعد من الأسرار، والهوة واسعة بين الأطراف
المتصارعة.
أما رموز المعارضة الذين وضعهم بن جديد في الحكومة، فالمقصود رموز
المعارضة داخل جبهة التحرير، وهذا شأن الأحزاب الحاكمة في بلادنا. أما
الأحزاب الجديدة من غير جبهة التحرير فلا نعلم أنهم يشاركون في الحكومة،
وتستدرك الصحيفة نفسها فتقول: إن الحكومة والجمعية الوطنية كلها من أعضاء
حزب جبهة التحرير.
إن الوضع غير مستقر في الجزائر، والناس يشكون من انتشار الفساد وغلاء
الأسعار، وهناك جهات فعالة في جبهة التحرير ناقمة على كل ما يحدث، ولن
تتردد هذه الجهات إذا-استطاعت السيطرة على شؤون الحزب الحاكم - في نسف
الدستور الذي سمح بتعدد الأحزاب، والعودة إلى الوضع الذي كان في عهد بومدين. ولا نعتقد أن الإسلاميين في الجزائر غافلون عن ذلك.
ثورة الجزائر
«نحمد الله على أحداث عام ١٩٨٨ م، فلولاها لحدث انفجار في الجزائر،
لاسيما وأن الجزائريين يشاهدون على شاشات التلفاز صور المظاهرات الشعبية
العارمة التي تجتاح أوربا الشرقية، هذه كلمات قالها مسؤول حكومي رفيع المستوى
بلسان فرنسي متقن. إلا أن الآخرين في المدن الجزائرية الكبرى قد لا يذهبون إلى
حد التوجه إلى الله بالشكر من أجل ذلك الأسبوع الذي مر عليه الآن ما يقرب من
سبعة عشر شهراً، والذي كان حافلاً بأحداث شغب خطيرة، فتح خلالها رجال
الجيش نيران أسلحتهم على المتظاهرين الشباب فقتلوا - وفقاً للتقديرات المتحفظة -
عدة مئات. وليس من المؤكد أن يلي أحداث أكتوبر أحداث أشد خطورة منها.
ويعرف عن الحكومة الفرنسية قلقها الشديد حيال الأجواء الملتهبة في هذا البلد
الذي كانت تظن فرنسا أنه سيبقى تحت حكمها على الدوام. وتقول تقارير صحيفة
فرنسية أن باريس قد تفكر بالتدخل بشكل من الأشكال إذا ما انفجر الوضع الحالي
وتحول إلى نزاع مفتوح.
إن الانفجار السياسي سيكون احتمالاً كبير الوقوع يوم الخميس (١/٣/١٩٩٠م) ، ... وهو اليوم الذي يتوقع أن يشنّ فيه الاشتراكيون المتشددون تحدياً محسوباً
للإصلاحات الاقتصادية الأخيرة، وذلك في اجتماع اللجنة المركزية لحزب جبهة
التحرير الوطني الحاكم.
وكانت الجبهة قد تشكلت لخوض معركة التحرير الضروس التي دامت ثمانية
أعوام، ومنذ تحقيق النصر في عام ١٩٦٢م وهي تترأس دولة ذات نهج اشتراكي
ونظام حزب واحد. ويسعى أفراد النظام السابق إلى إحداث تغيير في المكتب
السياسي للحزب الذي يشكل فيه دعاة الإصلاح أغلبية، والذي كان قد تم انتخابه في
شهر كانون أول (ديسمبر) الماضي.
لقد كانت المشكلة الرئيسية لأولئك الذين خرجوا إلى الشوارع في عام ١٩٨٨م
سوء الأوضاع الاقتصادية، ومنذ ذلك الوقت لم يحصل تبدل في أي شيء، يقول
أحد رجال الأعمال الجزائريين: لو أن أحداث الشغب وما رافقها من سقوط القتلى
قد وقعت في هذه الأيام، أي في أعقاب التطورات التي اجتاحت أوربا، لما كان
بإمكان الحكومة الصمود.
ولكي يجعل المسؤولون الشعب يستوعب هذه الحقيقة؟ وهو يراقب ما يحدث
في أوربا الشرقية؟ ، فإن ما كان يطلق عليه اسم حوادث ١٩٨٨ أصبح يطلق عليه
الآن ثورة ١٩٨٨.
وخلافاً لما يحدث في دول أوربا الشرقية، فإن ثورة الجزائريين يتم توجيهها
من الجهات العليا، فقد تقدم الشاذلي بدستور جديد للبلاد، كما أن نظام الحزب
الواحد قد انتهى رمزياً مع تشكيل عشرين حزب سياسي جديد، إلا أنه لم تجر بعد
أية انتخابات عامة في البلاد. وتتألف الحكومة والجمعية الوطنية بشكل كامل من
أعضاء حزب جبهة التحرير.
ويتحدث الرئيس الشاذلي بن جديد عن الحاجة إلى الوحدة الوطنية، وقد
وضع بعض رموز المعارضة في الحكومة، إلا أن حسين آيت أحمد - الذي عاد
مؤخراً من منفاه - طالب علانية بحل الجمعية الوطنية وإجراء انتخابات. كما أن
القوات المسلحة والمتركزة حالياً في ثكناتها وفقاً لمطالب الدستور الجديد أعلنت على
لسان قادتها بأنها لن تقف موقف المتفرج إذا ما فشلت العملية الديمقراطية، أو ازداد
المد الإسلامي الجزائري المتطرف وأصبح يشكل خطراً.
لقد أصبحت الجبهة الإسلامية للإنقاذ - منذ أن باتت هي الحزب الإسلامي
الوحيد المرخص له في المغرب العربي - أكبر مظلة يتجمع تحتها وبشكل مطرد
الأنصار الساخطون على نمط معيشتهم اليومية، ولجبهة الإنقاذ سيطرة على خطب
الجمعة في مساجد العاصمة الرئيسية، وقد ناشدت الجبهة - وهي أقوى أحزاب
المعارضة - أعضاءها ضرورة تحقيق الوحدة فيما بينهم.
إلا أن الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع في مظاهرات عارمة احتجاجاً على
ارتفاع نسبة البطالة، وغلاء الأسعار، وانتشار الفساد، مازالوا ينتظرون من يوفر
لهم العمل والسكن. وقد نجحت الجبهة في استغلال حالة الشعور بخيبة الأمل التي
أصابت هؤلاء الشباب أروع استغلال، وهو الأمر الذي باتت الدول المجاورة
للجزائر تخشى من عواقبه.
التايمز ٢٦ / ٢ / ١٩٩٠م