للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصطلحات ومفاهيم

[التعليم المستمر]

د. عادل الجندي

منذ القرن الثامن عشر تطور مفهوم التعليم؛ حيث أصبح من أهدافه تنمية

مواهب الفرد لكي تتطور حتى يضيف كل «متعلم» خبراته الجديدة وربما

مكتشفاته ومخترعاته إلى التراث، بما قد يؤدي إلى مضاعفة العلم المطلوب تعلمه،

أو إلى تغيير التراث كله بتغيير طريقة التفكير فيه، أو نقده وتعديله، أو طريقة

الانتفاع به.

ولكن على المستوى العلمي ظلت عملية التعليم والتربية عملية اجتماعية،

بمعنى أن مؤسسات المجتمع القائم هي التي تقوم بها، سواء من خلال الأسرة أو

البيئة الاجتماعية المباشرة، أو من خلال مؤسسات التعليم والإعلام والتثقيف التي

يملكها الأفراد أو الهيئات أو الجماعات المستقلة، أو تملكها وتديرها الدولة.

ثم كان تقرير اللجنة الدولية التي عملت بتفويض من اليونسكو برئاسة «إدجار فور» الذي نشر عام ١٩٧٢م نقطة تحول في تنمية التربية التي بدأت تحتمل تصوراً

جديداً من حيث كونها نشاطاً إنسانياً، قد يكون نظامياً كما في التعليم المدرسي، أو

شبه نظامي كما هو في المؤسسات التربوية المساندة للمدرسة، أو غير نظامي

كالتعليم من الحياة وبالحياة.

وظهر منذ ذلك الوقت البحث عما يسمى «المجتمع المتعلم» الذي ينبغي أن

تهدف إليه الجهود بالوسائل المختلفة المناسبة لكل دولة بحسب ظروفها الاقتصادية

والاجتماعية والثقافية.

وحاولت بعض الدول أن تقترح الوسائل المناسبة لتنفيذ ذلك التصور الجريء

وتمويله، وهو ما يسمى الآن بـ «التعليم المستمر» الذي نادت به «لجنة إنتاريو»

في كندا في الوقت الذي ظهر فيه رأي «اللجنة الدولية» التي شكلها اليونسكو

رغم استقلالهما عن بعضهما.

وقد زامن هاتين اللجنتين جهود أخرى قام بها مجموعة العمل التي شكلت عام

١٩٧٢م، والتي نادت بفكرة «التعليم الأساسي» لإصلاح التعليم الابتدائي التقليدي

واستحداث أنماط جديدة للتربية والتعليم تجمع بين التعليم النظامي والتعليم غير

النظامي وتربط بين العمل والتعليم.

ومع هذا الاهتمام المتزايد بالتنمية العامة تأكد الدور الذي يمكن أن يلعبه التعليم

والتدريب في المجال الاقتصادي وفي زيادة الإنتاج وقدرة الأفراد على القيام بالدور

الإيجابي الذي يؤدي إلى تنمية المجتمع.

وقد أكد الباحثون على أهمية التدريب والتعليم في محيط العمل والعمال،

وحاول الباحثون قياس القيمة المضافة التي تحدثها إطالة التعليم في إنتاجية العاملين، وهو ما يؤدي إلى الاعتراف الكامل بإسهام التربية والتعليم في التنمية الاقتصادية؛ وبذلك لا يكون التعليم مجرد خدمة تؤدى باعتباره حقاً من حقوق الفرد وإنما أصبح

عملية استثمار، ووسيلة لرفع الكفاية الإنتاجية وبذلك أصبح موضوعاً هاماً في

الميدان الاقتصادي وطريقاً إلى التنمية الشاملة.

إذن فالتربية التي تشمل التعليم المستمر يقصد بها كل ما يمكن أن يكتسبه

الفرد على مدى حياته من المؤسسات التربوية والاجتماعية من برامج تعليمية

وثقافية ومهنية باستخدام الأساليب والوسائل التعليمية المتاحة له، بما يساعد على

استمرار الاستزادة العلمية والثقافية للأفراد والجماعات في النواحي المهنية

والحياتية، بحيث لا يعتمد في ذلك على المدارس النظامية وحدها بل تشارك فيه المنظمات والهيئات الأخرى، وتصبح الحياة مدرسة، ويتعلم كل فرد من الحياة بالحياة، وهو ما كان مطبقاً بالفعل أثناء تألق الحضارة الإسلامية.

وعموماً ونظراً للاهتمام بالتعليم المستمر في الوقت الحالي، فإن بعض الناس

ينظر إليه بوصفه «نظاماً ثالثاً في المجتمع» ، أما النظام الأول، فيشمل المدارس

الابتدائية والثانوية، بينما يشمل النظام الثاني مؤسسات ما بعد المرحلة الثانوية،

وهذان النظامان «الأول والثاني» يمثلان جزءاً من العمليات التربوية التي يمر بها

المتعلم الذي يدرس لوقت كامل Full Time، وقبل أن يتجه إلى سوق العمل أو

إلى أي مكان آخر. أما التعليم المستمر من حيث إنه «نظام ثالث» فيشمل كل

المؤسسات التربوية التي من خلالها يحصل الفرد على فرص تعليمية، سواء كانت

قبل الالتحاق بالتعليم النظامي أو خلاله أو بعد التخرج فيه. ومن هنا يصبح التعليم

المستمر ذا مغزى ومعنى بالنسبة للنظامين الأول والثاني، ولذا فإن التعليم المستمر

ما هو في الواقع إلا تمديد للنظام التربوي في الزمان والمكان، وتنظيم للخبرات

والنشاطات التربوية وجعلها متاحة لكل من يرغب فيها على مدى الحياة؛ فهو له

بُعدان: أفقي، ورأسي. ففي بعده الأفقي يُعنى بتنويع التعليم في الأماكن المختلفة،

وفي بعده الرأسي يعنى بإتاحة الفرص للدخول في أي نوع من أنواع التعليم في

الأزمنة المختلفة.

والتعليم المستمر ينادي في جوهره بالتحول والتغير الكيفي والنوعي للنظام

التعليمي الحالي؛ فهو ليس مجرد زيادات كمية طفيفة ولا سلسلة من الإصلاحات

الجزئية في هذا النظام؛ ودائماً هو نظرة فلسفية شاملة لمعنى التغير ومضامينه على

صُعُد التربية والتعليم والسياسة والمجتمع والاقتصاد. فهو لذلك يهدف أساساً إلى

تحقيق الذات بالنسبة للفرد وعن طريق اختيار حر من بين كلٍّ متكامل مرن من

المعارف والخبرات التنظيمية؛ وهذا التنوع ضمن الوحدة للمعارف والخبرات هو

الذي لا يزود الأفراد أو نخبة معينة فحسب، بل المجتمع كله باحتياجاته المعرفية

في كل مجالات الحياة، وبذلك يوجد المجتمع المعلم المتعلم.

فالتربية لا بد أن تتميز بما يلي:

١ - المرونة.

٢ - دفع عجلة التطور الاجتماعي إلى الأمام للأفراد والجماعات في آن واحد.

٣ - تلافي العيوب الناجمة عن التعليم التقليدي.

٤ - الربط بين التربية والمجتمع.

٥ - التركيز على التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

٦ - اختيار المناهج المتماشية مع حاجات الدارسين (المناهج الأكاديمية

المفروضة) .

مرتكزات التعليم المستمر:

ويعتمد التعليم المستمر على:

- التركيز على الجوانب العملية التي تساهم في بناء المجتمع وتقسيم الأنشطة

إلى أنشطة أساسية وأخرى تعالَج حسب الأولويات.

- دراسة أوضاع الفئات الفقيرة والعمل على سد احتياجاتها الاجتماعية

والاقتصادية.

- التعاون مع ذوي الخبرة للوصول إلى التوصيف الصحيح لأوضاع المجتمع

وحاجاته.

- تمكين الفئات المحدودة الإمكانيات على تطوير هذه الإمكانات والارتقاء

بمستواها كي لا تقف عقبة في طريق تقدم هذه الفئات وتحد من إسهامهم في نمو

مجتمعهم.

- أخذ الأوضاع الاجتماعية للسكان بعين الاعتبار عند التخطيط للتطور

والتنمية الصناعية؛ بحيث تتماشى خطوط التنمية مع هذه الفئات وقدراتها وتلبي

حاجاتها المختلفة.

- تبنِّي الاتجاه الجماعي في التخطيط لبرامج التعليم المستمر، والقضاء على

جميع مظاهر التفرقة الاجتماعية التي من شأنها تشتيت الجهود وبعثرتها.

أما فيما يتعلق بالوسائل والأساليب التي يمكن أن تحقق أهداف التعليم

المستمر:

فإنه يمكن أن تتعدد الأساليب والطرق والوسائل التي تحقق أهداف التعليم

المستمر، ويمكن أن تختار كل دولة وكل مؤسسة وكل جهة تود أن تسهم في التعليم

المستمر أي وسيلة تراها مناسبة لظروفها وطبيعة عملها وإمكاناتها.. . على أن يتم

ذلك وفق تخطيط وتنظيم محكم يأخذ في الاعتبار جميع العوامل والمؤثرات التي

تضمن نجاح برامج التعليم المستمر.

وفيما يلي أمثلة من هذه الوسائل وتلك الأساليب:

أ - المؤسسات التي تسهم في التعليم المستمر.

ب - الوسائل الممكن الاستعانة بها.

ج - أساليب أخرى حديثة.

مع توضيح لما يمكن أن تؤديه كل منها من خدمات وما تعمل على تحقيقه من

أهداف.

أ - المؤسسات:

١ - مراكز التعليم الموازي للتعليم النظامي التي يمكن أن توفر التعليم

المستمر للمتسربين من المدارس، أو من فاتهم قطار التعليم النظامي بحيث تعوضهم

عما فقدوه من فرص الحصول على الشهادات الدراسية.

٢ - المراكز الثقافية والاجتماعية بالمدارس والمعاهد التربوية التي يمكن أن

تنظم الدراسات والندوات للآباء والأمهات والشباب لزيادة ثقافتهم، وتوعيتهم

بالمشكلات الصحية والاجتماعية بما يساعد على رفع المستوى الثقافي وخدمة البيئة.

٣ - مراكز خدمة المجتمع بالجامعات، وما يقوم به من تنظيم للمشروعات

العلمية التي يشترك فيها الطلبة وما تقدمه من برامج في الدراسات التكميلية أو

المهنية لمن يطلبها من المواطنين في مختلف الأعمال.

٤ - مراكز التعليم بالمراسلة أو الجامعات المفتوحة، أو ما يسمى أحياناً

جامعات الهواء التي تنظم برامج متنوعة في مستويات مختلفة تصل بها إلى من

يرغب في الاستزادة التعليمية في المجالات المختلفة؛ بحيث تنقل إليهم التعليم في

أماكنهم بدلاً من أن ينتقل المتعلم إليها.

٥ - مراكز تعليم الكبار ومدارس مكافحة الأمية التي يلتحق بها من يرغبون

في استكمال تعليمهم الأساس، والقضاء على الأمية بمختلف صورها.

٦ - المكتبات الحديثة بما فيها من كتب ومجلات، وما تقدمه لروادها من

تيسيرات للاطلاع والبحث، خصوصاً إذا استكملت بالوسائل التعليمية الحديثة: من

تسجيلات صوتية، وأفلام سينمائية وبرامج مختلفة.

٧ - مراكز التدريب أثناء الخدمة، وما تقدمه من برامج تثقيفية وبرامج

لزيادة المهارة المهنية لرفع كفاءة العاملين بما يضمن زيادة الإنتاج ويزيد من ثقافة

العاملين وإيقافهم على المستحدثات في مجالات تخصصهم أو المجالات الثقافية

العامة.

٨ - النقابات والاتحادات المهنية وما تنظمه من برامج تعليمية وفق تخطيط

جيد في مواعيد مناسبة ومنتظمة لأعضائها ولأسرهم بما يقوي الروابط المهنية

ويرفع من المستوى الثقافي للأعضاء.

٩ - المؤسسات الدينية وما تقوم به من برامج في التوعية الدينية والثقافية

والاجتماعية وبالأخص في مجال التربية الخلقية والتعامل الاجتماعي.

١٠ - الهيئات النسائية، وما يمكن أن تقوم به من برامج في التوعية الأسرية

والتربية الحيائية وتنشئة الأطفال والعلاقات العائلية بما يضمن سعادة الحياة للأسرة

والمجتمع.

ب - الوسائل الممكن الاستعانة بها:

١ - الاستعانة بوسائل الاتصال الثقافي وبالأخص الصحف اليومية

والأسبوعية والمجالات العلمية والنشرات خصوصاً إذا نظمت في صورة هادفة

مسلسلة وفق تخطيط معين.

٢ - الاستعانة ببرامج الإذاعة والتلفزيون بحيث يخصص بها مواعيد معينة،

وبحيث يتم التنسيق بين هذه المواعيد التي يسمح فيها للعاملين بالمؤسسات المختلفة

بمتابعة برامج، هذا فضلاً عن:

أ - بناء الحقائب التعليمية متعددة الوسائل واستخدامها، وهي تحتوي أنواعاً

مختلفة من المواد التعليمية كالأفلام والخرائط والمطبوعات.. إلخ وتعمل كل واحدة

من هذه المواد على توفير نوع من الخبرة التعليمية بما يحقق أهدافاً مقصودة في

دراسة موضوع معين بطريقة متكاملة.

ب - استخدام الكمبيوتر في التعليم؛ حيث تعد البرامج التعليمية بمعرفة

مختصين في التربية والتعليم، ويغذى بها الكمبيوتر لتبقى في ذاكرته؛ بحيث يمكن

للمتعلم أن يستدرج الكمبيوتر ويطرح الأسئلة التي يريد الحصول على إجاباتها،

فيتلقى الرد فوراً على الشاشة التي تستخدم للاستقبال والتي تشبه شاشة التلفزيون،

ويحتاج وضع برامج الكمبيوتر إلى مهارة خاصة وتعاون بين الفني في الكمبيوتر

والفني في التعليم وفق البرامج المراد تعلمها.

٣ - برامج التعليم الذاتي التي تقوم على أساس فكرة التعليم المبرمج والتي

يستطيع بها أن يعلم الشخص نفسه بنفسه، وأن يسير في التعليم بحسب سرعته

الخاصة، بحيث يقل التركيز على المدارس ويعتمد المتعلم على نفسه، ويسير في

التعليم إلى المستوى الذي يناسب قدراته واستعداداته الخاصة.

وواضح أن من الممكن الجمع بين طريقتين أو أكثر وبين أكثر من أسلوب في

الأوقات المختلفة بحسب المستوى ونوع الخبرة بما يحقق أهداف التعليم المستمر.

المراجع:

- محمد خليفة بركات، مفاهيم التعليم المستمر أساليبه، جامعة الكويت،

مجموعة البحث التي ألقيت في الندوة العلمية العربية للتعليم المستمر، ١٩٨١م.

- محمد أحمد موسى البكري، ودور التعليم في السنة الاقتصادية والاجتماعية جامعة الكويت، ١٩٨١م.

- سامي خشبة، مصطلحات فكرية، المكتبة الأكاديمية، القاهرة، ١٩٩٤م.

- إبراهيم محمد إبراهيم الحنكادي، تعليم الكبار ومشكلات العصر، الرياض

دار الأندلس للنشر والتوزيع، ١٩٩٦م.

- المنظمة العربية والثقافة والعلوم، استراتيجية تطوير التربية العربية.

- عبد الله الدحيم، الثورة التكنولوجية في التربية العربية، دار العلم للعلامة

١٩٧٤م.

- عبد الله هنداوي التربية المستمرة: مفهومها، أهدافها مجالاتها.