المسلمون والعالم
مقابلة مع رئيس اللجنة السياسية
لجبهة الإنقاذ الجزائرية
(٢)
(وصلنا في الحوار مع الأخ رابح كبير رئيس اللجنة السياسية بالمكتب
التنفيذي المؤقت لجبهة الإنقاذ الإسلامية في العدد السابق إلى موضوع الانتخابات
وما يتعلق بها ونكمل في هذا العدد بقية المقابلة) .
- البيان -
* البيان: لقد كانت جماهير المجاهدين في الثورة الجزائرية تطالب باستقلال
الجزائر المسلمة وكانت الشعارات إسلامية ثم سُرقت الثورة من بعد، ألا ترون أن
التعويل على الجماهير وأنها هي التي ستحسم الموقف لصالح الإسلام سيعيد التجربة
السابقة في الجزائر وفي بلدان مشرقية أخرى؟ .
لا بد من التنبه إلى خصائص الشعب الجزائري وواقعه الحالي، فالشعب
الجزائري الآن ليس هو بأي حال الشعب في عام ١٩٦٢؛ فمستوى الوعي الآن
تغير تماماً، أصبحت شعارات الجبهة (لا إله إلا الله محمد رسول الله.. عليها نحيا
وعليها نموت وفي سبيلها نجاهد) يحفظها كل طفل وتُردد في كل دار، مستوى
الوعي ارتفع كثيراً، ثم بالنسبة للقيادة التي تحمي هذا المسار ليست محددة في
شخص. في بداية الاستقلال كان هناك قيادة مخضرمة وتمت تصفية هذه العناصر
الإسلامية أما اليوم فالجبهة الإسلامية تسيِّر عناصر لا تؤمن بغير الإسلام، فكيف
يمكن لهم أن يسرقوا النصر، وهذا في حسابنا على كل حال؛ لأن الذين يسيرون
الجبهة من مكاتبها الولائية إلى أعلى هيئة فيها وهي مجلس الشورى، غالب هؤلاء
من الإخوة المتشبعين بالحل الإسلامي، فهذا الوضع لعل الله - سبحانه وتعالى -
يبارك فيه وتستأنف الحياة الإسلامية من جديد.
* البيان: قلتم إن الجبهة صارت أقوى وخاصة بعد المحنة، وكان الأعداء
يتوقعون تفكك الجبهة، وذكرتم أن بقاء الصف موحداً كان أحد الأسباب، هل هناك
أسباب أخرى؟
الذي نقوله الآن في الجبهة الإسلامية سواء مع بعضنا أو في لقاءاتنا مع
الشعب الجزائري أن من أعظم الأسباب التي حمت الجبهة الإسلامية إنما هي عناية
الله حقيقة، نحن نؤمن أنه كلما أخلصنا العمل لله، وكلما تمسكنا بكتاب الله وسنة
نبيه - صلى الله عليه وسلم - كلما أعاننا الله - تبارك وتعالى - بعض المحللين
السياسيين قالوا: إنه مستحيل، الجبهة لا يمكن أن تقوم الآن، الضربة كانت
شرسة، أكثر من مئتين من رؤساء البلديات سُجنوا، قُتل شباب داخل المساجد
ولكن الشعب عرف أن هذا الطريق هو طريق الإسلام، الشعب الجزائري شعب
متميز في تحدِّيه، إذا عرف الحق واستمسك به يصعب على أعدائه أن يخيفوه.
* البيان: من أسباب قوة الجبهة أنها بدأت بداية غير حزبية، فهل هذا
مستمر، أعني أن لا يعامَل الذي من الجبهة معاملة خاصة عمن هو خارجها ولو
كان رجلاً طيباً فاضلاً؟ وشيء آخر أن البعض يعتبر أن الجبهة ليس لها إطار
محدد، ولكن هل من الناحية الفكرية تتبنى أشياء محددة حتى تكون متماسكة ومن
جهة، ومن جهة الإطار غير حزبية؟
الجبهة كانت كذلك، وستبقى كذلك بإذن الله، فالإطار الذي يجمع العمل في
الجبهة إنما هو الكتاب والسنة، قال الله، قال رسوله، أي الدليل، نحن لا نخضع
إلا للدليل، ونحن لا نقبل من إخوتنا الذين جاءوا من تنظيمات معينة أن يأتوا ككتلة، بحيث يكون هناك تكتل داخل الجبهة، إنما الجبهة تبقى حركة أمة، حركة شعب، في إطار الكتاب والسنة.
* البيان: هل تتبنى الجبهة بالنسبة للعقيدة والمفاهيم عقيدة أهل السنة وفهمهم
للإسلام؟
أنا قلت الإطار العام هو الكتاب والسنة والجبهة منذ البداية تعتقد ما ورد في
الكتاب والسنة وفق فهم سلفنا الصالح، هذا الأمر واضح دون تغيير بإذن الله.
* البيان: إن أي عمل - سواء كان عملاً إسلامياً أو غير ذلك يحتاج
للمراجعة والنقد الذاتي والمسلمون بحاجة شديدة إلى مثل هذا فهل حصل مثل هذا
في إطار الجبهة، هل صححت الأخطاء وروجعت الحسابات؟ .
نحن نعتقد أننا كمسلمين ينبغي علينا أن نراجع أنفسنا بين الحين والآخر،
وكلما وجدنا أن هناك أمراً فيه أخطاء نستبعده، هذا لا شك فيه، الجبهة الإسلامية
تقوِّم أعمالها بين الفينة والأخرى وهي ليست معصومة عن الخطأ، وهي مستعدة
للتراجع عن الخطأ إذا تأكدت أنه خطأ.
* البيان: في الآونة الأخيرة، هل تحدِّيها للسلطة مثل الدعوة للإضراب وأنه
إذا لم يُستجب للمطالب فسنعلن الجهاد، هل كان هذا خطأً؟ .
أولاً ينبغي أن نصحح، أنا في علمي وفي اعتقادي أن الجبهة لم تقل بأنه إذا
لم تقع الاستجابة سنجاهد؛ لأنها لم تعد الإعداد للجهاد.
* البيان: ألم تُذكر كلمة التهديد بالجهاد في تصريحات قادة الجبهة؟ .
على كل حال في التصريحات الرسمية للجبهة في اعتقادي أنها لم تَرِدْ، وإذا
وردت على لسان بعض القادة فهي تعبر عن رأي أما الجبهة فهي لم تتبنَّ الجهاد في
هذه المرحلة، أما قضية الإضراب هل هو موقف حق؟ في تقديرنا أنه لم يكن
موقفاً خاطئاً؛ لأننا كنا بين خيارين، إما أن نترك الانتخابات تمر بالتزوير،
وسوف يأخذ النظام المصداقية وإما أننا نوقف ذلك التزوير مع علمنا أنه قد يسقط
شهداء وقتلى: [ولَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ] [البقرة:
٢٥١] ؛ فالإضراب كان لابد منه، وقد ورد عن بعض إخواننا أن الاستجابة لم تكن
واسعة فهذا غير صحيح، فالاستجابة كانت واسعة، لا أقول: الانقطاع عن العمل، بل لأنها كانت حركة شعبية شارك فيها الشعب، المسيرات وصلت إلى القرى
والمداثر وليس فقط المدن ولكن كان هناك تعتيم إعلامي شديد، في مدينة عنابة
كانت المسيرة طولها (١٤) كم، لا يتمالك الإنسان عندما يراها إلا أن يبكي من
الفرح، كانت مواقف مهيبة، فالإضراب كان ناجحاً رغم ما حدث.
* البيان: هل كنتم تتوقعون اعتقال الشيخ عباسي مدني والشيخ علي بلحاج؟ .
بكل تأكيد، الشيخان كانا يتوقعان ذلك وكانا على علم وقد أخبرا إخوانهما بذلك، نحن ندرك المخاطر التي تحيط بنا، وكنا ندرك أن الأمر جد لا لعب فيه.
* البيان: هل الحكم الفعلي في الجزائر هو للجيش أم لرئيس الجمهورية؟ .
في الحقيقة النظام في الجزائر هو نظام واحد، فالرئاسة والجيش شيء واحد
بالنسبة لنا.
* البيان: هل الأحزاب غير الإسلامية تمثل خطراً كبيراً؟ ، فإذا كان هناك
قوة للجيش، للجبهة، أين تضع الأحزاب العلمانية، وهل هناك ترتيب لأخطرها؟ .
تأثير الأحزاب على الشعب الجزائري تأثير ضعيف، لا يوجد هناك حزب
يستطيع أن يجند الشعب، هناك أحزاب تستطيع أن تجند فئة معينة من الشعب،
كل الأحزاب (تدير) تجمعات ولكن لا يجرؤ حزب من الأحزاب أن يعقد تجمعاً
كبيراً، القضية لم تعد قضية الجبهة الإسلامية، أصبحت قضية شعب.
* البيان: الذين اتخذوا موقفاً مشرفاً هل كانوا من الإسلاميين؟ .
هناك بعض الإسلاميين وهناك - للأسف الشديد - غير الإسلاميين مثل بعض
اليساريين مع أن هناك إسلاميين اتخذوا مواقف سيئة وكان هذا على مرأى من
الشعب الجزائري.
* البيان: هل كان موقف هؤلاء اليساريين يتماشى مع ضعفهم، وموقفهم
عبارة عن تكتيك حزبي من أجل كسب ورقة في المستقبل أم موقفاً مجرداً؟ .
في السياسة لا توجد مواقف مجردة ولكن أقول إن هذه الأحزاب إنما أحسنت
الحسابات وهذا أفضل من حسابات بعض إخواننا.
* البيان: في الدوائر العربية والصحفية بشكل خاص يثار سؤال عما يسمونه
(اللعبة الديموقراطية) وأن الجبهة ضمناً ترى عدم شرعية الانتخابات والبرلمانات
بشكلها الحالى وأنه إذا فازت فستمنع كل الأحزاب من حرية التحرك أو حرية الكلمة، كيف يجاب عن مثل هذا الإشكال؟ .
هذا الكلام أجبنا عنه في لقاءات عدة مع الشعب الجزائري ومع الصحافة فقلنا: النظام اليوم يستكثر على الشعب الجزائري والجبهة الإسلامية أن تقول: (لا
ميثاق، لا دستور، قال الله، قال الرسول) ، بينما هم الذين في السلطة ويزعمون
أنهم يحترمون الدستور هم أول مَن يدوس الدستور؛ فمثلاً قضية (جريدة الفرقان)
منعوها أيام الحصار فلما انتهى الحصار جاءت مراسم من وزارة الدفاع تقول إن
مبرر المنع انتهى، فلما كلمناهم في الموضوع، قالوا جاء هاتف من الوزارة بالمنع، فقلنا: هل نحن في دولة القانون أم في دولة التلفون؟ ! ، الجبهة الإسلامية منذ
انطلاقها تعمل في هذه المرحلة الانتقالية، وأعلنت منذ البداية أنها إن وصلت إلى
السلطة فإنها ستغير القوانين التي تنافي شريعة الله - تبارك وتعالى - هذه لم نخفها
وكنا صرحاء مع الشعب.
* البيان: إذا طُلب منكم المشاركة، هل ستشاركون في حكومة؛ الأغلبية
فيها لغيركم، والدستور غير إسلامي؟ !
نعتقد أنه إذا شاركنا قي الانتخابات وكانت نظيفة فإن الجبهة الإسلامية ستفوز
بإذن الله.
* البيان: إن مما يحرج الحكومة - فضلاً عن قوة الجبهة - هو المشكلة
الاقتصادية، مشكلة الديون والبطالة، هل عند الجبهة برامج لهذا الأمر؟ .
بكل تأكيد، إن الأزمة الاقتصادية ليست مفصولة عن الأزمة السياسية، فالذي
أفسد الاقتصاد إنما هو السياسة، وعلى رأسها انعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم، إن
الجزائر دولة غنية (ومَن قال إن الجزائر دولة فقيرة؟ !) ، غنية بثرواتها الطبيعية، غنية بتربتها، بشبابها المستعد للعمل، ففي إمكاننا في وقت قياسي تأمين الغذاء،
النظام الحالي أفلس اقتصادياً فهو ينتظر القمح من الخارج، أسعار المواد ترتفع
والديون إلى أين تذهب؟ !
في النظام الإسلامي توزع الثروة توزيعاً عادلاً، وعندما يرى الشعب مسؤوليه
يقفون معه في نفس الخندق فسيحقق الاكتفاء الذاتي إن شاء الله.
* البيان: سؤال أخير: هل تضم الجبهة جميع شرائح الشعب، أغنياء،
فقراء، مثقفين، علماء، البدو، الريف.
كان النظام في البداية يقول: إن الجبهة فيها الأغنياء! ، لماذا لأن الجبهة
رفضت أموال النظام، لأن النظام يعطي دعماً للأحزاب قالت الجبهة: هذا غير
معقول، هذه الأموال من حق الأمة، والأحزاب التي لها امتداد شعبي الشعب هو
الذي يمولها. فلما رفضنا قالوا: معكم الأغنياء ومرة اتهموا بأن هناك دولاً أخرى
تعين الجبهة، وكل مرة يخرجون بدعايات لا أساس لها.
إخواني: والله أقول لكم، هذا واقع الجزائر، جميع الشرائح مع الجبهة
الإسلامية، في المدن، في الأرياف، في بلاد القبائل، وهؤلاء تمسكهم بالإسلام
شيء عظيم، والوعي يزداد والالتفاف حول الجبهة يقوى والحمد لله.
* البيان: شكراً لكم على هذه الفرصة ونرجو أن تتكرر فرص اللقاء لمعرفة
أحوال المسلمين في الجزائر.