منتدى القراء
فقط تغيرت الراية!
محمد أحمد عسيري
صراعنا الطويل والمرير الذي كتبه الله على أمتنا مع اليهود يتغير من زمن
لآخر، ويتبدل من مرحلة لأخرى. وهذا التغير من جهة الخصم يكون حسب ما
يراه أجدى لتحقيق مصالحه وآماله. والمرحلة التي تكابدها أمتنا اليوم مع الخصم
الخبيث المتقلب الألوان (الحرباء) كانت له رايتان متباينتان، الأولى منها كانت
راية الحرب المعلنة والعداوة الظاهرة لاغتصاب الأرض المقدسة مع غيرها
لاستكمال المخطط القديم والمرسوم كما ورد في التوراة المحرفة.
فتحت هذه الراية حققوا مكاسب كبيرة وعظيمة، فقد استطاعوا أن يحتلوا
القدس الشريف الذي طالما كانوا يحلمون في الوصول إليه ليكون عاصمة الدولة
اليهودية (أورشليم) ، ومن قبله وبعده الأراضي المتبقية من فلسطين وبعض
المساحات العربية، واستطاعوا كذلك التشبث بتراب هذه الأرض عن طريق نفوذهم
السياسي والديني في كثير من الدول الغربية في مواقف تلك الدول من الاحتلال ومن
الانتهاكات الإنسانية خلال حقبة من الزمن، وايضاً عن طريق عملية الاستيطان
التي استهدفت اجتذاب اليهود المشتتين في أنحاء المعمورة. فبهذا استطاعوا عبر
فترة ليست باليسيرة مسخ ما في رؤوس كثير من رموز السياسة العربية عن تاريخ
العرب الفلسطينيين أصحاب الأرض وتوليفهم على أن الوضع الطبيعي هو الوجود
اليهودي. إلى أن اقتنعت تلك الرموز بعدم جدوى التفكير في الرد على الاحتلال
فضلاً عن إخراجهم من الأرض الفلسطينية. ومما يزيد الطين بلة انشغال تلك
الرموز بمصالحها الشخصية خشية أن يصيبها طائف منهم.
عندئذ برزت الراية الثانية ألا وهي راية السلام الملطخة بالدماء. ولم يكن
أصحاب هذه الراية ليرفعوها بأنفسهم لأنهم أحسوا بأن لهم القوة ولهم الظفر في
المنطقة، وعندئذ رفعها ساسة الغرب على شكل دعوة منهم لكلا الطرفين
المتصارعين إلى إنهاء الصراع والعيش بسلام. وهذا ليس بمستغرب من الغرب
المسيحي فقد كانت لهم اليد الأولى في كل ما حققته إسرائيل من انتصارات سياسية
وإقليمية. فكانوا بالنسبة لإسرائيل يمثلون الجنود المخلصين والأوفياء الذين لا
يرون في طاعتها إلا بقاءهم وسعادتهم.
إن القضية لمن وعاها وأدرك فحواها ليست قضية سلام كما يزعمون. بل
هي عمل دؤوب ومتواصل لتحقيق الأحلام اليهودية التي أخذت شكلاً آخر ورفعت
راية أخرى لتغوي بها عقول السذج من العرب والمسلمين الذين يتطلعون إلى واقع
تجتمع فيه النقائض. ولكن هل ستدرك تلك الرموز أنها تمثل آراء شخصية نابعة
من خمود في العزيمة والهمة وإيثار للدعة والراحة وقبول بالذل والمهانة.
إن على تلك الرموز أن تتعظ بما يحدث في العالم من تغيرات نتيجة الاستبداد
بالآراء، وتطويع الشعوب بالحديد والنار لرغبات الأفراد.