للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأملات في واقع الحياة

جَلَد الفاجر وضعف التقي

محمد الناصر

يروى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: (اللهم إني أشكو إليك جلَدَ الفاجر وضعف التقي) . فإذا كان أمير المؤمنين في زمنه

قد شكا من هذا الأمر فماذا نقول نحن أبناء هذا العصر؟ !

لقد كان حرص الخليفة شديداً في اختيار الرجال وفي تمحيص أصحاب

الكفاءات، ليطبق شرع الله كاملاً، ويحوله إلى واقع عملي ملموس على أيدي

أصحابه وقد تحقق له ذلك بفضل الله تعالى.

هذه المقولة تصور لنا صنفين من الناس:

* جَلَد الفاجر وصبره ودأبه، وتعاونه مع أمثاله لتحقيق ما تصبو إليه نفوسهم

من أهداف.

* وطيبة قلب التقي وحسن الظن لديه زيادة عن الحد المطلوب ثم التواكل

وعدم التعاون مع أمثاله في أغلب الحالات.

وها نحن في هذا العصر نرى قوة أهل الباطل وتعاونهم بينما نجد أن أهل

الخير والصلاح متباعدين، لا يأخذ التعاون من أنفسهم اهتماماً جاداً وإذا بدأوا مثلاً

بمشروع خيري أو مؤسسة طيبة الأهداف، فقلما يستمرون فيها، بل ربما آلت إلى

بعض الأفراد من الصنف الأول بسبب جلد هذا الصنف وإتقانه أسلوب التلون

مستغلاً حسن الظن أو التقاعس عند الناس الطيبين.

ومنذ مطلع هذا القرن الميلادي، نلاحظ أن أعداء الإسلام قد خططوا لحربنا،

ونجحوا في تحقيق كثير من أهدافهم مع الأسف. فالنصارى مثلاً دأبوا على تنصير

أبناء المسلمين مستغلين الفقر والجهل والمرض باذلين الأموال في سبيل هذا ...

الغرض. وإذا لم ينجحوا في تحويل أبناء المسلمين إلى النصرانية فقد شككوهم في

صلاحية دينهم وهيمنته على حياتهم.. وإذا سألت عن أموال المسلمين، فربما

وجدتها تصب في مصالح أعدائهم قصداً أو دون قصد. وكان أهل الباطل قد جندوا

قواهم في مطلع هذا القرن كذلك باسم القومية، ورفعوا شعارات منها: أن الدين لله

والوطن للجميع، وأن الأديان يجب ألا تفرق بين أبناء الوطن الواحد..

وبعد أن خدعوا أبناء أهل السنة وشكلوا الأحزاب العلمانية، إذا بقواهم تظهر

على شكل (ميليشيات) مسلحة وقد تنكروا لشعاراتهم الخادعة، وأعلنوها طائفية

حاقدة، وبات المسلمون من أهل السنة هم الطائفة المستهدفة الضعيفة، وها هو

لبنان خير شاهد على مأساة تتكرر في عدد من بلدان المسلمين.

إن داء الغفلة، وداء التواكل، والتسويف المميت، من أشد أمراض المسلمين

مع الأسف في هذه الأيام رغم أن ديننا هو دين العزة والقوة والمنعة إذا تحول إلى

واقع حي في نفوس أتباعه، إذ لا بد أن يتفاعل المسلم مع أحداث أمته تفاعلاً

إيجابياً، أن يتأثر ويؤثر من أجل تغيير هذا الواقع المرير.. والمسلم قوي بأخيه،

والتعاون على البر والتقوى من أهم مبادئ ديننا.