مقالات معربة
سيناريوهات صهيونية لما بعد:
انهيار السلطة الفلسطينية
المقال عن صحيفة معاريف الإسرائيلية ١٨/٦/٢٠٠١م.
الكاتب الصهيوني: ناداف هيماتساني.
ترجمه من العبرية: يوسف رشاد [*]
بعد الضربات الموجعة التي شنها أبطال الانتفاضة في الآونة الأخيرة، وبعد
العمليات الاستشهادية التي هزت إسرائيل وأصابت الشعب اليهودي بحالة من الهلع
والفزع والرعب برز الآن مطلب شعبي يهودي يطالب بإسقاط ياسر عرفات ونظامه
ظناً من هؤلاء البلهاء أن ياسر عرفات هو الذي يحرّك أبطال الانتفاضة، ومع
الإلحاح على هذا المطلب إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بما فيهم حكومة
الخنزير «شارون» لا تستطيع أن تسقط ياسر عرفات؛ لأن البديل أمامهم صعب.
وقد نشرت صحيفة معاريف بتاريخ ١٨/٦/٢٠٠١م بقلم المدعو ناداف
هيماتساني موضوعاً في هذا الصدد قال فيه:
«في الأسابيع الأخيرة أخذ ينطلق في فضاء واقعنا العام مطلب شعبي بإسقاط
ياسر عرفات ونظامه، بيد أنه في كل مرة يطرح فيها هذا الاحتمال تهب كتائب من
الساسة والمعلقين لتوضح سبب عدم التفكير حتى في هذا الاحتمال، أما ما لا يقوله
هؤلاء الساسة والمعلقون فهو أنه سيحل محل عرفات أحمد ياسين، وأننا سوف
نصطدم بدلاً من السلطة الفلسطينية، بعصابات وأن كل شيء سوف يصبح أسوأ
بكثير مما يحدث الآن.
وحتى عندما توجه الأسئلة لمتحدثي اليمين حول هذا الموضوع فإنهم يتلعثمون
ويردون بإجابات مبهمة ويطرحون مقترحات غير جادة؛ وهذا التعلثم مرده إلى
السطحية، والجهل؛ فهؤلاء يزعمون أن الكارثة الحالية لا تختلف عما كان سائداً
قبل أوسلو؛ فهذا الطرح يعتمد على ذاكرة الإسرائيليين الضعيفة. ولنعد إلى
الأعوام الخمسة عشر التي سبقت التوقيع على اتفاقيات أوسلو في عام ١٩٩٣م؛
ففي هذه الأعوام بلغت حصيلة ما قُتل في عمليات فدائية ٢٥٤ إسرائيلياً، وهذا
الرقم يتضمن كل من قتل من الإسرائيليين أثناء الانتفاضة الحالية في حين بلغ عدد
الإسرائيليين الذين قتلوا في العمليات الفدائية في الأشهر الثمانية الأخيرة ٢١٣
إسرائيلياً؛ حتى في السنوات الخمس الأولى التي تلت أوسلو قتل ٢٧٩ إسرائيلياً،
أي أن عدد القتلى في» عصر السلام «كان أكبر بكثير من عدد القتلى في خمسة
عشر عاماً مجتمعة.
وبشكل عام، فإن عدد القتلى السنوي حتى نهاية الثمانينيات لم يتجاوز الأربعة
عشر قتيلاً. ففي عام ١٩٨٢م قتل اثنان، وفي عام ١٩٨١م قتل خمسة، وفي عام
١٩٨٤م قتل سبعة. صحيح كانت عمليات المقاومة موجودة إلا أن عدد ضحاياها
كان ضئيلاً جداً، وكان بالإمكان السيطرة عليها إلى حد أن إسرائيل ظلت حتى
منتصف الثمانينيات تحتفظ في الضفة الغربية بلواء واحد يقدر عدده ببضع مئات
من الجنود، وفي كل مدينة عربية كانت تقوم بأعمال الخفارة آنذاك سيارة جيب
واحدة تابعة لسلاح الحدود في دورية واحدة.
بل إن من الغريب أن نتذكر أنه لم تحدث أية مشكلة أمنية في الضفة وغزة
قبل ذلك بعشرة أعوام، وأثناء حرب ١٩٧٣م.
تحطيم العصابات:
إن هذه الأرقام والمقارنات تؤكد ما يعرفه الكثير منا من أن ما تمخض عن
اتفاقيات أوسلو، أي قيام السلطة الفلسطينية العرفاتية هو الذي يضع أمامنا اليوم
عقبة جوهرية، ومن ثم فإنه لا مفر من أن نفكر في بدائل تدمير هذه السلطة وإعادة
العجلة إلى الوراء.
إلا أنه ونحن نبحث عن مخرج من الورطة الحالية لا يكفي التخطيط
للإجراءات العسكرية التي ستمحو السلطة الفلسطينية من الوجود. وفي المقابل،
فإنه ينبغي علينا أن نقيم أنموذجاً جديداً لمجموعة العلاقات التي ستسود بيننا وبين
الفلسطينيين بعد انهيار سلطة عرفات.
ويتردد الآن في الدهاليز السياسية والأوساط الشعبية أنه إذا ما حطمنا هيكل
دولة عرفات فإنه سوف تتشكل عصابات ستنغص علينا حياتنا بشكل أشد قساوة،
وفي هذا السياق فإنه من المفيد أن نذكِّر بمعلومة أخرى لم تُستوعب بذاكرتنا
الجماعية لسبب أو لآخر؛ ففي نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات وأثناء الانتفاضة
الأولى الشهيرة كانت ترتع أيضاً» عصابات «مسلحة مختلفة ومتعددة، بل إن هذه
العصابات احتلت أجزاء من الضفة وغزة لفترات زمنية، وقد قام الجيش
الإسرائيلي بتحطيم هذه العصابات قبل التوقيع على اتفاقيات أوسلو بوقت طويل.
وقد أحسست بوفاة الانتفاضة جيداً عندما ذهبنا إلى قرية» عربة «شمال السامرة
بسيارتي العادية غير المصفحة أثناء عام ١٩٩٢م، وكانت هذه المنطقة قبل ذلك
بشهرين فقط بمثابة قلاع» الفهود السود القوية «التي لم يجرؤ الجيش الإسرائيلي
على دخولها بشمال السامرة، وبعد معارك خاضتها وحدات الصفوة بالجيش
الإسرائيلي في هذه المنطقة في أواخر أيام شامير وآرنز صدرت الأوامر أخيراً
بالقضاء تماماً على الانتفاضة وبتعاون إهود باراك وبوجي ياعلون رئيس الأركان
آنذاك تم القضاء على آخر معاقل المقاومة للعصابات المسلحة، وفي النصف الثاني
من عام ١٩٩٢م لم يبق أثر للمظاهرات والعصابات.
وبشكل عام فإن القتال ضد العصابات يعد عملاً سهلاً؛ حيث لا قيود تُقيِّد يد
الجيش، وليس هناك بحث عن» شريك «سياسي أو خوف من حماية دولية
تفرض على» جنين «الدولة الفلسطينية، كذلك أيضاً العصابات لا تتمتع بحرية
العمل التي تتمتع بها بقية الأجهزة العسكرية الخاصة بالسلطة.
الانتفاضة:
والزعم التالي أو السيناريو الثاني الذي يتردد في هذا الصدد يتمثل في المقولة
الآتية: حسناً، فلتطردوا ولتحطموا، ولكن انتفاضة أخرى سوف تنشب بعد بضعة
أعوام كما حدث عام ١٩٨٧م، ووفقاً لهذه المقولة فقد كان لا بد من تفجر هذه
الانتفاضة بسبب» الاحتلال «إلا أن من يتابع عن كثب ما حدث في الضفة
الغربية في الأعوام التي سبقت عام ١٩٨٧م رأى كيف جلبنا على أنفسنا هذه
الانتفاضة.
ففي نهاية عام ١٩٨٤م صُدمت وأنا في بداية عملي مراسلاً في الضفة وغزة
حينما اكتشفت ما تسمح به حكومة شامير في القدس الشرقية، وكيف كانت تسمح
لمنظمة التحرير بالسيطرة بالقوة وبالمال على مفترق الطرق وأدوات التأثير والنفوذ
الرئيسية على الصحف وعلى مجالس واتحادات الطلبة والنقابات المهنية، وقد كان
جهاز الدفاع (وزارة الدفاع والاستخبارات الحربية وجهاز الأمن العام الداخلي)
يحذر من ذلك، ولم يبد الشعب اليهودي اهتماماً بذلك بل إن الحكومة كانت لا تبالي
أيضاً.
وقد أسهمت بعض الأحداث الدرامية في هذه السيطرة مثل الإفراج عن ١١٥٠
فدائياً في صفقة» جبريل «وقد استقر المئات منهم وهم قتلة خطرون ومحنكون،
داخل أراضي يهودا والسامرة (الضفة وغزة) وبلوروا المعسكر الذي نظم صفوفه
ضدنا، وجنباً إلى جنب دفعوا السكان العاديين وجندوهم في التنظيمات التابعة
لمنظمة التحرير، وقد حدث كل ذلك نتيجة للعجز الحاد عن التعامل مع المحرضين
وللعقوبة الجماعية التي كانت تفرض على الأبرياء.
المبادرات:
لقد أمضينا قرابة عشرين عاماً من التصرفات الحمقاء والسياسات الخرقاء منذ
عام ١٩٦٧م إلى أن أدى تعاملنا مع الفلسطينيين إلى بلورة وتكوين جبهة أعداء مع
عرب إسرائيل عام ١٩٨٧م، ولم نكن في حاجة إلى تشكيل هذه الجبهة، ولم يكن
الواقع يفرض ذلك.
فمنذ الأسابيع الأولى التي تلت حرب الأيام الستة (يونيو عام ١٩٦٧م) أخذ
قادة الجماهير العربية في إسرائيل يطرقون أبوابنا ويتقربون إلينا؛ فقد تقدم رئيس
بلدية» بيت لحم «آنذاك» إلياس بندق «، مع رئيس بيت جالا وبيت ساحور
بطلب ضم أراضي بلدياتهم إلى دولة إسرائيل مع ضم القدس، وبعد ذلك بعدة أشهر
في بداية عام ١٩٦٨م تقدم لقادة الإدارة العسكرية رئيسا بلدية جبل الخليل وبيت لحم
باقتراح بالتوقيع على اتفاقية حكم ذاتي كانت ستعطيهم صلاحيات أشد تواضعاً وأقل
بكثير من الصلاحيات التي عرضها مناحيم بيجن في كامب ديفيد، وقد شكلت هذه
المبادرات جزءاً من عدد لا حصر له من مظاهر الود والصداقة التي أبداها عرب
الضفة وغزة لنا، من ذلك على سبيل المثال، كان سكان مستوطنة» قريات أربع «
يتوجهون سيراً على الأقدام إلى الضفة وغزة ليقوموا بالتسوق وشراء حاجياتهم،
ثم يتوجهون بسيارات تاكسي عربية إلى القدس.
إلا أن هذه المبادرات دُفعت وتحطمت بسبب عدم وجود سياسة تستجيب لها
وتستغلها في كل من حكومات العمل والليكود على حد سواء. لقد بادر عرب
إسرائيل بمد يدهم للتعايش تحت سلطتنا وحكمنا إلا أن هذه الأيادي كانت ترد،
وكانت المبادرة شبه الوحيدة التي استخدمت في الاتجاه الصحيح هي مبادرة إقامة
الجمعيات القروية في نهاية السبعينيات وقد بذلت آنذاك محاولة لتكوين زعامة بديلة
لزعامة وقادة منظمة التحرير، بيد أنه وقعت أخطاء تكتيكية وانتهت المبادرة بإخفاق
ذريع.
البوتقة:
من هنا فإن هدف اليوم التالي لرحيل عرفات هو العودة إلى الوضع الذي كان
سائداً هنا في منتصف السبعينيات، وهي الفترة التي كان من الممكن فيها بلورة
الأحداث، حسبما نريد وكيفما نشاء بشكل أو بآخر.
إن الاتجاه المرغوب يقود إلى أنموذج الحكم الذاتي الذي لا يمكن أن يكون
دولة مستقبلاً بأي حال من الأحوال. صحيح أنه ليس لنا أية مصلحة في العمل
بإزالة القمامة من نابلس أو الاهتمام بمضامين الكتب الدراسية والعملية التعليمية في
غزة طالما أنه سيكون بإمكاننا التحكم في عدم التحريض ضدنا هناك.
ومن ثم فإنه بعد الانفجار الكبير الذي ينتظر بالأبواب سوف نضطر لأن
نعطي لأنفسنا ولعرب إسرائيل فرصة ثانية، فمن جانب سيتعين علينا الاحتفاظ بقوة
الردع، ومن ناحية أخرى منح خيار معقول للعيش معنا وبجانبنا. بعبارة أخرى:
ينبغي أن نمسك بعصا كبيرة، ونقدم جزرة كبيرة، وتظل السيطرة على الشؤون
الخارجية والدفاع والأمن والأرض والأبنية في أيدينا، وسوف يتعين علينا أيضاً أن
نوطن عدداً من اليهود في أراضي الدولة، بيد أننا سنحرص باستثناء كل ذلك إلى
فعل النقيض تماماً مما فعلناه منذ عام ١٩٦٧م.
فكيف نعيد الواقع إلى ما كان قبل ٢٥ عاماً؟ إن الإجابة على هذا التساؤل
تكمن في طابع الأحداث المفاجئة والقوية التي من المنتظر أن نشهدها قريباً، وليس
ثمة شك في أن ذلك لن يصبح ممكناً ومتاحاً بدون أن تحدث صدمة عنيفة وهزة
قوية للفلسطينيين، حتى لو كانت في شكل نكبة جديدة مصغرة، ولكن من المفيد أن
نذكِّر من لا يصدق أنه كان من الصعب في عام ١٩٤٨م أن نعتقد وأن نقدر أننا
سوف نستولي على الضفة الغربية بعد ٢٥ عاماً بعدد قليل من الجنود. لقد نشأ واقع
السبعينيات نتيجة للصدمة العربية التي وقعت في عام ١٩٤٨م، وعام ١٩٦٧م،
وليس ثمة شك في أن الفلسطينيين يحتاجون مرة أخرى إلى علاج من الصدمة.
وهذه الصدمة ستحدث تلقائياً إن عاجلاً أو آجلاً؛ إذ إننا سوف نضطر خلال
فترة غير طويلة إلى إعادة بسط سجادة دماء أوسلو مرة أخرى، عندها سوف يكون
من المهم أن نتأكد من أننا سوف نسير فوق هذه السجادة إلى آخرها. من المهم أن
نعد خططاً ومشاريع دقيقة، والإجهاز تماماً على كل من سيطلق النار علينا وطرد
كل المسارات القيادية وزمرة القيادة المركزية التابعة لعرفات ومنظمة التحرير وبقية
المنظمات» حماس، والجهاد الإسلامي «كل هؤلاء سوف يدعون لتلقي تذكرة
إياب إلى تونس أو إلى إقامة غزة جديدة في» مرج الزهور «بجنوب لبنان.
وبلا أية علاقة بإغلاق حسابنا العادل معهم، فإن صدمة تحطيم السلطة سوف
تكون بمثابة طرقة حديد قوية في بوتقة صب النحاس، وذلك كما أعيد تشكيل ملامح
وتربية ألمانيا النازية القاتلة بالقوة بعد الحرب العالمية الثانية. إن الحل موجود في
أيدينا؛ فمن الممكن أن ننتصر وأن نسيطر أيضاً بشكل محتمل ومعقول، لا بشكل
مثالي بالضرورة، ومن دون أي حاجة إلى دليل مادي للتعامل الجديد الممكن مع
الفلسطينيين يكفيه أن ينظر إلى هدوء عرب القدس الشرقية؛ فهؤلاء لديهم الكثير
الذي يمكن أن يخسروه وقد آثروا الانضمام الآن بالذات إلى جانبنا.
البديل:
ولن يكون من الممكن تجاهل الحساسية الدولية في عصر التلفزيون؛ لكن من
ناحية أخرى لا ينبغي أن نحبط أنفسنا بسبب ذلك، فإذا ما وجهنا الدفة وأدرناها إلى
هذه الأهداف بتكتيك ذكي، فإننا سنمنع أيضاً حدوث تدخل دولي، والأهم من ذلك
أن نقوم بعدة تدريبات داخلية استعداداً لهذا السيناريو؛ لأننا نعلم أنه ليس لدينا أي
بديل حقاً بعد ثماني سنوات» سلام «على الطراز العرفاتي» ا. هـ.
(*) كاتب وباحث وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.