للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البيان الأدبي

مفاوضة

علي محمد الغريب

(صالة تتوسط ثلاث حجرات ومنافعها.. يرفع الستار فنجد أسرة أبي عطية

المكونة من أبي عطية وأم عطية والابن عطية، قد جلسوا أمام التلفزيون، وقد

انصرف انتباههم لما يعرض على الشاشة، نسمع لغطاً وأصواتاً متداخلة تنبعث من

التلفزيون، ولكننا لا نستطيع تمييزها.

الجميع آخذون أماكنهم، وبيد كل منهم مشروب ساخن.. يُسمع صوت شخير

حاد.. الجميع يصغون للصوت، وينظر بعضهم لبعض) .

أبو عطية: (ينظر إلى زوجته ويتساءل في دهشة) : أنت؟ !

أم عطية: (تهز رأسها بالنفي، وقد عقدت الدهشة لسانها) .

أبو عطية: (لعطية) أنت؟ ! (عطية يهز رأسه نافياً) .

أم عطية: (لأبي عطية) أنت؟

أبو عطية: كيف وأنا مستيقظ يا امرأة؟

أم عطية: ولماذا سألتني مع أنك تعلم أني مستيقظة؟

أبو عطية: زيادة في التأكد من الجائز أن تشخري وأنت مستيقظة.. من

يدري.. ربما!

أم عطية: أنا التي أشخر وأنا مستيقظة، أم أنك الذي تزعجنا بألحانك النشاز

طوال اليوم؟

أبو عطية: (بغضب) أنا يا امرأة؟

أم عطية: (محتدة) نعم أنت.

عطية: (يتدخل) يا جماعة.. يا أبي.. يا أمي.. اهدآ من فضلكما.

أم عطية: ألم تسمع ما قاله أبوك؟

عطية: اهدئي يا أمي، فلا أنت التي تشخرين، ولا هو الذي يشخر.

أبو عطية: إذاً أنت.. لماذا لم تقل ذلك من البداية يا قليل الأدب؟ !

عطية: لا أنا، ولا أنتما يا أبي.

أبو عطية: لا بد أن أحدنا يشخر.

عطية: قلت لا أحد منا، لسبب واضح وهو أننا مستيقظون، فلو أن أحدنا

شخر لاكتشف الاثنان الآخران صوت شخيره، ثم.. أصغيا قليلاً.. هناك شخص

رابع بالشقة يا جماعة.

الاثنان: (مبهوتان) شخص رابع!

عطية: نعم (يمد يده ويطفئ التلفزيون) استمعا جيداً (يصغيان للصوت) .

أم عطية: بسم الله الرحمن الرحيم.. يمكن أن يكون جاناً؟

عطية: لا يا أمي إنه صوت إنسان.. ثم إنه ينبعث من ناحية حجرتَيِ النوم.

أبو عطية: من حجرتَيِ النوم؟ أيهما؟ .. لعلها حجرتك يا عطية (يضحك) .

عطية: من حجرتي؟ هذا احتمال ضعيف، لكنه على الأرجح ينبعث من

حجرتكما.

أبو عطية: وما يدريك يا ملك الفراسة؟

عطية: (يحرك يديه؛ وعيناه في حركة ذات معنى) لأن حجرتكما بها الخزانة

و (الرزم) و.. و.. وصندوق المجوهرات يا أمي.

أم عطية: (تصرخ) كله إلا المجوهرات.

أبو عطية: تقصد أن هذا لص؟

عطية: بالضبط.

أبو عطية: أعوذ بالله منك.. يا ابن أم عطية!

أم عطية: ماذا تقصد يا رجل؟

أبو عطية: لا شيء.. لا شيء.

أم عطية: (مرتبكة) إذاً تحركا.. ألستما رجلين.. أخرجا هذا اللص من بيتنا

(تبكي) مجوهراتي.. يا ويلي!

أبو عطية: لا تنوحي.. فأنت تريدين جنازة تشبعين فيها لطماً.

أم عطية: لن أنوح ولكن تصرّف.. قم إلى هذا اللص وأخرجه من بيتنا.

أبو عطية: ولِمَ أتحمل المخاطرة وحدي.. فربما كان مسلحاً.. لِمَ لا نحاول

إخراجه جميعاً؟

عطية: (ينهض ويتجه نحو الحجرة) لا بد أن نتصرف ونعمل شيئاً يا أبي.

أبو عطية: (خائفاً) ط ط طبعاً.

(عطية ينظر من فرجة في باب الحجرة فيجد اللص نائماً على فراش أبيه

وأمه، يشير لأبيه بيده وعيناه ما زالتا على الفرجة) .

عطية: (ينادي في صوت خفيض) أبي تعال إنه نائم ومستغرق.. لا تخف.

(أبو عطية يتقدم في خوف بينما أم عطية قابعة في مقعدها تضرب كفاً بكف

وهي خائفة) .

أبو عطية: (يحاول أن ينظر من الفرجة) دع.. دعني أنظر إليه.

عطية: (يتنحى عن مكانه) لا تحدث صوتاً لئلا يصحو.

أبو عطية: لا تخف (يضحك ضحكة مكتومة) صندوق مجوهرات أمك في

حضنه (يشير بيده لأم عطية) تعالي لتري مجوهراتك في حضن اللص.. لقد قرر

أن يأخذها.

أم عطية: (تتقدم نحوهما وهي منزعجة) مجوهراتي.. أخذ مجوهراتي؟ !

أبو عطية: نعم تعالي وانظري بنفسك (يخلي لها المكان) .

أم عطية: (تنظر من الفرجة) مجوهراتي! ! ربنا ينتقم من الظالم.. ولكن

انظر إلى (الرزم) التي إلى جواره.. لقد فتح الخزانة واستولى على ما فيها.

أبو عطية: (منزعجاً) لا لم يحصل إلا على مجوهراتك فقط.

أم عطية: بل إنه فتح الخزانة وأخرج ما فيها.. امسح نظارتك لترى بنفسك.

أبو عطية: (ينظر من فرجة الباب) صحيح.. آه ... يا لك من مجرم!

أم عطية: وماذا سنفعل الآن؟

أبو عطية: لنفكر!

عطية: (متحمساً) الأمر لا يحتاج إلى تفكير.. لا بد أن نقتحم عليه الحجرة،

ثم نسترد مالنا ومجوهراتنا ونسلمه للشرطة.

أبو عطية: وإذا استيقظ وقتلنا جميعاً؟

عطية: لن يستطيع؛ لأننا أصحاب الحق.. لو استيقظ من نومه ورآنا فجأة

أمام عينيه لمات من الرعب.

أبو عطية: أنت ما زلت صغيراً وطائشاً.. دعنا نفكر في حل أحسن من هذا

الكلام الفارغ.

أم عطية: اسمع كلام أبيك يا عطية.

عطية: نحن أصحاب الحق.

أبو عطية: لو نظرت من الفرجة جيداً، لرأيت أمارات الشر بادية على

وجهه.. ثم انظر لهذا السكين الكبير الملقى إلى جواره (يشير بيده في خوف) لو

استيقظ وأمسكها لقضى علينا.

عطية: سأقتحم الحجرة، ولا عليكما (يهم بوضع يده على المزلاج فتمسكه

أمه) .

أم عطية: (في رجاء) أرجوك يا عطية.. اسمع كلام أبيك.. إنني أخشى

عليك منه يا بني.

عطية: (مغيظاً) يعني أن نقف نتفرج عليه وهو يغط في نومه في فراشنا وقد

سرق مالنا؟ لا.. لا يمكن أبداً.

أبو عطية: (يعنفه وهو خافض صوته) دعك من هذه العنتريات.. بلا خيبة.. دعنا نفكر في حل.. الوقت يمضي، واللص إذا أخذ كفايته من النوم استيقظ

وقتلنا، ثم يأخذ مالنا ومجوهراتنا ويرحل (لأم عطية في نبرة ذات مغزى)

مجوهراتنا.. هيه.. مجوهراتنا يا أم عطية.. أليس كذلك؟

أم عطية: (خائفة) بلى.. بلى يا أبا عطية مجوهراتنا جميعاً.

أبو عطية: إذاً دعونا نفكر في حل (يتجه ناحية المقاعد ثم يجلس) .

أم عطية: (تجذب عطية المتسمر في مكانه من يده) تعال.. تعال يا عطية

(يجلسون جميعاً) .

عطية: (يحمل ذقنه على راحتيه) هيه.. تفضلا.. هاتا ما عندكما من أفكار.

أبو عطية: لا تجلس لنا هكذا كالقرد.. ولا تعقد الأمور.. استرخِِ، استرخِِ

حتى نتوصل لحل.

عطية: (يتصنع الاسترخاء ويرسم ابتسامة على وجهه) هأنذا قد استرخيت.

أبو عطية: أحسنت.. لنفكر إذاً (لحظة صمت قصيرة) اسمعوا لقد وجدت

مخرجاً من هذه الورطة.

أم عطية: (متلهفة) خيراً يا أبا عطية.. قل ما هو بسرعة.

أبو عطية: سنقوم بعمل معاهدة مع هذا اللص لنخرج من هذا المأزق بأقل

الخسائر.

عطية: (يضحك رغماً عنه) رائع.. ثم نسميها معاهدة (كامب) أبو عطية.

أبو عطية: (يوبخه) تمزح.. تمزح يا فالح.. هل هذا وقته؟

أم عطية: أنت غلطان يا عطية.. اعتذر لأبيك.

عطية: أنا آسف.

أبو عطية: (يتابع) سنكتب لهذا اللص رسالة، نخبره أننا سنتنازل له عن

جزء من مالنا مقابل السلام، وليكن هذا الجزء من المجوهرات مثلاً.

أم عطية: ولِمَ لا يكون من النقود؟

أبو عطية: نحن نريد أن نحل الموقف بسلام، ثم لا فرق بين المجوهرات

والنقود، ألم تعترفي منذ قليل أن المجوهرات مجوهراتنا جميعاً؟

أم عطية: بـ بـ بلى، ولكن هذا ظلم.

أبو عطية: هذه هي الطريقة الوحيدة.

أم عطية: ولِمَ لا تكون من النقود والمجوهرات معاً؟

أبو عطية: هذااقتراح وجيه (يسحب ورقة وقلماً من فوق المنضدة ويبدأ في

كتابة الرسالة.. الجميع مشغولون بالرسالة.. يخرج اللص حاملاً المجوهرات

والنقود ويمر بهم في طريقه للخروج فيلمحونه) .

أبو عطية: (صائحاً) انتظر.. انتظر يا هذا.. لقد أوشكنا على الانتهاء من

صياغة المعاهدة.. لا تتعجل يا رجل (يخرج اللص) .

عطية: (في غيظ) قلت لكما لا بد من مواجهته (يخرج مندفعاً خلف اللص) .

أبو عطية: أرأيت ما سيفعله ابنكِ بتهور.. اجلسي لنراجع نص الرسالة قبل

أن يفر اللص.

ستار،،،