للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شئون العالم الإسلامي

الجهاد الأفغاني: التعالي على الخلافات

فرح المسلمون في كل مكان حينما انسحبت روسيا وجيشها الأحمر من

أفغانستان تحت ضغط الجهاد الأفغاني الذي أقضى مضجع الشيوعيين وأذنابهم،

واعتبروا ذلك هزيمة للباطل الذي تقوده الشيوعية وانتصاراً للحق المظلوم المتمثل

بالإسلام.

وقد وضع المسلمون أيديهم على قلوبهم خشية من بنيات الطريق والمنعطفات

التي تنتظر إخوانهم المجاهدين في أفغانستان، لعلمهم أن مواجهة المشاكل الداخلية

قد تكون أصعب من مواجهة أعداء الخارج. وهذه قاعدة مطردة وسنة معروفة.

والمجاهدون - على ما بذلوا من أرواح وتضحيات على كل صعيد، وعلى

ما أظهروا من شجاعة اعترف بها العالم - فإن فيهم ما يخشى عليه ويخشى منه،

وصفوفهم ليست ممحصة تمحيصاً يدعو إلى الاطمئنان الكامل أنهم قادرون على

التغلب على العقبات التي نصبت لهم هنا وهناك. وكل الناس يعلمون أنه لا روسيا

ولا أمريكا ولا القوى المحيطة بأفغانستان ترغب في إقامة حكم إسلامي صافٍ من

شوائب المساومات والتنازلات. وإذا كنا لا نحب الكلام على السلبيات ولا تضخيمها،

فإننا أيضاً لا يحسن بنا أن نتجاهلها ونغفل عنها، ومن أخطر ما سيؤثر على

الجهاد الأفغاني وجود النزعات القبلية التي لها حساباتها الخاصة التي تختلف

ومقتضيات الجهاد.

والقبلية إذا وضعت كهدف، وعادى الإنسان على أساسها ووالى فإنها لا تأتي

بخير أبداً، وشواهد التاريخ ماثلة، وأقربها وأجدرها بأن يأخذ الشعب الأفغاني منه

عبرة ودرساً هو حال العرب الذين استغلهم الحلفاء في الحرب العالمية الأولى

ليضربوا بهم الأتراك، ويقضوا على كيان الدولة العثمانية، واعدينهم بالاستقلال

وتأسيس امبراطورية عربية وإعادة مجد التاريخ العربي، فعمل هؤلاء الحلفاء على

مصانعة القبائل العربية واستغلال حب هذه القبائل للمال ونزوعها الذي طال عليه

الأمد إلى العصيان وحياة السلب والنهب، فبثوا بينها الجواسيس، ووزعوا عليها

صرر الذهب وحرضوها أن تضرب مرافق الدولة، وتسطو على الحاميات

العسكرية بغارات دموية جعلت من المستحيل أن تكون هناك علاقة حسن جوار بين

العرب والأتراك فضلاً عن علاقة أناس يجمعهم دين واحد، وكانت النتيجة أن لا

دولة عربية قامت بل مِزَقُ دول، ولا القبائل العربية اغتنت، والمستفيد الأول

والأخير هو القوى الاستعمارية وأعوانها وأذنابها.

نقول هذا الكلام بعد أن بلغنا ما وقع فيه المجاهدون من رفعهم السلاح على

بعضهم، فمهما كانت الخلافات بين المسلمين لا ينبغي أن تؤدي إلى إراقة الدم بين

المسلمين وتفتيت وحدتهم التي لا يستفيد منها إلا العدو المتربص بهم ويفرح بها أشد

الفرح. بل إن صحافة العدو تنتظر مثل هذا الحدث لتضخمه وتنفخ فيه حتى تنفر

القلوب وتشحن الصدور وتجعل الأفغان مائة أفغان كما جعلت العرب اثنين وعشرين

عرب.

إن هناك من يتربص بالجهاد ليكبر أخطاء المجاهدين، وليحرك الإحن

والأحقاد، فلاشيء أقسى على أعداء الجهاد من وحدة المجاهدين، ولاشيء أدعى

لإبطال خططهم ومكايدهم من صدور المجاهدين على رأي واحد في المسائل

المصيريه والهامة، وإلا فبأي شيء نفسر أن تفتح دولة مجاورة أبواب سفارتها

للتعزية بمن قتل في الحادث المؤسف، هل طلباً للإصلاح، أم إثارة للمشاعر

وتحريكاً للخواطر وتعميقاً للفرقة بين أهل السنة؟

إننا مع عدم رضانا أن يسفك المسلم دم أخيه المسلم لاختلافهما في وجهات

النظر؛ ندعو الإخوة المجاهدين إلى ردم الهوة بينهم، وتجاوز الأخطاء حتى لا

تستثمر هذه الأخطاء من قبل من لا يرقب فيهم إلا ولا ذمة، ولا يريد بهم جميعاً إلا

الشر والوقيعة