للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضحايا بريئة للحرب العالمية على الارهاب]

عرض: الهيثم زعفان

يعد هذا الكتاب امتداداً لكتاب «القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب» الذي تحدث عن المرحلة الأولى للحملة الأمريكية الإعلامية ضد العمل الخيري الإسلامي؛ حيث يأتي كتاب (ضحايا بريئة) ليكمل الصورة بتناول مرحلة تاريخية جديدة لهذه الحملة اتسمت بالمستجدات في الإجراءات الإدارية والعالية.

ينطلق المؤلف من حيث انتهى كتابه الأول من عدم وجود تعريف للإرهاب حتى الآن ليثبت في كتابه الجديد من خلال آراء الساسة الغربيين أنه إذا كانت الحرب الباردة تعتبر حرباً ثالثة واضحة الأهداف والمعالم؛ فإن الحرب العالمية الرابعة (حرب الإرهاب) ليست كذلك؛ لأنها حرب هلامية لم تتحدد فيها حقيقة العدو، لكنها حرب خلفت أشلاء بريئة من الفقراء والأغنياء على حد سواء؛ فالقاسم المشترك بينهم هو الانتماء الديني والعمل الإنساني.

يطرح الكاتب اصطلاح «ضحايا بريئة» قاصداً به المؤسسات والجمعيات الخيرية الإسلامية الإغاثية والتعليمية ببرامجها وأنشطتها وأموالها وبعض العاملين فيها لتكون الضحايا الأكثر تضرراً بعد ذلك هي تلك الشعوب والأقليات الجائعة والمتعطشة للإغاثة من ملايين البشر التي تصارع الموت وتعاني من المرض، وتتجرع كل آثار الحروب والتشرد والاضطهاد، وليصبح العالم المتحضر أكثر سوءاً من قبل. يوضح الكاتب أن ذلك بدأ بشكل مبكر من خلال طرح الافتراءات والشكوك والشبهات تجاه المؤسسات الخيرية الإسلامية داخل وخارج أمريكا؛ وذلك قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بسنوات، وإن كانت مسوغات قوة عولمة الحملة الأمريكية جاءت بعد الأحداث؛ حيث الاتهامات ودعاوى التجميد والمصادرة والإغلاق تحت مسمى «الدعم المالي للإرهاب» والتي يعدها غطاء للاستراتيجية الجديدة التي تعتبر الإسلام ومؤسساته من فصيلة «المنافسين الجدد» متفقاً في ذلك مع رؤية «توفلر» عن منظومة المنافسين الجدد؛ وذلك لأن عنصري المنافسة والاستقلالية عن الحكومات متحققان بشكل كبير في المنظمات والجمعيات الخيرية الإسلامية، ولأنها ـ حسب هذه الرؤية الجديدة ـ تعتبر خارج نطاق السيطرة كما تصنفها أمريكا، ومن ثم فهي بأجندتها الأخلاقية الإسلامية واستقلاليتها المالية والفكرية تشكل عنصراً قوياً في ميدان المنافسة والندِّية للمتعصبين من الغرب أفراداً ومؤسسات ودولاً. ويخشى الكاتب من امتداد التعسف الظالم إلى أن تصنف بعض وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة ومواقع مستقلة في شبكات الإنترنت ـ بل بعض المراكز العلمية والمناهج الفكرية حتى المؤسسات والمنظمات الدولية المستقلة ـ ضمن قائمة (المنافسين الجدد) خوفاً من انتقال القوة أو السلطة لها؛ لأنها تتعارض مع سياسة المرحلة التاريخية الجديدة؛ ويدل على ذلك بعدة شواهد منها: الحرب على الإرهاب أسفرت عن موجة من التغييرات ضمن الدول؛ حيث بدأت الواحدة تلو الأخرى في فرض إجراءات تشديدية جاءت على حساب الحريات المحدودة. ودليل آخر على ذلك تمثَّل في طلب الولايات المتحدة الأمريكية إلغاء مناهج التعليم الديني في الوطن العربي باعتباره الوعاء الذي يتخرج منه الإرهابيون بحسب دراسة للخارجية الأمريكية.

ويبرز الكتاب حرفية اختيار اتهام المنظمات بصلتها بالإرهاب؛ حيث من الصعب تخيل قضية يمكنها تقويض الثقة في العمل الخيري أكثر من الشك في صلتها بتمويل الإرهاب؛ وعلى ذلك قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط على دول العالم لإلزام بنوكها بتجميد الأرصدة المشتبه في دعمها للإرهاب دون سند قانوني أو يقين تام بانتماء هذه الأرصدة إلى جماعات إرهابية، وإنما الأمر مجرد اشتباه. وإزاء هذه القرارات أصبحت دول العالم أمام أمرين لا ثالث لهما: إما أن تحترم قوانينها الداخلية ونظامها القضائي ولا تجمد الأرصدة إلا بالرجوع إلى القواعد المتبعة في هذا المجال واحترام سرية العملاء، وإما أن تسارع إلى إرضاء أمريكا وتضع نظامها البنكي وسرية الحسابات بل نظامها القضائي وقوانينها الداخلية في متناول الأيدي الأمريكية وتحت تصرفها.

ويرى الكاتب بعد تحليلاته أن الدول التي سلكت المسلك الثاني هي الغالبية العظمى من دول العالم التي سارعت بمراجعة قوائم الأشخاص والمؤسسات التي أعلنت عنها الولايات المتحدة الأمريكية، وتجميد الأموال التي تخص الأفراد والمؤسسات الواردة فيها دون أن تبذل أي جهد لمراجعة واقع هذه المؤسسات أو الأفراد للتحقق من مصداقية انتمائها أو مساعدتها للإرهاب «غير المعرَّف» من عدمه، ودون أن تدرس خطورة اتباعها لهذا المسلك على مناخ الاستثمار فيها، وعلى علاقة بنوكها مع العملاء بعد إهدار أهم الأعراف والقوانين المصرفية وهو سرية حسابات العملاء؛ مما حقق للإدارة الأمريكية مراقبة كاملة للحركات المالية؛ إضافة إلى تحقيق الإفلاس المالي للمؤسسات الخيرية الإسلامية والانصراف عن مواقع العمل الإنساني والانشغال بالدفاع عن النفس.

٣ الوهابية والكونجرس:

حشدت الإدارة الأمريكية عدداً من كبار موظفيها ومن الخبراء من خارج الإدارة للشهادة أمام لجان الكونجرس لإقناعها بخطر (الوهابية) على مصالح وأمن الولايات المتحدة؛ بزعم أن الوهابية تهيئ بيئة صالحة لنمو ثقافة الإرهاب؛ إذ تتميز ـ حسب هذا الزعم ـ عن الاتجاهات الإسلامية الأخرى بعداوة غير المسلمين وكراهيتهم، ولإقناع الكونجرس بخطر الجمعيات الخيرية الإسلامية بشكل عام والسعودية منها بشكل خاص بزعم أنها تعمل على نشر الفكر الوهابي في العالم الإسلامي؛ حيث إنه بين عامي ١٩٧٥ و ١٩٨٧ أنفق السعوديون حوالي ٤٨ مليار دولار وهو ما يعادل ٤ مليارات سنوياً في إطار المساعدات الخيرية والتنموية في الخارج والمستمرة إلى الآن؛ هذه الأموال ـ بحسب التقارير ـ هي عبارة عن مساعدات سعودية حكومية؛ وفي الغالب لا تتضمن التبرعات الخاصة ويتساءل الأمريكان: ما الذي يستطيع السعوديون شراءه بهذه التبرعات الإسلامية غير المسبوقة؟ وخاصة أن المذهب الوهابي أصبح لاعباً رئيساً في المؤسسة الإسلامية العالمية من خلال شبكة متقنة من المنظمات الأممية والخيرية، ومن ثَم ينبغي تقزيم هذا الخطر.

ويقف الكاتب عدة وقفات مع تقرير الحالة الدينية في العالم لاستيضاح معالم تلك الإشكالية القائمة على استعمال الأسلوب الخطابي والشحن العاطفي للمتلقي.

- يحلل الكاتب من خلال أسلوب دراسة الحالة ثلاثاً من الدول الأشد تضرراً من الحملة الدولية على العمل الخيري الإسلامي وهي: فلسطين، وأفغانستان، والعراق. ففي الحالة الفلسطينية ـ على سبيل المثال ـ يرى أن المراقب بشكل دقيق للحملة الأمريكية على مؤسسات العمل الخيري الإسلامي يلحظ من خلال النتائج أن الشعب الفلسطيني أصبح ضحية بريئة للحرب على الإرهاب مع ما نالته تلك الحملة من كل أو معظم مؤسسات الإغاثة الإسلامية داخل الأراضي الفلسطينية والمؤسسات الداعمة لها من خارج فلسطين، سواء في أمريكا أو أوروبا أو العالم العربي، وهذه الحملات المنظمة تعطي انطباعاً للمتابع بأنها قد تكون داخلة ضمن سياسة (الحرب الاستباقية) .

- ومن النقاط الحيوية والتي سيسلمها القارئ في أكثر من موضع في هذا الكتاب هي «عملية الإحلال» من خلال تفريغ المجتمع من المنظمات الإسلامية وإحلالها بالمنظمات التنصيرية، فيكشف الكاتب عن محاولات التنصير في العراق، مع إشارات بليغة لما يحدث على الساحة المصيرية هناك عبَّر عنها المتحدث باسم الكنيسة المعمدانية الجنوبية والتي تعتبر أكبر كنيسة بروتستانتية أمريكية ساندت الغزو على العراق بكل قوة، بعيداً عن تقديم العون المادي للشعب العراقي؛ فإن القضية الأساس هي الوصول إلى الحرية الحقيقية مع يسوع المسيح.

وترفع تلك المنظمات العاملة في العراق شعار «إنقاذ المسلمين من دينهم المزيف» .

كذلك استثمار الأزمات في العمليات التنصيرية والتي أطلق الكاتب عليها تعبير «الراقصون في الأزمات» فيشير إلى الإرساليات التنصيرية في أفريقيا والتي رفعت شعاراً يقول: «تخلوا عن دين الإسلام، وسوف نقوم نحن بتحريركم من الجوع والفقر والخوف والمرض» فضلاً عن استثمار كارثة تسوماني وأزمة دارفور التي ينقل الكاتب عن والي جنوب دارفور قوله: «إن الخطر الحقيقي ليس في التدخل الخارجي بالسلاح، ولكن في تغييب شبه كامل للمنظمات الإسلامية، والخطر الأكثر هو في تنصير مواطني دارفور الذين عُرِفوا بحبهم للقرآن» ؛ وذلك من خلال ٣٠ منظمة تنصيرية أوروبية وأمريكية تعمل في دارفور.

وفي محاولة لتفسير تلازم التنصير مع الحرب العالمية على الإرهاب يذهب الكاتب إلى بوش الابن ليجده استحدث في البيت الأبيض ولأول مرة في تاريخ أمريكا مكتباً يُعنى بالشؤون الدينية اسمه: (مكتب البيت الأبيض للأديان والمبادرات الاجتماعية) وبناء على طرح وزارة الخارجية الأمريكية؛ فإن الرئيس الأمريكي جورج بوش مهتم شخصياً ـ وبصورة لم يسبق لها مثيل من رئيس أمريكي ـ بدعم المؤسسات الخيرية الكنسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، والتي يسميها بوش الابن باسم «جيوش الرحمة» حيث يرى الرئيس الأمريكي أن هذه المؤسسات والجمعيات أهم بكثير من المؤسسات الخيرية العامة وجمعيات الضمان الاجتماعي؛ وعلى ذلك فقد طلب بوش الابن من وزارة العدل اتخاذ إجراءات كفيلة بصرف ٣.٧ مليار دولار من الأموال الفيدرالية لمساعدة الأنشطة الخيرية التي تقوم بها جمعيات دينية نصرانية، ودافع عن ذلك بقوله: «إن هذا البلد يجب ألا يخشى تأثير الإيمان على مستقبله، ينبغي أن نجد مجالاً للإيمان لنجعل من أمريكا مكاناً أفضل» . ومن هنا تم اختياره أكثر شخصية مسيحية مؤثرة لعام ٢٠٠٥.

وهنا يلتقط الكاتب خيط ظاهرة التمييز السلبي بين المنظمات الإسلامية حيث الإمكانيات المالية المحدودة وغيرها من المنظمات غير الإسلامية المصحوبة بالأموال الضخمة؛ فبحسب الجارديان أنه بينما تقابَل المنظمات الخيرية النصرانية والعلمانية بالثناء لإرسالها الأموال إلى أفغانستان، تُعامَل المنظمات الإسلامية كمشتبه بها في تمويل الإرهاب.

ويلاحظ الكاتب أن تلك الدعاوى والمزاعم على المنظمات الخيرية الإسلامية أو الدول والمؤسسات المالية أو حتى الأفراد غالباً ما تقوم بسبب طمع بعض شركات المحاماة الأمريكية التي تجوب العالم لاصطياد وتوظيف بعض الأخبار، ولا سيما في مجالات دعاوى التعويضات المالية المتوقعة عن أضرار الحادي عشر من سبتمبر؛ منتهزةً التوجهات السياسية الجديدة لأمريكا. فأبرز الذين تصدروا المرافعات في قضية تعويضات (لوكربي) هو من أوائل المحامين الذين قاموا بجولات عالمية لشراء بعض الأخبار عن المؤسسات الخيرية الإسلامية في أنحاء العالم وتوظيفها للقيام بعمل دعاوى تعويضات نيابة عن أهالي ضحايا الحادي عشر من سبتمبر. والجانب الآخر في ضعف الدعاوى والمزاعم أنها تعتمد في معظمها على ما ينشر في وسائل الإعلام دون وجود أدلة دامغة؛ في الوقت الذي تقوم فيه بعض المنظمات الغربية غير الإسلامية بدعم الإرهاب المحلي والعالمي وبصفة خاصة دعم الميليشيات العسكرية داخل الأراضي الأمريكية وخارجها؛ مثلما حدث من مجلس الكنائس العالمي من دعم للمتمردين في جنوب السودان؛ وكذلك دعم الحركة الانفصالية في إقليم بيافرا النيجيري ذي الأغلبية المسلمة، إضافة إلى الدعم الأمريكي والبريطاني للمنظمات الإرهابية الهندوسية التي تقوم بذبح المسلمين وحرق ممتلكاتهم حسب خطط المنظمات الهندوسية؛ وعلى هذا المنوال يورد الكاتب العديد من صور دعم المنظمات الغربية للإرهاب.

يصل الكاتب في نهاية كتابه إلى أن الصعوبات في وجود أدلة بوقائع محددة تدين المؤسسات الخيرية الإسلامية في حركتها المالية؛ وبهذا الشمول والعمومية في الاتهام الدعائي؛ كل ذلك أصبح شاهداً لها على انضباطها الإداري والمالي في بلادها؛ حيث إن الجمعيات والمؤسسات الخيرية الإسلامية - خاصة في العالم العربي- تخضع لإشراف داخلي حكومي قوي ومبالغة في الرقابة الحكومية ولا سيما في الجوانب المالية؛ حيث الارتباط الوثيق بوزارات حكومية، وإعداد ميزانيات وموازنات سنوية معتمدة من محاسبين قانونيين؛ وقد يتعدى في بعض الدول العربية إلى تحكم في أموالها ومجالس إداراتها، وقد كان كل ذلك الانضباط المالي قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر مما يؤكد صعوبة أن يكون التصرف من قِبَل هذه المؤسسات متجاوزاً أو خارجاً عن نظامها.

يتميز هذا الكتاب «ضحايا بريئة» بأنه استند في استدلالاته وتحليلاته واستنتاجاته على الحقائق والآراء والشهادات الموثقة والصادرة من الساسة والمفكرين والمراقبين الغربيين.


(*) نشر الكتاب ضمن سلسلة كتاب البيان عن (مجلة البيان) ، الطبعة الأولى ١٤٢٦هـ ـ ٢٠٠٥م.