للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ندوات

القضية الأمازيغية في المغرب

بين الهوية الإسلامية ومحاولة الاحتواء العلماني

د. فريد الأنصاري [*]

ليس من السهولة تقديم توصيف دقيق، أو تعريف جامع مانع للتيار الأمازيغي

في المغرب، فهو تيار معقد ومتشابك؛ لما دَاخَلَه من ملابسات وتوجهات مختلفة:

ثقافية، وإيديولوجية، وقومية، وسياسية، واجتماعية، واقتصادية ... إلخ.

فـ «الأمازيغية» في معناها المعجمي البسيط هي: لغة السكان الأصليين

لمناطق الشمال الإفريقي.

و «الأمازيغيون» قبائل شتى تلتقي أنسابهم جميعاً عند جدهم الأعلى الذي

يتسمون باسمه نسبةً، وهو (مازيغ) الذي تقول بعض المصادر التاريخية إنه من

أحفاد نوح عليه السلام.

إلا أن التيار الأمازيغي اليوم شيء مختلف؛ فالملف الأمازيغي الموضوع على

الطاولة السياسية المغاربية اليوم ملف معقد؛ فهو يرجع إلى مجموعة من الجمعيات

الثقافية والأحزاب السياسية المختلفة التوجهات والأغراض، وإشكالاته مركبة من

قضايا شتى: فهو أولاً من الناحية اللسانية متعدد ومختلف، وهو من الناحية

التصورية متضارب إلى درجة التناقض أحياناً، ثم هو بعد ذلك من الناحية

التنظيمية متعدد غير متجانس؛ فمن جناح أمازيغي ثقافي محض.. إلى جناح

أمازيغي يرفع شعار الأمازيغية كإيديولوجية سياسية ذات مضمون علماني صرف؛

يتنكر للمكونات الثقافية الإسلامية، ويجعل مرجعيته الحضارية في مغرب ما قبل

الفتح الإسلامي.

* فما هي حقيقة التيار الأمازيغي؟

هل هي الأصول الحضارية التي اصطبغ بها الوجود التاريخي للمغرب؛ إذ

تكون من فسيفساء متناسقة مركبة من مجموع متعدد، ومختلف غير متناقض من

المكونات العرقية، والثقافية، واللغوية، في إطار الدين الإسلامي الجامع؛ هذا

الدين الذي برهن تاريخياً ولا يزال في العديد من بقاع العالم المتعدد الأعراق

واللغات على شموليته الاحتضانية، وقدرته الاستيعابية لكل اللغات والأعراق

والثقافات؟

أو أن حقيقة التيار الأمازيغي إنما هي هذه الطوارئ الظرفية، والنتوءات

(الشعوبية) التي لا تظهر عادة إلا في أحوال الفتور الحضاري للأمم؟

أو أن حقيقته هي هذا التيار اللينيني الغريق الذي يسعى للتشبث بأي شيء

يمكن أن يمد له في عمره؛ ريثما يستعيد قوته، ويجدد تصوراته، ويلم صفوفه؛

ليستأنف مسيرته المستقلة بصورة أوضح؛ كما هي معروفة في الفكر الماركسي

الذي يجمع بين القوميات واللغات في إطار ديكتاتورية البروليتاريا، وفي إطار

مفهوم (المجتمع الشيوعي) ؟

وهل بمقدور الأمازيغية من حيث هي جنس بشري، وبما هي (لغة طبيعية)

كما يقول علماء اللسانيات أن تتحمل كل ذلك؛ فتسعف كل هذه التيارات، وكل هذه

الأجنحة والتوجهات للوصول إلى مقاصدها الإيديولوجية والسياسية؟ أم أن ذلك كله

مجرد مخض الماء وطحن الهواء؟

لماذا هذا الاهتمام الإعلامي المتزايد خاصة منه الفرنكوفوني بالتيار الأمازيغي

السياسي في المغرب والجزائر؟

ما الأمازيغية إذن؟ ما هي إمكاناتها الحالية؟ وما احتمالاتها المستقبلية؟

لتسليط الأضواء حول جوانب من هذا الموضوع عقدت مجلة البيان ندوة:

(القضية الأمازيغية بالمغرب؛ بين الهوية الإسلامية ومحاولة الاحتواء العلماني) .

فاستضافت متخصصين في هذا المجال؛ بلا ممالأة لأي اتجاه إيديولوجي أو

سياسي؛ فهم جميعهم أمازيغيون عرقياً ولغوياً، كما أنهم أكاديميون يعيشون الملف

الأمازيغي بوعي علمي، وبواقع معاش، وهم كما يلي:

من جامعة المولى إسماعيل بمكناس:

- الأستاذ الدكتور الحسين كنوان، أستاذ اللغة العربية، متخصص في علم النحو.

- الأستاذ الدكتور عبد الرحمن حيسي، أستاذ التفسير والعقائد الإسلامية.

- الأستاذ الدكتور محمد سدرة، أستاذ العقيدة والفكر الإسلامي.

ومن جامعة السلطان محمد بن عبد الله، بمدينة فاس:

- الأستاذ جواد بنامغار، عدل موثق بالمحكمة الابتدائية بولاية القنيطرة بالمغرب،

وباحث في الدراسات الإسلامية بجامعة السلطان محمد بن عبد الله بمدينة فاس.

ندعو الله أن يوفقهم لإجلاء الحقائق، وإفادة القراء بكل نافع ومفيد.

البيان: لنبدأ بالمصطلحات: (الأمازيغ) و (البربر) مصطلحان يستعملان

اليوم كما في كتب التاريخ للدلالة على السكان الأصليين لبلاد المغرب؛ فأيهما أدق

في الدلالة وأصدق؟

- الدكتور عبد الرحمن حيسي: إن الذي يناسب الطبيعة الاشتقاقية للأسماء

في هذه اللغة هو اسم «أمازيغ» ، ويُجمع على «إمازيغن» ، وكثير من الأسماء

المذكرة تأتي على هذا الوزن. ثم إنه الاسم الأصيل الذي أطلقه السكان الأصليون

للمغرب على أنفسهم - بغض النظر عن دلالته عندهم - فلا ينبغي أن نحيد عنه.

أما اسم «البربر» أو «البرابرة» ؛ فأصله لاتيني بلا خلاف، ويعني:

(المتوحشين) أو (الهمجيين) ، وكل اللغات الأوروبية الحديثة ذات الأصول

اللاتينية تستعمله بهذا المعنى. ويظهر أن أول إطلاق له على السكان الأصليين

للمغرب كان من قِبَل الرومان في غزواتهم التاريخية المعروفة لبلدان حوض البحر

الأبيض المتوسط، والتي شملت أجزاء من المغرب الأقصى، وهذا أمر معروف

في تاريخ الحركات الاستعمارية؛ حيث تستعمل مثل هذه الأوصاف للتنقيص من

شأن الشعوب المستعمرة.

البيان: بمناسبة اللغات؛ فإن علماء اللسانيات يقولون: (اللغة فكر) ؛ أي

إنه من المستحيل تجريد اللغة مثلاً من حمولتها الدينية التي امتزجت بها من

الناحية العرقية والتاريخية، فيكون بذلك لكلماتها مضمون نفسي يرتبط بالانتماء

الديني لأهلها؛ وبناء عليه فهناك من يريدون أن يصنعوا من اللغة الأمازيغية

حاجزاً للمغاربة عن الإسلام؛ على أساس أن اللغة العربية فصيحها وعاميها ذات

مضمون إسلامي؛ فهل اللغة الأمازيغية فعلاً تسعفهم بطبيعتها في ذلك؟ وهل

صحيح أن اللغة الأمازيغية خالية من المضمون الإسلامي؟

- الأستاذ جواد بنامغار: مضمون أي لغة إنما يتكون من عقيدة الناطقين بها

وتصوراتهم، والأمازيغ اعتنقوا الإسلام منذ حوالي أربعة عشر قرناً، وآمنوا به،

وأحبوه، وتعلموه، ونشروه، ودافعوا عنه خلال هذه القرون كلها؛ فكيف لا يكون

للأمازيغية مضمون إسلامي؟!

هذا من الناحية النظرية، أما عملياً وواقعياً؛ فدعني أقل لك إنني من أصل

أمازيغي، وأن والدي وأعمامي، وأخوالي يتكلمون الأمازيغية، وأخالط كثيراً من

الأمازيغيين من ذوي القرابة أو المصاهرة أو «أولاد البلاد» ، فلا أشعر أبداً أن

ما يتخاطبون به، ويتواصلون من خلاله من لغة أمازيغية خالية من المضمون

الإسلامي، بل على العكس من ذلك تجدها مليئة في عباراتها، ومعانيها، وأمثالها،

وأهازيجها، وقصصها الشعبية بما يؤكد هذا المضمون، وينبئ عن تشبع أهلها

بالإسلام ومبادئه.

- الدكتور الحسين كنوان: اللغة الأمازيغية لغة كباقي اللغات الإنسانية يمكن

التعبير بها عن الخير والشر معاً؛ حسب إرادة المُعَبِّر بكسر الباء وقصده.

لكن يبدو أن المقصود من الشطر الأول من سؤالكم حسب ما فهمت منه هو

أنكم تريدون أن تقولوا: هل يتضمن معجم اللغة الأمازيغية مفاهيم إسلامية، أم أنه

خال منها تماماً؛ ومن ثم هل يتوفر ضمير الإنسان الأمازيغي على روح إسلامية؟

على اعتبار أن اللغة الأمازيغية ما كانت ولن تكون حاجزاً بين من لا يحسن غيرها

وبين الإسلام، وذلك للأسباب التالية:

أ - أن اللغة الأمازيغية لغة مرنة تقترض المفردات الأجنبية عنها بدلالاتها

عند الاحتياج، وتضفي عليها من بنيتها التنظيمية ما يجعلها طيعة للسان الأمازيغي.

ويبدو أن هذا يقع فيما يدل على الثوابت من المعاني المتداولة في الحياة

الإنسانية أكثر منه في المتغيرات؛ فالكلمات التالية تُنطق بالأمازيغية دون تغيير

يذكر، أو مع تغيير طفيف يتلاءم مع النطق الأمازيغي كما يلي: فـ (الله) جل

جلاله هو (الله) بلا تغيير، و (جهنم) هي (جهنم) ، والرسول صلى الله عليه

وسلم هو الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن «الجنة» تنطق «أَدْجَنْثْ» أو

«الجَنْثْ» حسب اختلاف اللهجات، و «الآخرة» هي «لُخْرَى» ، والنبي

صلى الله عليه وسلم هو «نْبي» بسكون النون.. وهكذا.

ب - لقد تغلغلت المفاهيم الإسلامية في عمق الفكر الأمازيغي عبر القرون

الطويلة التي مرت على الفتح الإسلامي للمغرب الأمازيغي، وعلى الرغم من

ضعف التعهد التربوي الإسلامي للإنسان الأمازيغي، كما هو الحال بالنسبة للمغرب

عموماً لظرف أو لآخر؛ فإن الروح الإسلامية تسري في عروق الأمازيغيين، وذلك

ما تعبر عنه إنشاداتهم وأهازيجهم في كثير من نواحي الحياة.

- الدكتور عبد الرحمن حيسي: الذي يعتقد أن بإمكانه جعل اللغة الأمازيغية

حاجزاً بين الأمازيغ والإسلام مخطئ في تصوره؛ لأن هذه اللغة قابلة بطبيعتها

الصرفية والاشتقاقية لحمل المضامين الإسلامية، بل هي تحملها فعلاً، كما يظهر

واضحاً في تراثها الأدبي الذي يزخر بقصائد شعرية رائعة في الإرشاد بتعاليم

الإسلام والدعوة إلى التمسك بها، والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة، وما

إلى ذلك من أغراض دينية.

ومنذ دخل الإسلام المغرب اهتم به الأمازيغ وأولوه كامل عنايتهم، فاجتهدوا

في حفظ القرآن والحديث وتعلم الفقه، ووُجِدَ منهم علماء أعلام أتقنوا العربية وألَّفوا

بها، ونقلوا منها إلى لغتهم الأمازيغية ما شاء الله نقله من المضامين الإسلامية.

ولتيسير الفهم والاستيعاب كانوا يدرسون ويعظون باللسانين العربي والأمازيغي.

ولم تكن الأمازيغية أبداً حائلاً بينهم وبين معرفة أحكام دينهم، وما حالهم في ذلك إلا

كحال الترك وغيرهم من الشعوب التي دخلت في الإسلام وأبلت فيه البلاء الحسن؛

بنصر دعوته ونشر تعاليمه باللغة العربية وبلغاتها الأصلية.

البيان: إذا تحدثنا عن التاريخ: من وَطَّنَ الإسلامَ في المغرب: الأمازيغ أم

العرب، أم هما معاً؟ وكيف تنظرون إلى المقولة الشعارية التي ترفعها الحركة

الأمازيغية والملخصة في عبارة: (الاستعمار العربي للمغرب) ؟

- الدكتور الحسين كنوان: إن كنتم تقصدون بسؤالكم من حمل بذرة الإسلام

وغرسها في المغرب؟ فالجواب واضح: هم العرب المسلمون. أما إن كان القصد

هو الدفاع عن الإسلام إحياءً وحراسةً، وهذا ما يفهم من كلمة «الوطن» الواردة

في سياق سؤالكم؛ فهم المسلمون المغاربة دون تمييز. نعم! يحدث في فترة من

التاريخ أن يحمل قائد، أو زعيم، أو مصلح لواء نشر الإسلام، أو إحياء تعاليمه

في قلوب الناس وسلوكاتهم، أو الدفاع عنه؛ ممن تسمى أمازيغ، أو نشأ في منطقة

يسكنها الأمازيغ بالغلبة؛ مثل طارق بن زياد، وعبد الله بن ياسين، أو عبد

المؤمن، أو عبد الكريم الخطابي، أو موحى أحمو الزياني ... هذا صحيح، ولكنه

لا يعني أن المغاربة من أصل عربي لم يشاركوا في هذه العملية أو تلك بأي نصيب،

ولم يحدثنا التاريخ عن أن العنصر العربي تقاعس عن أداء الواجب عندما كانت

الزعامة لأحد هؤلاء الأعلام في الدفاع عن الإسلام؛ ذلك أنه بالنسبة لي يصعب

عليَّ أن أميز بين المغاربة عندما يناديهم داعي الواجب.

هذا بالإضافة إلى انصهار الأجناس البشرية في المغرب، وتداخلها فيما بينها

إلى درجة يستحيل معها أن تميز عنصراً من الآخر؛ فالهجرات، والمصاهرات،

وتنقلات الأسر من منطقة إلى أخرى لأسباب متعددة لا تترك مجالاً للقول بأن

الإنسان المغربي خالص النسب إلى عنصر كذا عبر التاريخ. والحكمة الأمازيغية

تقول ما ترجمته بالعربية: (قيل للثعبان: من هو أخوك؟ قال: الذي يوجد معي

في الغار) ؛ أي إنها تعتبر رابطة التساكن الجغرافي فقط موجباً للأخوة. هذا

بالنسبة للشطر الأول من سؤالكم.

أما الشطر الثاني فيبدو أن فيه شيئاً من التعميم؛ لأني لا أعتقد أن كل

الحركات الأمازيغية تقول بذلك، ولا أن أفراد الفصيل الذي يقول بذلك متفقون عليه

بنفس الدرجة من إيمانهم بما يقولون.

مع العلم أنه يمكن القول: إلى أي حد تمثل هذه الحركة الأمازيغية بجميع

فصائلها الإنسان الأمازيغي في المغرب؟ ثم ما هي شروط الانتماء لهذا الفصيل أو

ذاك من فصائل الأمازيغية؟ هل هو الأصل، أو اللغة، أو الجغرافيا؟ أو لا بد من

إعلان الولاء والعداء.. هل وهل؟

صحيح أن ثَمَّ عوامل كثيرة تجعل بعض الشرائح الاجتماعية من سكان

المغرب تشعر بشيء من التهميش، وبالخصوص الأمازيغ منهم؛ لأسباب متعددة،

منها: غياب اهتمام العالم العربي الإسلامي بهذه اللغة وأهلها، ومنها: ما هو

مبثوث في القاموس الشعبي العامي من عبارات اللمز والتحقير في حق الأمازيغ

ولغتهم! وهي عبارات لا يؤبه لها حين تقال لهذا الشخص أو ذاك، ولكنها تعمل

عملها في النفوس، فتدسها إلى لحظة الحاجة، عندما ينفخ نافخ في بوق الوسوسة؛

لتصير المنبه المعتمد للشعور بالإقصاء والتحقير؛ خصوصاً عندما يُربط ذكرها

بمظهر من مظاهر الحرمان، كالفقر المادي، والتهميش الاجتماعي؛ مقارنة مع

الآخر الذي كان الأمازيغي يسلم أنه وإياه إخوة بعامل التساكن فقط.

ومن نماذج تلك العبارات العامية التي ينبغي أن يعزر مستعملوها: (الزيت

ما هو إدام، والشلحة ما هي كلام) ، و (أنغ، أنغ) ... إلى آخر ذلك من

عبارات التهكم والسخرية بالإنسان الأمازيغي! والغريب أن يصدر مثل هذا أيضاً

من بعض الأشخاص المثقفين الذين هم في موقع الإرشاد والتوجيه الاجتماعي أو

السياسي، بل حتى الحضاري أحياناً! والنفوس حساسة، وقد قال تعالى: [وَلاَ

تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ] (الحجرات: ١١) .

- الدكتور محمد سدرة: مقولة: (الاستعمار العربي للمغرب) هي شعار

الراقصين على الجراح؛ من المخبولين في هذه الحركة، والذين يريدون جرها إلى

الإلحاد والعنصرية ليس إلا!

البيان: الآن ندخل في صلب موضوعنا (الحركة الأمازيغية) : من

المعروف أن تفسير الحركات الاجتماعية والسياسية التي يفرزها مجتمع ما في

مرحلة تاريخية ما ليس بالأمر السهل، ولا شك أن حركة الأمازيغية التي ظهرت

في البلدان المغاربية؛ بوصفها حركة ذات بعد عرقي وإيديولوجي هي من هذا

القبيل. ثم إن الأمازيغية بوصفها حركة سياسية أيضاً أصبحت ظاهرة متحركة في

الوسط السياسي والثقافي المغربي؛ فكيف تفسرون بروز الحركة الأمازيغية بهذه

الصورة التي نشاهدها اليوم؟

- الأستاذ جواد بنامغار: تعود المراحل التأسيسية الأولى للحركة الأمازيغية

إلى ما بعد الاستقلال مباشرة؛ حيث تأسست أولى الجمعيات بهذا الصدد في

الستينيات من القرن المنصرم، إلا أن ظهور الحركة وانتشارها، وإعلانها عن

نفسها من مختلف المنابر الثقافية، والسياسية، والإعلامية محلياً وعالمياً طغى في

السنوات الأخيرة، وقد ساعد على ذلك مجموعة عوامل ذاتية وموضوعية، وأخرى

تتصل بعوامل خارجية إقليمياً ودولياً.

وإذا كنا لا نشك في سعي السياسة الاستعمارية إلى السيطرة على بلدان العالم

الإسلامي من خلال الغزو الفكري والثقافي؛ فإن الفرنكوفونية من تجليات هذه

السياسة بالمغرب، وإن من وسائلها في ذلك احتواء الاتجاه الأمازيغي ودعمه،

والدفع به في اتجاه يضر بالمصلحة الوطنية المغربية، ووحدة الشعب المغربي

المبنية على الإسلام، ويخدم الأطماع الاستعمارية الفرنسية المغلفة بالفرنكوفونية.

إلا أننا في المقابل لا ننكر أن في الحركة الأمازيغية أفراداً وجمعيات من يهتم

بالأمازيغية باعتبارها قضية وطنية، وإحدى مكونات الهوية المغربية الإسلامية،

وتعتني بالمطالب العادلة لها في إطار الوحدة والمرجعية الإسلامية.

- الدكتور الحسين كنوان: للإجابة عن السؤال السابق شقان: أحدهما وهو

الأساس: هو الجانب السياسي، وثانيهما وهو وليد الأول وتابع له: وهو الثقافي،

ولكل منهما اعتباراته الخاصة فيما يتعلق بمعطيات الإجابة عنه؛ ولذا تنقسم الإجابة

في نظري إلى قسمين:

أ - الجانب السياسي: لهذا الجانب مغذياته، وأسبابه السياسية والاجتماعية،

وربما حتى النفسية التي قد تكون وليدة ظروف متعاقبة، وأسباب متضافرة نرى أن

الحكمة تقتضي عدم الخوض فيها، وإلا زدنا الجرح عمقاً، والقلوب تنافراً، في

الوقت الذي يتطلب الأمر العمل على لمِّ الشمل، وتوحيد الرؤى في إطار منظومة

ثقافية اجتماعية وحيدة موحدة؛ أشبه ما تكون بما أطلق عليه الرومان: «كوينتي» ؛

فكل الذين يعيشون على أرض الوطن إخوة مغاربة، وقد سبق القول بأن

الحكمة الأمازيغية تعتبر رابطة التساكن الجغرافي فقط موجباً للأخوة، والحمد لله

على أن الحركة الأمازيغية سياسية وليست قومية، وإن كانت يُشم منها بعض هذه

البوادر أحياناً.

ب - الجانب الثقافي: هذا الجانب غني غنى حياة الإنسان الأمازيغي الذي

تلاقحت ثقافته بثقافة الأجناس البشرية التي تعاقبت على أرض المغرب، وعلى

الرغم من كون هذه الثقافة غير مدونة؛ فإن ثمة بقية بصمات منها على أرض

المغرب لغوياً وجغرافياً وسلوكياً.

فمن الناحية اللغوية نرى أن الدراسة العلمية النزيهة السليمة يمكن أن تكشف

عن قواسم مشتركة في جوانب متعددة بين اللغة العربية والأمازيغية، وقد يكون ذلك

ناتجاً عن تأثر الأمازيغية بالحضارة الإسلامية العربية.

ولكل هذه الاعتبارات وغيرها كثير لا نستغرب أن تظهر حركة سياسية تعتمد

الأمازيغية إطاراً ومنطلقاً لها في ظروف مهدت لتعددية سياسية؛ لتحقيق أهداف

معينة قد تسمو إلى درجة النبل إذا ما كان القصد منها هو الكشف عن جانب من

جوانب ثقافة المغرب وحضارته. وقد تنزل إلى الحضيض عندما تغذيها أهداف

نفعية ذاتية، أو إيعازات ماكرة شريرة لا يتفطن لخبثها إلا من كان فكره مُحصَّناً،

وأوتي فهماً ثاقباً، وقوة فائقة في الإيمان بحب الله ثم الوطن.

- الدكتور محمد سدرة: الأمر مرده في تقديري إلى الإخفاقات التي لحقت

بالأطروحة الماركسية بالمغرب؛ بفضل أصالة الدين والتدين في نفوس المغاربة،

فشكَّل هذا المنعطف مشجباً بديلاً يود الفكر اليساري النفوذ من خلاله إلى الطبقات

الشعبية التي تشكل القاعدة الخلفية للأطروحة. وقد ساهمت الإحباطات التي مني

بها المجتمع، من جراء إخفاق التنظيمات السياسية في تحقيق طموحاته، في تغذية

هذا التوجه وتشجيعه.

البيان: المعروف أن التيار الأمازيغي قد نشأ وترعرع في ظل الدعم

الفرنكوفوني؛ فكيف تفسرون ذلك؛ وخاصة أن الأهداف المعلنة للفرنكوفونية إنما

هي دعم اللغة الفرنسية وثقافتها في مستعمراتها السابقة؟

- الدكتور عبد الرحمن حيسي: السؤال ليس وجيهاً؛ لأنه يُسلِّم بأن التيار

الأمازيغي نشأ وترعرع في ظل الدعم الفرنكوفوني؛ فعليكم إثبات ذلك أولاً وإبراز

مظاهر الدعم التي يتلقاها الأمازيغ من الفرنكوفونيين؛ حتى لا نخرج في حوارنا

عن حدود الإنصاف.

والذي أعتقده شخصياً أن الدعوة إلى الأمازيغية لها أسباب نابعة من واقع

المجتمع المغربي ذاته، وقد تقدم بيان بعضها.

أما الفرنكوفونية فهدفها نشر الثقافة الفرنسية بكل مقوماتها، وتعميمها في كل

الأوساط المغربية؛ بغض النظر عن المستهدَفين بهذه الثقافة؛ سواء أكانوا من

الأمازيغ أم من العرب؛ إذن فهدفها غير هدف الدعوة إلى الأمازيغية، بل تتعارض

معها.

وعليكم أن تعلموا أيضاً أن الحاملين للواء الفرنكوفونية والأنجلوفونية فيهم من

العرب المغاربة عدد كبير! فعليكم أن تفسروا ذلك لتستقيم الإجابة عن السؤال

المطروح!

البيان: طبعاً لا نتحدث عن الأمازيغ، وإنما نتحدث عن التيارات السياسية

الأمازيغية!

- الدكتور الحسين كنوان: هذا موضوع خصب وخطير، تتطلب الإجابة

عنه حلقة خاصة، بل أكثر من ذلك؛ لأن المسألة تتجاوز دعم اللغة الفرنسية

وثقافتها؛ إلى المحافظة ما أمكن على المكاسب التوسعية للاستعمار الاقتصادي

والفكري في المنطقة، والتي تعد بوابة استراتيجية لإفريقيا، تلك المكاسب التي

تحققت له (أعني الاستعمار) في المنطقة بعد كل ما بذله من جهود متواصلة خلال

فترة قد لا تقل عن قرنين من الزمن، كان ذلك على فترات، يصنع لكل فترة

شعارها الملائم؛ انطلاقاً من الصليبية إلى الفرنكفونية بعد التمهيد لها بالغزو

العسكري؛ ولذا نرى كثيراً من أبنائنا مع الأسف قد انطلت عليهم الحيلة نتيجة

تأثرهم الثقافي، وجرفهم هذا التيار أو ذاك، وهم يعتقدون أنهم يحسنون صنعاً،

ومع ذلك فهم معذورون إلى حد ما في تقديري.

وعليه يمكن القول بأن التيار الأمازيغي لم ينشأ مع ظهور الفرنكوفونية، وإن

كانت تغذيه، وإنما وُضعت له أسس قبل ذلك بكثير؛ يوم كان الدخيل يخطط

للاستفادة من خيرات المنطقة أولاً، ثم رتب تلك الخطط بإحكام لما حال هذا

العنصر البشري «إمازيغن» بينه وبين مقصوده الذي هو إخضاع المناطق التي

يسكنها هؤلاء لنفوذه؛ على غرار إخضاع جميع أجزاء الوطن؛ حيث أصيب

بذهول من هول الكارثة التي أصابت جيوشه وتوقف زحفها لمدة عشرين سنة على

يد مقاومين أشاوس من أبناء «إمازيغن» ، كما تقول بعض الأبحاث التاريخية

الحديثة. ولذا تكون الفرنكفونية صياغة ظرفية للاستمرار في تطبيق ما رُسم آنذاك

من خطط لإخضاع هذا النوع البشري «إمازيغن» ، بل وتقريبه والاستفادة منه.

- الأستاذ جواد بنامغار: نعم! حينما أخفقت فرنسا في زرع التفرقة بين

المغاربة من خلال ظهير ١٩٣٠م المصطلح على تسميته «الظهير البربري» ،

وكان غرضها من ذلك تكوين مناطق متفرنسة مفصولة عن الإسلام ولغته العربية

تكون سندها في الاستعمار، ووسيلتها في السيطرة على البلاد، وتسخرها

لأغراضها الاستعمارية؛ فلما لم تنجح في ذلك عمدت إلى الفرنكوفونية التي

ظاهرها نشر اللغة الفرنسية ودعمها في مستعمراتها السابقة، وباطنها «الغزو

الفكري» والتمكين للثقافة الفرنسية، والتصورات الفرنسية، ونمط الحياة الفرنسي

الذي هو جزء من الحضارة الغربية المبنية على أسس مناقضة للإسلام، ولذلك فلا

عجب أن تحتضن في هذا السياق التيارات المتطرفة، أو تحتويها وتدفع بها في

اتجاه يخدم أطماعها الاستعمارية، وتحقق لها ما أخفقت فيه من تفرقة وسيطرة من

خلال ظهيرها الاستعماري.

- الدكتور محمد سدرة: في رأيي لا غرابة ولا مفارقة في دعم الفرنكوفونية

للتيار الأمازيغي (الإيديولوجي) ؛ فهما رضيعان من لبن واحد، وهو الحركة

الاستشراقية ذات الأهداف العدوانية على الإسلام والمسلمين؛ ففرنسا بعدما أعياها

البحث عن وسائل مسخ الهوية الإسلامية في البلدان المستعمرة وفق المخطط

الاستشراقي المعروف تاريخياً؛ لجأت إلى سياسة (فرِّق تسد) ، والتي بدأت

بأطروحة الظهير البربري في كل من الجزائر والمغرب، وهي ذاتها تعاليم

الأطروحة التي تمارس على مستوى أطروحة الأمازيغية في بعدها (الإيديولوجي)

لا الواقعي كما قلت.

البيان: إذن؛ هل يمكن الحديث عن علاقة ما بين الظهير البربري الذي

أصدره المقيم الفرنسي العام بالمغرب [**] ، وبين الحركة الأمازيغية في صورتها

الحديثة؟ هل هناك علاقة بين القديم والجديد، أم أن التاريخ لا يعيد نفسه؟

- الدكتور الحسين كنوان: أود أن أسجل قبل إعطاء وجهة نظري بخصوص

هذا السؤال الملاحظات التالية:

أ - لا بد من الاهتمام بجذور المسألة وجواهرها، لا بتجلياتها وأعراضها.

ب - لا ينبغي أن نضع الآخرين في قفص الاتهام دون تحديد المسؤولية في

الظروف التي دفعتهم إلى مثل ذلك السلوك.

ج - في هذا التاريخ الذي ذكرتموه (١٩٣٤م) كان الداعي إلى شق وحدة

الصف بتوظيف الأمازيغية هو المقيم العام الفرنسي ... والآن الذي يخدم هذه

القضية بشكل أو بآخر هم أبناء المغرب، والسؤال الملح والعريض هو: لماذا؟

د - أنجب المغرب أبطالاً ومجاهدين مخلصين من الأمازيغ، حملوا راية

الإسلام لنشره تارة، وحمايته من سطوة الدخيل تارة أخرى؛ فهل انقلبت الأمور،

والسؤال أيضاً: لماذا؟

هـ - أشرتم في سياق هذا السؤال إلى أن الظهير البربري كان يقوم على

نوعين من العزل هما: عزل الإدارة السلطانية ... وعزل الشريعة الإسلامية. لقد

فعل الدخيل ذلك بخبثه إدارياً وجغرافياً؛ لكنه لم يستطع أن يحقق ذلك كل التحقيق

على مستوى القلوب؛ حيث بقي الأمازيغ متشبثين بوحدتهم الوطنية، وبدينهم

الحنيف، وثَمَّ شهادات حية على ذلك لا يسمح المقام بذكرها.

و ألغى ظهيرُ ١٩٥٦م الظهيرَ البربري، ولكنه مع الأسف لم يلغ بعض

مظاهر هذه المرحلة؛ مما يحتج به عند البعض في إطار الحركة الأمازيغية.

أما بخصوص الجواب عن سؤالكم آنف الذكر؛ فإنه يمكن القول باختصار

شديد بأن العلاقة موجودة بشكل أو بآخر بين مضمون الظهير البربري وأهدافه وبين

الحركات الأمازيغية بالشكل الذي تعبر به عن نفسها، مهما كانت التفسيرات المقدمة

لذلك؛ لأنها تخدم القصد بوعي منها أو بدون وعي، وليس هذا من باب اتهام دعاة

الأمازيغية في وطنيتهم ... ولكن فقط لأجل التنبيه إلى عدم سلامة المنطلقات

الأساسية لهذه القضية وأهدافها؛ ولذا يجب على كل من يرفع شعار الأمازيغية لسد

ثغرة تنظيمية يراها؛ أن يتحرى في تحديد الأهداف التي يرمي إليها، والوسائل

التي يستعملها لتخليص الفكرة من شوائب المنطلقات الاستعمارية وأهدافها، وأن

يحتاط من تقديم الخدمات المجانية للغير ضد بلده، وإلا وضع نفسه في قفص الاتهام

طوعاً أمام المغاربة كافة عرباً وأمازيغ.

- الدكتور عبد الرحمن حيسي: لا توجد أي علاقة بين الحركة الأمازيغية

الحديثة وبين الظهير البربري الذي أصدره الاستعمار الفرنسي في ٨ أبريل من سنة

١٩٣٤م؛ فهذا الظهير كما لا يخفى كان هدفه الأساسي هو سلخ الأمازيغ عن دينهم،

والتفريق بينهم وبين إخوانهم العرب لخلق جو من الفوضى والفرقة في الرأي

يضمن لفرنسا الاستمرار في احتلال المغرب، وقد رفض الأمازيغ هذا الظهير

يومئذ وعارضوه بشدة، وأحبطوا كل مخططات المستعمر في تنفيذه. أما الحركة

الأمازيغية الحديثة فليس من أهدافها شيء مما ذُكر، وقد سبق بيان ذلك في

الإجابات السابقة.

- الدكتور محمد سدرة: أنا عندما أتحدث في محاضراتي عن الحركة

الاستشراقية الممهدة للاستعمار الغربي لبلدان العالم الإسلامي أركز دائماً على قضية

أساسية، وهي أن الغرب وإن أخفق في الاحتفاظ بجيوشه في البلاد المستعمرة

وانسحب منها؛ فقد بقيت جيوشه الأخرى في رباطها تؤدي المهام المنوطة بها

أحسن قيام، وقد استطاعت أن تنجح فيما لم تنجح فيه الأسلحة النارية، ومن

ضمنها النعرات القومية والعرقية التي لم تنجح الظهائر في تحقيقها فيما سبق.

- الأستاذ جواد بنامغار: إن الربط بين ظهير التفرقة الاستعماري الفرنسي

وبين الحركة الأمازيغية عند كل حديث عنها أمر تمليه تخوفات كل غيور على

وحدة الشعب المغربي، وتماسكه، وتشبثه بدينه، وقد تجاوز الأمر مجرد التخوف

إلى قلق حقيقي بظهور أصوات من داخل الحركة الأمازيغية تحيي هذا الظهير،

وتتبنى مبادئه، وتنادي بها!!

البيان: ولكن كيف تفسرون إخفاق الظهير البربري في العهد الاستعماري

العسكري، ونجاح التيار الأمازيغي بعد ذلك في عهود الاستقلال، بل في ظل

المغرب الحديث بعد ما يقرب من خمسين سنة من تاريخ إلغاء الظهير البربري

(١٩٥٦م) ؛ وهل هناك خلل وقع للمجتمع المغربي ولتماسكه الوطني والديني؟

أم أن الحركة الأمازيغية جاءت بشيء جديد قَبِلَه بعض المغاربة، وقبلوا بمقتضاه

ما أجمعوا على رفضه بالأمس إجماعاً شاملاً؛ مع العلم أن الحركة الوطنية هي

التي تصدت له آنئذ، لكن بعض رجالاتها اليوم هم الذين يتزعمون التيار الأمازيغي

ويرفعون مقولة: (الاستعمار العربي للمغرب) ؛ فكيف تفسرون ذلك؟

- الدكتور الحسين كنوان: أراكم أخي هنا تتحدثون عن الإخفاق والنجاح:

إخفاق الظهير البربري في العهد الاستعماري ... ونجاح التيار الأمازيغي ... فهل

ثمة إخفاق بالفعل؟ ونجاح محقق؟ أي هل أخفق الظهير البربري الاستعماري فعلاً،

وزالت المؤسسات التي تخدمه على أرض المغرب؟ أم أنه وضع أدواته في حالة

كمون؟ وغيَّر استراتيجيته لما اصطدم بإرادة جيل من المغاربة كانت لهم مواقف

من الأجنبي الدخيل؛ ريثما يهيئ جيلاً آخر من أبناء الرافضين ليتبنى ثقافته،

ويخدم مصالحه، بعد أن صنعه على عينيه؛ لتكون نظرته إلى الكون والحياة هي

نظرته، وترتبط مصالحه بمصالحه، فيقدم له خدمات من حيث يدري أو لا يدري،

وهو يعتقد أنه يحسن صنعاً؟ وماذا حقق التيار الأمازيغي، وشعاراته سياسية أكثر

منها قومية إصلاحية، هل قدم بالفعل برنامجاً إصلاحياً لرفع المعاناة عن المناطق

التي يسكنها الأمازيغ، هل تجاوز فعلا أُمَّ المشاكل عنده؟ يتعلق الأمر بمسألتين:

أولاهما: من يحق له أن يدخل تحت مصطلح (أمازيغ) ؟ وهي التسمية

الأصل، ومن يرضى بالتبعية والفرعية فيسمى باسم المنطقة الجغرافية التي يوجد

فيها: (الريف) ، (سوس) ، ولا ضير في ذلك على كل حال، أو يسمى

بالمصطلح الآخر الذي بدأت تقل فرص استعماله (الشلح) ، وهذا المصطلح يحمل

دلالة قدحية، ولا يُستعمل مع الأسف إلا ليميز سكان المغرب من غير أصل عربي!

وثانيهما: هي معضلة المتن الذي ليس له مرجع مدون يُرجع إليه، وينبغي

العمل على تجاوز هذه المعضلة قبل التفكير في تقعيد القواعد، والسؤال الجوهري

بهذا الخصوص هو: ما هي نسبة المتن المعجمي المتبقية من هذه اللهجة أو تلك من

بين لهجات «تامزيغت» الثلاث؟ وهل يمكن أن تلبي حاجات المتكلم لو صُنع

منها معجم ملفق؟ هل وهل ... ؟ إن رفع الشعارات أمر سهل ميسور على كل من

يريد أن يفعل ذلك، لكن عند التنظير والتنزيل على أرض الواقع يختلف الأمر.

وعليه يمكن القول في النهاية بأنه ليس ثم إخفاق بالنسبة للظهير البربري إن

تأملنا بشيء من التروي أحداث التاريخ. وليس ثم نجاح محقق للأمازيغية بعد، لا

سياسياً ولا ثقافياً؛ لأن شيئاً ما لم يتم بالشكل المطلوب على أرض الواقع.

وبناء عليه؛ فالجواب عن السؤال الجزئي الوارد ضمن عناصر السؤال

السابق هو أن الخلل ليس وليد اليوم، ولا الأمس القريب، وإنما هو خلل تاريخي؛

لأن المغرب منذ الفتح الإسلامي لم يعرف سياسة تربوية شاملة تذيب الحواجز بين

سكانه مع إمكان احتفاظ كل عنصر بما يميزه، إذا ما استثنينا الإسلام الذي يؤمن به

الجميع على تفاوت في ذلك، ويتمثل بناء على ذلك تعاليمه في سلوكه بقدر فهمه

وإيمانه، فيوجد الكل على ذلك الإيمان.

وهذه الفجوة - أي عدم صهر المغاربة تربوياً في بوتقة واحدة تزيل الفوارق

الاجتماعية واللغوية بين الأمازيغ والعرب - هي التي استغلها الاستعمار لإحداث

التفرقة بين المغاربة عن طريق ما يسمى بالظهير البربري. أضف إلى ذلك ما

أصاب المغاربة من خيبة أمل في كثير من مؤملات ما بعد عهد الحماية؛ مما جعل

المحرومين منهم يبحثون لأنفسهم عن متنفس؛ فهذا عن طريق الدعوة الأمازيغية،

وآخر عن طريق المذهب الشيوعي الماركسي، وآخرون عن طريق الهجرات

القانونية وغير القانونية إلى خارج أرض الوطن؛ بما في ذلك ما يسمى في

القاموس الإعلامي المغربي عن الهجرة السرية بـ (قوارب الموت) !

فالخلل إذن تاريخي؛ إلا أن مركباً اجتماعياً وسياسياً سمح لهذه الدعوات وهذه

السلوكات أن تظهر بفعل العوامل المشار إليها سابقاً، وبفعل خفوت نور الإسلام في

القلوب، والذي هو الرابط الوحيد الأوحد بين جميع المغاربة؛ على مستوى الفكر

والواقع، كمنهج سلوكي يتعامل بمقتضى تعاليمه رغم ما يشوب أفهام المتعاملين به

من نقص أحياناً أفقياً وعمودياً.

ولعل عدل الإسلام ونورانية تعاليمه هو ما جعل المغاربة الأمازيغيين يقبلون

بالعنصر العربي أن يشاركهم في استيطان أرض المغرب لأول مرة؛ حيث اعتقادها

بالإسلام ديناً وبالله رباً لا معبود سواه، وبالمصطفى صلى الله عليه وسلم رسولاً

ونبياً. وقد سجلوا هذه المعاني وما يشبهها في أناشيدهم وأهازيجهم التي يرددونها

في شتى المناسبات.

وعليه ليست الحركة الأمازيغية إلا إفرازاً لتلك الظروف والعوامل ضمن

غيرها من الإفرازات، وقد تم الاهتمام بها أكثر من غيرها؛ لأنها لصيقة بالبعد

القومي الذي لا يتأتى لغيرها من الدعوات الموجودة على الساحة اعتماده، ومع ذلك

تبقى الحركة الأمازيغية مجرد شعار إلى أن تحقق للمؤمن بها شيئاً على أرض

الواقع، وإلا تم تجاوزها كما تتجاوز الحركات المعتمدة على الشعارات، وقد ملَّ

المغاربة عموماً والأمازيغ خصوصاً لغة الشعارات التي لا تحقق شيئاً على الواقع؛

وحالة التجارب الحزبية أكبر دليل على ذلك؛ ولذا فالرفض أو القبول رهينان بما

سيترجم من شعارات على أرض الواقع؛ من أعمال إيجابية تحترم فيها المقدسات

والثوابت.

وما ورد في سؤالكم من أن بعض رجالات الحركة الوطنية هم الذين يتزعمون

اليوم التيار الأمازيغي، وهم الذين يرفعون مقولة (الاستعمار العربي للمغرب) ؛

فإنه يمكن القول بأن هذا يدخل في إطار بعض سلوكات السياسيين من عرب

وأمازيغ، وتاريخ المغرب الحديث يحفظ لنا أكثر من دليل على ما وقع بين

السياسيين من مشاحنات خطيرة تتجاوز الأقوال إلى الأسوأ!

- الدكتور عبد الرحمن حيسي: السؤال يربط ضمنياً بين الحركة الأمازيغية

الحديثة والظهير البربري الاستعماري من حيث المبادئ والأهداف، وقد بينت سابقاً

أن لا علاقة بينهما، وإلا فعليكم إثبات العكس بأدلة ملموسة من مقررات ومواثيق

هذه الحركة حتى أصحح معلوماتي.

وكذلك فما جاء في السؤال من وصف الوطنيين الأمازيغ في أيامنا هذه بالتنكر

لقيمهم التاريخية والدينية، ولنضالهم ضد الاستعمار ومحاربتهم للظهير البربري

ورفعهم لشعارات معادية للعرب يحتاج أيضاً إلى دلائل موضوعية وحجج ثابتة؛

حتى تكون الإجابة منطقية ومعقولة ومنصفة.

ولا بد من التأكيد في هذا الصدد على أن كثيراً من المذاهب الفكرية والسياسية

قد تكون لها أحياناً مواقف شاذة ومتطرفة، لكن هذه المواقف لا تمثل أبداً الإرادة

الجماعية والموقف الجماعي لهذه المذاهب.

البيان: عفواً فضيلة الأستاذ المحترم؛ نحن طبعاً لا نتهم جميع الجمعيات

الأمازيغية، ونحترم الاتجاهات الوطنية منها كل الاحترام، ولكنه تواتر عن

بعضها مع الأسف مقولة: (الاستعمار العربي للمغرب) ، والمطالبة بإحياء

الثقافة الأمازيغية القديمة؛ أي أمازيغية ما قبل الفتح الإسلامي، وهي ثقافة وثنية

محضة!

- الأستاذ جواد بنامغار: أرى أن هناك بعداً آخر في الموضوع، وهو أن

الاستعمار العسكري يستفز بطبيعته إرادة المقاومة في الشعوب، ويشعرهم بقيمة

الوحدة والتلاحم، أضف إلى ذلك أن التيار السائد آنذاك هو تيار الوطنية المبني

على أساس ديني سلفي، لكن بعد مرحلة الاستعمار عرفت كثير من البلدان فلسفات

ونظريات وافدة، وتفرقت كثير من الأحزاب على أسس ومرجعيات لا دينية،

إضافة إلى ما أصبحت البلدان الإسلامية ومنها المغرب عرضة له من غزو فكري

وثقافي، وتغريب للنخب من أجل رجوع الاستعمار من النافذة بعدما خرج من الباب،

مع تفريط كثير من الحكومات المتعاقبة في تحصين الأجيال الناشئة، وتربيتها

على أسس متينة من التربية الإسلامية التي تفرقت بها السبل عن سبيل الله، وهذه

كلها عوامل قوية ومساعدة لنجاح أي دعوة أو حركة كيفما كانت، وفي هذا الإطار

يمكن فهم الدعوات المتطرفة في الحركة الأمازيغية التي تعيد إلى الأذهان الظهير

الاستعماري الفرنسي لفصل «البربر» عن الإسلام، والتفريق بينهم وبين العرب.

البيان: ولكن العجيب أيضاً أن التيار الأمازيغي صار مدعوماً من قبل

الشيوعيين المتطرفين؛ خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، بل إن فلولهم هي

التي تملأ الآن صفوف الحركة الأمازيغية! فكيف تفسرون ذلك؟

- الدكتور محمد سدرة: لا غرابة أيضاً في هذا الأمر؛ فالإناء الفارغ كما

يقال توجد فيه القابلية للامتلاء بأي شيء مهما كان نوعه، فهؤلاء الأتباع - الذين

كنت أسميهم دائماً (بالخبزيين) المصلحيين - ديدنهم الثابت هو التصفيق لكل ما

يرون فيه مطية لعداوة الإسلام، وتحقيق طموحاتهم المخبولة، وإن لم يكونوا على

يقين من النتائج، كما يشهد المسار التاريخي للفكر والعقيدة الشيوعية على ذلك.

- الدكتور الحسين كنوان: يمكن أن ندرج ضمن الإجابة عن هذا السؤال

نقاطاً ثلاثاً هي:

أ - تتبنى الشيوعية مقولة الدفاع عن الطبقة الكادحة المحرومة، ولعلها

لاحظت معالم الحرمان في أوساط «إمازيغن» ؛ ولذا وجدت مجالها الخصب في

عقلية بعض المتعلمين من أولئك، فعندما يتحدث الشيوعي المستقطب في أوساط

الشباب عن الفقر والحرمان، ويجعل سبب ذلك هو البورجوازية المستبدة بخيرات

البلاد، وبالخصوص تلك التي تسكن المدن الكبرى ويتوفر لأبنائها من فرص العيش

ما لا يتوفر لغيرهم؛ فإن هذا المتعلم الأمازيغي يرى تجليات تلك الأوصاف منطبقة

على حياته بشكل أو بآخر؛ ولذا لا نستغرب أن نجد بعض هؤلاء قد تمركسوا؛

لأن المناطق التي تسكنها هذه الشريحة الاجتماعية المهمة من أبناء وطننا؛ لم تحظ

بالعناية الاقتصادية والاجتماعية اللازمة.

ويبدو أن لصعوبة التضاريس دوراً في عسر التنمية بالمناطق المذكورة؛ لأن

الأمازيغ يقطنون الجبال والأرياف، عكس غيرهم ممن يكونون متضررين من

نقصان التنمية مثلهم. إلا أن بعض سنوات الخصب، أو قربهم من المدن التي

تتركز فيها الحركة الاقتصادية، أو مرور بعض الطرق المهمة التي تربط قراهم

بالمناطق الاقتصادية؛ قد يخفف عنهم وطأة الحرمان، والآلام إلى حد ما.

ب - يبدو أن هذا العنصر البشري من سكان المغرب «إمازيغن» يحظى

بعناية خاصة لسبب من الأسباب من لدن عدد من دول العالم غير العربية

والإسلامية وهذه الدول استعمارية عسكرياً وفكرياً، أو فكرياً فقط في أغلبها؛ إذ من

المعلوم أن اللغة الأمازيغية تُدرّس في حوالي ست عشرة (١٦) مؤسسة جامعية

موزعة على إحدى عشرة دولة من بينها دولة إفريقية واحدة، أما الباقي فهو موزع

بين دول القارات الثلاث هي: أوروبا (ولها حصة الأسد) ، ثم أمريكا، وآسيا.

ويمكن أن نلاحظ زيادة اهتمام فرنسا صاحبة «الفرنكوفونية» بالأمازيغية

في الدرجة الأولى بأربع مؤسسات جامعية من بين العدد المذكور، تليها أمريكا

بثلاث مؤسسات، وهذا أمر لا يحتاج إلى تعليق. والغريب في الأمر هو غياب تام

لاهتمام الدول العربية والإسلامية بهذا الأمر.

ج - إن الشيوعية ترفض الدين جملة وتفصيلاً، والإنسان الأمازيغي مؤمن

بربه كما تمت الإشارة إلى ذلك محب لوطنه، مستميت في الدفاع عن مقدساته. وقد

سبقت الإشارة إلى أنه أمد في عمر حرية وطنه عشرين عاماً، وهذا ما يفسر

الاهتمام الاستعماري بلغته؛ ومن ثم الاهتمام به نفسه من لدن عدد من دول العالم

وأنظمته ومن ضمنها الشيوعية.

- الأستاذ جواد بنامغار: إن الاندحار الماركسي في العالم الإسلامي، وإخفاق

الشيوعية على الصعيد العالمي بسقوط الاتحاد السوفييتي لا بد أن يؤدي بفلول

الشيوعيين إلى البحث عن مظلات يعملون تحتها، وقنوات يصرفون من خلالها

مبادئهم، ومن بين هذه القنوات «المسألة الأمازيغية» ؛ وذلك لأنها تحقق لهم

بالشكل الذي يتبنونها به أمرين أساسيين:

١ - إذكاء الشقاق والصراع بين مكونات الشعب المغربي، والصراع هو

مفتاح النظرية الشيوعية في توجيه الأحداث وفهم التاريخ.

٢ - محاربة الإسلام، العدو اللدود للشيوعية، والذي اندحرت أمامه فكرياً

وواقعياً، وذلك من خلال محاربة العربية لغته ووسيلة فهمه وتشويه تاريخه،

وإحداث قطيعة بين الأمازيغية والإسلام، وإحياء نعرات عرقية وعصبية وأفكار

جاهلية أماتها الإسلام في هذه البلاد منذ ما يزيد عن أربعة عشر قرناً.

البيان: بالتأكيد يصعب تحديد أهداف حركة اجتماعية ما بدقة؛ خاصة إذا

كانت تتسم بالغموض وتحوي فصائل وتوجهات فكرية وإيديولوجية متعددة.

ولكن لنحاولِ المقاربة؛ ففي نظركم هل يمكن اعتبار أهداف الحركة الأمازيغية إنما

هي لمواجهة الصحوة الإسلامية، أم لتهديد الوحدة الوطنية، أم لهما معاً، أم

هي رد فعل لنزعة القومية العربية، أم لا هذه ولا تلك؟

- الدكتور الحسين كنوان: نبدأ من السؤال الأخير بالترتيب العكسي للإجابة

عن هذه التساؤلات؛ مع استحضار التحفظ السابق المتعلق بعدم تعميم هذا الحكم

على جميع فصائل الحركة الأمازيغية.

فأما السؤال الأخير: «أم لا هذه ولا تلك؟» ؛ فغير وارد في تقديري؛ لأن

الأصابع التي ينبغي أن نفترض وجودها، وأقول هذا مع احترامي لكل الآراء ما لم

تمس الوحدة الوطنية؛ هذه الأصابع موجودة ولو عن طريق الإيحاء، والتوجيه من

بعيد، أو استغلال الحدث وتوظيفه لصالحها بالشكل المناسب، في الوقت المناسب.

وبخصوص السؤال الثاني: الذي هو احتمال رد فعل لنزعة القومية ... إلخ؛

فيمكن القول بأن نسبة من ذلك موجودة، وإن لم نقل إنها سائرة إلى الزوال إذا بقي

الحال على ما هو عليه، فهي ضعيفة جداً عند الأفراد، وهي كلام أكثر منها

تخطيط وإنجاز، وتآزر فعلي في الشدائد عند الهيئات؛ فالأجهزة القومية العربية

شبه معطلة.

ومع ذلك فهذا الجانب وارد عند البعض بنسبةٍ ما، وقد يحركه ويوقظه عامل

عقد مؤتمرات القومية العربية؛ في دولٍ نسبة كبيرة من سكانها أمازيغ؛ دون أن

يعار لهم أي اعتبار، فقد قدر لي أن حضرت إحدى جلسات «مؤتمر القوميين

العرب» بمدينة فاس، وكان الإلحاح من لدن المتدخلين على تثبيت دعائم القومية

العربية؛ مما جعلني أهمس في أذن أحد الإخوة (مازحاً بالطبع) : إن مثلي لا

مكان له في هذا الملتقى؛ لأنه خاص بالقوميين العرب وأنا أمازيغي!

وعليه فالذي يبقى مقصوداً في بؤرة تساؤلاتكم هذه هو الشطر الأول من

سؤالكم بقسميه: محاربة الإسلام الذي حمل أبناء الأمازيغ لواء نشره، أو الدفاع

عنه في أكثر من مناسبة من تاريخ المغرب، مع العمل على شق صف الوحدة

الوطنية؛ لأجل إضعافها كوسيلة لخدمة الهدف الأول، وهو أمر خطط له الدخيل

(الاستعمار) منذ زمان بإحكام، كما سبقت الإشارة إلى ذلك؛ ولذا لا يتوانى في

توظيف أدوات الضغط التي يراها مناسبة في كل زمان.

- الدكتور عبد الرحمن حيسي: الحقيقة أن الأمازيغية كما ذكرت سابقاً ليست

حركة عنصرية، وليس من أهدافها مواجهة الصحوة الإسلامية؛ لأن «الأمازيغ»

سلفاً وخلفاً يدينون بالإسلام، ولا يوجد بينهم من يعتنق غيره، وهو اختيار لن

يرتدوا عنه إن شاء الله أبداً، وتاريخ المغرب القديم والحديث يشهد على ذلك.

وليس من أهداف «الأمازيغ» أيضاً تهديد الوحدة الوطنية؛ لأن دينهم يدعو

إلى الوحدة لا إلى التفرق، وهم يدركون جيداً أن قوة المغرب واستقراره تستلزم

الحفاظ على هذه الوحدة والذود عنها، ولا يوجد في مواثيقهم وتقاريرهم الرسمية ما

يخالف ذلك، أما الهدف الحقيقي لهذه الحركة فهو إحياء التراث الثقافي الأمازيغي

بوصفه إرثاً حضارياً للمغرب ولكل المغاربة، ومن مكونات ذاكرتهم التاريخية،

وأعتقد أن هذا الهدف يعطي لهذه الحركة الحق في الوجود قبل حركات أخرى أكثر

بعداً عن دين المغاربة وقيمهم وثقافتهم؛ كالفرنكوفونية والأنجلوفونية وغيرهما.

- الدكتور محمد سدرة: في اعتقادي أن الحركة هي ردة فعل طبيعية لحركة

القومية العربية الحديثة؛ على غرار ما وقع في البلاد العربية الأخرى، من

فرعونية وقبطية وفينيقية وبابلية ... إلخ. وقد ساهم الاستعمار الأوروبي الغربي

في تغذية هذا الشعور وتحميسه؛ لزيادة الفرقة بين أبناء العالم الإسلامي.

- الأستاذ جواد بنامغار: ومع ذلك؛ فإني أرى أن هناك توجهات معينة داخل

الحركة الأمازيغية؛ هي مع الأسف ترمي إلى التفرقة العرقية، ومحاربة اللغة

العربية، وفصل الأمازيغ عن الإسلام، وتفكيك الوحدة الإسلامية التي انصهر فيها

المغاربة عرباً وأمازيغ ... إن كل هذا يهدد الوحدة الوطنية طبعاً ويهدد الإسلام الذي

هو غاية الصحوة الإسلامية ومقصدها.

البيان: في ضوء ذلك: هل نعد ما تطالب به الحركة الأمازيغية اليوم من

تعليم اللغة الأمازيغية بالمدارس الحكومية والمعاهد الرسمية والتي يبدو أن شيئاً

من ذلك بدأ بالتحقق بالفعل على أرض الواقع، مع الإصرار على المطالبة بالكتابة

بالحرف الأمازيغي القديم دون الحرف العربي؛ هل نعد هذا ظاهرة سلبية أم

إيجابية؟

- الدكتور محمد سدرة: أعتقد أن هذه الظاهرة سيف ذو حدين؛ فهي ولا شك

دعوة خبيثة وإن كانت عند البعض عن حسن نية ستؤدي إلى تقويض اللغة العربية

في أذهان الأمازيغ كما وقع في تركيا (لا قدر الله ذلك) ، وهي من جهة أخرى قد

تنقلب ضداً على إرادة التيار الإلحادي العنصري في الحركة، فتكون وسيلة ناجحة

لتعميق الإسلام والهوية الإسلامية في نفوس الأمازيغ؛ لو نجحت فكرة الكتابة باللغة

الأمازيغية. ولا أظن ذلك ناجحاً.

- الدكتور الحسين كنوان: كان ينبغي أن نفرق منذ البداية بين الأمازيغية

كمعطى تاريخي اجتماعي أصيل على أرض المغرب؛ بجميع ما يحمله من مكونات

ثقافية وحضارية، وبين الحركة الأمازيغية كمفهوم سياسي محض، وإن كانت

تستند في ادعاءاتها إلى التاريخ، وهذا المفهوم الأخير لمصطلح «الأمازيغية» هو

الذي يثير شيئاً من الحساسية عند البعض، ولولا هذه الحساسية لاعتبرت الحركة

كأي حزب سياسي، ولكان من الواجب على المؤسسات التي تمثل المغاربة تأطيراً

أن تطالب بتدريس الأمازيغية في إطار مفهوم ثقافي شامل؛ لأنه لا يعقل أن يجدف

المغرب بجناح واحد في هذا المجال، ولأن اللغة الأمازيغية إن لم تكن لغة المصالح؛

أي لغة العلم نظراً لأسباب تاريخية طبيعية يمكن أن تنطبق على أي لغة من

اللغات الإنسانية التي ضعف أهلها (كما هو حال اللغة العربية في وقتنا الحاضر) ،

فهي لغة المشاعر لدى شريحة اجتماعية لا يستهان بها، أضف إلى ذلك أنها علمياً

على مستوى أسماء الأعلام قد تفيد المؤرخ والجغرافي وعالم الحفريات، وربما

حتى الاجتماعي والسياسي؛ ولذا من الإنصاف للتاريخ أن يطالب المغاربة بإتمام

شخصية ثقافتهم؛ لا أن يترك ذلك لفئة معينة، أو تجنح بها الأهواء، وقصور

الرؤية، فتسيء من حيث كان قصدها الإحسان.

والمغرب منذ بداية التخطيط لعهد الحماية، وهو خاضع بشكل ممنهج للغزو

الفكري واللغوي، بما لا يمت إلى شخصيته بصلة، وإنما بما يمثل الأطماع

الأجنبية إلى درجة أن اللغة العربية التي هي في الدرجة الأولى دستورياً صارت

ثانية على المستوى الفعلي، وربما تصبح في الدرجة الثالثة، ثم الرابعة؛ إذا بقيت

الأمور على ما هي عليه؛ إذ إن كثيراً من المغاربة المحسوبين على العروبة لا

يعرفون اللغة العربية، ومن عرفها منهم لا يحرص على استعمالها في الدرجة

الأولى كتابة ومخاطبة إلا من رحم الله.

وربما لا يرغب البعض الآخر في تعلمها وتعليمها لأبنائهم، وهذا ما يفسر

اكتظاظ مدارس البعثات الثقافية بأبناء طبقة من المغاربة؛ لأن الشعور بالانتماء

الحضاري ضعيف عند هؤلاء، إن لم يكن قد زال تماماً.

في هذا المناخ يحق لمن يطالب بتعليم الأمازيغية أن يفعل ذلك من وجهة

نظري؛ لأنها اللغة التي تسهم في حماية الهوية المغربية - إذ الرجوع إلى الأصل

أصل - لما بدأ التفريط في المقومات التي تجمع المغاربة منذ قرون، وفتح الباب

على مصراعيه لحرية الانتماء الإيديولوجي؛ هنا يكون تدريس الأمازيغية أمراً

واجباً؛ لأنها وحدها المعطى الحضاري الوحيد الذي يحتضن بعض المفاهيم

الأصلية، ولا نحتاج إلى تقديم أدلة على تنامي عدد المعرضين عن العروبة

والإسلام من المغاربة غير الأمازيغ. وعليه يكون هذا المطلب (تدريس الأمازيغية)

إيجابياً باعتبار الحيثيات المذكورة.

أما الإصرار على الكتابة بالحرف الأمازيغي فإنه يمكن القول بقطع النظر عن

الخلفية التي تدفع إلى ذلك بأن الحرف العربي على الحالة التي هو عليها لا يمثل

مخارج أصوات الأمازيغية بالشكل الكيفي المطلوب، ولعل هذا التمثيل قد يتوفر في

الحرف الأمازيغي؛ لأنه موضوع أصلاً لذلك؛ حيث يجمع بين الشكل والنطق في

ذهنية المتعلم.

أما الحرف العربي فإن كان لا بد من استعماله فإنه ينبغي إدخال بعض

التعديلات عليه بإضافة علامات يصطلح عليها لبعض الحروف؛ حتى تمثل أصواتاً

أمازيغية لا وجود لمقابلاتها في الحرف العربي الموجود حالياً.

البيان: كيف تقومون موقف الحركة الإسلامية من اللغة الأمازيغية؟ وكيف

تقومون تعاملها الدعوي معها؟ وذلك باعتبار أن الحركة الإسلامية حركة ذات بعد

حضاري شمولي؛ الأصل فيها أن تكون لها ورقة علمية وتصور معين لكل مسألة

اجتماعية ذات ارتباطات بالوجود التاريخي للوطن، ثم أن يكون - بناء على ذلك -

لها أسلوبها الخاص لمعالجة مثل هذه الملفات؟!

- الدكتور الحسين كنوان: أخي الكريم! يبدو أن سؤالكم هذا في حاجة إلى

شيء من التحوير؛ حتى ينسجم أكثر مع القصد المتبادر إلى الذهن؛ ولذا أقترح

عليكم تعويض جملة «الحركة الإسلامية» بـ «الحركات الإسلامية» ؛ لأنه

ليس ثم وحدة حركية تامة متطابقة في وجهات النظر بين العاملين في الحقل الدعوي

بالمغرب على المستوى الشكلي على الأقل، وإلا لما تعددت التسميات وتنوعت

القيادات.

وقد يكون لأسباب هذا الاختلاف الشكلي أثر في اختلاف وجهات النظر إزاء

هذا الموضوع، والذي حملني على هذا الاقتراح هو قولكم: (وكيف تقومون

تعاملها الدعوي معها؟) ؛ لأن التعامل أوْلى أن يكون مع الذوات منه مع المعاني،

والله أعلم. وحتى لا أكون متعسفاً أجيب عن سؤالكم كما هو، ثم أضيف إجابة عما

يحتمل من القصد المفترض.

إن كان قصدكم هو تقويم موقف الحركة الإسلامية من اللغة الأمازيغية - كما

هو وارد في سؤالكم - فإن الأمر واضح؛ لأن الإسلام رسالة، واللغة أداة تبليغ،

وعليه لا يمكن أن يكون موقف الداعية المسلم من أي لغة إلا موقفاً إيجابياً؛ لأنها

صلة وصل بينه وبين المدعوين، ولعل من شروط صحة كونه داعية في بيئة معينة

أن يعرف لغة القوم المدعوين؛ مصداقاً لقوله تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ

بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ] (إبراهيم: ٤) ؛ وعليه فكل داعية يجهل لغة القوم

المدعوين فضلاً عن أن ينكر عليهم الاهتمام بلغتهم يكون قد أخل بشرط من شروط

صحة كونه مؤهلاً لهذه المهمة في تلك البيئة. وأرى أن الشطر الثاني من سؤالكم

بشكله: (وكيف تقومون تعاملها؟) ... يدخل ضمن هذه الإجابة.

أما إن كان قصدكم كما أراه هو تقويم موقف الحركات الإسلامية من الحركات

الأمازيغية؛ فإن الأمر واضح أيضاً؛ ذلك أن الإسلام ممثلاً في الحركات الإسلامية

(إن كان ممثلاً بالمستوى المطلوب حقاً) ، لا يقبل التجزؤ والتشتت بين أفراد

المجتمع المسلم، بل يقبل التنوع والاختلاف في الجزئيات، في إطار وحدة شاملة

تؤطرها الكليات، وفي هذا الإطار يمكن وصف ما قد يحصل بين الحركتين من

خلاف.

وإن كانت ثمة مواقف متباينة، أو سلوكات من هذا الجانب أو ذاك إزاء

الآخر؛ فإنه يمكن تفسيره بضعف في فهم فقه تنزيل الإسلام على الواقع (إن حدث

من أية جماعة إسلامية) . أو ضيق في أفق الرؤية السياسية (إن وقع من إحدى

الحركات الأمازيغية) .

- الأستاذ جواد بنامغار: أظن أن موقف الحركة الإسلامية من اللغة

الأمازيغية ينطلق - أو هكذا ينبغي أن يكون - من موقف الإسلام نفسه؛ فاختلاف

اللغات آية من آيات الله، وتعليم اللغات وتعلمها من أجل التواصل، ومن أجل

الدعوة إلى الله خاصة وتبليغ رسالته أمر مطلوب؛ مصداقاً لقوله الله عز وجل:

[وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ] (إبراهيم: ٤) . لكن في المقابل

فإن أساس الالتحام ووحدة الأمة هو العقيدة الإسلامية التي تنبذ العرقيات

والعصبيات، وتربط الناس بالله تعالى رب العالمين. والاهتمام باللغة العربية

وإعطاؤها الأولوية عقيدة لا قومية ولا عصبية؛ لأنها هي مفتاح فهم الدين

الإسلامي عقيدة وأحكاماً وأخلاقاً. هذا من حيث المبدأ، أما عملياً فأظن أن الحركة

الإسلامية كفيت هذا النقاش حيناً من الدهر بالموقف التاريخي للأمازيغ أنفسهم الذين

أحبوا العربية لمكانها من الدين، فأقبلوا عليها، وتعلموها، وبرعوا فيها لأجل

فهم الإسلام، والعمل به، وتبليغه.

لكن هذا لا يعفي الآن الحركة الإسلامية - خاصة في ظل المتغيرات الجديدة -

من تركيز الاهتمام باللغة الأمازيغية، بل والمسألة الأمازيغية عامة، وخاصة أن

فئة عريضة من أعضائها أمازيغ، أو من أصول أمازيغية، بل كثير من قيادييها

وعلمائها كذلك. وهذا الاهتمام يجب أن يسير في اتجاهات ثلاثة:

١ - تكوين دعاة ووعاظ قادرين على شرح الإسلام ومبادئه بالأمازيغية؛ لأن

كثيراً من أهالي المناطق الأمازيغية لا يفهمون العربية، أو على الأقل لا يستوعبون

بها استيعابهم بالأمازيغية.

٢ - إقامة أبحاث ودراسات تبين عمق ارتباط الأمازيغ بالإسلام، ولإسهامهم

في الدعوة إليه في مختلف المجالات، والدفاع عنه في شتى المناسبات، وتجلية ما

تنطوي عليه الأمازيغية من مضامين إسلامية عموماً.

٣ - مد جسور التواصل والحوار مع مختلف مكونات الحركة الأمازيغية

لتطويق التطرف، وإزالة الاختلاف المذموم، وإنضاج رؤية للمسألة الأمازيغية

تعترف بالخصوصية، وتتشبث بالوحدة في إطار التنوع والتكامل.

البيان: ما الأخطار في نظركم التي يمكن أن تسببها الحركة الأمازيغية

لمستقبل المغرب الإسلامي؟ طبعاً نتحدث عن التيارات السياسية العنصرية؛ لا

عن الأمازيغية من حيث هي لغة وطنية؟

- الدكتور الحسين كنوان: لقد سبق أن قلت لكم: ينبغي أن نهتم بجواهر

الأمور لا بأعراضها، وفي هذا السياق أقول: أراكم تتحدثون عن الأمازيغية كأنها

غول دخيل يتربص بالمغرب الدوائر، وكأن غيرها من الحركات - وهي دخيلة

فعلاً شكلاً ومضموناً لا يشكل أي خطر على الوحدة الوطنية، وقد سبق أن قلت

أيضاً: عندما لا تحترم مقومات العروبة بالشكل اللائق، وتعلن ممارسات ضد

الإسلام؛ فإن الرجوع إلى الأصل أصل، ونحن نرى على أرض الواقع أن مجال

استعمال اللغة العربية وهي المقوم الأول للعروبة يضيق عند الأفراد والمؤسسات،

وإن سجلنا - بكامل الأسف - أثناء الحديث عن سؤال سابق: الغياب المطلق

لاهتمام العالم الإسلامي عموماً، والعالم العربي خصوصاً بالثقافة الأمازيغية، مقابل

العناية المشبوهة لعدد من الدول الأوروبية، والآسيوية والأمريكية بها، أمام كل هذا،

عندما نقول للأمازيغ: «إن حركتكم هذه تشكل خطراً ما على مستقبل المغرب

الإسلامي» ؛ فإننا نقول له أحد الأمرين:

أولهما: أنك لست مغربياً، ولا حق لك في أن تفكر في هويتك، فكن

فرنكفونياً، أو شيوعياً، أو ما شئت إلا أن تدعي أنك أمازيغي، وكان بالإمكان أن

نختار لك الإسلام الذي لم نلقنك ما يكفي من مبادئه لتشب عليها منذ نعومة أظفارك،

وربما لم تعامل مرة بعدله، ولا شملتك رحمته فيما عشت من حياتك، أو العروبة

المفككة التي لم يعد كثير من أبنائها يحترمون أبسط مظاهر انتمائهم لها، ممن

يوجدون حولك.

ثانيها: ونقول له ثانياً: عليك أن تعطل عقلك، وتبدل إحساسك، وتزكم

ذوقك؛ لتتبع من أهمل أحوالك المادية والمعنوية. إنه والله منطق غير مقبول.

فالأمازيغي مهما كان؛ إنسان مغربي وطني مسلم أصيل، ولن يشكل أي

خطر على مستقبل بلده، نعم من حقه أن يمارس نشاطه السياسي كغيره! فإن ضل

هديناه، وإن أخطأ وجَّهناه، وإن أصاب عضدناه، وإن اشتكى من أننا ظلمناه

أنصفناه.

وأرى أن التنظيمات الأمازيغية كغيرها من التنظيمات السياسية قد تمثل فئة

من المواطنين الذين يتعاطفون معها لسبب أو لآخر، كُلاً أو بعضاً، فقد ينساق

البعض وراء شعارات الأمازيغية كمفهوم عام، ولكن قد يتبرؤون من هذا الادعاء أو

ذاك؛ مما فيه ثقل المسؤولية أو شبه احتمال الإضرار بسمعة البلاد بشكل ما.

وأخيراً فإن الحركة الأمازيغية في تقديري حركة وطنية؛ تسعى إلى البناء لا

إلى الهدم والتخريب؛ حتى يتوقع منها خطر على الوحدة الوطنية في المستقبل؛

لأن هؤلاء أحفاد المجاهدين المؤمنين الصادقين كطارق بن زياد، وعبد الكريم

الخطابي، وموحى أحمو الزياني، وموحى أسعيد، ومحمد الحنصالي، وعسو

أباسلام، وغيرهم كثير ممن خدموا الإسلام وجاهدوا في سبيل الله، ولم يكتب

لأسمائهم أن تظهر على صفحات التاريخ، ولكنهم عند ربهم يرزقون إن شاء الله.

- الدكتور عبد الرحمن حيسي: إذا وجدت النيات الحسنة، وسادت روح

التعاون بين جميع الأطراف الفاعلة في الحقل السياسي والثقافي المغربي؛ فإن

الأمور ستسير سيراً طبيعياً، ولن تأخذ القضية أكثر من حجمها الحقيقي.

ولا بد من التأكيد في هذا السياق على أن وجود الإسلام في المغرب وجود

راسخ ومتجذر في أعماق تاريخه العريق وحضارته الأصلية، وهو اليوم كما كان

بالأمس دين كل المغاربة على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم الثقافية والفكرية؛ منه

يستمدون قوتهم ووحدتهم وعزتهم واستقرارهم، لا يجادل في ذلك ولا يساوم إلا من

سفه عقله، أو كان جاهلاً بواقع المغرب وتاريخه.

وقد تبادر إلى ذهني سؤال وأنا أجيب عن الأسئلة حول «الأمازيغية» ؛

وهو: لماذا لم يحدث مثل هذا التخوف من الشيوعية والعلمانية والفرنكوفونية

والأنجلوفونية وغيرها من التيارات التي لها وجود فعلي في الوسط السياسي

والثقافي المغربي؟!

- الدكتور محمد سدرة: لا أعتقد أن هناك أخطاراً مباشرة من الحركة

الأمازيغية؛ إذ لا أعتبرها تقف على أسس بإمكانها زعزعة الوحدة الوطنية،

وخاصة حول الدين المتغلغل في أعماق المغاربة رغم كل العواصف. ولكن الخطر

الوحيد الذي يمكن أن تكون الأمازيغة طرفاً فيه هو الإحباط المؤدي إلى الاستسلام

والعبثية، خاصة مع الإحباطات السياسية والاجتماعية، على المستوى المحلي

والجهوي والدولي للأمة الإسلامية، وهذا خطر يصيب المغاربة عبر التاريخ

لفترات طويلة، لكنهم ينتفضون منه في الوقت المناسب.

- الأستاذ جواد بنامغار: إن الخطاب المتطرف في الحركة الأمازيغية ينذر لا

قدر الله بمشكلات التفرقة، والتجزئة والانفصال كما آلت كثير من الحركات في

بلدان متعددة من العالم؛ من حركات ثقافية لغوية إلى حركات متطرفة انفصالية.

البيان: ما هو السبيل للعودة بالبلاد إلى سابق عهدها الوحدوي المتماسك

دينياً وسياسياً واجتماعياً ونفسياً؟

- الدكتور عبد الرحمن حيسي: هذا السؤال لا مسوِّغ له؛ لأن المغرب لم

يفقد شيئاً من وحدته الدينية والاجتماعية والنفسية كما ذكر، وما نلاحظه على أرض

الواقع من تعايش واستقرار سياسي واجتماعي ووحدة في الموقف تجاه القضايا

الكبرى والمصيرية للمغرب خير شاهد على ذلك.

- الدكتور الحسين كنوان: نشر عدل الإسلام ورحمته، وتعلم اللغة العربية

لفهمه على أكمل وجه.

- الدكتور محمد سدرة: في تقديري المتواضع، هناك وصفتان لا بديل عنهما:

الأولى دينية: تتمثل في تكثيف عملية التوعية الدينية والحملات الدعوية عبر

شرائح المجتمع، وخاصة الطبقات الشعبية والأمازيغية منها على وجه الخصوص.

وقد دلت قرائن متعددة على دور هذه التوعية في التحام المغاربة وتماسكهم؛ رغم

الأوضاع المزرية التي يعيشونها، وخير مثال على ذلك ما أثارته قضية (مشروع

خطة إدماج المرأة في التنمية) الذي أراد التيار الشيوعي فرضه على المغاربة،

فعبروا بإجماع، عرباً وأمازيغ؛ عن رفضهم ومقاومتهم له، وأولهم النساء.

الثانية اجتماعية: تتمثل في إعادة الثقة إلى الشرائح المحرومة من المجتمع

بالاهتمام بها على مستوى ضمان خبزها اليومي، والعناية بصحتها وتعليمها،

والتواصل معها في همومها اليومية.

- الأستاذ جواد بنامغار: لا شك أن التمسك بالإسلام هو أساس وحدة الشعب

المغربي عبر تاريخه كله، وهو أساس الأخوة والتكامل والتضامن بين جميع أفراده،

لكن هذا المعنى شابته شوائب مختلفة - على مر السنين - أضعفت من قوته

وفاعليته، فلا بد من تكثيف الجهود الدعوية، والتربوية، والعلمية والإعلامية؛

لبناء الإنسان القرآني الذي يجسد الإسلام حقاً على أرض الواقع.

وموازاة مع ذلك لا بد من محاصرة بوادر الخلاف والتفرقة، ومعالجة علل

التدين، والتصدي للجهل بالدين الأساس أو تجاهله، وكذا التصدي لموجات الغزو

الفكري، والإباحية الأخلاقية.

لا بد من مواجهة كل هذا بالدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، وعلى نهج

الحكمة والموعظة الحسنة، والحوار البناء مع كل مخلص غيور، والتعاون مع كل

ذي نية حسنة تكثيراً لسواد الخير وأهله، ومحاصرة لأهل البغي والفساد والإفساد.

ولا بد كذلك من نقد ذاتي صريح، وعلاج شامل متكامل؛ ذلك أن كثيراً من

الظواهر الفكرية والاجتماعية تجد لها عمقاً في الذات؛ فهماً وممارسة وتعاملاً،

وربنا تبارك وتعالى يقول: [إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ]

(الرعد: ١١) .

البيان: نشكر السادة الأساتذة الفضلاء على قبولهم المشاركة في هذا

الحوار العلمي القيم، ونشكرهم كذلك على صبرهم على أسئلتنا، وتفضلهم

بآرائهم في كل ما تعلق بكلماتها، وبما وراء كلماتها.

لقد تبين إذن من خلال حديثكم القيم أن الإسلام هو الوعاء الطبيعي لكل نشاط

ثقافي أو سياسي يرجى له النجاح في علاج مشكلات الأمة، وأن أي شذوذ عن

الإطار الإسلامي إنما هو تحليق خارج سرب الأمة؛ فلا هو يمثلها وإنما هو يمثل

نفسه خاصة، وأن الأمازيغية الحرة ترفض أن يتكلم باسمها الماركسيون اللينينيون،

أو الفرنكوفونيون الاستئصاليون.

وأن أي استغلال علماني لمظلتها إنما مصيره الإخفاق؛ لسبب بسيط هو أنه

مناقضة لسنن الحضارة، وأصول العمران، وقواعد الاجتماع البشري؛ فالمغرب

المعاصر الذي يستمد وجوده من التاريخ إنما كان يوم كان بهذا الدين؛ فقد تشكلت

هويته عبر قرون من التراكم الثقافي والإثني في إطار الإسلام؛ فمنذ الفتح الإسلامي

الذي وقع في القرن الأول الهجري، وهو يتشكل عبر تعاقب الدول والأجيال،

لينتهي في الأخير إلى هذه الصياغة الحضارية التي مزجت بشكل عجيب ودقيق

بين مكونات شتى، فكان هذا البلد كما هو حقيقة: المغرب المسلم! وكذلك هو

الحال بالنسبة لدول الغرب الإسلامي عامة: ليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا.

فليس أحد أقدر على الاضطلاع بمشروع التجديد لثقافته - بمعناها الشمولي - من

طلائع الصحوة الإسلامية، لكن إلى أي حد هي فعلاً على صلة وثيقة بهموم الناس

وبنياتهم الاجتماعية؟ وإلى أي حد هي جادة في دراسة المآلات الاجتماعية

والحضارية لما يقع للأمة اليوم من إعادة تشكيل عولمي؟ تلك أسئلة أخرى، لها

قصة أخرى!


(*) رئيس قسم الدراسات الإسلامية، جامعة المولى إسماعيل، مكناس، ومراسل مجلة البيان، المغرب.
(**) (الظهير البربري) الذي أصدره هنري يونسو بتاريخ ٢٣/١٢/١٣٥٢هـ الموافق ٨/٤/ ١٩٣٤م كان يقوم على عزل مناطق العرف البربري عن الإدارة السلطانية القضائية والتعليمية، وتخصيصها بمحاكم عرفية لا ترجع في أمورها إلى أحكام الإسلام، بل إلى عرف القبائل! وبقي الظهير الاستعماري كذلك حتى ألغاه السلطان محمد الخامس الذي أعلن في مهرجان شعبي عقد بمدينة الخميسات: (أن ما أطلقت عليه فرنسا (مناطق العرف البربري) هي سياسة قد أقبرت وألغيت نهائياً، ولم يبق العمل بها جارياً في المغرب الحر الموحد والمستقل) ، وبدأت بعد ذلك سلسلة من النصوص التشريعية تصدر على التوالي في الجريدة الرسمية، فكان أول ظهير شريف صدر منها هو الظهير رقم ١ - ١ - ٠ - ٥٦ - ١ المؤرخ بـ ٢٤/٧/١٣٧٥هـ، الموافق ٧/٣/١٩٥٦م، وهذا الظهير هو الذي ألغى الظهير البربري.