[تهديد الوهابين الأمريكيين]
عبد الله بن إبراهيم المسفر
مقال نشر في (سان فرانسيسكو إجزامنر) ١١ نوفمبر ٢٠٠٢م، وفي (ديترويت نيوز) ٢٦ نوفمبر ٢٠٠٢م، وفي (ذي مسلم أوبزفر) .
لقد أصبحت مأساة ١١ سبتمبر ٢٠٠١م الآن فرصة للمشاريع الاستثمارية السياسية. هناك أناس أكثر فأكثر يستخدمونها لتحقيق التقدم للمصالح الطائفية التي غالباً ما تختلف مع المصالح القومية الأمريكية.
وهناك مجموعة واحدة وهي (مجموعة من يسمونهم بالوهابيين الأمريكيين؛ والأصح أن يسموا بالمتعصبين الأمريكيين) تستخدم أكثر من غيرها أحداث ١١ سبتمبر لتنفيذ سياستها المتطرفة بروح الانتقام.
إن كلمة (وهابي) في زعمهم تقدم تعريفاً لشكل أساسي للتفسير الضيق والمتعصب للإسلام.
ويتسم أولئك الأمريكيون المزعومون بما يلي:
١ - معارضة الحقوق المدنية والعدالة بالنسبة للنساء والأقليات الأخرى.
٢ - يعادون العلمانية، ويؤيدون فرض الدين على الآخرين بالقوة.
٣ - لا يتسامحون على الإطلاق مع الآخرين الذين لا يشاطرونهم معتقداتهم الدينية نفسها.
هؤلاء (الوهابيون) المزعومون؛ وبسبب نظرتهم غير المتسامحة وحساسيتهم تجاه قيم التحرر ومؤسسات التحرر ينغمسون على الدوام في (لاهوتية الكراهية) (١) .
ولسوء الحظ فإن هناك مجموعة مماثلة للمتطرفين الدينيين المتعصبين في أمريكا تقوم بنسف الشخصية العلمانية لأمريكا، وتقلب رأساً على عقب رسالة السلام للنصرانية، وتقوم بتلويث البيئة الثقافية الاجتماعية في أمريكا. هؤلاء (الوهابيون الأمريكيون) مثلهم في ذلك مثل نظرائهم المسلمين؛ لا يتسامحون مع الشذوذ الجنسي، ولا مع الحركة النسائية، ولا مع الحقوق المدنية؛ كما أنهم لا يؤمنون بفصل الدين عن الدولة، ويكرهون أتباع الديانات الأخرى! هناك ثلاثة من أبرز القساوسة وأقواهم هم: (جيري فالويل) ، (بات روبرتسون) و (فرانكلين جراهام) يمثلون الوهابيين الأمريكيين من خلال الكلمات والخطب التي يلقونها.
قد يتذكر القارئ أنه في أعقاب ١١/٩ مباشرة وجه (القس جيري فالويل) اللوم إلى مؤيدي الإجهاض والشذوذ الجنسي والحقوق المدنية؛ لأن هؤلاء قد أغضبوا الله بأفعالهم؛ مما تسبب في حدوث هجمات ١١ سبتمبر. لكنه اعتذر فيما بعد عمّا ورد في بياناته عندما اعترضت كافة الأطياف السياسية على ما قاله، بمن في ذلك الرئيس الذي وصف تعليقات (فالويل) بأنها: «غير مناسبة» كان بيان (فالويل) يخلو من الحياء، ويقدم مثالاً لا يتسم بأي حساسية لانتهازيته السياسية التي لم تسعَ فقط إلى تسييس مأساة (١١/٩) ؛ ولكنها سعت إلى إثارة الكراهية ضد الجماعات التي يستهدفها (فالويل) وأتباعه على الدوام. وإذا لم يكن (فالويل) قد جُوبه بقوة من جانب كل من عناهم؛ فإن حملته الصليبية ضد الحقوق المدنية ومن يمارسون الشذوذ الجنسي كان يمكنها أن تجد وقوداً لها في استغلال العواطف المرتبطة بـ (١١/٩) وبالتالي تكسب زخماً أكثر.
خلال الأسابيع القليلة الماضية شن (الوهابيون الأمريكيون) حملة خطابية على الإسلام ورموزه الدينية، غير مدركين للكراهية التي يثيرونها ضد المسلمين في أمريكا، فضلاً عن المشاعر التي يثيرونها ضد أمريكا في العالم الإسلامي.
لقد وصف كل من (القس فالويل) و (القس روبرتسون) نبي الإسلام بأنه، (إرهابي) وقالا: إن الإسلام وتعاليمه يمثلان مصدر العنف. وأعلن (القس فرانكلين جراهام) أن الإسلام وتعاليمه شريرة وخبيثة. وقد تبادلا فيما بينهما أدوار الخطابة لزرع الكراهية للإسلام والمسلمين خلال الشهور الثلاثة الأخيرة. إن رفض القيادة الأمريكية، وبخاصة رئيس الجمهورية، وضع حد لما يقومون به قد قوَّى من عزيمتهم، وبالتالي رفع مستويات فلسفة الكراهية لديهم التي يدعون إليها.
لقد أثارت تعليقاتهم الغضب بين المسلمين على مستوى العالم، بما في ذلك الاضطرابات الدينية في الهند التي أدت إلى مصرع خمسة أشخاص. وكانت ردود أفعال العديد من الباكستانيين تتسم بالغضب، وقد عبروا عن رفضهم لذلك بالتصويت بقوة لصالح من يؤيد طالبان وضد التحالف الأمريكي في الانتخابات الأخيرة في باكستان. إن المشكلة مع من يدعونهم بـ (الوهابيين الأمريكيين) لا تكمن فقط في أفكارهم وفي صناعة الكراهية التي يمارسونها؛ لكنها تكمن في أنّ لديهم العديد من الموالين المؤثرين على نتائج الانتخابات؛ وبسبب أصواتهم وقدرتهم على جمع الأموال؛ فإنهم يمارسون قدراً كبيراً من النفوذ، وبشكل مباشر على الكونجرس الأمريكي وعلى الرئيس، يفوق ما يمكن أن يمارسه العلماء في الدول الإسلامية المحافظة من نفوذ. وفضلاً عن ذلك فإن هناك علاقة وثيقة بين الرئيس نفسه والقس (فرانكلين جراهام) وأعضاء آخرين في الإدارة مثل وزير العدل (أشكروفت) وهي علاقة تثير قلاقل شديدة. فهل من قبيل المصادفة أن تكون أول جماعة مستفيدة مالياً من توجه (جورج بوش) الفعلي لتأييد تمويل البرامج المستندة إلى الدين هي جماعة (القس بات روبرتسون) ؟! هل من الممكن أن يكون الهدف الرئيسي للمبادرة الفيدرالية لدعم البرامج المستندة إلى الدين؛ هو تمكين أولئك المتعصبين الأمريكيين من دمج برامجهم ضمن برامج الحكومة الفيدرالية؟
وأهداف هؤلاء المتعصبين تعود لتفعيل النبوءة الزائفة الخاصة بـ (صِدام الحضارات) .
يبدو أن محور الكراهية الأمريكي الذي يضم كل من (فالويل، وروبرتسون، وجراهام) من خلال تكرارهم للتعليقات المسيئة للإسلام والمثيرة للكراهية له وللنبي محمد، مقصود بها إشعال معركة (أرماجيدون) بين أمريكا والعالم الإسلامي.
عندما أحدث (إيجال عمير) هزة في العالم الغربي باغتياله لرئيس الوزراء الصهيوني (إسحاق رابين) ؛ أكدت القيادة الأمريكية ووسائل الإعلام الأمريكية بشكل متكرر: أن العنف كان هو النتيجة الطبيعية للبيانات التي تحث على الكراهية، لقد كانت كلها تشير إلى بيئة عدم التسامح التي أوجدها الصهاينة من خلال المتعصبين الدينيين اليهود الذين كانوا يعارضون السلام. لقد أدت تعليقاتهم المنطوية على الكراهية في النهاية إلى إثارة أحد المتطرفين اليهود وهو (إيجال عمير) ليقوم باغتيال (رابين) . ويبدو أننا قد نسينا بسرعة هذا الدرس القاسي وذكريات حادث اغتيال (رابين) رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق.
إن المسألة مسألة وقت؛ فعندما تتكرر البيانات المناهضة للمسلمين والبيانات المناهضة للإسلام من قِبَل مَنْ يدعون إلى الكراهية في أمريكا؛ فإن ذلك سوف يترتب عليه شكلٌ مَّا من أشكال العنف الفظيع ضد المسلمين، وهناك حالات حدثت بالفعل من هذا القبيل؛ حيث قامت شرطة كاليفورنيا بالقبض على مسلحين بأسلحة ثقيلة يحتمل أن يكونوا إرهابيين يخططون للقيام بحملة تفجيرات ضد المسلمين، ويبدو أن القيادة الأمريكية، وبخاصة الرئيس الحالي، ينتظر حتى يحدث شيئاً فظيعاً قبل أن يوجه اللوم إلى القساوسة (فالويل) و (روبرتسون) و (جراهام) على «تعليقاتهم غير الصحيحة وغير المناسبة» .
نحن نعيش في زمن حساس للغاية، فعدم شعور الناس بالأمان في تصاعد شديد، كما أن قدرتهم على المعاناة من الألم والتعصب والظلم يتم اختبارها بكل قسوة. إننا نواجه إمكانية اشتعال حرب عالمية بين أمريكا والعالم الإسلامي؛ والسبب الأساسي لهذه الحرب ـ لا سمح الله - لن يكون البترول، ولا الأجور الجيوساسية، ولا تغيير الأنظمة؛ لكن السبب سوف يكون الخطب المثيرة للكراهية التي لا يمكن السماح بها، والتي يلقيها المتعصبون الدينيون الذين يخلطون بين التقوى الذاتية والتقوى المصحوبة بإسباغ صفة الشيطان على الآخرين باسم الدين.
منذ (١١/٩) شجب العديد من الأمريكيين، بمن فيهم المؤلف، وأدان تطرف الوهابيين المسلمين. لقد آن الأوان ليقوم الرئيس (بوش) بالإجراء الصحيح، وأن يشجب الكراهية التي يبشر بها المتعصبون الأمريكيون.
(١) اللاهوت: هو علم العقائد الدينية والقضايا الإلهية، واللاهوتي: العالم في القضايا الدينية. (انظر: قاموس رائد الطلاب) للاستاذ جبران مسعود، من منشورات دار العلم للملايين، بيروت، والمؤلف عالم نحوي عربي من نصارى لبنان.