للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الورقة الأخيرة

[لهاث المهزومين]

تركي المالكي

حيثما قلّبت نظرك في ركام الإصدارات الإعلامية المختلفة، تجد نَفَس

المهزومين ولهاثهم يفترش مساحات لا تنتهي من الورق المصقول.. إنهم جميعاً

يحاصرونك بكل ما يملكون من أدوات كتابية كي يقولوا لك في النهاية: استلقِ على

ظهرك وجهز عنقك للذبح! أوفاقبل بكل ترحيب أن تكون صلصالاً من عقل

وعاطفة يشكلهما من يسيطر عسكرياً على اللحظة الزمنية الحالية كيف شاء،

ويوجههما حيث شاءت أهدافه وثقافته! .. وهما خياران وحيدان لدى هؤلاء: إما

الاستسلام والقبول المطلق بالانضمام إلى قافلة العبيد في إقطاعيات المستعمر

الغربي! أو الموت قتلاً تحت أقدامه العسكرية، أو جوعاً وراء جدران حصاره

الاقتصادي.

وأي طرح غير هذا الطرح يُسّمرونه مباشرة في جدران التهويمات

الميتافيزيقية، وأحلام الليل غير القابلة للتحقق! أو يوسم بأنه جزء من الشعارات

التي يرفعها المتطرفون لخداع الجماهير وتسلق سلم السلطة!

هذا اللهاث المحموم الذي يدعو الأمة إلى عرض ذاتها مجاناً في مزاد

الحضارات حتى تكسب رضى الآخر الغربي، عسى أن يدخلها في قائمة

المتحضرين من الأتباع لم يكن في يوم من الأيام أكثر جرأةً (وتمكينا!) مما هو

عليه الآن، ولعل الحاجة ماسة إليه كي يمهد الأرض الثقافية والنفسية للتطبيع

القادم! .

حتى رهبان القومية السابقين دخلوا علناً (بورصة الدولار) بعد أن احترق

الروبل! ، وأصبحوا يدعون إلى (دمقرطة المجتمع) قبل (دمقرطة السياسة) ،

ويفيضون في الحديث عن نسبية الهوية، وقبولها للتغيرات المختلفة بحسب طبيعة

المرحلة التاريخية المعينة ومزاجها العام! فليس هناك ثوابت مطلقة وكل شيء قابل

للتغيير، ثم يجعلون من الارتماء في حضن العدو وإدارة الخد الآخر له حتى يستنفذ

رغبته في الصفع! إفاقةً عقلانية، تتعامل مع الواقع بلا تزييف، أو علامة صحة

زعموا تخلصت الأمة بها من أوهام الأدلجة!

إنها لغة المهزومين.. أما الأسياد فهم هناك يتحدثون عن نهاية التاريخ

ووقوفه خاشعاً عند أقدامهم الليبرالية! وحين لا يصدق الواقع أحلامهم يعودون إلى

رسم مشاهد لصراع الحضارات وإعلان النفير ضد العدو الإسلامي القادم، ولو كان

كل عتاده اليوم (شريط كاسيت) ! ! .