(١) كانت (جمعية الشبيبة الإسلامية) من أوائل ما أسس في تاريخ الحركة الإسلامية بالمغرب في صورتها الحديثة، وذلك سنة ١٩٧١م، وكانت ذات تركيب سري غامض، ساعد في غموضه طبيعة شخصية قائدها المؤسس الأستاذ «عبد الكريم مطيع» الذي كان مفتشاً في وزارة التربية والتعليم والذي كان قبل ذلك عضواً في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ذي الميول اليسارية، فجاء القائد من هناك يحمل كثيراً من خصائص العمل الحزبي، وكثيراً من خصائص العمل اليساري؛ ولذلك لم يكن يُدرَى وإلى حد الساعة مقدار توجهه الإسلامي وحقيقته؛ بسبب غرابة منهجه في تسيير الجماعة، وأسلوبه المناور في التعامل مع كل من يخالفه الرأي من الدعاة، وسهولة رميه إياه بالعمالة للنظام والجاسوسية للمخابرات! لقد كانت فترة عصيبة في تاريخ الحركة الإسلامية بالمغرب، طحنت كثيراً من الأبرياء، وسربت كثيراً من العملاء، وأتت على الأخضر واليابس! لكنها مع ذلك أنبتت (من بين فرث ودم) عدداً من المخلصين، خرج من تلك المحنة، أو الفتنة، وهو يحاول تلمس معالم المنهج الإسلامي السليم وقد كان حدث اغتيال عمر بن جلون سنة ١٩٧٥م هو بداية ما سمي بـ (فتنة الشبيبة الإسلامية) ، وعمر بن جلون هذا، كان هو رئيس تحرير جريدة (المحرر) اليسارية الناطقة باسم «حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» الذي كان أكبر قوة شعبية آنئذ على مستوى الأحزاب السياسية؛ ذلك أنه بعد القبض على الشباب الذين نفذوا عملية الاغتيال؛ تم اتهام الأستاذ «عبد الكريم مطيع» رئيس جمعية الشبيبة الإسلامية بأنه هو الذي أصدر الأمر بالاغتيال، حسب صك الاتهام (؟ ؟ ؟) ، لكن مطيعاً تبرأ من أولئك الشباب؛ فكان أن فر هارباً خارج المغرب، ليعيش في المنفى منذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا، وليشرف على تسيير جماعته بضع سنين أخرى من الخارج فدبت الفوضى في صفوف التنظيم، وتم تبادل الاتهامات بين قيادات الداخل والخارج وقيادات الخارج وشاع منطق الاتهام والشتم للنظام الحاكم؛ مما كان يؤدي إلى توسيع دائرة الاعتقالات، وإغراق السجون بالمعتقلين، من المتورطين وغير المتورطين على السواء! فكان أن بدأ الجسم الحركي في التململ والاضطراب، ثم الانفجار الذي أدى إلى تولد عدة شظايا تنظيمية، كان أبرزها وأكبرها ما سمي آنئذ بجمعية (الجماعة الإسلامية) بقيادة الأستاذ محمد يتيم، وهي الجمعية التي تطورت فيما بعد إلى ما عرف بـ «حركة الإصلاح والتجديد» ، ثم «حركة التوحيد والإصلاح» بعد توحدها مع رابطة المستقبل الإسلامي وإلى الآن ما يزال ملف «الشبيبة الإسلامية» من أغمض الملفات في تاريخ الحركة الإسلامية بالمغرب وأعقدها! وخاصة أن بعض رموز تلك المرحلة ممن كان واسطة بين مطيع وبين الشباب قد فُقِد تماماً؛ فلا يُدرَى أهو من الأحياء أم من الأموات! وكذلك وجود زعيمها الأول الأستاذ عبد الكريم مطيع خارج الوطن، ذلك الرجل الذي لا شك في أنه يحمل في جعبته الكثير من الأسرار!