للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتب

مدخل إلى وحدة العمل الإسلامي

تأليف: جمال سلطان

عرض وتلخيص: د. حسن حسن إبراهيم

اختلاف الفكر حقيقة ثابتة.. فكما أنه لكل إنسان بصمة أصبع، كذلك لكل

إنسان أيضاً بصمة فكرية، من صفاتها: أنها (متحولة) . فقد تعرض على الكافر

كافة البراهين التي تدفعه للإيمان، إلا أنه يحجم، ثم يأتي لحظة تقلب موقفه الفكري

رأساً على عقب، فيقرر الإيمان.

فقه الخلاف في الجيل الراشد:

في هذا الجيل تم توظيف ظاهرة الاختلاف توظيفاً بناءاً لم يحدث في أي جيل

آخر. وكان ذلك ثمرة تربية الرسول-صلى الله عليه وسلم- لصحابته ونتيجة

لتمسكهم بهديه. فعندما أرسل صلى الله عليه وسلم معاذاً وأبا موسى إلى اليمن قال

لهما: «تطاوعا ولا تختلفا» [١] ، أي: لا يصر كل منكما على رأيه واجتهاده؛

ويصعد الخلاف حوله، وإنما يتساهل فيه ليقدم وحدة العمل على اختلاف

الاجتهادات والآراء.

وجاء في بيعة الصحابة للرسول -صلى الله عليه وسلم-: «وعلى ألا ننازع

الأمر أهله، إلا أن نرى كفراً بواحاً لنا فيه من الله برهان» [٢] ، فهذا النص يبين

مبلغ حرصه -صلى الله عليه وسلم- على وحدة الأمة، حتى أنه لم يعد ينقضها إلا

نقض الإسلام ذاته.

وعندما خرج النبي-صلى الله عليه وسلم -على بعض أصحابه وقد تماروا في

آية من القرآن حتى ارتفعت أصواتهم؛ فأخذ يرميهم بالتراب وقد احمر وجهه-صلى

الله عليه وسلم-، ويقول: «مهلاً يا قوم؛ بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على

أنبيائهم وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضاً،

بل يصدق بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى

عالمه» [٣] ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعرض لقضية: (الصواب والخطأ في اختلافهم) ، وإنما عرض لحسم مادة الشقاق برفع كل الخلاف والانشغال عنه بغيره.

والخلاف في الإسلام نوعان:

- الخلاف التخصيبي: هو ذلك الاجتهاد الجاد الذي يبحث ويتفحص لكي

يخرج برأي يزيد الآخرين تبصراً بأبعاد الموقف، ويزيدهم فهماً للقضية محل

النظر، دون إملاء هذا الرأي على الآخرين كحل نهائي لا يجوز خلافه، وهذا

خلاف محمود.

- الخلاف التفريقي: وهو ذلك الخلاف في الرأي الاجتهادي، الذي يتعدى الموقف الفكري ليتشخص في موقف عملي يلزم الآخرين باتباعه، ويؤسس على ذلك سلوكاً يشكل خطراً على وحدة الأمة المسلمة. وهذا خلاف مذموم.

الخلاف في واقعنا الإسلامي المعاصر:

هو خلاف تفريقي مذموم، متجه إلى شق الصفوف وتفريقها، وأسبابه هي:

١- ضعف المحصلة العلمية: وهذا يؤدي إلى تعظيم الصغائر، وتصغير

العظائم، كمن تنازعوا قديماً في دم البعوضة واستباحوا دم أصحاب رسول الله-

صلى الله عليه وسلم-، وكهؤلاء الذين عندهم استعداد لتدمير الحركة كلها من أجل

خلاف فقهي بسيط.

٢- عدم فهم مقاصد الشريعة: فيؤدي ذلك إلى عدم فقه ترتيب الفروض وهو

فقه غزير لا سيما الآن، حيث يصعب أن تقيم فريضة إلا على حساب أخرى، وأن

تحقق مقصداً شرعياً إلا بتفويت آخر.

٣- الهوى والاستبداد: ويتمثل ذلك في تقديم الولاء للحركة على الولاء

للإسلام، مما يؤدي إلى إقامة حاجز بين أفراد هذه الحركة وبين غيرهم من

المسلمين.

٤- عقم العقل المبدع: الذي يبحث عن الأفكار الجديدة ويولد القضايا العملية

الجادة التي تشغل العقل بدلاً من أن ينشغل بالجدل وبما لا يجدي من قضايا، كما

هو حادث الآن، فيؤدي هذا إلى انشطار الصف.

٥- غياب المشروع الحركي المتكامل: أو ما يطلق عليه (استراتيجية

الحركة) ، فالكثير من الفصائل الإسلامية يتحرك بعشوائية وحسب الظروف، فتكون عرضة للاختراق والتدمير من الداخل والتورط والانزلاق والغرق أحياناً.

٦- أوهام الورع التي تصل بالبعض إلى حد الوسوسة؛ فيصير بذرة للفتنة،

خاصة عندما يبدأ في إعلان انتقاداته للسلوكيات المخالفة للمستحب، فيرسِّب ذلك

حزازات في النفوس تنبه روح التمرد.

٧- العجز عن إدراك طبيعة حركة الفكر وقوانينها: ومن أهم هذه القوانين قانون: الحرية، فلا فكر بلا حرية، والمفكر اليوم عليه مراجعة نفسه ألف مرة قبل إطلاق فكرته، لأنه سوف يهتم بالتبديع والتجهيل والتضليل ثم الاتهام بالعمالة. وقانون آخر يهمل وهو قانون: تراكم الخبرة المعرفية وتلاقح الأفكار، فالفكرة الآن ترفض دون أن تنقد أو تهذب أو يضاف إليها.

العلاج:

لن يكون إلا بطريقة تربوية شاملة تراعي التوجيه الفني الذي يلفت ولا يصدم، وينصح ولا يحرج، ومن ذلك:

١- تربية العاملين على التجرد لقضايا الإسلام العامة، وأن حفظ الإسلام

أقدس من حفظ الحركة.

٢ - توظيف الطاقات في ضبط الرؤية الفكرية وفي ضبط منهج العمل.

٣- إحياء وممارسة أدب الاختلاف في الإسلام، فالسلفية ليست مجرد ثراء

فقهي، ولكنها في المقام الأول تأسٍ تربوي وأخلاقي وسلوكي بما كان عليه سلفنا

الصالح. ونحن في حاجة أولاً إلى (فقه الخلاف) ، بتحليل ظواهره والكشف عن ...

أسبابه، ثم نفهم التناول الشرعي له، وبعد ذلك يأتي (أدب الاختلاف) .

٤- ترسيخ قاعدة الشورى في العمل الإسلامي، حتى يدرك كل مسلم رأيه

محترم وله دوره وفعاليته، وأحيانا قد يحسم المسألة.

٥- إحياء وتوسيع أبحاث (فقه السيرة) ، خاصة فقه السيرة في الخلاف

وكيف عالجته السيرة.

٦- تعميق الفهم في أبعاد ظاهرة الخلاف وكيفية التعامل مع كل بعد.

٧- تربية الأفراد على ضبط قواعد الحوار واحترامها، وفي مقدمة هذه

القواعد: السماع الجيد للرأي الآخر، وتجريد عرض الفكرة بعيداً عن المزايدات،

وتحديد نقطة الخلاف بدقة.

٨- الاهتمام بالنقد الإيجابي البنَّاء، الذي يعطي البديل لما يُرفض لا الذي

يقف عند حد الرفض المجرد.


(١) متفق عليه.
(٢) متفق عليه.
(٣) رواه أحمد.