للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأملات دعوية

[العمل الخيري والعدوان]

محمد بن عبد الله الدويش

[email protected]

كان من تداعيات أحداث سبتمبر وما أعقبها؛ أن شن الغرب حملة شعواء

على العمل الخيري، وانضم لهذه الحملة كثير من أصحاب القرار في بلاد المسلمين

رغبة أو رهبة، طوعاً أو كرهاً.

وشعر العاملون في هذه المؤسسات أنهم أمام أوضاع جديدة تعوق كثيراً من

أعمالهم وجهودهم، وتعرقل كثيراً من المشروعات والطموحات.

وأمام هذه الحملة الغاشمة الظالمة نجد أننا بحاجة إلى أمرين رئيسين:

الأول: الثقة بالله تعالى، وأنه ناصر دينه ومعل كلمته، واليقين بأن هذه

الدعوة أكبر من أن يوقفها حفنة من البشر التائهين: [هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ

بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ] (التوبة: ٣٣) ،

ولو تعرقل العمل الخيري أو أصابه ما أصابه فالمسألة مسألة وقت، ولو تضررت

مؤسسة وهوت أخرى ففي الأمة خير كثير، والعمل الدعوي ليس حكراً على

جماعة أو فرد أو فئة. كما أن العاملين في هذه الأعمال ينبغي ألا يصيبهم الوهن أو

الشعور بالهوان: [وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ] (آل

عمران: ١٣٩) ، إنهم لم يرتكبوا جرماً ولم يقارفوا خطيئة، ولم يفعلوا ما يوجب

البغي والعدوان، وما يصيبهم فهو رفعة لدرجاتهم بإذن الله، وعلو في منزلتهم.

الأمر الثاني: لا بد من الأخذ بالأسباب المادية، وبذل ما يُستطاع من جهد،

وتسليم الأمر بعد ذلك إلى الله، فالخير فيما يختاره سبحانه، ومن ذلك:

١ - بذل الجهد يشمل كل ما يستطيع الإنسان، وليس قاصراً على الجهد

البدني وحده، بل أهم شيء في ذلك التفكير والتخطيط والدراسة، وينبغي ألا نتردد

في بذل المال في ذلك، فالنتاج يوفر أضعاف ما نبذل.

٢ - المسلم مطالب بالحيطة والحذر، وإيمانه بالله ويقينه به لا ينافي الأخذ

بالأسباب، وها هو نبي الله موسى يقول: [فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي

حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ المُرْسَلِينَ] (الشعراء: ٢١) ، ويقول تعالى عنه: [فَخَرَجَ

مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ] (القصص: ٢١) .

٣ - لا بد من الوعي بعقلية العدو والتفكير بما يفكر به، ولا ينبغي أن نزن

الأمور ونقومها من خلال تفكيرنا نحن، فما نعده عملاً دعوياً قد يعده هو إرهاباً،

وما نعده قانونياً قد لا يعده هو كذلك، وفرق بين أن نرفض الاستجابة له من داخلنا

وبين تعاملنا مع الأمر الواقع.

٤ - لا بد من موازنة المصالح والمفاسد، وتفويت المصلحة درءاً لمفسدة

أكبر منها، أو جلباً لمصلحة أعظم، وهو أمر مستقر لدى كثير من الدعاة بداهة

على المستوى النظري، أما في الممارسة العملية فكثيراً ما يصرّون على مصلحة

تفوّت ما هو فوقها أو تجلب ما هو أعظم منها ضرراً.

٥ - كثير من الأعمال ضررها يتجاوز صاحبها ولا يقتصر عليه، حينها فهو

عندما يقصّر لا يتحمل تبعته هو بل يتحمل تبعة الآخرين.

٦ - الأزمات في حياتنا فرص، والمحن فيها المنح، فمن المهم أن يبذل

السعي لاستكشاف الفرص في مثل هذه الأزمات، ولعلها تقود العاملين في المجال

الخيري إلى مزيد من الضبط الإداري والقانوني والمالي لأعمالهم والمتعاونين معهم.

ومع الاجتهاد والحيطة والحذر، لا بد من استحضار اليقين بالله تعالى،

وتذكير النفس بها وقتاً بعد آخر.

وحين نريد إشعار الناس بضخامة الحملة الآثمة على الدعوة والعمل الخيري؛

فلا بد من الحذر من أن يتحول الأمر إلى عامل يأس وإحباط، بل لا بد من التوازن

والاعتدال.